داروين، البقاء للأصلح
يُذكَر "تشارلز داروين" عادة باعتباره ذلك الرجل الذى تحدى المعتقدات الدينية الراسخة، عبر إرجاع أصل الأنواع ونشأة الإنسان إلى الانتقاء الطبيعى.
لكن أفكار داروين لم تكن بالكامل من ابتكاره…
عن مقالة بقلم "إيبى راش"
لقد كان يفكر فى هذه النظريه لوقت طويل: إنها فكرة تتحدى سفر التكوين فى الكتاب المقدس من خلال الادعاء بأنه ليس من الضرورى أن تكون جميع الكائنات الحية قد خُلقت. بل إنها تطورت على مدى أجيال عديدة.
![]() |
ألفريد راسل والاس |
نحن لا نتحدث الآن عن "تشارلز داروين"، ولكن عن عالم أحياء وطبيعة بريطانى آخر، عاش فى المناطق الاستوائية، لكن دون أن تكون معه بعثات علمية يناقش معها نظريته الجديدة حول التطور.
فبعد أن كتب وأعاد كتابة مخطوطته عدة مرات، قرر إرسال آخر نسخة منها للحصول على ملاحظات بناءة من أكثر من يعرفه من علماء الطبيعة شهرةً.
ولكن بإغلاقه ذلك المظروف الذى يحتوى على أحدث مخطوطاته فى 5 أبريل 1858، كان "ألفريد راسل والاس" ينهى بذلك أيضًا مصيره العلمى.
اليوم، أصبح اسمه شبه منسى، بينما أصبح الرجل الذى أرسل إليه المظروف – وهو "تشارلز داروين" – أحد أهم العلماء فى كل العصور.
ذلك المظروف الذى احتوى على نظرية التطور والانتقاء الطبيعى جعل داروين يبادر بإنهاء كتابه حول نفس الموضوع بسرعة كبيرة.
وكان ذلك هو الكتاب الذى أصبح لاحقاً واحدًا من أشهر المنشورات العلمية التى هزت العالم على الإطلاق.
"والاس" العصامى:
كان "ألفريد راسل والاس" بريطانيًا مثل "داروين". وُلد فى بلدة صغيرة على الحدود بين ويلز وإنجلترا عام 1823 – أى بعد "داروين" بأربعة عشر عامًا. أدى فشل مغامرات والده التجارية إلى ترك عائلتة فى حالة فقر نسبى، لكن منزلهم كان مليئًا بالكتب، بحيث أصبح "والاس" قارئًا شغوفًا يهتم بالعالم من حوله.
كان التعليم الرسمى الوحيد الذى تلقاه "والاس" هو المدرسة الابتدائية؛ وبعد إنهائها، انتقل إلى لندن للعيش مع أحد إخوته الأكبر سنًا، ومن ثم أصبح يعمل فى مساحة الأراضى مع أخوه الآخر، ويليام.
سافروا إلى جميع أنحاء إنجلترا وويلز، وكان "والاس" يجمع النباتات خلال رحلاته، ليصبح مع تزايد مجموعته، عالم نباتات بارع.
في تلك الأيام، كانت دراسة الطبيعة هى موضة العصر لدى الطبقات العليا، فكانوا يتجولون فى الغابات مرتدين ملابسهم الأنيقة، منبهرين بأصوات الغزلان، وأجنحة الفراشات التى ترفرف، والخنافس التى تزحف.
وسط تلك الأجواء الرومانسية، كان العلماء يحاولون اكتشاف كيف يعمل كل شىء.
خلال سنوات عمله كمساح أراضى، اكتسب "والاس" معرفة متزايدة عن هذه الظواهر الطبيعية، إلا أن رحلاته توقفت عندما اضطر أخوه للتخلى عن عمله، تاركًا عالم الطبيعة العصامى هذا، عاطلاً عن العمل.
