عينة من كويكب صغير قد تكشف عن أصل الحياة
إذا كنت قد اطلعت فى هذه المدونة على: "هل الحياة فى أرجاء الكون هى مجرد عائلة واحدة كبيرة"، فستكون مهتما بقراءة هذا المقال.
يشرح لنا فيه كل من "روبرت ماركوفيتز"، "جيمس دي لوريتو", و جريج بولى" كيف أن "حساء مالح" قد يكشف لنا أسرار الحياة على الأرض... وما بعدها.
كشف جزء صغير من صخرة فضائية أن الحياة على الأرض ربما تكون قد بدأت فى كويكب صغير. الأمر الذى يشير إلى أن انبثاق الحياة من خارج كوكب الأرض يبدو أكثر احتمالًا مما كنا نعتقد.
قبل خمس سنوات، قامت وكالة ناسا بإرسال مسبار لزيارة الكويكب "بينو"، الذى كان على مسار تصادمى قريب من الأرض، وحصلت على عينة صغيرة منه.
فى أواخر عام 2023، هبطت كبسولة تحتوى على 120 جرامًا من هذا الكويكب فى صحراء يوتا بالولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، كان العالم ينتظر بفارغ الصبر معرفة ما تحتويه الكبسولة.
الآن، أكد العلماء أن الكويكب لا يحتوى فقط على مواد عضوية، بل وأيضاً على جميع المكونات التى تشكل الحمض النووى DNA.
"بينو" هو جسيم يتحرك حاليًا فى مدار قريب من الأرض حول الشمس، ويعتبر جزءًا قديمًا من النظام الشمسى، حيث يُعتقد أن الكويكب الأم الذى انفصل عنه "بينو" قد تشكل منذ حوالى 4.5 مليار سنة.
يقول الدكتور "تيم مكوى"، المؤلف المشارك فى إحدى الأوراق البحثية الجديدة التى أعلنت عن هذه النتائج: "نعلم الآن من خلال "بينو" أن المكونات الأولية للحياة كانت تتفاعل بطرق مثيرة للاهتمام ومعقدة على الجسم الأم لبينو".
يشير هذا الاكتشاف إلى أن الحياة على الأرض قد تكون نتاج اصطدامها بكويكب، وهو أيضًا علامة على أن الجسم الأم لبينو أو من خلال اصطدامات كويكبات أخرى، قد تكون قد وفرت الظروف اللازمة لبدء الحياة.
حساء الحياة الاساسى:
أهم ما فى هذا الإكتشاف هو أن "بينو" يبدو أنه احتوى على "حساء مالح" سمح باختلاط المعادن والأملاح، وهذا الخليط هو الذى تطور إلى هياكل معقدة شكلت المكونات الأساسية للحياة.
يقول الباحثون إن المحاليل الملحية خارج الأرض مثل هذه يمكن أن تكون مكان ولادة المركبات العضوية فى جميع أنحاء الكون، بما فى ذلك الأرض.
فإلى جانب الوجود المحتمل للماء، يمكن لهذه المحاليل أن تحفز التخليق العضوى ما قبل الحيوى – بمعنى آخر، تقوم بجمع اللبنات الأساسية للحياة معًا.
يقول "مكوى": "لقد اكتشفنا للتو خطوة على طريق تكوين الحياة". ومع ذلك، ومن المفاجئ، أن غياب الماء هو المفتاح هنا. بينما يعتبر الماء السائل ضروريًا، يقول الباحثون إنه يجب أن يتبخر لحدوث التفاعلات الكيميائية اللازمة لتشكيل الهياكل المعقدة.
المكونات العضوية:
قام باحثون من جميع أنحاء العالم بتحليل أجزاء صغيرة من عينة "بينو" باستخدام المجاهر الإلكترونية، ونشروا نتائجهم فى مجلتي "Nature" و"Nature Astronomy".
إحدى الأوراق البحثية تشير إلى أن "بينو" يحتوى على مجموعة أكثر تنوعًا من المواد العضوية مقارنة بتلك الموجودة على الأرض.
يقول الدكتور "دوجلاس فاكوتش"، رئيس منظمة "مراسلة الذكاء خارج الأرض" (METI)، والذى لم يشارك فى البحث: "قد يبدو طبيعيًا أن نفكر فى الأرض، على أنها تحتوى على أكبر مجموعة واسعة من المواد العضوية فى النظام الشمسى. ولكن فى الواقع، يمتلك "بينو" مجموعة أكثر تعقيدًا من الجزيئات العضوية مقارنة بالأرض. من خلال نقل هذه المواد الأولية من الكويكب إلى المختبرات على الأرض، يمكننا الحصول على فهم أفضل لنوعية الجزيئات التى تعتبر اللبنات الأساسية للحياة كما نعرفها".
