ستيفن هوكينج: تاريخ موجز عن الرجل واسهاماته
عندما بلغ من العمر 21 عامًا، كان مقدرا للعبقرى الفيزيائى"ستيفن هوكينج" أن يعيش لعامين فقط. لكنه تحدى كل الصعاب، فأوقف عجلة الزمن، ليستكشف القوى التى تتحكم فى مسارات الكون.
عن مقالة ل "إيبى راش"
كان المرض الذى اصيب به "ستيفن هوكينج" فى سن مبكرة هو اضطراب الأعصاب، المعروف أيضًا بالتصلب الجانبى الضمورى (ALS). ومع تدهور حالته الجسدية، سرعان ما احتاج إستخدام كرسى متحرك – لكن عقله لم يتوقف عن العمل أبدا.
كان "هوكينج" واحدًا من أبرز علماء الفيزياء فى عصره، حيث قدم أفكارًا ومعادلات غيرت مفاهيمنا عن الثقوب السوداء والانفجار العظيم.
إليكم "تاريخًا موجزًا" عن "ستيفن هوكينج" وإنجازاته العلمية.
من هو "ستيفن هوكينج"؟
➥ وُلد عالم الفيزياء الإنجليزى "ستيفن هوكينج" عام 1942، ونشأ فى "لندن" ثم "سانت ألبانز" شمال العاصمة، مع أشقائه الثلاثة ووالديه فرانك وإيزوبيل.
أظهر اهتمامًا كبيرًا بالرياضيات، على الرغم من أن والده، الذى كان طبيبًا، لم يكن يعتقد أن العالم بحاجة إلى علماء رياضيات. لكن الشاب ستيفن لم يتخلَ عن هذا المجال.
في عام 1959، بدأ دراسة الفيزياء في "جامعة أكسفورد"، حيث استطاع تطوير مهاراته الرياضية. لكن "هوكينج" سرعان ما أدرك أن المواد الدراسية كانت سهلة للغاية، وشعر بالملل لأن الكثير مما كان المحاضرون يحاولون شرحه، كان يعرفه مسبقًا.
لم يستقر فى الحياة الأكاديمية ويبدأ فى بناء سمعتة كطالب متميز إلا بعد ثلاث سنوات، عندما تم قبوله فى "جامعة كامبريدج" المرموقة. وهو نفس الوقت الذى ظهرت عليه فيه أعراض المرض.
لماذا كان "هوكينج" يستخدم كرسيًا متحركًا؟
➥ بعد سنوات قليلة من تزايد المشاكل الحركية وصعوبة النطق، وفى عام 1963، تم تشخيص حالة "هوكينج" بمرض التصلب الجانبى الضمورى (ALS)
واضطر بعد بضع سنوات إلى استبدال عكازيه بكرسى متحرك.
وبعد جراحة فى عام 1985، فقد القدرة على الكلام. لذلك استخدم لبقية حياته جهازًا إلكترونيًا لتوليد الكلام يمكنه نطق العبارات والكلمات والحروف التى كان هوكينغ يختارها باستخدام مفتاح بسيط.
أصبح "الصوت" الذي ينتجه الجهاز جزءًا من شخصيته، وفي النهاية أصبح معروفًا كصوته الخاص. وعلى الرغم من التطور الكبير فى جودة الأصوات الإلكترونية على مر السنين، التزم "هوكينج" بصوته الحاسوبى المميز حتى وفاته.
كيف توفى "ستيفن هوكينج"؟
➥ تجاوز "هوكينج" توقعات الأطباء بأكثر من 20 مرة، وذلك بمساعدة مقدمى الرعاية على مدار الساعة. لكن فى عام 2018، وبعد 55 عامًا من الكفاح ضد مرض ALS، توفى العالم الفيزيائى فى منزله فى "كامبريدج" فى 14 مارس – وهو اليوم الذى يصادف عيد ميلاد "ألبرت أينشتاين"، مثله الأعلى، والذى وُلد قبل هذا التاريخ ب 139 عامًا.
يوجد على شاهد قبر "هوكينج تصور ل"ثقب أسود" – وهى الظاهرة الفلكية التي قضى جزءًا كبيرًا من حياته المهنية فى محاولة فهمها.
كما نُقش على الشاهد صيغة رياضية واحدة: هى الصيغة التى يستخدمها الفيزيائيون لحساب درجة حرارة الثقب الأسود – وهى حسابات كانت ذات أهمية خاصة عند "هوكينج".
ما هو أشهر ما عُرِف به 'هوكينج"؟
➥ كان الموضوع الرئيسى لأعمال هوكينغ هو أسرار الجاذبية.
نشر "ألبرت أينشتاين" نظريته النسبية العامة فى عام 1915، والتى وصفت الجاذبية فى ما قد يكون أهم نظرية فى الفيزياء الحديثة.
أثارت هذه النظرية سعيًا لاكتشاف كيفية عمل الجاذبية فى أكثر الظروف تطرفًا: فى بداية الكون، وفى الثقوب السوداء التي تنبأت بها نظرية أينشتاين.
عندما بدأ "هوكينج" الدراسة الجامعية، كان الفيزيائيون لا يزالون يتناقشون حول ما إذا كان الكون قد توسع من نقطة واحدة عبر "الانفجار العظيم"، وما إذا كانت الثقوب السوداء النظرية التى تنبأ بها "أينشتاين" موجودة بالفعل. وخلال مسيرة "هوكينج" المهنية، يمكن القول بأنه استطاع حل على الأقل جزء من هذا اللغز.
