التأثيرالنفسى لفن التمثيل المنهجى (Method Acting)
يتطلب التمثيل سواء على المسرح أو الشاشة، الكثير من الجهد النفسى والعقلى من الممثلين. فى هذة المقالة تكشف "كارلا ديلجادو"، ما يحدث فى الدماغ عندما يندمج الممثل تمامًا فى دور ما.
فن التمثيل، وخاصة التمثيل المنهجى، يتطلب من الممثلين أن يعيشوا داخل حياة الشخصيات التى يؤدونها بشكل كامل، مما قد يكون له تأثيرات عميقة على صحتهم النفسية. عندما ينغمس الممثل تماماً فى دور ما، فإنه لا يقوم فقط بلعب شخصية مختلفة، بل إنه يعيش تجاربها العاطفية والذهنية. هذا الانغماس الكامل يمكن أن يؤدى إلى تغيرات فى نشاط الدماغ، خاصة فى المناطق المسؤولة عن المعالجة الذاتية، مثل القشرة الأمامية الجبهية.
تشير الدراسات إلى أن الممثلين الذين يمارسون أسلوب التمثيل المنهجى قد يعانون من الإخفاء القسرى لذواتهم الحقيقية أثناء أداء الأدوار، مما قد يؤدى إلى صعوبات فى العودة إلى واقعهم الشخصى بعد انتهاء التمثيل.
هذا الانفصال المؤقت عن الذات يمكن أن يكون له آثار نفسية طويلة المدى، خاصة إذا استمر الممثل فى اداء الدور لفترة طويلة.
فعلى سبيل المثال، واجه بعض الممثلين المشهورين، مثل "مايكل بى جوردان" و"أوستن بتلر"، صعوبات فى التخلص من شخصياتهم بعد انتهاء التصوير.
ومثل هذه التجارب تبرز أهمية فهم الآثار النفسية للتمثيل العميق، والحاجة إلى مزيد من الأبحاث لفهم كيفية تأثير الأدوار على الصحة العقلية للممثلين.
فى النهاية، رغم أن التمثيل المنهجى يعد أداة قوية لخلق أدوات واقعية ومؤثرة، إلا أنه يأتى أيضاً مع تحديات نفسية كبيرة.
يمكن لفهم هذه الآليات العصبية والنفسية أن يساعد فى تطوير طرق أفضل لدعم الممثلين أثناء وبعد أداء الأدوار النفسية الشديدة.
لا شك فى أن فن المسرح يُعتبر أحد أقدم أشكال الترفيه الموجودة. وحتى الآن، لا يزال الجمهور يستمتع بالتجمع فى المسارح، والمدرجات المفتوحة، ودور السينما المتعددة، لمشاهدة الأعمال الفنية.
مثل هذه الأعمال لم تكن لتصبح ممكنة لولا الممثلين الذين يلعبون أدوارًا مختلفة لسرد الحكايات.
التمثيل هو أكثر بكثير من مجرد التظاهر بأنك شخص آخر.
واستخدم تقنيات مثل التمثيل المنهجى (method acting) تعد عملية معقدة، حيث تتطلب من الممثل أن يقوم بتجسيد شخصية أخرى بشكل كامل، بما فى ذلك دواخلها، مشاعرها، دوافعها، وسلوكياتها.
نظرًا لمتطلبات هذا النوع من التمثيل، دعونا الآن نلقى نظرة على الآليات العصبية التى تحدث عند التحول إلى شخصية ما.
لا تزال الطرق المعرفية المعقدة والعمليات العاطفية المرتبطة بالتمثيل غير مفهومة بشكل كافٍ من قبل العلم: حيث تناول عدد قليل من دراسات علم الأعصاب ما يحدث عند تحول الممثل إلى شخصية أخرى.
لكن بعض الأبحاث الحديثة بدأت تغير هذا الواقع.
فى عام 2019، نشرت دراسة فى مجلة "Royal Society Open Science" حول المناطق داخل الدماغ التى يتم تنشيطها عندما يتبنى الممثلون هذا الأسلوب المنهجى أثناء لعب الأدوار الدرامية.
طلب الباحثون من المشاركين، الذين كانوا داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسى، الرد على سلسلة من الأسئلة الافتراضية سواء كأنفسهم أو كشخصياتهم التمثيلية.