بعدها تمكن من الحصول على وظيفة كمدرس لمسح الأراضى ورسم الخرائط فى مدرسة ليستر كوليجيت فى شرق ميدلاندز البريطانية. وهناك التقى بروح مشابهة لروحه، هو "هنرى والتر بيتس".
العلم, نادى للنخبة:
لم يكن لبيتس هو الآخر عائلة ثرية تدعمه. فى تلك الأوقات كان معظم الأشخاص الذين يدرسون الطبيعة إما أثرياء أو لديهم رعاة أغنياء. وكان معظم علماء الطبيعة البريطانيين يتعرفون على بعضهم البعض إما من الجامعة أو من نوادى الرجال الحصرية فى لندن، حيث كانوا يلتقون لمناقشة أفكارهم، قبل أن يعودوا إلى ممتلكاتهم لمواصلة دراساتهم عن الطبيعة.
"والاس" ليس جزءًا من هذا العالم:
لم يكن لديه ثروة، ولا خدم، ولا إمكانية الوصول لنوادى مثل "أثينيوم"، حيث كان "داروين" و"ديكنز" يلتقيان مع ممثلى النخبة الآخرين.
لذلك كان لقاؤه مع "بيتس" فى مكتبة ليستر حاسمًا فى توفير شريك للنقاش. كان "بيتس' يتمتع ببعض الاحترام كخبير معترف به فى الحشرات، حيث نشر مقالًا عن الخنافس فى مجلة علم الحيوان المرموقة. وبدأ "والاس" أيضًا فى استكشاف عالم علم الحشرات الرائع.
مناقشات مستمرة وقراءات مشتركة:
كان "بيتس" و"والاس" يناقشان باستمرار أحدث الاكتشافات والنظريات حول الطبيعة، وكانا يقرآن الكتب نفسها – بما فى ذلك أوصاف "تشارلز داروين" الشهيرة عن رحلة البيجل، وكذلك كتابات "توماس روبرت مالتوس" حول اتجاهات السكان. أصبح كلا الكتابين لاحقًا مهمين جدًا لوالاس.
لكن كان هناك كتابًا آخر أصبح أكثر أهمية بالنسبة له، هو: "آثار التاريخ الطبيعى للخلق". كان المؤلف وقتها مجهولاً (نعلم الآن أنه كان الناشر وعاشق الطبيعة "روبرت تشامبرز")،
لم يكن النص مكتوبًا بشكل جيد، وكانت الاستنتاجات غير مدعومة جيدًا. ومع ذلك، حظى الكتاب باهتمام فى عالم العلم، ويمكن اعتباره أول كتاب يطرح نظرية التطور.
قرأ كل من "بيتس" و"والاس" هذا الكتاب المجهول فى عام 1845.
كان الكتاب يقترح أن كل ما يوجد اليوم من كائنات قد تطور من أشكال سابقة، النجوم، الأرض، النباتات، الحيوانات – وحتى البشر.
وهذا الاستنتاج الأخير كان غير مقبول تماماً بالنسبة للكنيسة، مما دفع العديد من المؤمنين إلى محاربة الكتاب. لكن بالنسبة لمفكرين مثل "والاس" و"بيتس" – و"داروين" – كان الكتاب مثيرًا للاهتمام بشكل كبير.
الكتب ألهمت الرحلة الاستكشافية:
غادر "والاس" ليستر للقيام بأعمال مسح لسكة حديد ويلزية، مما وفر له فرصًا عديدة للخروج وجمع الحشرات فى تلال بريكون. لكن إعادة قراءة رحلات "داروين" أقنعته بأنه يحتاج إلى مغامرة أكبر. وبعد قراءة كتاب "رحلة فوق نهر الأمازون" ل"ويليام هنرى إدواردز"، قرر "والاس" و"بيتس" الذهاب إلى هناك، وتمويل رحلتهما عن طريق شحن الحشرات والطيور والحيوانات الكبيرة إلى علماء الطبيعة والمتاحف والجامعين فى لندن، الذين كانوا يدفعون أموالًا جيدة لتجنب السفر بأنفسهم إلى زوايا العالم النائية لجمع العينات الغريبة. فى هذه الأثناء، سيتمكن "والاس" و"بيتس" من البحث بشكل أعمق فى ما إذا كانت نظرية التطور قد تكون صحيحة بالفعل.
