هل يمكن أن نعيش إلى الأبد؟!

 لقد قمنا بتمديد عمرنا بمقدار 35 عامًا خلال القرن الماضى.  فهل يمكننا أن نعيش إلى الأبد؟  

هذا هو التساؤل هو ما تحاول "إيبى راش" فى هذا المقال بحثه.

إذا كان طول العمر مرضًا، فهل يمكن علاجه، وهل كما يدعى بعض الباحثين  أنه بالإضافة إلى إطالة العمر من خلال تحسين الصحة، قد يكون هناك ينبوع شباب متاح داخل خلايانا.  

أمراض القلب والأوعية الدموية، والخرف، والسرطان: كلها أمراض تودى بحياة الملايين حول العالم كل عام. لكن السبب الأساسى للوفاة غالبًا ليس هو التدخين أو النظام الغذائى غير الصحى أو قلة التمارين الرياضية. 

القاتل الرئيسى هو "التقدم في العمر". 

نادرًا ما يصاب الأشخاص فى العشرينيات من عمرهم بالسرطان، وبالكاد يصابون بالخرف أو الجلطات الدموية. فقط مع مرور الوقت يصبح الجسم البشرى أقل قدرة على الحفاظ على نفسه ومحاربة الأمراض. وفى النهاية، ندفع الثمن بأرواحنا.

الرقم القياسى هو ١٢٢ عامًا:

عندما خطا الإنسان العاقل (هومو سابينس) خطواته الأولى، كان متوسط العمر المتوقع لأنواعنا يتراوح بين ٢٥- ٣٠ عامًا. وبقى الوضع على هذا الحال لآلاف السنين. لقد أدت معدلات وفيات الرضع المرتفعة جدًا وقلة المعرفة الطبية إلى إبقاء متوسط العمر المتوقع منخفضًا.

حدث هذا التغيير المذهل فى وقت قريب للغاية: فقط فى القرن الماضى، فبفضل التقدم الطبى ارتفع متوسط العمر المتوقع بشكل كبير ، بسبب فهمنا للكائنات الدقيقة – والتقدم التكنولوجى، وتحسينات هامة فى مجالات مثل أنظمة الصرف الصحى وغيرها. 

اليوم، يبلغ متوسط العمر العالمى ٧٣ عامًا، على الرغم من أنه أقل فى وسط إفريقيا وأعلى فى أماكن مثل اليابان وأوروبا الغربية.

تلك الزيادة مذهلة بشكل لا يصدق: فقد زاد متوسط العمر المتوقع بمقدار ٤٠ عامًا خلال القرن الماضى. 

هناك حتى عدد قليل من الأشخاص الذين تجاوزوا حتى هذه المتوسطات. فى عام 1997، توفيت الفرنسية "جان كالمنت" عن عمر يناهز ١٢٢ عامًا ١٦٤ يومًا – وهو أطول عمر تم التحقق منه على الإطلاق. ومع كتابة هذا المقال، فإن أكبر معمرة في العالم هى "إيناه كانابارو لوكاس" من "البرازيل"، التي بلغت ١١٦ عامًا في ٨ يونيو ٢٠٢٤.

تتوقف خلايا أجسام معظم الناس عن العمل فى السن ما بين الثمانين والتسعين. فرغم أن الجسم يعتمد على انقسام الخلايا لتوفير تدفق مستمر من الخلايا الجديدة، إلا أن انقسام الخلايا له حدوده. خلايا الجهاز الهضمى، على سبيل المثال، تعيش فقط بضعة أيام قبل أن تحتاج إلى استبدالها. خلايا الجلد تعيش بضعة أسابيع، بينما يمكن لخلايا الدهون أن تعيش لمدة عقد من الزمن.

الكروموسومات القصيرة تمنع انقسام الخلايا:

يحتوي الجسم البشرى على ٣٠-٤٠ تريليون خلية، كلها (باستثناء خلايا الدم الحمراء) تحتوى على صيغة وراثية فى الحمض النوويدى DNA: وه عبارة عن خيوط طويلة ملتفة من أزواج القواعد النيتروجينية.وحتى يتناسب خيط DNA بطول مترين داخل الخلية التى يبلغ قطرها 0.02 ملم فقط، يتم لف الخيط وطيّه حول البروتينات (الهيستونات) فى 46 حزمة تُعرف باسم الكروموسومات.

