لماذا ننسى؟
أثناء رحلة الحياة، نحصل على كميات هائلة من الذكريات، إلا انها لا تدوم إلى الأبد.
عن مقالة "أيلسا هارفى" فى دورية "How it works"
هل دخلت غرفة يوما ما، ونسيت السبب الذى دخلت من أجله؟
يعتقد العلماء أن الدماغ يفسر دخولك الغرفة على أنه مكان جديد ومشهد جديد، مما يتسبب فى محو تسلسل الأفكار مؤقتًا - وتتأثر "الذاكرة قصيرة المدى".
هذه مجرد واحدة من العديد من غرائب وتكتيكات الذاكرة فى الدماغ. وبينما يمكن أن يكون النسيان محبطًا فى حد ذاته، إلا أنه لا يمكن لجسم الإنسان أن يعمل إلا بهذا التوازن ما بين الذكريات الممسوحة والذكريات المجمعة.
ما تقوم به الذاكرة هو أمر هام للغاية. انها تقوم بتحديد من أنت، وتقوم بربطك بالأحداث الزمنية، وتوفر معنى لمحيطك وتسمح لك بتكوين علاقات.
تعمل الذاكرة أيضًا كوسيلة لاستمرار الحياة من خلال التمييز بين ما هو خطر وما هو آمن. كما إنها تذكرك بمعلومات بسيطة مثل مكان إقامتك واماكن العثور على الطعام، وتساعدك فى اختيار ما سيفيدك وما يجب تجنبه بناءً على التجارب السابقة.
عندما تتعلم معلومات أو مهارات جديدة، يشكل الدماغ روابط جديدة فيما بين الخلايا العصبية، وهو ما يخلق خريطة في جميع أنحاء الدماغ تجعل من السهل استرجاع المعلومات التي واجهتها سابقًا.
وكلما قمت باعادة مراجعة اسم شىء ما، تصبح هذه الرابطة أقوى وأسهل فى التذكر.
قد تعتقد أنه كلما كانت هذه الخريطة العصبية أكثر انشغالًا، كلما أصبحت أكثر ذكاءً. ولكن العكس صحيح تمامًا، إنه شئ شبيه بتباطأ الهاتف الذكى عندما يصل تخزينه إلى حده الأقصى. إن الدماغ يمحو المعلومات التي لم يتم إعادة استخدامها، أو التى لم تسبب رد فعل عاطفى كبير، عن طريق إضعاف الروابط المقابلة بين الخلايا العصبية. وعن طريق منع المعلومات غير المهمة من أن تصبح ذكريات دائمة يحافظ الدماغ على نفسه من الإرهاق.
فى حالات أخرى، يمكن للدماغ ان يمحو الذكريات المؤلمة أو إعادة كتابتها كأحداث أقل ألما.
إن محو هذه الذكريات المؤلمة يحافظ على الاستقرار العاطفى اللازم للدماغ للقيام بوظائفه اليومية بشكلٍ فعال.
بالإضافة الى ذلك يقوم النسيان بتحفيز الإبداع العقلى، فإذا كانت الذكريات دائمة، ستكون عمليات التفكير والأفعال لدينا جامدة بحيث لن تتمكن أدمغتنا من تطوير طرق جديدة للتفكير.
يمنح الإبداع البشر القدرة على استكشاف طرق مبتكرة لحل المشكلات والتعبير عن أنفسهم بشكل فريد. فعندما تشعر بالإرهاق أو التوتر، تقل قدرة دماغك على الإبداع، وهو السبب فى ان التوتر الذهنى قد يؤدى احيانا لفقدان القدرة على الابداع.
غالبًا ما يُنظر إلى النسيان على أنه ضعف - إلا أنه يجب وعلى العكس اعتباره قوة عظمى.
فالنسيان يساهم فى حذف الكثير من الأشياء غير الضرورية التى تقوم باستهلاك الذاكرة، كى يمكنك توجيه مزيد من الطاقة وإعطاء الأولوية للمعلومات الاكثر أهمية اللازمة لتشكيل شعورك بالذات وازدهارك العقلى.
هل الذاكرة دقيقة؟:
هل سبق لك أن شهدت قصة يتم نقلها بين مجموعة أصدقائك، فتصبح أكثر دراماتيكية وتحتوى على عناصر جديدة كل مرة يتم إعادة سردها؟
قد يحدث هذا فى داخلك ايضا، فاذا كانت لديك بعض فجوات الذاكرة لحدث ما، فقد تقوم دون وعى بإنشاء احداث جديدة لاستكمال الجدول الزمنى الناقص.
