هل الذكاء العاطفى (EQ) أهم أم الذكاء العقلى (IQ)؟
تأخذنا "جولى باسيت" فى هذا المقال فى رحلة تبحث فيها كيف أن الذكاء العاطفى يعد عاملًا مهمًا لتحقيق النجاح فى الحياة، وتشرح لنا ما هو الذكاء العاطفى؟ وكيف يمكننا تطويره؟
غالبًا ما نفكر فى الذكاء من حيث كونه "ذكاءً"، أى أن تكون متفوقاً أكاديميًا فى الدراسة، أو فى اختبار الذكاء (IQ).
ولكن ماذا لو كان الشكل الأكثر أهمية للذكاء ليس قدرتنا على اكتساب المعرفة وتطبيقها، بل فى الطريقة التى نكون بها واعين ومتحكمين في مشاعرنا؟
الذكاء العاطفى (EI) ليس شيئًا نتعلمه فى المدرسة، ومع ذلك يمكنه أن يؤثر بشكل كبير على حياتنا وعلاقاتنا الشخصية. هناك مقالة بعنوان "نموذج جديد عن الذكاء العاطفى"، تعرف الذكاء العاطفى بأنه "يركز على الشخصية وعلى التحكم الذاتى، كالقدرة على مقاومة الملذات، وتحمل الإحباطات، وتنمية الدوافع".
يزداد اهتمام الباحثين بهذا المجال، وتسعى العديد من الدراسات إلى كشف أسرار ذكائنا العاطفى وأهميته لجودة الحياة.
وهو ليس مفهومًا جديدًا، فقد كتب عنه "أرسطو" منذ ما يقرب من ٢٠٠٠ عام:
"يمكن لأى شخص أن يغضب – هذا سهل. ولكن أن تغضب من الشخص المناسب، بالدرجة المناسبة، فى الوقت المناسب، وللغرض الصحيح، وبالطريقة الصحيحة – هذا ليس سهلًا."
يُجادل بعض الخبراء بأنه عندما يتعلق الأمر بالنجاح فى الحياة، فإن الذكاء العاطفى، (EQ)، هو أكثر أهمية من الذكاء العقلى (IQ).
من أشهر من تناول هذا الموضوع "دانيال جولمان"، الذى يُعتبر كتابه الصادر عام ١٩٩٥ بعنوان "الذكاء العاطفى: لماذا هو أهم من الذكاء العقلى" من أكثر الأعمال شمولية فى فهم الذكاء العاطفى.
يقول "جولمان": "لقد بالغنا فى قيمة وأهمية الجانب العقلانى البحت – أى ما يقيسه اختبار الذكاء (IQ) – فى حين أنه من الممكن أن يصبح هذا الذكاء بلا فائدة عندما يخضع للعواطف."
لذا، فالذكاء العاطفى يلعب دورًا كبيرًا.
إنه القدرة على التحكم فى المشاعر وكيفية التعبير عنها، والقدرة على فهم مشاعر الآخرين والاستجابة لها، وهو ما يؤدى فى النهاية للنجاح فى الأمور الشخصية والاجتماعية والمهنية.
ولا داعى للقلق إذا لم تمتلك هذه المهارات؛ فمن الممكن تحسين وتطوير الذكاء العاطفى.
علامات وفوائد امتلاك الذكاء العاطفى:
كيف تعرف انك تمتلك الذكاء العاطفى؟
هناك العديد من الاختبارات المتاحة عبر الإنترنت، ولكن يجب التعامل معها بحذر.
كما أن علماء النفس يمتلكون وسائل اختبار أكثر عمقًا يمكنها تحديد مستوى الذكاء العاطفى لدى الشخص.
لقد أصبح من الشائع اليوم أن يستخدم مديرو التوظيف بعض أشكال اختبارات الذكاء العاطفى لتقييم المرشحين لوظيفة ما، وذلك لتحديد الأشخاص الذين يمكنهم المساهمة بشكل فعّال فى بيئة الفريق والتعامل بشكل جيد تحت الضغط.
هناك بعض العلامات التى تدل على امتلاك الشخص الذكاء العاطفى.
وحسب نظرية "دانيال جولمان" يمكن تلخيص مكونات للذكاء العاطفى
كالاتى:
- المستوى الجيد من الوعى الذاتى، معرفة نقاط القوة والضعف لديك.
- القدرة على الاعتراف بالأخطاء وتحمل المسؤولية عنها.
- عدم التوقف عند أخطاء الماضى والتمكن من تجاوزها.
- القدرة على شرح ووصف ما يشعر به الآخرون من حولك.
- مستوى عالٍ من التعاطف مع الآخرين.