بداية الرحلة إلى البرازيل:
انطلقوا إلى البرازيل فى أبريل 1848، وقرروا السير فى مسارات منفصلة داخل الغابات المطيرة لاستكشاف اكبر قدر من المساحات. غطى "والاس" مساحات شاسعة خلال رحلته، ولاحظ أن النباتات والحيوانات غالبًا ما تتغير مع تغير المنطقة. عندما عبر حواجز طبيعية مثل الأنهار أو الجبال، كان غالبًا ما يصادف أنواعًا جديدة. بالنسبة لوالاس، أشارت هذه الملاحظة إلى أن الكائنات الحية يمكن أن تتغير بمرور الوقت اعتمادًا على موطنها. لكنه لم يفهم الآليات الكامنة وراء ذلك.
سنوات ضائعه من العمل:
كان العالمان الشابان مخلصين لمهمتهما: بقى "بيتس" فى أمريكا الجنوبية لمدة 10 سنوات، بينما قرر "والاس" العودة بعد أربع سنوات. لكن عند مغادرته الغابات المطيرة، اكتشف أن آلاف العينات التي جمعها بشق الأنفس لم تُنقل إلى مدينة بليم ولم تُشحن إلى العملاء فى إنجلترا كما كان مُتفقًا. لم تغادر العينات البرازيل أبدًا.
وبصعوبة، تمكن "والاس" من تحميل جميع العينات على متن سفينة متجهة إلى لندن.
لابد أنه كان يتطلع إلى عودة مليئة بالإنجازات، وهو محمل بعينات وأنواع جديدة، مع ملاحظاته العلمية التى بدأت تتشكل لتكون بحثًا جديدًا.
لكن الحظ – أو العناية الإلهية – لم يكن فى صفه. لقد تحطمت السفينة، وفُقدت جميع عيناته وجميع ملاحظاته باستثناء بعض الرسومات، وقضى "والاس" والناجون من السفينه 10 أيام فى قوارب النجاة فى وسط المحيط الأطلسى، قبل أن يتم إنقاذهم بواسطة سفينة شحن عابرة.
العودة والبدء من جديد:
رغم خسائره، ولأنه الآن يفتقر إلى أى دليل مادى لنظرية التطور التى كانت قد بدأت تتشكل فى ذهنه، كان "والاس" مصممًا على الانطلاق مرة أخرى.
أثناء تعافيه فى لندن، نشر عدة مقالات عن اكتشافاته فى أمريكا الجنوبية، ثم فى عام 1854 انطلق إلى آسيا، حيث قضى ما مجموعه ثمانى سنوات في أرخبيل الملايو وما كان يُعرف آنذاك بالهند الشرقية، وهى الآن سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا.
إنجازات جديدة فى آسيا:
بمساعدة فريق من المساعدين، جمع "والاس" عددًا هائلًا من العينات: حوالى 110,000 حشرة، و8050 طائرًا، و410 من الثدييات والزواحف، بما فى ذلك أكثر من 5000 نوع غير معروف. وهذه المرة تأكد من وصولها إلى لندن. بدأت العينات المثيرة التى أرسلها إلى الوطن، مدعومة بالمقالات عن رحلة أمريكا الجنوبية السابقة، تجعل اسم "والاس" تدريجيًا معروفًا ومحترمًا فى الأوساط العلمية.
كان يتواصل بانتظام مع العديد من علماء الطبيعة المشهورين، وكان معظمهم أيضًا عملاء دائمين لشراء عيناته. ولكن كان هناك عميل وعالم طبيعة واحد على وجه الخصوص، كان يشكو من أن العينات المرسلة من آسيا باهظة الثمن: اسمه: "تشارلز داروين".
