هل يمكننا ان نصبح أفضل اخلاقياً

يحدثنا "ماسيمو بيجليوتشى" فى هذه المقالة الممتعة والعميقة عن كيفية تحقيق تقدمنا الأخلاقى.


عندما ترجم "شيشرون" (106-43 قبل الميلاد) الكلمة اليونانية "ēthos" إلى اللاتينية على أنها "moralis"، كان يقصد بذلك المحافظة على مفهوم أساسى يتعلق بعلاقتنا بالآخرين. 


ظل التعامل بشكل جيد مع الآخرين عامل مركزى فى مسار التطور البشرى، وأفترض أن معظمنا يسعى إلى تحقيق تقدم ما فى هذا المضمار. 

ولكن كيف نعرف إذا كنا بالفعل نتحسن أخلاقيًا؟

وفقًا للفيلسوف وكاهن "معبد أبولو"، "بلوتارخ الخيرونى" (46-118 ميلادية). في مقالته "عن التعرف على التقدم الأخلاقى"، يقول "بلوتارخ":

إننا يجب أن ننتبه لتسعة علامات يمكننا استخدامها لتقييم تقدمنا فى الأخلاقيات العملية.

العلامة الأولى: هى سعينا الحثيث نحو تحسين الذات. هل نحافظ على عزيمتنا قوية فى مواجهة النكسات، أم نستسلم للإحباط؟ 

يقول "بلوتارخ": "إن الجهد المتكرر والمثابرة يمهدان الطريق، الرحلة تخلق نورًا وسطوعًا فى الفلسفة، لتحل محل الحيرة وعدم اليقين والتذبذب الذى يواجه طلاب الفلسفة فى البدايات، مثلهم كمثل البحارة الذين غادروا الأرض التى يعرفونها، ولكنهم لم يستطيعوا بعد رؤية الأرض التى يتجهون إليها".

العلامة الثانية: تختبر ردود أفعالنا تجاه نجاح الآخرين، ومدى تحملنا للضغوط الاجتماعية. 

يتجلى التقدم الحقيقى فى قدرتنا على الثبات على مبادئنا بدلًا من الاستسلام للحسد أو الانصياع لآراء الآخرين لنيل القبول: 

"عندما رأى "زينون" أن "ثيوفريستوس" يُعجب به بسبب عدد طلابه، قال: على الرغم من أن عدد طلابه أكبر، إلا أن طلابى أكثر انسجامًا'."

العلامة الثالثة: تظهر فى كيفية تفاعلنا مع الآخرين: هل نتابع المناقشات لنتعلم ونشارك ونستفيد حقًا، أم نحاول فقط إظهار براعتنا الخطابية؟ 

يكمن لب التقدم الأخلاقى فى تقدير الجوهر وليس الشكل، والحكمة وليس التباهى الزائف: 

"فقط عندما يتوقف طلاب الفلسفة عن استخدام الحجج الاستعراضية والتكلف ويتجهون إلى استخدام الحجج التى تؤثر على الشخصية والعواطف، عندها فقط سيبدأون فى تحقيق تقدم حقيقى يتسم بالتواضع."

العلامة الرابعة: تظهر فى الأسباب الكامنة وراء أفعالنا. 

يظهر نمونا الاخلاقى عندما نقوم بالتصرف بدافع من قناعات حقيقية، وليس كمحاولة للاستعراض أو كسب الاعجاب. يشمل ذلك قدرتنا على ممارسة ضبط النفس – سواء بالامتناع عن الإفراط في الطعام أو الشراب أو المتعة – وفى قدرتنا على مقاومة الإغراءات الخارجية. غالبًا ما تُعبر الفضيلة الحقيقية عن نفسها بشكل أوضح فة ما نختار ألا نفعله: 

"إعطاء شىء نحبه لصديق وتقديم خدمة للمعارف، ولكن دون إخبار الآخرين بذلك، هو علامة على التقدم."

العلامة الخامسة: تكمن فى علاقتنا مع الانتقادات الموجهة إلينا. نحن نحرز تقدمًا أخلاقيًا إذا كنا قادرين ليس فقط على تحمل النقد، بل وحتى الترحيب به باعتباره فرصة للنمو والتحسن. 