وأحياناً إذا كانت تلك الذكريات صعبة للغاية، يقوم الدماغ حينها بحمايتك من الاحساس بتلك المشاعر المؤلمة والعصيبة، بتخطى بعض الأجزاء أو تخفيفها لجعلها أكثر قابلية للتذكر.
كان العلماء يعتقدون أن الذكريات ثابتة. ولكنك عندما تستعيد الذكريات، يمكنك تقويتها وإضعافها وحتى إعادة تشكيلها. ذلك لأن الذكريات تكون غير مستقرة بشكل مؤقت بعد استرجاعها، مما يجعلها عرضة للتغيير.
كما يمكن أن تتأثر عملية إعادة بناء الذاكرة بمشاعرك وأفكارك والبيئة وقت استرجاع الذاكرة.
على سبيل المثال، إذا كنت هادئًا عند استعادة لحظة صعبة فى حياتك، فقد يتم تقليل العبء العاطفى الذى تحمله تلك الذكريات.
محو الخلايا:
إن الخلايا العصبية المتخصصة التي تسمى خلايا "الإنجرام" مسؤولة عن إحداث تغييرات فى الدماغ عندما تتلقى معلومات جديدة لتخزين الذكريات. ولكن بالإضافة إلى تخزين الذكريات، تساعد خلايا الإنجرام هذه أيضاً فى محو الذكريات عن طريق إضعاف اتصالات مسارات الذاكرة. و بمرور الوقت، تضعف إمكانية الوصول لتلك الذكريات مما يتسبب في نسيانك لها. ولهذا السبب، غالبًا ما تُطلق على خلايا الإنجرام لقب "خلايا النسيان".
ليست كل تغييرات خلايا الإنجرام غير قابلة للانعكاس. فبعض الذكريات يتم إضعافها وتُنسى عمومًا، ولكن تلقى معلومات جديدة حول الذكريات المكبوتة، أو تجربة احاسيس مرتبطة بالذاكرة، يمكنها أن يعيد تنظيم وتقوية تلك الذاكرة الباهتة.
الأشياء التى تجعلك تنسى:
1- التوتر الشديد
عندما تكون تحت الضغط، يتم إفراز هرمون يسمى الكورتيزول في المخ. ويمكن أن يؤدي هذا إلى إتلاف الحُصين، وهي المنطقة في المخ المسؤولة عن استرجاع المعلومات. كما تميل أيضًا إلى التركيز على الموضوع المجهد، بدلاً من المعلومات الجديدة.
2- قلة النوم
أثناء النوم العميق، يتم تعزيز المسارات العصبية لتقوية الذكريات. وبدون نوم جيد، لا يمكن للذكريات طويلة المدى أن تتشكل بشكل صحيح. كما أن الحرمان من النوم يقلل من التركيز عند الوعى، مما يحد من قدرات صنع الذاكرة.
3- تعدد المهام
إذا كنت تشغل عقلك بنشاط آخر أثناء محاولة تذكر معلومات جديدة، يحتاج عقلك إلى تبديل تركيزه بين المهمتين. وهذا يقلل من كفاءة الذاكرة.
4- الاعتماد على التكنولوجيا
يمكنك تذكير نفسك بالحقائق من خلال بحث سريع عبر الإنترنت أو ضبط هاتفك ليعطيك تذكيرات تلقائية. لكن هذا يمنع عقلك من ممارسة استرجاع الذاكرة ويضعف هذه القدرة.
5 النظام الغذائى ونقص الفيتامينات
فيتامينات ب، وأحماض أوميجا 3 الدهنية، والزنك والحديد كلها عناصر غذائية أساسية لوظيفة الذاكرة. فهى تزيد من إنتاج النواقل العصبية وتعزز مرونة المشابك العصبية.
الذاكرة عبر السنين:
فقدان الذاكرة في مرحلة الطفولة:
يمكن للشخص العادى أن يتذكر ذكرياته الأولى عند عمر 3.5 سنة، ومن المرجح أن تمتلك الإناث ذكريات أولى فى وقت أبكر.
والسبب فى انقطاع ذكريات السنين الأولى هى أن الدماغ يكون لم يتطور بشكل كامل بعد، وكذلك قدرته على تخزين الذكريات طويلة المدى.
