هل الحياة فى أرجاء الكون هى مجرد عائلة واحدة كبيرة؟

هل من الممكن أن يكون لجميع أشكال الحياة فى الكون المترامى نفس الأصل؟ يعتقد بعض العلماء أن الحياة انبثقت بعد بضعة ملايين من السنين من الانفجار الكبير، ثم انتشرت مثل البذور عبر الفضاء. 

قد تثبت رحلة ناسا القادمة إلى قمر "زحل" المسمى "تيتان" ما إذا كانوا على حق أم لا.

عن مقال"جينز إى ماثيسن"

قد تفاجئنا الأفكار الكبيرة فى وقت غير متوقع، وهو ما حدث مع "أبراهام لوب"، أستاذ الفيزياء الفلكية من مركز الفيزياء الفلكية فى "جامعة هارفارد". فبينما كان يستحم صباح أحد أيام نوفمبر عام 2013، خطرت له فكرة مثيرة للاهتمام. 

إذا كان الكون قد وُلد بدرجات حرارة عالية للغاية، ثم بدأ يبرد تدريجياً إلى ما يقترب من الصفر المطلق، فيجب أن تكون هناك فترة زمنية كانت فيها درجة الحرارة مناسبة تمامًا لوجود الماء السائل فى كل مكان.

أدرك "لوب" أنه فى ظل مثل هذه الظروف، كان الكون بأكمله سيصبح منطقة صالحة للسكن؛ بحيث يمكن للحياة أن تزدهر دون الاعتماد على الطاقة المستمدة من النجوم. 

ثم جلس متأملا فى محاولة لاستكشاف هذه الفكرة.

منذ ذلك الحين، واصل باحثون آخرون العمل على تلك النظرية، والتى من الممكن أن تلقى مزيداً من الضوء على تاريخ الحياة على الأرض. 

الآن عاد "لوب" نفسه للعمل على هذه الفكرة، بسبب أن إحدى المهام الكبيرة القادمة لوكالة ناسا قد تكون قادرة على العثور على أدلة تدعم هذه النظرية.

وإذا تم العثور على الأدلة وثبتت صحة النظرية، فقد يعنى ذلك أن كل أنواع الحياة فى الكون الواسع لها نفس الأصل.

الكون الشاب:

حيث ان الماء هو الشرط الأساسى لوجود الحياة، لذلك يبحث علماء الأحياء الفلكية بشكل خاص عن كواكب فى أنظمة شمسية بعيدة قد تحتوى على الماء على أسطحها.  

يكون الماء سائلًا بين 0 و100 درجة مئوية. ولتحقيق هذه الدرجة على السطح، يجب أن تكون الكواكب على مسافة مناسبة تمامًا من نجومها، تمامًا كما أن الأرض فى موقع مثالى بالنسبة للشمس. 

لأنه إذا كان الكوكب أقرب، فسيكون الجو حارًا جدًا؛ وإذا كان أبعد، فسيكون باردًا جدًا.  

عندما بدأ "أبراهام لوب" إجراء الحسابات لفكرته، أدرك أن الكون كان قد برد بالفعل إلى درجة حرارة 100 درجة مئوية بعد حوالى 10 ملايين سنة من الانفجار العظيم. وبعد 17 مليون، كانت درجات الحرارة قد انخفضت إلى أقل من 0 درجة مئوية.  

وهو ما يترك نافذة زمنية مدتها سبعة ملايين سنة كان يمكن أن يوجد فيها الماء السائل فى جميع أنحاء الكون – ذلك دون الحاجة إلى أى مصدر آخر للطاقة غير التوهج المتبقى من الانفجار العظيم، المعروف اليوم باسم إشعاع الخلفية الكونية.  

قد يكون هذا أيضاً حلاً للمشكلة التى تواجه العلماء حين يدرسون تطور الحياة على الأرض، وهى معضلة الوقت. 

لأنه عندما يتعلق الأمر بالوقت، فيبدو ان كوكب الأرض لم يحصل على ما يكفى منه!

وقد وصف العالم الروسى الأمريكى "أليكسى شاروف" هذه المشكلة فى عام 2006، عندما قام بتحليل تطور الجينات الوظيفية فى أشكال الحياة على الأرض.  

استخدم "شاروف" عدد أزواج القواعد فى خيوط الحمض النووى للجينات كمقياس لتعقيد أشكال الحياة. وأظهر التحليل أن عدد أزواج القواعد يتضاعف بشكل عام كل 350 مليون سنة. فقد استغرق الأمر 350 مليون سنة للانتقال من حوالي 250 مليون زوج قاعدى موجود في الأسماك، إلى حوالى 500 مليون زوج قاعدى موجود فى الثدييات.

