االذكاء الاصطناعى مقابل الإبداع

يمكن أن تعزز برامج الذكاء الاصطناعى الإنتاجية، لكن النتائج قد تعكس قدرًا أقل من الإبداع والأصالة الإنسانية.

ليس هناك من شك فى أن أنظمة الذكاء الاصطناعى التى تعمل على نمذجة اللغة أظهرت كفاءة ملحوظة فى مجموعة متنوعة من المهام، وقد تبناها الموظفون بشكلٍ خاص لتسريع أعمال الكتابة ولتطوير البرمجيات.  


كما يبادر العديد من المديرين لدمج هذه الأدوات، مثل ChatGPT، داخل دواليب العمل بغرض زيادة الإنتاجية. 

ومع ذلك، تكشف الأبحاث أن هذه التحسينات المحتملة فى الكفاءة, ربما تأتى مع جانب سلبى.

فالاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعى قد يثنى الموظفين عن التعبير عن معارفهم الخاصة والإفصاح عن أفكارهم، وقد يؤدى أيضًا إلى نتائج رتيبة وآلية، الأمر الذى يحد من تنوع إبداعات العاملين. 

وعلى المدى الطويل، قد يقلل هذا التوجه من عوامل الابتكار والأصالة. 

لذلك يحتاج المديرون أثناء سعيهم لتحقيق قدر أكبر من الكفاءة عن طريق استخدام نماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، إلى مساعدة العاملين لتحقيق التوازن المطلوب، ما بين الإنتاجية والإبداع.

المقايضة ما بين الأصالة والجهد:

يستطيع المحتوى الذى يولده الذكاء الاصطناعى أن يقلد ببراعة الطلاقة اللغوية للمحتوى البشرى، ولكنه يفتقر إلى الأصالة فى الاسلوب التى يمتلكها البشر، ناهيك عن الإبداع الذى يتم التعبير بشكل طبيعى عند إنجاز المهام دون مساعدة الذكاء الاصطناعى. 

مقاربة مخرجات الذكاء الاصطناعى بالمخرجات البشرية قد تتطلب تحسينًا تكراريًا واستهلاك للوقت، مما قد يدفع المستخدمون للتفكير أنها ربما لا تستحق هذا العناء، خاصة إذا كانت مخرجات الذكاء الاصطناعى تعتبر جيدة بما فيه الكفاية. 

وبالتالى، يصبح على المستخدمبن ان يتخذو قرارًا : هل من المجدى استثمار الوقت فى تخصيص مخرجات تساعد الذكاء الاصطناعى أن يعكس تدريجياً المزيد من أسلوبهم الفريد ومعرفتهم — أم أن ذلك يمكن أن يستهلك وقتًا لا داعى له — ومن الأفضل الاكتفاء بمسودات أولية ليست بالضرورة مثالية.

ولنأخذ على سبيل المثال فريقًا من مهندسى البرمجيات الذين يتعاونون فى مشروع برمجى كبير. أثناء عملهم على قاعدة الكود، سيتخذ كل عضو فى الفريق قرارات تتعلق بالكتابة والتوثيق تتماشى مع المعايير المتفق عليها ولكنها أيضًا تعبر عن تجربة كل فرد وتفضيلاته، فيما يتعلق بهندسة المكونات، تسمية الوظائف، خيارات الاختبار، وما إلى ذلك. 

فكما يهدف كتاب الأدب إلى صياغة عبارات رائعة، يسعى مهندسو البرمجيات لتطوير حلول أصلية لمشاكل البرمجة.

عندما تكون الأولوية للعمليات الإنتاجية، يعطى ذلك الأفضلية للأدوات القائمة على نماذج اللغة الكبيرة مثل "Copilot" ، بحيث يصبح من السهل إنشاء مسودة بشكل سربع أو إكمال تلقائى لكمية كبيرة من الاكواد. 

الأمر الذى من شأنه توفير قدر كبير من الوقت، لأن تلك الأدوات غالبًا ما تكتب كودًا جيدًا ويمكنها تحسين الكود الحالى بسرعة. 

ومع ذلك، قد لا تعكس هذه المسودة الأولى للذكاء الاصطناعى أفضل ممارسات الفريق أو معارف المهندسين وأسلوبهم. 