الاشخاص الناضجون هم من يسعون بشكل دائم إلى التصحيح: 

"الأشخاص الذين لديهم عيوب لا يمكن علاجها هم الذين يغضبون ويتصرفون بعدوانية وشراسة تجاه أى شخص يحاول توبيخهم وتأنيبهم، بينما الذين يتمتعون بأخلاق سوية، يتحملون التوبيخ ولا يقاومون، ويكونون فى حالة أكثر هدوءًا عند تلقى الإنتقاد."

العلامة السادسة: تأخذنا إلى اللاوعى. فمن خلال أحلامنا، يمكننا أن نلقى نظرة خاطفة على الحالة الحقيقية لتطورنا الأخلاقى. يتجلى تحسنا هنا فى كيفية معالجتنا للمواقف الأخلاقية أثناء النوم: 

"قال "زينون" إن أحلام الشخص يجب أن تجعله يدرك أنه يتقدم، إذا كان عندما ينام لا يرى نفسه يتمتع بأى شىء مشين، ولا يفعل أى شىء فظيع أو صادم، وكأنه فى أعماق هادئة شفافة، سيدرك حينها  أن الجزء التخيلى والعاطفى من عقله قد تبدد وحل محله العقل."

العلامة السابعة: تتعلق بتوازننا العاطفى. وهنا يتجلى التقدم بطريقتين: أولاً، فى انخفاض حدة المشاعر السلبية مثل الغضب والتهيج والرغبة المفرطة؛ ثانيًا، فى ازدهار المشاعر الجميلة: 

"الحب العميق للعائلة، والفرح الحقيقى لإنجاز الأفعال الفاضلة، والاحساس بالهدوء النفسى.'

العلامة الثامنة: تتعلق بالفجوة ما بين قيمنا وبين سلوكنا. ذلك أن التقدم الأخلاقى الحقيقى سوف يملأ هذه الفجوة: نحن أصبحنا لا نتحدث فقط عن الفضيلة بل نعيشها. 

هنا تتدفق الأعمال النقية بشكل طبيعى لكونها تنبع من فهمنا الأخلاقى، مما يظهر الاتساق بين الاعتقاد والممارسة: 

"ما هو مهم هو أن يكون سلوكنا نموذجًا لما نمدحه وأن نكون حريصين على فعل ما نعبر عن إعجابنا به، بينما نكون غير راغبين فى ممارسة أى مما نعترض عليه."

العلامة الأخيرة: تكمن فى من نختار أن نحتذى به. يعكس التركيز على النماذج الأخلاقية بصيرة نفسية عميقة: من المؤكد أن الأمثلة الملموسة للأفراد الفاضلين تقوم بتحفيزنا بشكل فعال من خلال المثال الملموس، اذا قمنا بمقارنتها بالمبادئ الأخلاقية المجردة: 

"ماذا كان سيفعل "أفلاطون" فى هذا الموقف؟ ماذا كان سيقول "إيبامينونداس"؟ كيف كان سيظهر ل"يكورجوس" أو "أجيسيلاوس"؟ إننا نستخدم كل واحد منهم كمرآة، نقف أمامها نرتب ونحسن من أنفسنا، أو نقوم بتعديل مواقفنا، أو نمتنع عن قول تافه نسبيًا، أو نقاوم عاطفة غير مجدية."


تعتبر هذه العلامات التسعة مؤشرات حيوية لتطورنا الأخلاقى. 

وبدون مثل هذه المقاييس الملموسة، نخاطر بأن نظل راكدين أخلاقيًا، مكتفين بالرضا عن تقدم متخيل. 

يقدم لنا إطار "بلوتارخ" أدوات عملية تمكنا من التحول الحقيقى، مع التركيز على السلوكيات بدلًا من النظريات، والفعل بدلًا من التأمل. 

يعالج نهجه الفجوة بين المثل الفلسفية والممارسات اليومية، ويتحدانا لإعادة إكتشاف الفيلسوف الداخلى الخاص بنا.

فهل أنت مستعد لبدء هذه الرحلة من الحكمة العملية؟



البروفيسور "ماسيمو بيجليوتشى" هو أستاذ الفلسفة فى كلية مدينة نيويورك.

تشمل كتبه "كيف تكون رواقيًا" (كتب أساسية) و"ما بعد الرواقية" (مع جريج لوبيز وميريديث كونز، التجربة).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل نحن اذكى مما ينبغى؟

كم أفتقدك - "بقلم: حازم فرجانى"

الأنبياء - قصة قصيرة