وعندما نظر شاروف إلى الوراء فى الزمن إلى حين كانت الحياة تتكون فقط من كائنات وحيدة الخلية، وأقدمها هى الكائنات بدائية النواة – البكتيريا والعتائق التى تمتلك أغشية خلوية رقيقة وبدون نواة خلوية، فقداستمر نمط التضاعف هذا. 

هنا واجه شاروف مشكلة. فعندما قام بحساب الأرقام، أظهرت اتجاهًا أسيًا، وهو منحنى يرتفع بسرعة متزايدة مع مرور الوقت.  

وقد كشفت الاكتشافات الجيولوجية أن الكائنات بدائية النواة كانت موجودة منذ 3.7 مليار سنة. فى ذلك الوقت، كانت الأرض تبلغ من العمر 0.8 مليار سنة فقط، كما انها كانت صالحة للسكن لفترة أقل من ذلك.  

لم يكن هذا متسقًا مع المنحنى الأسى لشاروف. فعلى الرغم من أن الكائنات بدائية النواة هى أبسط أشكال الحياة التي نعرفها، إلا أنها لا تزال معقدة للغاية بحيث لا يمكن أن تتطور في مثل هذا الوقت القصير إذا كان نمط تضاعف أزواج القواعد صحيحًا.  

ووفقًا لمنحنى التطور لشاروف، كان على الحياة فى هذه الحالة، أن تنشأ قبل وقت طويل من تكوين الأرض – وتحديدًا قبل أكثر من 10 مليارات سنة. وهو ما يجعل فكرة "أبراهام لوب" أكثر إثارة للاهتمام: 

"إذا كانت الحياة على الأرض لها جذور تعود إلى بداية الكون، فقد يفسر ذلك التعقيد الذى نراه اليوم."

العناصر جاءت متأخرة:

ومع ذلك، فلكى تثبت نظرية "لوب" صحتها، يجب أن تتحقق شروط أخرى، فبالإضافة إلى درجة الحرارة المناسبة والوقت الكافى، تتطلب الحياة أيضًا بعض اللبنات الكيميائية الأساسية.  

فى الكون المبكر، كان هناك بشكل أساسى عنصران فقط: "الهيدروجين" و"الهيليوم". فى حين أن جميع العناصر الأثقل جاءت إلى الوجود من خلال عمليات الاندماج داخل النجوم. 

لذلك، تعتبر النجوم شرطًا أساسيًا لتطور الحياة كما نعرفها.  

وتبرز هنا مشكلة.

ذلك أن معظم علماء الفلك يعتقدون أن النجوم الأولى "اشتعلت" عندما كان عمر الكون يتراوح بين 50 و100 مليون سنة. وهذا متأخر جدًا بالنسبة للنافذة الزمنية التى حسبها "لوب".  

تتطلب النظرية أن تكون النجوم الأولى قد وُلدت فى وقت مبكر – مبكر جدًا. سنحتاج ان تكون النجوم قد بدأت فى التكون بعد حوالى 12 مليون سنة من الانفجار العظيم كى نستطيع وضع جميع اللبنات الأساسية للحياة فى مكانها فى وقت مبكر بالقدر الكافى كى تنجح نظرية "لوب".  

يعترف "لوب" أنه من غير المرجح أن تكون النجوم بهذا القِدَم، لكنه لا يستبعد الفكرة تمامًا.  

يقول "لوب" لمجلة "Science Illustrated": "وفقًا لنماذجنا الكونية الحالية، هذا وقت مبكر جدًا، ولكننا قد نفاجأ."  

عاشت النجوم الأولى فى الكون حياة قصيرة للغاية، لكنها كانت ضخمة. 

وانفجرت بعد ثلاثة الى خمسة ملايين سنة، على شكل مستعرات عظمى (سوبرنوفا)، مما أدى إلى انتشار العناصر الثقيلة في جميع الأنحاء. 

وقد شمل ذلك الأكسجين، الذي يُعد ضروريًا لتكوين جزيئات الماء، بالإضافة إلى الكربون والنيتروجين والفوسفور والكبريت – وهى جميع المكونات الأساسية للحياة.