فى نهايات الكروموسومات توجد التيلوميرات: وهى نوع من "الغطاء" الواقى المكون من أزواج القواعد النيتروجينية، والتى توجد فقط لحماية الكروموسومات ومنعها من التكتل.

ولكن فى كل مرة تنقسم فيها الخلية وتنتج خلية جديدة، تصبح التيلوميرات أقصر قليلاً. فى النهاية، تصبح قصيرة جدًا لدرجة أن الخلية لا تعود قادرة على الانقسام، وينضب مصدر الخلايا الجديدة.

أولى عواقب تلك التيلوميرات القصيرة هى حدوث العلامات الخارجية المرئية للشيخوخة: قد يظهر الشيب، أو تزداد التجاعيد العميقة فى الوجه.

لكن العواقب الأكثر خطورة تحدث تحت الجلد. 

يؤدى ضعف انقسام الخلايا إلى زيادة خطر الإصابة بالاضطرابات المرتبطة بالعمر: مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكرى، وأنواع مختلفة من السرطان.

كما يضعف الجهاز المناعى للجسم، ويزداد خطر الإصابة بالأمراض العصبية التنكسية مثل ألزهايمر، وكذلك الالتهابات، مما يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض الروماتيزم. 

بمعنى آخر: إن تقصير التيلوميرات فى نهايات الكروموسومات هو الذى سيقتلنا فى النهاية، بطريقة أو بأخرى.

لذلك قد يبدو أنه إذا استطعنا بطريقة ما الحفاظ على هذه التيلوميرات، فقد نتمكن من إبطاء الشيخوخة.

وهذا بالضبط ما حاولت سيدة من الولايات المتحدة تدعى "ليز باريش" القيام به فى عام 2015 – وليس فى المختبر، ولكن فى جسدها نفسه. 

تم حقن "باريش" بجين معدل ينتج التيلوميراز، وهو إنزيم يطيل التيلوميرات. كان قد تم اختبار هذا العلاج الجينيدى بنجاح على فئران المختبر، مما أدى إلى تأخير شيخوختها. ومثل الفئران، أصبحت تيلوميرات "باريش" أيضًا أطول.

تدعى "ليز باريش" أن العلاج جعلها تشعر بأنها أصغر سنًا. لكن الأدلة العلمية تشير إلى أن العلاج كان له تأثير ضئيل، على حين قد يأتى تطويل التيلوميرات بثمن باهظ لم تدفعه "باريش" بعد: وهو زيادة خطر الإصابة بالسرطان (حتى فحصها الصحى فى أكتوبر 2024، تدعى أنها لا تزال تتمتع بصحة جيدة تمامًا).

المشكلة أن هناك العديد من أنواع السرطانات التى تسىء استخدام التيلوميراز للانقسام بشكل خارج عن السيطرة. وإذا تُرك انقسام الخلايا دون رقابة، فإنه يُمنح المرض حرية الانتشار – وهذا أسوأ من الشيخوخة. 

أدى الارتباط بين السرطان والتيلوميراز إلى محاولة لجوء الأطباء لطرق أخرى يمكنها إطالة التيلوميرات بدون هذه الآثار الجانبية.

يبحث العلماء أيضاً الباحثين عن علاج للشيخوخة فى "الميتوكوندريا" – وهى محطات الطاقة داخل الخلايا. فمع تقدمنا فى العمر، تضعف "الميتوكوندريا" وتُسرّب كميات كبيرة من الجذور الحرة إلى الخلايا.

هذه الجذور الحرة يمكنها تكسير البروتينات فى الخلايا، والدهون فى أغشية الخلايا، بل وحتى الحمض النووى نفسه. 

تمتلك الخلايا آليات دفاعية مختلفة ضد الجذور الحرة، لكن هذه الآليات لا تعمل بشكل صحيح فى الخلايا المتقدمة فى العمر.