- القدرة على التحكم في المشاعر وإدارتها، حتى فى المواقف الصعبة.
- الثقة بالنفس وتقبل الذات كما هى.
- امتلاك حس الفضول تجاه الآخرين وتجاه العالم .
- القدرة على تقبل التغييرات فى الحياة.
امتلاك هذه الصفات لا يعزز فقط العلاقات الشخصية والمهنية، بل يمكن أن يساهم أيضًا فى تحسين الصحة العقلية والعاطفية.
االذكاء العاطفى ليس مهارة جامدة، بل يمكن تطويره وتحسينه مع الوقت والممارسة.
قد تمتلك بعض هذه الصفات السابقة، أو لا تمتلك أى منها، أو ربما تمتلكها كلها، وهذا يمكن ان يكون مؤشر مستوى ذكائك العاطفى.
عند النظر إلى هذه المكونات، قد تشعر أنك قوى فى بعض الجوانب وأقل قوة فى جوانب أخرى، وهو ما يتطلب بدوره درجة من الوعى الذاتى لفهم هذه الجوانب عن نفسك.
هناك فوائد عديدة لامتلاك مستوى عالٍ من الذكاء العاطفى (EQ). على سبيل المثال، قد يعنى ذلك أنك قادر بشكل أفضل على التعامل مع المواقف الصعبة. فتكون أكثر قدرة على البقاء هادئًا فى مثل هذه المواقف، بل ومساعدة الآخرين الذين يعانون من نفس الضغوط.
كما قد يعنى ذلك أنك أقل عرضة للجوء إلى آليات التأقلم الخارجية وغير الصحية، وبدلًا من ذلك تكون قادرًا على إدارة المشاعر التى تختبرها بشكل فعّال.
الأشخاص الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي (EQ) يكونون أيضًا ماهرين فى التعامل مع الآخرين. وهذا يعنى القدرة على التعامل مع الأشخاص المضطربين أو الغاضبين بطريقة لبقة واحترام.
فى مجال العمل، قد يعنى ذلك أنك قادر على تقييم مشاعر زملائك والمساعدة فى توجيه المحادثات نحو الاتجاه الصحيح. كما يعنى أنك قادر على الاستماع إلى وجهات نظر الآخرين وأخذها بعين الاعتبار. قد تكون أيضًا أكثر مهارة فى التفاوض والتأثير على نتائج العروض التقديمية من خلال القدرة على تكييف سلوكك ليناسب الأشخاص الذين تتحدث معهم.
نظرًا لأنك أكثر قدرة على الاعتراف بالأخطاء وتحمل المسؤولية عنها، قد يُنظر إليك على أنك صادق وجدير بالثقة. كما أنك على الأرجح ستكون مستمعًا جيدًا وموثوقًا به، مما يمكن أن يعزز علاقاتك الشخصية.
قد يعني ذلك أيضًا أنك أكثر إيجابية وقادرًا على رؤية الجوانب الجيدة حتى في المواقف السيئة. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تكون شخصًا يتمتع بدافع عالٍ، مما يعني أنك قادر على تحقيق النجاح فى مختلف مجالات حياتك، وعدم الاستسلام عندما تصبح الأمور صعبة.
الجانب الآخر من الذكاء العاطفى:
كل هذا يبدو إيجابيًا للغاية، ويُبرز أهمية امتلاك مستوى عالٍ من الذكاء العاطفى (EQ). ومع ذلك، هناك أيضًا بعض السلبيات المرتبطة بامتلاك مستوى مرتفع جدًا من الذكاء العاطفى.
على سبيل المثال، فإن إحدى السلبيات هى أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفى قد يفتقرون إلى الإبداع والتفكير الابتكارى.
والسبب وراء ذلك هو أنه قد يكون من الصعب عليهم تحدى الأوضاع الراهنة أو الأعراف والتقاليد التى تُبقى الناس سعداء، فتصبح مغامرة تجربة شيء جديد، أمر يسبب لهم بعض الاضطراب.
بالإضافة إلى ذلك، بينما يكون الأشخاص ذوو الذكاء العاطفى العالى ممتازين في بناء علاقات الفريق، إلا أنهم أقل قدرة على تقديم ملاحظات سلبية أو إزعاج الآخرين من خلال الاختلاف معهم، لأنهم يدركون جيدًا كيف قد يشعر الآخرون ويتأثرون بذلك. كما أن الأشخاص ذوى الذكاء العاطفى العالى قد يكونون أكثر تجنبًا للمخاطر، مما قد يحد من الابتكار.