الحمى جعلت "والاس" يدرك ما يجب فعله:
في عام 1858، أصيب "والاس" بمرض الملاريا الشديد عندما كان فى جزيرة تيرنات فى مجموعة جزر الملوك فى إندونيسيا. وهو فى الفراش يعانى من حمى شديدة، ادعى لاحقًا أنه أثناء ما كان نصف واعٍ، رأى فجأة الأمور بوضوح تام.
أدرك "والاس" أن التغيرات فى الحياة البرية التى لاحظها فى كل من الأمازون وغابات آسيا المطيرة كانت تعديلات تم إجراؤها للتكيف مع المحيط، وأن أنواع الحيوانات يجب أن تتطور لتتكيف مع البيئة التى تعيش فيها.
كان هذا هو التفسير الذى كان يبحث عنه لسنوات. وبمجرد أن تعافى من الحمى، كتب ما أصبح يُعرف الآن بمقالة تيرنات.
كتب النص وأعاد كتابتة، لكنه كان يفتقر إلى الجدل العلمى الضرورى مع علماء آخرين بما قد يشير إلى نقاط الضعف فى مخطوطته قبل القيام بنشرها. لذا قرر "والاس" إرسال نص تيرنات أولاً إلى عالم الطبيعة الذى يكن له أكبر قدر من الاحترام، والذى كان قد تبادل معه من قبل بعض المراسلات بالفعل: "تشارلز داروين".
"داروين" كان يفضل الانتظار الطويل:
لاحقاً تم التدقيق مطولاً فى رسالة "والاس" الى "داروين".
لقد استغرق وصول الرسالة وقتًا طويلاً، ويعد تأخر تبادل الرسائل لشهور مسألة حاسمة عندما يتم النظر فى الإجراءات اللاحقة التى فعلها "داروين".
لم يقم "داروين" بالتشاور بشكل كامل مع "والاس" حول ما يجب فعله.
فعندما تلقى داروين المخطوطة فى 18 يونيو 1858، أدرك على الفور أنها ليست فقط شيئًا خاصًا، بل إنها تكمل عملاً كان داروين نفسه يستعد له منذ عقود.
فى رسالته التمهيدية إلى "داروين" التى أرفقها بالمخطوطة، ذكر "والاس" اتصالاته مع عالم الطبيعة الشهير "تشارلز لايل"، الذى أرسل إليه رسالة قبل بضع سنوات، يوضح فيها نظريته. فى ذلك الوقت، ذكر "لايل" النظرية لداروين، وعندما رد "داروين" بأنه كان يعمل على أفكار مماثلة لسنوات، حث "لايل" "داروين" على النشر قبل أن يسبقه شخص آخر – مثل "والاس". لكن "داروين" تردد.
الآن، وفى السياق الحديث يبدو هذا أمرا غير مفهوم، حيث أن امتلاك الأفكار لا يجلب فقط الشهرة العلمية ولكن أيضًا براءات الاختراع والعوائد المالية. لكن بالنسبة لداروين، كان التفكير الشامل بالنسبه له أكثر أهمية من السرعة. نبعت هذه الخاصيه المتعلقة بالقدرة على الصبر الشديد من حياته المبكرة: فقد كان تشارلز ينتمى إلى عائلة ثرية، ولم يكن يحتاج إلى العجلة أبدًا.
فى الواقع، كان من المفترض أن يصبح قسيسًا. لكن حياته تغيرت بعد دراسته الجامعية، عندما أتيحت له الفرصة للمشاركة فى رحلة استكشافية لرسم خرائط لمناطق غير معروفة حول العالم. وفى عام 1831، صعد على متن سفينة HMS بيجل.
"داروين" كان رفيقًا فى الرحلة:
كان دور "داروين" خلال الرحلة الاستكشافية هو توفير رفقة راقية للقبطان "روبرت فيتزروى"، بالإضافة إلى تسجيل البيانات الجيولوجية. لكن "داروين" كان أكثر اهتمامًا بالطبيعة من الجيولوجيا، واستغل كل فرصة لفحص وجمع أى نباتات أو حيوانات يصادفونها.