ووجدوا أن نشاط الدماغ لدى الممثلين فى المناطق المرتبطة بالمعالجة الذاتية — مثل القشرة الأمامية الجبهية الظهرية والبطينية — كان أقل عند الرد كشخصية تمثيلية مقارنة بالرد كأنفسهم. وفسر الباحثون هذه التغيرات الدماغية على أنها قمع قسرى للذات.
يشير هذا إلى أن التمثيل، هو إلى حد ما، نوع من قمع الذات.
يقول "ستيفن براون"، عالم الإدراك فى "جامعة ماكماستر" فى كندا، والذى شارك فى الدراسة عام 2019: "فنون المسرح فريدة من نوعها حيث يتعين على الممثلين اعتبار أنفسهم أشخاص آخرين وليسوا هم فى الواقع.
يمارس لأطفال من جميع الثقافات اللعب التخيلى، مما يجعل الخيال التمثيلى خطوة تطورية مهمة فى التنشئة الاجتماعية."
أظهرت دراسة أحدث أيضًا أن ممثلى المسرح قد يقمعون شعورهم بالذات عند التمثيل.
فى دراسة صغيرة عام 2022 نُشرت فى مجلة "Journal of Cognitive Neuroscience"، استخدم الباحثون تقنيات تصوير الدماغ القابلة للارتداء لتسجيل نشاط دماغ الممثلين أثناء أداء دور ما. عادةً ما يتم تنشيط القشرة الأمامية الجبهية عندما يُنادى الفرد باسمه، ولكن عندما سمع الممثلون أسماءهم الحقيقية أثناء الأداء، لم تكن استجابتهم قوية كما هى فى الوضع الطبيعة.
من الواضح أن تجسيد شخصية ما واستحضار مشاعر واقعية لسرد قصتها، سواء على خشبة المسرح أو فى موقع تصوير فيلم، يمكنه أحياناً أن يخلط ما بين تلك الحدود.
يمكن للشخصيات أن "تسيطر" على ذات الممثل وتجعلهم يفعلون أو يقولون أشياء لا يفعلونها عادةً. وفى الوقت نفسه، وجدت مراجعة أدبية عام 2019 أن إزالة الحدود بين الممثل والشخصية قد يؤدى إلى تغيير فى الشخصية أو حتى إلى نوع من الانفصال عن الواقع.
تقول "دوانيكا جريفز"، عالمة الأعصاب الإدراكية فى جامعة كوليدج لندن، والتى شاركت فى دراسة عام 2022: "تم الإبلاغ فى وسائل الإعلام أن تقنيات التمثيل مثل التمثيل المنهجى يمكن أن يكون لها تأثيرات شديدة على الصحة العقلية للممثل."
عندما يغوص الممثل بعمق فى دور ما، خاصة لفترة طويلة، قد يجد صعوبة فى التخلص من الشخصية. بعد تصوير فيلم "بلاك بانثر"، واجه "مايكل بى جوردان" صعوبة فى الخروج من عقلية شخصية الشرير "إيريك كيلمنجر". كما عانت "ليدى جاجا" من بعض "الصعوبات النفسية" فى نهاية تصوير فيلم "هاوس أوف جوتشى". كما اعترف "أوستن بتلر" بأنه فقد الاتصال بشخصيته الحقيقية بعد أداء دور ملك الروك أند رول فى فيلم "إلفيس" للمخرج "باز لورمان".
حاليًا، لا تزال هناك فجوة كبيرة فى الأبحاث المتعلقة بالآثار النفسية للتمثيل. هناك حاجة إلى دراسات موسعة حول علم الأعصاب المرتبط بالتمثيل لاستكشاف هذا الموضوع بشكل أعمق، وفهم ما يحدث عندما يتحول الممثلون من أدوارهم ويعودون إلى ذواتهم.
قد تكون هناك درجات مختلفة لتأثير الشخصية على الذات، وهو ما تواصل جريفز التحقيق فيه. وتضيف: "أفترض أن أسلوب تدريب الممثل سيؤثر على المسافة التي يخلقها الممثل بين نفسه وشخصيته. هذه المسافة ستحدد ما إذا كانت هناك تأثيرات طويلة أو قصيرة المدى على الشعور بالذات."■
تعليقات
تذكر آخر لقطة لعينيه في فيلم معالي الوزير و آخر لقطة لفيلم البريء لن تري احمد زكي لكنك ستري الوزير الفاسد بكل شروره و احمد سبع الليل بكل براءته