هل ينبغى لنا حقًا تناول الفيتامينات؟
يتناول ملايين الأشخاص كل يوم أقراص الفيتامينات، دون أن يعرفوا حقًا ما إذا كانوا فى حاجة إليها أم لا.
يشرح لنا الدكتور "لارس أوفى دراجستيد"، أستاذ الطب الحيوى وعلم التغذية الجينومية، فى جامعة كوبنهاجن، كيف تؤثر الفيتامينات على أجسامنا، ومتى يكون من الجيد تناولها.
يبدأ ملايين الأشخاص صباحهم بروتينهم المعتاد: تناول الإفطار مع فنجان قهوة، وتصفح عناوين الأخبار، بالإضافة إلى حبة أو أكثر من الفيتامينات. يسمع الناس عن فوائد الفيتامينات عبر وسائل الإعلام، أو من الأصدقاء، أو من الطبيب، فيتوجهون لشراء أقراص تحتوى على مكملات من مواد مختلفة.
فى عام ٢٠٢٤، أنفق سكان العالم حوالي ٣٥٠ مليار دولار أمريكى على الفيتامينات، مع نمو سنوى بنسبة ٦٪.
لكن ما هى الفيتامينات بالضبط؟ وأيها نحتاج، وأيها قد نعانى من نقص (أو زيادة) فى مستوياتها؟ وهل نحتاج إلى المكملات الغذائية أصلاً إذا ما كنا نتبع نظامًا غذائيًا متنوعًا وصحيًا؟
قليلون من سيتمكنون الإجابة، ولكن هنا سيجيب عليها "لارس أوفى دراجستيد"، الأستاذ فى الطب الحيوى وعلم التغذية الجينومية بجامعة كوبنهاجن.
الفيتامينات تشعرنا بالتحسن:
في عام ١٩١٣، اكتشف الكيميائى الحيوى الأمريكى "إلمر ماكولوم" أن الزبدة تحتوى على شيء ضرورى للتغذية المثالية، وأُطلق لاحقًا على هذه المادة المجهولة اسم "فيتامين أ".
هذا الاكتشاف حفز البحث عن فيتامينات أخرى. وعلى مدى الـ ٣٥ عامًا التالية، اكتشف العلماء الـ ١٣ فيتامينًا التي نعرفها اليوم.
الفيتامينات هي جزيئات عضوية: تحتوى جميعها على ذرات كربون. ولكن على عكس الجزيئات العضوية المهمة الأخرى، مثل البروتينات والكربوهيدرات والدهون، لا توفر الفيتامينات الطاقة للجسم، ولا تساعد فى بنائه.
بدلاً من ذلك، تعمل مثل التروس فى الآلية المعقدة اللازمة للحفاظ على سير جميع وظائف الجسم بسلاسة.
إذا كان ترس – أو فيتامين – مفقودًا، فإن الآلية بأكملها تتوقف عن العمل، ونكون عرضة للإصابة بمجموعة واسعة من الأمراض أو اضطرابات النمو.
لذا فإن الحاجة إلى الفيتامينات حقيقية. ولكن هل الخوف من نقص الفيتامينات مبرر؟ وهل يؤدى زيادة تناولنا للأقراص إلى فائدة لأى شخص غير شركات تصنيع الأدوية؟
يقول الدكتور"دراجستيد"من الجيد أن يفكر الناس فى أهمية تناولهم للفيتامينات، ولكن رغم أن الكثير من الناس يعانون من مستويات منخفضة لفيتامين أو آخر، فهو لا يرى ضرورة للخوف وشراء مجموعة كاملة من المكملات الغذائية لمجرد أن طبيبك اكتشف انخفاضًا فى مستويات بعض الفيتامينات'.
يقول: "حقيقة أن مستوى فيتامين ما قد يكون أقل من الجرعة اليومية المطلوبة، لا تعنى بالضرورة وجود نقص ضار. فالتوصيات يتم تقدبمها مع هامش كبير نسبياً."
بشكل عام، يقول إنه يمكننا أن نأخذ الأمور ببساطة عندما نعانى من نقص طفيف فى الفيتامينات. فغالبًا ما تكون هذه الحالات مؤقتة ويمكن تصحيحها بسهولة نسبية من خلال زيادة الاهتمام بالنظام الغذائى، وربما يُضاف إليها تناول أقراص فيتامينات لفترة قصيرة.
ولكنه يشير إلى فيتامينين محددين من المهم أن ننتبه لهما، حيث يمكن أن يكون الحصول على ما يكفى منهما بشكل طبيعى صعباً لبعض الأشخاص: وهما فيتامين B12 وفيتامين D.
ويوضح "لارس أوفى دراجستيد" أن "نقص فيتامين B12 وفقر الدم الناتج عنه يمثل مشكلة خاصة لكبار السن"، مضيفًا أن النباتيين أيضًا معرضون لخطر نقص B12 لأن هذا الفيتامين يوجد بشكل رئيسى فى المنتجات الحيوانية.