الذاكرة القصوى:
تكون قدرتك على تذكر المعلومات الجديدة في أعلى مستوياتها عندما تكون في العشرينات من عمرك. وتستمر ذاكرتك قصيرة المدى فى التحسن حتى سن 25 عامًا تقريبًا، عند تطور الدماغ بشكل كامل. وتظل عند مستوى ثابت للعقد التالى.
فى سن الثلاثين، تكون قدرتك على تذكر الأوجه فى أقصى حالاتها.
انخفاض الكفاءة:
في سن 45 عامًا تقريبًا، تبدأ ذاكرة الدماغ فى فقدان حدتها. ولا يحدث هذا بشكل مفاجئ، ويستغرق الأمر وقتًا أطول لتذكر اسم شخص عرفته فى الماضى.
وقد وجدت إحدى الدراسات التي أجرتها جامعة لندن أن التفكير العقلى ينخفض بنسبة 3.6% بين سن 45 و49 عامًا، وتصل النسبة إلى 9.6% بين سن 65 و70 عامًا.
الدماغ و التقدم فى السن:
بطبيعة الحال، يتدهور الجزء المسؤول عن صنع الذاكرة في الدماغ تدريجيًا مع التقدم فى السن. وهو ما يجعل كبار السن أكثر نسيانًا من الأطفال والشباب. كما تصبح الأدمغة أقل قدرة على إصلاح خلايا المخ وتحفيز مسارات عصبية جديدة، حيث يتم إنتاج كميات أقل من الهرمونات والبروتينات اللازمة لهذه الأدوار.
الأحلام المنسية:
أثناء النوم العميق، يقوم العقل بفرز وتصفية الذكريات بحيث يتم التخلص من أى معلومات زائدة تقلل من كفاءة تشكيل الأفكار، بينما يتم دمج المعلومات المفيدة التى تعلمتها خلال اليوم في ذاكرتك طويلة المدى حتى يمكن استرجاعها لاحقًا.
هناك أربع مراحل رئيسية للنوم. المراحل الثلاث الأولى هى مراحل نوم حركة العين غير السريعة (NREM) و نوم حركة العين السريعة (REM).
أثناء نوم حركة العين غير السريعة (NREM) ننسى عمدًا بعض معلومات اليوم، مما يحول دون انشغال جزء كبير من العقل بأشياء غير هامة.
وفى أثناء النوم العميق، يتم اختبار الأحلام. ومع ذلك، من المرجح أن يتم تذكر جزءًا صغيرًا فقط من معظم الأحلام.
وقد تستيقظ أثناء الحلم، ولكن يتم نسيان حبكته تمامًا بعد ساعة، لأنه بحلول الوقت الذى تصل فيه إلى نوم حركة العين السريعة، تكون المسارات العصبية المسؤولة عن تخزين المعلومات في ذاكرتك طويلة المدى أقل نشاطًا.
ولكن تظل الذاكرة قصيرة المدى تعمل بشكل جيد نسبيًا في هذه الحالة اللاواعية، إلا أن معظم الأحلام التى تراودك أثناء النوم تُنسى في غضون 30 ثانية. وليتم تذكرها لفترة أطول، عليك عادةً أن تستيقظ بينما لا يزال الحلم فى طور التشكل.
معدل النسيان:
وضع عالم النفس "هيرمان إبينجهاوس" جدول تقريبى لمنحنى النسيان، حيث وجد أن 80 فى المائة من محتوى الذكريات المكتسب يُفقد فى غضون شهر واحد.
وقد قسم منحنى النسيان كما يلى:
20 دقيقة
بعد 20 دقيقة من تعلمك معلومات جديدة، تنسى 42% منها، حين يخضع دماغك لعملية الفرز الأولية ويحدث أكبر خسارة درامية في التعلم.
24 ساعة
إذا لم تتم مراجعة المعلومات، فسوف تنسى حوالي 67% من المعلومات الجديدة التى تعلمتها بعد يوم واحد.
31 يومًا
في نهاية الشهر، ستحتفظ فقط بـ 21% من هذه المعلومات الجديدة. سيتم وضع بعض هذه المعلومات فى ذاكرتك طويلة المدى.
60 يومًا
إذا لم تقم بمراجعة المعلومات، مما يقوي الروابط العصبية ويعزز الذاكرة، فسوف تنسى 90% من المعلومات التي تعلمتها بعد 60 يومًا.
تعليقات