وعلى حين أنه يمكن للمهندسين تحسين طلبات الذكاء الاصطناعى الخاصة بهم أو القيام بتحرير الكود يدويًا لتحسينه كى يصبح أكثر تحقيقاً للأهداف، فإن قيامهم بذلك سيبطئ وتيرة العمل. وقد يكون لذلك آثار سلبية على الإنتاجية فى المستقبل. فلاحقًا، عندما يحتاج مبرمج العودة إلى الكود لإصلاح خلل أو إجراء تحسينات، قد تكون تكاليف معالجة أى أوجه قصور أعلى بشكل كبير. 

فعلى أرض الواقع، وجدت الأبحاث أن الأفراد غالبًا ما يعانون فى مراجعة وتكييف الكود الذى يولده الذكاء الاصطناعى؛ وفى بعض الحالات، إذا كانت هناك حاجة لتغييرات، قد يكون من الأفضل البدء من الصفر.

بالنسبة للمديرين، تكمن الخطورة فى أن التركيز المفرط على أهداف الإنتاجية وعلى المواعيد النهائية الصعبة قد يشجع الموظفين على تجنب بذل أى جهد إضافى والرضا بمخرجات أكثر عمومية.

نفس هذا السيناريو يواجهه العاملون الذين يعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعى للقيام بالعمليات الكتابية. 

لقد جعل تكامل الذكاء الاصطناعى مع مجموعات البرمجيات المؤسسية من السهل تكليف نماذج اللغة الكبيرة بكتابة رسائل البريد الإلكترونى، أو إنشاء تقارير، أو تصميم شرائح العرض. 

فى مثل هذه الحالات، يواجه المستخدمون مقايضة مماثلة ما بين قبول مخرجات قد يعتقدون أنها دون المستوى من حيث الدقة أو أصالة الكتابة، وبين القيام ببذل جهد إضافى للحصول على نتائج أفضل. 

من المرجح أن يكون لضغط الوقت دورًا كبيرًا فى تحديد هذه الخيارات.

فيما يلى نموذج للعواقب المحتملة عند الإعتماد على الذكاء الاصطناعى على نطاق واسع:

وضع الإبداع فى خطر:

عندما نحاول المقايضة بين الحصول على مخرجات مثالية أو العمل بكفاءة قصوى، تميل الكفة للذكاء الاصطناعى على حساب تنوع الفكر والإبداع والذى سوف يواجه خطر الضياع. 

الاعتماد على المخرجات غير المعدلة للألة يمكن أن يؤدى إلى إنتاج محتوى أكثر رتابة وروتينية. فعلى سبيل المثال، إذا كانت جميع رسائل البريد الإلكترونى مكتوبة بواسطة Microsoft Copilot، فمن المحتمل أن تبدو جميعها متشابهة. مثل هذه الرتابة المميكنة على نطاق واسع يمكن أن تعرض للخطر أصالة وتنوع الأفكار والمحتوى الضرورية للنمو والابتكار.

سوف تتفاقم مشكلة الرتابة السيميترية تلك بشكلٍ أعمق عندما يتم استخدام المحتوى الذى يولده الذكاء الاصطناعى فى تدريب نماذج ذكاء اصطناعى لاحقة. سوف يؤدى ذلك إلى دوامة بائسة من التجانس الرتيب فى المخرجات — بحيث يفقد المحتوى الذى يولده الذكاء الاصطناعى كل سمات التنوع. ومما يثير القلق اكثر، تلك الزيادة فى دخول المحتوى الذى يولده الذكاء الاصطناعى إلى مجموعات البيانات المستخدمة لتدريب نماذج اللغة الكبيرة، سواء كان ذلك محتوى مؤسسى خاص أو مواد على الإنترنت. 

إذا أصبح الويب مشبعًا بالمحتوى الذى يولده الذكاء الاصطناعى وزدنا من عمليات دمج الذكاء الاصطناعى فى سير عملنا وعمليات توليد المحتوى، فإن الإبداع وتنوع أفكارنا سيقل بشكل كبير. 

بل إن بعض الباحثين يجادلون الأن، أن تدريب نماذج اللغة الكبيرة على محتوى يولده الذكاء الاصطناعى بأكثر من المحتوى البشرى يمكن أن يؤدى فى النهاية إلى حتى انهيار نماذج اللغة الكبيرة نفسها.