بداية نظرية التطور:
عند عودته في عام 1836، بدأ "داروين" فى صياغة نظريته الخاصة حول التطور. كان أحد الكتب التى ألهمته كتاب "توماس روبرت مالتوس" – وهو الكتاب الذى قرأه "والاس" أيضًا عندما كان يدرس فى ليستر.
لقد قام "مالتوس" بوصف كيف أن النمو السكانى فى أوروبا سيضع يومًا ما مصادر الغذاء فى خطر وسيؤدى إلى صراع لا ينجو فيه إلا الأقوى. أخذ "داروين" هذه الفكرة خطوة أبعد، ونقلها إلى مملكة الحيوان، واستخدمها لشرح كيف يمكن أن تنشأ أنواع جديدة فى أثناء تنافسها مع بعضها البعض.
ملاحظات "داروين" فى جزر جالاباجوس:
خلال رحلة البيجل فى جزر جالاباجوس، لاحظ "داروين" نوعين مختلفين من السلاحف فى جزيرتين مختلفتين. كانت إحداها تعيش فى بيئة رطبة ولديها عنق قصير، بينما كانت الأخرى فى موطن أكثر جفافًا ولديها عنق أطول.
تبدو أفكار "داروين" فى أوقاتنا الحالية واضحة ومقبولة: يوجد فى الطبيعة صراع مستمر من أجل البقاء، ولا ينجو إلا الأقوى. والأقوى ليس بالضرورة الأكبر حجمًا، بل الأكثر تكيفًا مع المحيط. عندما يكون للحيوان خاصية تجعله أكثر تكيفًا مع البيئة، فإنه يكتسب ميزة، سواء كانت فراءً أكثر دفئًا، أو منقارًا أكثر حدة – أو عنقًا أطول.
الانتقاء الطبيعى:
الأهم من ذلك، أن هذه الميزة يمكنها أن تنتقل إلى الأجيال القادمة: فهى ليست ميزة للفرد فقط. الحيوانات ذات الأعناق القصيرة تكون أكثر نجاحًا فى التكاثر. الجيل التالى يرث هذه المزايا، بينما تختفى الخصائص الأقل فائدة. على مدى أجيال، قد يتغير التكيف لدرجة أن الأفراد الجدد لم يعودوا ينتمون إلى نفس النوع. النوع الجديد هو نتيجة صراع – ولم يُخلق.
"داروين" والحذر العلمى:
كقسيس سابق محتمل، كان "داروين" يعلم مدى التأثير الذى سوف تثيره هذه النظرية، لذا قرر ألا يشاركها مع الآخرين قبل أن يتمكن من التعبير عنها بطريقة لا يمكن دحضها. لقد أراد تجنب الأخطاء التى وقع فيها كتاب "آثار التاريخ الطبيعى للخلق" – فتجنب أى ذكر مباشر لتطور البشر تمامًا.
عمل على النظرية لسنوات، وكتب آلاف الصفحات، لكن لم يُنشر أى منها.
ثم فى يونيو 1858، وصلته رسالة "والاس".
الرسالة جعلت "داروين" يكتب:
لم يكن "داروين" يعتقد فى ذلك الوقت أنه جاهز للنشر بعد، لكن مقالة "والاس" كانت حافزًا واضحًا. فى اليوم التالى مباشرة، كتب إلى "تشارلز لايل" أنه تلقى من "والاس" ما يمكن اعتباره ملخصًا لأفكاره الخاصة.
توصل "والاس" إلى نفس الاستنتاجات التى توصل إليها "داروين"، مما جعل "داروين" أكثر ثقة بأن الفكرة صحيحة. كما أظهرت له مخاطر تأخره الطويل فى النشر. إذا لم ينشر شيئًا فى أسرع وقت ممكن، فقد يتفوق عليه الآخرون بنشر أفكار مماثلة، ويصبح عمله العظيم قديمًا قبل حتى طباعة الصفحة الأولى.
