الفلسفة الإسلامية والمرأة
يتناول "أمير على مالكى" هنا نظرة الفكر الإسلامى إلى المرأة.
المقال:
كان وضع المرأة فى الإسلام دائماً محل جدل، خاصة وأن المفكرين الإسلاميين حاولوا دائمًا استخدام التعاليم الدينية لتبيان دورها.
فقد أكد "الفارابى" (حوالى ٨٧٠ -٩٥٢م) أنه يوجد بشكلٍ مثالى مساواة بين الرجل والمرأة، لكنه أشار أيضًا إلى بعض الاختلافات بين الجنسين. فرأى أن الرجل تغلب عليه مشاعر من قبيل الشعور بـ "الغضب"، فى حين أن المرأة تتميز بمشاعر اقوى فى مجال "العاطفة". مع ذلك، فإن جوهر الرجل والمرأة واحد، وكلاهما متساويان في السمات الأساسية "كالحس والخيال" و "الحكمة".
وهذه الفكرة الأخيرة متجذرة فى القرآن الكريم. ففى الآية ١٨٩ من "سورة الأعراف"، ورد أن الله "هو الذى خلقكم من نفس واحدة".
يرى "الفارابى" أيضاً أن كل قسم من أقسام المجتمع من أصغر الأجزاء، وهى الأسرة، إلى أكبرها، له دور رئيسى عليه أن تلعبه من أجل كمال المجتمع ككل. إذا قام كل جزء بواجبه بشكل صحيح، فإن المجتمع بأكمله سوف يزدهر.
وعلى ذلك فهو يعتقد بأن الرجال والنساء لهما دور حاسم فى بناء المجتمع بشكلٍ متساوى.
أما "إبن سينا" (حوالى ٩٨٠ - ١٠٣٧ م) فقد قام إلى حد ما بإتباع معلمه.
ففى كتابه "السياسة" ، إعتبر الزواج أحد المبادئ الأساسية لتشكيل المدينة الفاضلة. ووفقًا لابن سينا، مثل الفارابى من قبله، فإن الأسرة هي ركيزة مهمة للمجتمع، حيث أن صحتها تخلق السلام والطمأنينة في جميع الجوانب.
فى كتابه "الشفاء"، يشجع "إبن سينا" الناس على إنجاب الأطفال، لأن الخطوة الأولى نحو وجود مجتمع جيد هى استمرارية بقائه.
بالنسبة له، تتمثل الوظائف الرئيسية للأسرة فى ثلاثة جوانب: اقتصادية، أمنية، وتعليمية-اجتماعية.
فى هذا الصدد، يجب على المرأة، كواحدة من قادة الأسرة وحارسة هذه المبادئ الثلاثة، أن تنال الاحترام والحب من زوجها، لأن تربية الأطفال، وإدارة المنزل، ودعم الرجل لتحقيق الأخلاق الحميدة، ليست أمورًا يمكنها القيام بها بمفردها.
أما بالنسبة للغزالى (١٠٥٨-١١١١ م) فقد ركز على مكانة المرأة أكثر من الآخرين. ومن وجهة نظره، فإن المرأة تلعب دورًا مهمًا من الناحية الروحية، خاصةً كأم. وفى كتابه "إحياء علوم الدين"، يقول إن شخصية الأم تُشكِّل شخصية الطفل. إذا كانت الأم ذات شرف، فسيكون طفلها ذا شرف أيضًا؛ وإذا كانت الأم ذات صفات سيئة، فسيصبح طفلها كذلك.
كان يعتقد أن اخلاق الأم تنتقل إلى طفلها من خلال حليبها – لذا فإن صحة الأم الجسدية والعقلية كانت ذات أهمية كبيرة بالنسبة له.
علاوة على ذلك، فى كتابه "كيمياء السعادة"، يعد احترام الأم من أكثر الواجبات إلزامًا، ويعادل أعظم العبادات. وهو ما تم التأكيد عليه فى القرآن الكريم. فى الآية ٢٣ من سورة الإسراء، يُذكر: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"، كما أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "البرُّ بالأمِّ ضِعْفُ البرِّ بالأبِ". ولهذا السبب بالذات، يعتبر الغزالى الأم تاجًا قيمًا على رؤوس أطفالها.
بالنسبة إلى "إبن عربى" (١١٦٥ - ١٢٤٠م)، فلقد أولى اهتمامًا أكبر لمكانة المرأة بما يتجاوز دورها فى المنزل والعائلة.
من وجهة نظر هذا الحكيم، فإن النساء والرجال متساوون من حيث الإنسانية، ويمكن أن يصلوا إلى حالة متساوية من الناحية الروحية.
فى كتابه "الفتوحات المكية"، يقول إن النساء لديهن القدرة على بلوغ أعلى مراتب الدين. لهذا السبب، فإن حب النساء يُعتبر طريقًا لعبادة الله – لأن أرواحهن ذات مكانة عالية جدًا.
بل إنه يرى أن روح المرأة هى الأقرب إلى روح الله، وفى النساء يمكن رؤية علامات جلال الله بشكل صحيح.
يشرح أنه في بداية تحوله إلى التصوف كان يتجنب النساء؛ ولكن لاحقًا، ومع مرور السنوات، أدرك أن الله أمر النبى محمد صلى الله عليه وسلم بتقدير النساء، لذا بدأ يولِى المزيد من الاهتمام لمكانة المرأة واحترام حقوقها.
أما المفكرون الإسلاميون المعاصرون فيناقشون الدور الأكثر تعقيدًا للمرأة فى المجتمع فى الوقت الحاضر.
فعلى سبيل المثال، يناقش "سيد حسين نصر" في كتابه "قلب الإسلام" (٢٠٠٤)،واحدة من أكثر القضايا الحديثة إثارة للجدل فى الفقه الإسلامى والفلسفة، وهى قضية الحجاب.
يذكر نصر أنه وفقًا لتعاليم الإسلام، فإن النساء المسلمات هن اللواتى يجب أن يقمن بتعريف ماهو مفهوم الحجاب بالنسبة لهن– والذى قد لا يعنى بالضرورة ارتداء الحجاب والنقاب.
وهو ما يُظهر أن الفلسفة الإسلامية المعاصرة بدأت تأخذ فى الاعتبار القوة الاجتماعية والسياسية للمرأة.
من المؤكد أن الآراء المذكورة أعلاه كانت كل منها نتاج فكر عصرها؛ ولكنها يمكن أن تكون دليلًا لافكارنا اليوم.
فكما كتب الفيلسوف "هانز-جورج جادامر"، فإن الفكر هو سعى مستمر إلى الكمال، وهذا السعى يعتمد على قراءة الماضى، والتعلم منه، واستخدامه بشكل مناسب.
أميرعلى ملكى باحث فى الفلسفة يعمل فى مجالات الفلسفة السياسية، والفلسفة الإسلامية، والهرمنيوطيقا. ■
تعليقات