تشمل المجموعة المثيرة للاندهاش فى الكويكب 14 من أصل 20 حمضًا أمينيًا (وهى أساس البروتينات) الموجودة فى جميع أشكال الحياة على الأرض، بالإضافة إلى 19 حمضًا أمينيًا غير بروتينى نادر أو حتى غير موجود فى البيولوجيا المعروفة لنا. ومن المذهل أن العينة تحتوى على جميع القواعد النووية الخمسة (الأدينين، الجوانين، السيتوزين، الثايمين، واليوراسيل) التى تشكل الحمض النووى DNA وRNA.
يقول "فاكوتش": "لا يوجد دليل على أن الأحماض الأمينية على "بينو" تم إنشاؤها من خلال كائنات حية، لكنها تظهر أن بعض اللبنات الأساسية للحياة كما نعرفها توجد بوفرة فى هذا الكويكب".
الأجزاء المفقودة من اللغز:
لا يعرف الباحثون بعد ما إذا كانت الهياكل المعقدة قد تشكلت على الجسم الأم لبينو أو بعد انفصاله عنه.
يقول "مكوى": "نعلم الآن أن لدينا اللبنات الأساسية للمضى قدمًا على الطريق نحو الحياة، لكننا لا نعرف إلى أى مدى يمكن لهذه البيئة أن تسمح بتقدم الأمور".
بمعنى آخر، ليس من الواضح بعد ما إذا كانت الظروف على الجسم الأم لبينو يمكن أن تبدأ المرحلة التالية من التطور البيولوجى.
يقول البروفيسور "لويس دارتنيل"، عالم الأحياء الفلكى الذي لم يشارك فى البحث: "ما نحتاجه لبدء الحياة ليس الأحماض الأمينية فقط. فهذه الأحماض تحتاج إلى الالتحام معًا فى سلسلة طويلة كى تبدأ فى صنع بروتين، أو بالنسبة للقواعد النووية، لتشكيل الحمض النووى DNA.
الخطوة الحاسمة نحو الحياة ليست فقط وجود مواد عضوية بسيطة، وهى اللبنات الأساسية، ولكن كيفية تجميع هذه اللبنات معًا".
ويضيف: "لإنشاء الحياة، تحتاج هذه اللبنات الأساسية إلى البدء فى إنتاج جزيئات مثل البروتينات والحمض النووى، ثم تشكيلها فى خلية. بمجرد حصولك على خلية، تكون لديك حياة. لكن الخلية معقدة مقارنة باللبنات الأساسية وحدها".
إذن، ما الذي يتطلبه الأمر للوصول إلى ذلك، بخلاف الجزيئات العضوية والماء؟ يقول "دارتنيل": "الشىء المفقود هو مصدر للطاقة، سواء كان ضوء الشمس لعملية التمثيل الضوئى أو مصادر الطاقة الكيميائية. نحتاج أيضًا إلى فترات زمنية طويلة جدًا للانتقال من الأحماض الأمينية البسيطة إلى البروتينات، ثم الحمض النووى، ثم الخلايا، ثم الحياة".
اكتشاف ضخم:
يعتبر هذا الاكتشاف قفزة كبيرة نحو معرفة المزيد عن الجسم الأم لبينو.
يقول "فاكوتش": "من خلال فحص التركيب الكيميائى لبينو كما هو موجود اليوم، نجد أدلة حول مكان تشكل الجسم الأم، مع أحدث النتائج التى تشير إلى أصل فى النظام الشمسى الخارجى".
قد يوفر تركيب "بينو" أيضًا معيارًا جديدًا لما يجب البحث عنه فى الصخور الفضائية الأخرى. لقد تم الحفاظ على العينة بشكل جيد للغاية قبل التحليل، مما يعنى أن أملاحها كانت لا تزال سليمة.
يقل "فاكوتش": "لا يوجد بديل للسفر إلى الكويكب، وجمع عينة نقية، ثم إعادتها بأمان إلى المختبرات على الأرض. مهمات مثل هذه هى الدليل على أن الاكتشافات الهامة تأتى من مهمات إعادة العينات".
فلو سقط هذا الجزء على الأرض من تلقاء نفسه، لكانت هذه الأملاح قد تحللت فى الغلاف الجوى للأرض.
لكن الآن، وبمعرفة ما يجب البحث عنه، قد يجد "مكوى" وزملاؤه أدلة من هذا المحلول الملحى: "هذا هو نوع الاكتشاف الذى نأمل أن نحققه، لقد وجدنا شيئًا لم نكن نتوقعه، وهذا هو أفضل مكافأة لأى نوع من الاستكشافات".
تعليقات