ولكن فى هذه المرحلة، ونظرًا لأن الذكاء الاصطناعى يمكنه بكفاءة توليد قدر كبير من المحتوى الروتينى، فقد يبدو أن فقدان التنوع الفكرى ليس ذا أهمية كبيرة، خاصة بالنظر إلى المكاسب الكبيرة المحتملة. 

مع ذلك، فإن عادة الاعتماد على مخرجات نماذج اللغة الكبيرة يمكن أن يكون لها تداعيات بعيدة المدى على الابتكار، الذى يعتمد على الأصالة والإبداع. 

لذا يجب على المديرين تحقيق التوازن بين التركيز على مكاسب الإنتاجية وضمان أن أدوات الذكاء الاصطناعى تعزز بدلاً من أن تحد من الأفكار والمنظورات المعبر عنها فى المنتجات العملية.

هناك عدة طرق يمكن للمديرين من خلالها الحصول على الفوائد الإنتاجية للذكاء الاصطناعى مع الحفاظ على الإبداع وتنوع الفكر. 

أولاً، يجب عليهم إعادة التفكير فى التوقعات الإنتاجية. 

فعند تقييم الاستخدام المحتمل للذكاء الاصطناعى لمهمة معينة، يجب على المديرين النظر فى طبيعة المهمة ومتطلباتها ومدى الإشراف أو التفكير الأصلى المتوقع من الموظفين المساهمة به. ففى بعض الحالات، قد يحتاج الموظفون إلى مزيد من الوقت لإكمال المهمة باستخدام الذكاء الاصطناعى.

تعزيز التفاعلات بين البشر والذكاء الاصطناعى من خلال تمكين المستخدمين من توجيه، وتعديل، وتصحيح مخرجات نموذج اللغة بشكل أسهل يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا فى نجاحهم. 

على سبيل المثال، يستخدم التوليد المعزز بالاسترجاع قواعد معرفية خارجية لتحسين دقة المخرجات. يجب أن يجعل التدريب الشامل فى هندسة الطلبات أيضًا من السهل على المستخدمين نقل أفكارهم الخاصة لتشكيل مخرجات نماذج اللغة الكبيرة الأكثر أصالة.

تاريخيًا، نقلت التحولات فى الأعمال، مثل الأتمتة والاستعانة بمصادر خارجية، عبء العمل والمهام الروتينية إلى الآلات أو أطراف خارجية. فى المقابل، مكنت هذا الشركات من زيادة إنتاجيتها وخفض تكاليفها. 

على النقيض من ذلك، بينما تعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى أيضًا بتحسينات في الإنتاجية وتقليل التكاليف، إلا أنها تؤثر على الأعمال فى مجال مختلف: هو مجال الأفكار، والمحتوى، والابتكار. 

يمكن أن يقلل الذكاء الاصطناعى من أعباء مهام من قبيل صياغة الوثائق الروتينية أو تحليل التقارير الطويلة. ومع ذلك، يجب الحرص على ألا يصبح ذلك بديل يقلل من ثراء فرديتنا وتنوع أفكارنا.

لتخفيف هذه المخاوف، من الضرورى للقيادات الإدارية ان ترشد موظفيها عن كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعى بعناية. يجب على المديرين تشجيع موظفيهم على التعبير الصادق عن وجهات نظرهم المميزة والمساهمة بإبداعاتهم بشكل نشط. 

لن يضمن هذا فقط أن يتم استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعى بشكل أفضل لتحقيق مكاسب الكفاءة مع الحفاظ على الأصالة؛ بل سيحمى أيضًا من المزالق المحتملة لثقافة رتيبة ميكانيكية متأثرة بالذكاء الاصطناعى. 

إن تنمية علاقة متوازنة بين البشر والذكاء الاصطناعى، حيث يكمل كل منهما الآخر بشكل متبادل، سيكون أمراً محوريًا فى الانتقال فى المشهد المتطور للإنتاج والخلق المدعوم بالذكاء الاصطناعى داخل الأعمال.


عن مقال بقلم "فرانسيسكو كاسترو" و"جيان جاو" و"سيباست مارتن"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل نحن اذكى مما ينبغى؟

كم أفتقدك - "بقلم: حازم فرجانى"

الأنبياء - قصة قصيرة