لذلك يبحث الأطباء عن طرق لإبطاء هذه العملية، مثل استخدام 'الريسفيراترول". يوجد "الريسفيراترول" فى التوت والعنب والشوكولاتة الداكنة، وهو مضاد للأكسدة يمكنه محاربة الجذور الحرة، على الأقل فى حيوانات المختبر. لكن نتائج التجارب السريرية على البشر ليست حاسمة بعد – على الرغم من أن الأمر يبدو مغريًا، لانه سيكون من اللطيف أن تنجح الشوكولاتة والعنب فى إطالة العمر.

البحث العميق داخل الجينات: 

الطريقة الأخرى التى نحاول استخدامها لإطالة العمر، ربما تكون هى "الغش". فإذا فشلت التيلوميرات ومضادات الأكسدة في تحقيق تقدم قابل للقياس حتى الآن ، فيمكن للعلماء دائمًا اللجوء إلى تقنية "كريسبر" الجينية، وهى تلك التقنية التى جعلت من الممكن فى السنوات الأخيرة، القيام بتعديل الجينات فى الجسم – وبالتالى، ولو من الناحية النظريًة على الأقل، يمكن عكس بعض التغيرات المرتبطة بالعمر.

إذا كانت الخلايا المتقدمة في العمر تعانى من تلف فى الحمض النووى للميتوكوندريا (mtDNA)، يمكن لتقنية "كريسبر" تصحيح هذا التلف لجعل محطات الطاقة تعمل كما لو كانت جديدة.

مجال واعد آخر هو "بحوث الخلايا الجذعية". 

فى الجنين، تكون جميع الخلايا عبارة عن خلايا جذعية، يمكن أن تتطور لاحقاً إلى النوعيات المختلفة من الخلايا المتخصصة الموجودة فى الجسم البالغ – مثل خلايا الأمعاء، وخلايا الجلد، والخلايا العصبية، وما إلى ذلك. 

هذه القدرة تختفى مع نمو الجسم، لكن فى عام 2006، اكتشف العالم اليابانى "شينيا ياماناكا" طريقة لتحويل خلايا الجلد العادية إلى خلايا جذعية عامة، يمكنها أن تتحول مرة أخرى لتكوين جميع أنواع الخلايا المتخصصة.

خلايا "ياماناكا" الجذعية المحفزة (IPS cells) قد تصبح إكسير الشباب فى المستقبل. فإذا تم استبدال خلايا الكبد المتقدمة فى العمر المكونة من بتيلوميرات وميتوكوندريا بالية بخلايا IPS جديدة، فقد يستعيد الكبد نشاطه الشبابى.

وإذا تم استبدال جميع الخلايا البالية بأخرى جديدة، يمكن للجسم – نظريًا – أن يعيش إلى الأبد.

في عام 2023، أظهر باحثون من "كلية هارفارد الطبية" المرموقة في الولايات المتحدة أن التلاعب بالجينات يمكنه أن يؤثر على الشيخوخة فى الفئران. لكن التجارب السريرية المماثلة على البشر لا تزال بعيدة المنال.

حيث يواجه الباحثون تحديًا متأصلًا فى جميع الأبحاث العلمية الخاصة بالشيخوخة: وهو أن التجارب تستغرق وقتًا طويلاً جدًا. 

فإذا كان على الأطباء تحديد ما إذا كان بإمكان مولود جديد أن يعيش حتى 120 عامًا، فإن التجربة ستستغرق على الأقل 120 عامًا.

ولكن فى حين أن الشيخوخة لا يمكن علاجها بالكامل على الفور، هناك بالتأكيد أمل فى عمليات إطالة العمر. الإحصائيات تتحدث عن نفسها. إذا اختار طفل حديث الولادة أسلوب حياة صحى، يمكنه أن يتطلع إلى العيش لمدة 100 عام. وهذا قد يمنح الباحثين قرنًا آخر للعثور على علاجات يمكنها تأخير الأمراض المرتبطة بالعمر... وبالتالي ضمان أن يعيش هذا الطفل، على سبيل المثال، حتى عيد ميلاده الـ150. 

بمعنى آخر: إذا عشت لفترة كافية، من يدرى؟ فقد يتم تمديد الحياة إلى أجل غير مسمى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل نحن اذكى مما ينبغى؟

كم أفتقدك - "بقلم: حازم فرجانى"

الأنبياء - قصة قصيرة