كما أن فيتامين B12 هو فيتامين قابل للذوبان فى الماء، لذا بينما يتم امتصاصه في الجسم بشكل أسرع من الفيتامينات القابلة للذوبان فى الدهون، فإنه أيضًا يُستهلك ويُفرز مع البول بسرعة أكبر. لهذا السبب، من المهم بشكل خاص تناول هذا الفيتامين بانتظام.
من ناحية أخرى، فإن فيتامين D قابل للذوبان فى الدهون ومن الصعب امتصاصه، وأيضًا يُخزن فى الجسم لفترة أطول.
التحدى مع فيتامين D هو أنه يتكون بشكل أساسى عندما نتعرض لأشعة الشمس. وحتى فى البلاد المشمسة، يمكن أن يحدث نقص فيه لدى كبار السن، والأشخاص ذوى البشرة الداكنة، وأولئك الذين يقضون الكثير من الوقت فى الداخل.
بالإضافة إلى ذلك يمكن ان تؤدى أنماط الحياة الحديثة وايضا الفقر لتعريض توازن الفيتامينات لدينا للخطر.
العديد من الفيتامينات لا توجد فى النظم الغذائية بشكل مباشر، بل تظهر على شكل "بروفيتامينات" يتم تحويلها إلى فيتامينات نشطة عبر العمليات البيولوجية فى الجسم.
الألوان الزاهية الصفراء والحمراء للجزر والطماطم، ترجع إلى البيتا كاروتين؛ الذى لا يحتوى على نشاط فيتامينى فى حد ذاته، ولكن يتم تحويله إلى فيتامين أ فى الأمعاء والكبد.
إحدى الأساطير الشائعة حول الفيتامينات هى أنها تمتص بشكل أفضل من خلال الطعام مقارنة بالأقراص، وبالتالى من الأفضل الحصول عليها بشكل طبيعى.
ولكن هذا مفهوم خاطئ، كما يقول البروفيسور "دراجستيد".
ويوضح: "أقراص الفيتامينات عادةً ما يتم امتصاصها فى الجسم بشكل جيد جدًا، لأن المكملات الغذائية مُصممة لامتصاص جيد." ويشير إلى أن فيتامين أ يتم امتصاصه بشكل أفضل بكثير من خلال الأقراص مقارنة بالطعام.
على الرغم من أهمية الفيتامينات، إلا أن هناك خطر مرتبط بالحصول على جرعات زائدة منها. فكما هو الحال مع الحصول على كميات قليلة، فإن الحصول على كميات كبيرة من بعض الفيتامينات يمكن أن يكون ضاراً.
ويشرح قائلاً: "الفيتامينات هى مواد نشطة بيولوجيًا جداً."
تحتوى حبة الفيتامين عادةً على حوالي ١-٢ مرة من الكمية اليومية الموصى بها، وبالنسبة لبعض الفيتامينات، قد يكون تناول فقط ٣-٤ أقراص كافياً لتصل بالجسم إلى الحد الضار. وهذا ينطبق بالتأكيد على فيتامين أ القابل للذوبان في الدهون.
نادرًا ما تصل الفيتامينات القابلة للذوبان فى الماء إلى مستويات ضارة فى الجسم، ومع ذلك يمكن أن تسبب الفيتامينات B3 وB6 وC الحكة والتخدر والإسهال اذا تم تناولها بجرعات عالية.
الفيتامينات الشخصية:
في المستقبل، من المرجح أن تصبح علاقتنا بحبة الفيتامين اليومية أكثر تخصصًا.
فمن المتوقع أن يتم تصميم محتوى الفيتامينات المختلفة بشكل أكثر ملاءمة للاحتياجات الفردية لكل فرد على حده.
تقوم جيناتنا الشخصية بتحديد مدى قدرة خلايانا على امتصاص فيتامينات معينة، وكفاءة تحويلها من بروفيتامينات غير نشطة إلى فيتامينات نشطة، أو مدى ملاءمتها للآليات المهمة فى الجسم.
في عام ٢٠٢٠، وجد باحثون فنلنديون أنه يمكنهم تحديد ما إذا كان الشخص يحتاج إلى مكملات فيتامين D من خلال دراسة جيناته. كما وجدت مراجعة علمية من عام ٢٠١٨ أن هناك متغيرات محددة فى ١٩ جينًا مختلفًا تعكس الاحتياجات الشخصية لفيتامين B12.
ولكن حتى يتم يحين موعد إطلاق حبوب الفيتامينات الشخصية، سنظل نواجه مزيجًا من الأساطير والحقائق حول حبوب الفيتامينات.
فى النهاية وكما يقول "لارس أوفى دراجستيد":
"تذكر أننا غالبًا ما نحتاج فقط إلى مكملات لعدد قليل من الفيتامينات"، لذلك علينا التعامل بحذر مع موضوع الفيتامينات " حيث يتم استهلاك المكملات بشكل رئيسى من قبل أولئك الذين لا يحتاجونها. إلا أنها على أية حال لن تكون ضارة بأى شىء سوى محفظتك."
تعليقات