جانب سلبى آخر هو أن الشخص الذي يتمتع بذكاء عاطفى عالى قد ينتهى به الأمر بتحمل الكثير من المسئوليات المقلقة والتوتر نيابة عن الآخرين بسبب تعاطفه الشديد. قد يقضى أيضًا الكثير من الوقت في محاولة مساعدة من حوله، مما يعرضه للإرهاق.
لذلك، بينما يُعد الذكاء العاطفى مهمًا للغاية، نحتاج أيضًا إلى استخدام جزء من الوعى الذاتى لمعرفة متى يجب أن نتراجع عن بعض المواقف ونسمح لأنفسنا بقدر أكبر من المساحة الذاتية.
كما أن هناك أهمية كبيرة للسماح بالتلقائية والمخاطرة بأن تلعب دورًا فى حياتنا جميعًا.
انخفاض الذكاء العاطفى:
على الجانب الآخر من الطيف، هناك الأشخاص الذين يتمتعون بمستوى منخفض من الذكاء العاطفى، مما قد يؤدى إلى مجموعة مختلفة من المشكلات.
قد يجد الأشخاص ذوو الذكاء العاطفى المنخفض أنهم غالبًا يُساء فهمهم أو يواجهون صعوبة فى التعبير عن أنفسهم.
كما يجدون صعوبة بالغة فى قراءة مشاعر الآخرين وعواطفهم، فيصبحوا غير متأكدين من كيفية التفاعل عندما يكون شخص ما غاضبًا أو منزعجًا.
كما قد يتصرفون بطريقة تبدو غير مراعية أو غير مهتمة أو غير متعاطفة – ليس عن قصد، ولكن بسبب صعوبة فهم مشاعر الآخرين وعدم معرفة كيفية التعبير عن مشاعرهم الخاصة.
مشكلة أخرى هى أن نقص الوعى العاطفى يمكن أن يؤدى إلى الشعور بالارتباك
والانفعال بسهولة، أو حتى الانفجار غضبًا. وقد يعنى على الجانب الآخر ألا نعبر عن عواطفنا على الإطلاق ونقمع الكثير من المشاعر بدلًا من التعبير عنها. قد يلوم الأشخاص ذوو الذكاء العاطفى المنخفض الآخرين على الأخطاء بدلًا من القيام بتحمل المسؤولية عنها، وتكون مهارات التأقلم لديهم أضعف، فيتجنبون المواقف بدلًا من مواجهتها.
كيفية تحسين الذكاء العاطفى:
من المهم ملاحظة أن انخفاض الذكاء العاطفي (EQ) وصعوبة التحكم فى العواطف يمكن أن يكونا أحيانًا عرضًا لمشكلة صحية نفسية، مثل الاكتئاب أو القلق.
إذا شعرت أن قدرتك على التحكم في عواطفك وتحديدها قد تغيرت، ولديك أعراض أخرى تتعلق بالصحة النفسية، فمن المهم التحدث إلى أخصائى.
هناك عوامل أخرى يمكن أن تؤثر على الذكاء العاطفى، مثل الطريقة التى عوملنا بها فى مرحلة الطفولة. فلا يتم تشجيع جميع الأطفال بالضرورة على التعبير عن مشاعرهم، لذلك لا يطوروا المهارات اللازمة ليصبحوا أذكياء عاطفيًا. كما أن البعض يكون أكثر ذكاءً عاطفيًا بشكل طبيعى مقارنة بآخرين.
تظهر بعض الدراسات أن الذكاء العاطفى هو مهارة يمكن بناؤها وتطويرها من خلال الممارسة.
يتطلب ذلك قضاء بعض الوقت مع نفسك، والتفكير فى مشاعرك وطريقة تفاعلك مع المواقف المختلفة. كما يمكنك التفكير فى التعليقات التى قد يكون الآخرون قالوها عنك أو لك.
هل على سبيل المثال تم ذكر أنك لا تلحظ دائمًا إشارات انزعاج الآخرين، أو أنك لست مستمع جيد؟
الإنتباه لمثل هذه الملاحظات يمكن أن يساعدك على تحديد المجالات التى تحتاج إلى تحسين.
يمكنك أيضًا تحسين الذكاء العاطفى من خلال قضاء الوقت مع الآخرين. بذل جهدًا حقيقيًا للاستماع إلى ما يقوله الناس، وطرح أسئلة تظهر أنك منتبه. راقب لغة جسد الآخرين وحاول أن تتعلم منها ما يشعرون به. حاول أن تتعاطف مع مواقف الآخرين، حتى إذا كانت حياتهم وتجاربهم بعيدة تمامًا عن حياتك الخاصة.
وبالممارسة والصبر، يمكن بناء وتحسين مستوى الذكاء العاطفى والاستفادة من فوائده التى تشمل النجاح والسعادة والوعى الذاتى.
تعليقات