الدوافع وراء ما حدث لاحقًا:
لقد تم التمحيص فى تلك الأحداث، وما حدث بعد ذلك مرارًا وتكرارًا لتحديد ما إذا كان "داروين" قد حاول إنقاذ عمله الخاص، أو إذا ما كان قد أعطى الفضل الكافى لوالاس.
ادعاءات من قبيل ما تم الترويج له فى الثمانينيات من أن "داروين" تلقى رسالة "والاس" فى وقت أبكر مما قال، تم دحضها من خلال تحليلات مفصلة لجدول الشحنات التى تدعم تواريخ "داروين".
لكن "داروين" كان بالتأكيد محبطاً. كتب إلى "لايل" قائلاً: "كل أصالتى، مهما كانت، ستتحطم"، "إن أفكارى التطورية قد نُشرت فى مقالات تعود إلى عام 1844، "لذا يمكننى أن أقول وأثبت بصدق أننى لم آخذ شيئًا من "والاس"... أفضل أن أحرق كتابى بالكامل على أن يعتقد هو أو أى شخص أننى تصرفت بروح مستهترة." ولكن بعد ذلك، توفى ابنه الصغير بسبب الحمى في 28 يونيو، ويُقال إنه اعتزل للحداد، تاركًا قضية "والاس" فى أيدى "لايل" وصديقهما المقرب "جوزيف هوكر".
خطوات "لايل" و"هوكر":
نظم "لايل" و"هوكر" عرضًا مشتركًا لجمعية لينيان فى أغسطس 1858، ثم نُشر ذلك فى المجلة الحيوانية للجمعية. تضمن العرض مقدمة من "لايل" و"هوكر"، ثم ثلاث أوراق بحثية، اثنتان منها لداروين (الأولى، كما كُتبت فى وقت سابق)، تليها مخطوطة "والاس' – التي أُرسلت كمسودة أولية، ولكنها نُشرت دون تصحيحات أو مراجعة.
'داروين" يسرع لإنهاء كتابه:
في هذه الأثناء، أسرع 'داروين" لإنهاء كتابه. فى نوفمبر، نُشر الكتاب الشهير "عن أصل الأنواع"، الذى نفدت نسخه على الفور، وتم طباعة عدد لا يحصى من الطبعات اللاحقة. وجلبت المبيعات ثروة كبيرة لداروين.
لا ضغينة:
لم يحمل "والاس' ضغينة. وقال علنًا إن كتاب "داروين" كان أكثر وضوحًا من كتاباته الخاصة. وعندما تعرض "داروين" للنقد، كان "والاس" من أوائل المدافعين عنه.
رد "داروين" له الجميل فى سبعينيات القرن التاسع عشر، عندما واجه "والاس" مشاكل مالية. قام "داروين" بالتحرك من اجل أن يحصل "والاس" على منحة مدى الحياة مقابل مساهماته فى العلم. لم تجعله رجلاً ثريًا، لكنها كانت كافية ليعيش بشكل مريح.
تم نسيان "والاس" بمرور الوقت:
مع مرور الوقت، نُسى "والاس" إلى حد كبير. قليلون اليوم يعرفون دوره فى دفع عمل "داروين" المهم للنشر. لكن فى عام 2021، تم الكشف عن تمثال نصفى لوالاس فى مدينة أوسك، مسقط رأسه فى المملكة المتحدة، بناءً على أقدم صورة باقية له، وهو فى سن الـ25.
يبدو فى التمثال مفكرًا، ربما يتساءل عما كان سيحدث، لو لم يرسل تلك الرسالة فى عام 1858، لقد كان من الممكن ان يصبح هو نفسه "البقاء للأصلح"، ويُنسب إليه الفضل فى نظرية التطور.
تعليقات