ثم اتحدت العناصر التى تشكلت حديثًا من المستعرات العظمى لتكوين الكويكبات، وظهرت أول أشكال الحياة البسيطة هناك فى بحيرات من الماء. ومع ذلك، فعلى تلك الكويكبات، كانت أمام الحياة فترة قصيرة فقط لتتطور قبل أن تواجه تحديًا جديدًا.  

فبمجرد أن وصل عمر الكون إلى 17 مليون سنة، أصبح باردًا بدرجة كافية لتجمد كل الماء. وفقط عندما تشكل الجيل التالى من النجوم، استطاعت الأنظمة الشمسية ذات الكواكب تكوين مناطق جديدة لنشأة الحياة أو تطورها.  

في هذه الأثناء، كان على الحياة أن تعتمد على سوائل أخرى غير الماء، مثل الأمونيا أو البروبان أو الميثانول أو الميثان أو الإيثان. 

جميع هذه المواد لديها نقاط انصهار أقل بكثير من الماء. الميثان والإيثان يظلان سائلين حتى درجة حرارة -182°C. 

لم يصبح الكون بهذا البرودة إلا بعد 90 مليون سنة. لذا فإن هناك الأن احتمالًا آخر، وهو أن تكون الحياة قد نشأت عندما كان الكون باردًا جدًا بالنسبة للماء، لكنه كان دافئًا بدرجة كافية لإبقاء مواد أخرى فى حالة سائلة.  

حاليًا، يميل "لوب" إلى هذا السيناريو. 

فى عام 2021، قام هو وزملاؤه بتحليل أى من السوائل غير الماء هى الأكثر احتمالًا لدعم الحياة. 

أثبت "الإيثان" أنه المرشح الأفضل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن نقاط انصهاره وغليانه متباعدة جدًا. وهو ما يعنى أن الحياة كانت ستتمتع بوقت كافٍ للنشوء قبل أن تصبح معتمدة على النجوم لتوفير مصادر طاقة غير إشعاع الخلفية الكونية.  

وفقًا ل"لوب"، كان إشعاع الخلفية الكونية سيحافظ على الإيثان فى حالة سائلة لمدة 30 إلى 90 مليون سنة بعد الانفجار العظيم. فإذا كانت النجوم الأولى قد تشكلت بعد 50 مليون سنة من الانفجار العظيم وانهارت بعد خمسة ملايين سنة، فإن الحياة كانت ستتمتع بـ 35 مليون سنة لتتطور.  

تيتان قد يحمل الإجابة:  

ما يجعل من "الإيثان" مرشحًا مثيرًا للاهتمام، انه يستطيع أن يمكنا أن نتحقق من أى صفات قد تدعم ظهور الحياة داخل نظامنا الشمسى، بما فى ذلك على القمر الخاص بكوكب زحل "تيتان". 

لقد تم تأجيل مهمة "Dragonfly" التابعة لناسا عدة مرات، ولكن تم الأن تأكيد إطلاقها في يوليو 2028، وستصل إلى "تيتان" فى عام 2034، حيث ستطلق مركبة طائرة ذات ثمانية أجنحة مصممة للتحليق حول عشرات المواقع الواعدة على القمر.  

ستقوم المركبة الطائرة بالهبوط لأخذ عينات من السطح البارد بدرجة -179°C فى أماكن مختلفة، مع إمكانية العثور على أدلة على الحياة التى تطورت من الإيثان السائل.  

من المؤكد أن أى حياة قائمة على "الإيثان" ستكون مختلفة جدًا عن الحياة القائمة على الماء، ولكن قد تظل هناك سمات مشتركة تشير إلى أصل واحد لنا جميعاً. 

إذا كان الأمر كذلك، فقد يكون قمر زحل قادرًا على ربط النهايات الفضفاضة فى تاريخ الحياة عبر الكون.  

يقول "لوب": "من المؤكد أن جميع أشكال الحياة قد يكون لها جذور مشتركة فى الكون المبكر جدًا." منذ ذلك الأصل المشترك، كانت الحياة قادرة على الانتشار من كوكب إلى كوكب عبر الكويكبات، ومن نظام شمسى إلى آخر عبر حركة الأجسام النجمية المعروفة.  

ويقترح: "عندما نرسل مركبة فضائية إلى الفضاء النجمى فى المستقبل، قد نجد أسلافنا."  

في هذه الحالة، قد يكون لدينا مجموعة كاملة من الأقارب الجدد، البعيدين والغرباء، فى انتظار مقابلتنا.■

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل نحن اذكى مما ينبغى؟

كم أفتقدك - "بقلم: حازم فرجانى"

الأنبياء - قصة قصيرة