الاستبداد السياسى والوجدان الشرقى
مثل الاحتفاء الشعبى والرسمى باستيلاء ديكتاتور آخر على السلطة فى بلد آخر ( هذه المرة سوريا) معضلة تستحق التأمل.
إنه يثير تساؤلات عما إذا كان الاستبداد السياسى جزء اصيل من الوجدان والثقافة الشرقية؟
ولماذا لا ينتشر هذا الاستبداد السياسى فى الكثير من البلدان الغربية.
أحاول هنا ان اتامل هذه المعضلة.
فالكفاح لنيل الحرية، حوى بالاضافة الى جهود وتضحيات الشعوب، جهود فكرية وفلسفية وثقافية اسهمت فى انارة الطريق، والتمهيد له.
ولم يقتصر هذا الجهد الفكرى على مفكرى الغرب فقد قام الشرق ايضا بتقديم إسهامات مميزة.
سأذكر هنا بعض أبرز الفلاسفة والمفكرين الذين قدموا إسهامات جوهرية فى تطوير المفاهيم الأساسية للحرية والديمقراطية التي نعرفها اليوم، والذين ما زالت أفكارهم تؤثر فى النظريات السياسية والممارسات الديمقراطية المعاصرة.
من المفكرين الغربيين نجد:
جون لوك (1632-1704): يعتبر أبو الليبرالية الحديثة، والذى قدم أفكاراً أساسية عن الحقوق الطبيعية والملكية الخاصة والحكومات المحدودة.
جان جاك روسو (1712-1778): صاحب نظرية العقد الاجتماعى الشهيرة، وأفكار السيادة الشعبية والإرادة العامة.
فولتير (1694-1778): الذى دافع بقوة عن حرية التعبير والتسامح الدينى، وناهض الاستبداد والتعصب.
مونتسكيو (1689-1755): قام بتطويرمبدأ فصل السلطات الذى يعد حجر الأساس في الأنظمة الديمقراطية الحديثة.
جون ستيوارت ميل (1806-1873): الذى دافع عن الحرية الفردية وحرية التعبير، وكتب مؤلفه الشهير "عن الحرية".
إيمانويل كانط (1724-1804): قام بتقديم أفكاراً مهمة عن الكرامة الإنسانية والحرية الأخلاقية والسلام العالمى.
ومن المفكرين والفلاسفة فى الشرق، الذين قدموا إسهامات مهمة فى مجال الحريات والحكم الرشيد. بعض أبرزهم:
الفارابى (872-950): الذى طور نظرية "المدينة الفاضلة" وقدم رؤية متقدمة للحكم العادل والمجتمع المثالى، مؤكداً على أهمية العقل والحكمة فى الحكم.
ابن رشد (1126-1198): حيث قام بالدفاع عن حرية الفكر والتعبير، وأكد على أهمية العقل والفلسفة، وكان له تأثير كبير على الفكر الأوروبى لاحقاً.
ابن خلدون (1332-1406): الذى أسس علم الاجتماع السياسى، وقدم نظريات مهمة فى طبيعة الحكم والعمران البشرى والعدالة الاجتماعية.
عبد الرحمن الكواكبى (1855-1902): وهو من رواد الفكر التنويرى العربى الحديث، كتب عن الاستبداد وطرق مقاومته فى كتابه الشهير "طبائع الاستبداد".
رفاعة الطهطاوى (1801-1873): من رواد النهضة المصرية الحديثة، حيث دعا إلى الإصلاح السياسى والاجتماعى ونقل المفاهيم الديمقراطية الحديثة إلى مصر.
محمد عبده (1849-1905): الذى نادى بالإصلاح الدينى والسياسى والتعليمى، وربط بين الإسلام والحداثة.
وهنا علينا أن نتساءل، اذا كانت الاصول الفكريه والفلسفية للحرية متأصلة فى الثقافتين، فلماذا سادت نظم الحكم الاستبدادية مناطق واسعة من الشرق عكس الوضع فى الدول الغربية، وخاصة اوروبا الغربيه وشمال أوروبا.
الواقع أن هذا سؤال عميق يستحق تحليلاً دقيقاً.
وفى اعتقادى أن هناك عدة عوامل رئيسية ساهمت فى هذا:
السياق التاريخى والسياسى:
- فالغرب شهد تحولات تاريخية مثل عصر النهضة والثورة الصناعية دعمت تطبيق أفكار هؤلاء المفكرين، بينما واجه الشرق استعماراً وتدخلات خارجية أعاقت التطور الطبيعى للأفكار التنويرية.
البنية المؤسسية:
- تطورت فى الغرب مؤسسات داعمة للحريات مثل الجامعات المستقلة والمحاكم والبرلمانات، على حين ظلت المؤسسات فى الشرق تحت سيطرة السلطة السياسية مما أضعف دورها فى نشر الأفكار التنويرية
العلاقة بين المثقف والسلطة:
- استطاع المفكرون الغربيون بناء قاعدة شعبية وطبقة وسطى داعمة لأفكارهم، بينما عانى المفكرون الشرقيون من القمع والنفى وتقييد حرية التعبير.
التعليم ومحو الأمية:
لا شك فى أن ارتفاع نسب التعليم في الغرب ساعد على انتشار الأفكار التنويرية، بينما شكلت الأمية عائقاً كبيراً أمام وصول أفكار المفكرين الشرقيين لعامة الناس.
الإرث الاستبدادى:
حيث نجح الغرب في كسر احتكار السلطة تدريجياً عبر ثورات وإصلاحات، فى حين استمر نموذج الحكم المركزى القوى فى معظم دول الشرق.
العامل الاقتصادى:
- ساهم ظهور الطبقة البرجوازية في الغرب في دعم الأفكار الليبرالية، بينما أدى ضعف التنمية الاقتصادية فى الشرق إلى استمرار الاعتماد على الدولة.
رغم كل هذه التحديات، فالامر المؤكد ان تقبل الاستبداد ليس مركب هيكلى فى العقلية الشرقيه، بقدر ماهو نتاج لعوامل تاريخية واقتصادية وأحياناً ثقافية.
وفى ظل التحديات الجسيمة التى تحيط بالمنطقة، اصبح من الواجب نشر الوعى بأهمية الحريات والحقوق، وتطوير خطاب نقدى للاستبداد،
والتأسيس لنهضة سياسية وفكرية وثقافية اصبحت الان حتمية.
ل حازم فرجانى
تعليقات