كما كان وراء عدد من "القوانين" المتعلقة بالثقوب السوداء. فى أحد هذه القوانين أشار إلى أنه وفقًا للفيزياء الكلاسيكية، لا يمكن للثقوب السوداء أن تصبح أقل حجماً أبدًا. إذا اصطدم ثقبان أسودان، فلن يتفتتا إلى العديد من الثقوب السوداء الصغيرة، بل سيندمجان فى ثقب أسود واحد كبير.
وفى عام 2015، أى قبل ثلاث سنوات من وفاة "هوكينج"، سجل علماء الفلك مثل هذا الاصطدام، الذى أكد نظريتة.
ما هو "إشعاع هوكينج"؟
➥ أكدت أبحاث "هوكينج" فكرة أن لا شيء يمكنه الهروب من الثقب الأسود. ومع ذلك، كانت هناك مشكلة. فقوانين الديناميكا الحرارية تنص على أن أى شيء أكثر دفئًا من الصفر المطلق (0 كلفن أو -273.15 درجة مئوية) يجب أن يصدر إشعاعًا كهرومغناطيسيًا. يمكن أن يكون هذا الإشعاع مرئيًا بالعين المجردة، مثل الضوء المنبعث من نجم أو نار، أو قد يكون مرئيًا فقط باستخدام معدات الأشعة تحت الحمراء، مثل الإشعاع الحرارى المنبعث من الإنسان أو الحيوان أو حتى الذبابة.
ورغم أن الثقب الأسود يكون بارد جدًا، لكنه فى نفس الوقت يتمتع بدرجة حرارة أعلى من الصفر المطلق. لذلك، فيجب أن يخرج منه إشعاع، وهو ما يتناقض مع قانون "هوكينج" للثقوب السوداء.
فى عام 1974، وجد "هوكينج" أخيرًا حلًا لهذا التناقض. أدرك أن الإجابة تكمن في ميكانيكا الكم، وتحديدًا فى الظاهرة التي تنشأ فيها أزواج من الجسيمات والجسيمات المضادة وتلغى بعضها البعض طوال الوقت. إذا حدث هذا بالقرب من ثقب أسود، فقد يتم فصل الزوجين، بحيث يتم امتصاص جسيم واحد في الثقب، بينما يتمكن الجسيم الآخر من الهروب بسرعة كافية وبُعد كافٍ عن الثقب.
تُعرف هذه الجسيمات الهاربة اليوم باسم "إشعاع هوكينج". وكنتيجة لإشعاع هوكينج، تفقد الثقوب السوداء كتلتها، وتختفى تماماً فى النهاية.
هل لا تزال نظريات "هوكينج" صالحة؟
➥ من الصعب إختبار معظم نظريات "هوكينج". ولم يعثر أحد على دليل مباشر على "إشعاع هوكينج"، لكن النظرية تعتبر صالحة لأنها تربط بشكل جيد ما بين الثقوب السوداء ونظريات أخرى.
نظرية أخرى ساهم في تطويرها لا تزال صالحة بقوة أيضًا: وهى حالة "هارتل-هوكينج' من عام 1983، التى تصف كيف بدا الانفجار العظيم:
إذا "قمنا بإعادة تشغيل عجلة الزمن إلى الوراء، عكس نظرتنا المعتادة، فإن الكون يصبح أصغر فأصغر حتى نصل إلى الانفجار العظيم، حيث يجب أن ينتهى فى حالة "تفرد".
الفيزيائيون لا يحبون "التفرد"، لأن العديد من قوانين الفيزياء التى تصف الكون بشكل جيد تنهار تمامًا إذا كان هناك شيء يمكن أن يكون مجرد نقطة بلا أبعاد. فإذا كانت التفردات موجودة، فذلك يعنى التخلى عن مئات السنوات من النظريات التى قمنا باختبارها جيدًا، وأن نبدأ من جديد – أو علينا أن نجد نظرية جديدة تشرح كيف يمكن للتفرد أن يكون متوافقًا مع بقية معارفنا الفيزيائية.
وجد "هارتل" و"هوكينج" طريقة لتجنب "التفرد". هى أن الزمن لم يكن موجودًا عند الانفجار العظيم، لذلك لا يمكن إعادة الزمن إلى تلك اللحظة بالضبط، تمامًا كما لا يمكن السفر إلى الجنوب أكثر من القطب الجنوبى. بدون لحظة بداية، لم يكن التفرد موجوداً أبدًا.
هذه النظرية معترف بها الآن –
لكن بعد 13.6 مليار سنة من الانفجار العظيم فمن المحتمل أن يكون التحقق منها مستحيلًا .
هل كان "هوكينج" يخاف الكائنات الفضائية؟
➥ فى برنامج تلفزيونى عام 1988، ناقش "هوكينج" مع عالم الفلك "كارل ساجان" وكاتب الخيال العلمى "آرثر سى. كلارك", إمكانية وجود حضارات مجهولة.
كان "ساجان" مؤيدًا للبحث عن الحياة فى الكون ومحاولة الاتصال بكائنات أخرى. بينما كان "كلارك" أقل تفاؤلًا، أما "هوكينج" فكان موقفه أنه يجب علينا تجنب أي اتصال، وعدم الرد حتى لو زارنا أحد. وجادل بأنه فى كل مرة اتصلت فيها حضارة على الأرض بأخرى، تسبب ذلك فى نشوب صراع. فلماذا قد يكون الأمر مختلفًا مع حضارة قادمة من نجم آخر؟
هل كان "هوكينج" قادرًا على كتابة الكتب؟
➥ ألف "هوكينج" أكثر من 150 ورقة علمية بالإضافة إلى كتب علمية شهيرة، كان أشهرها كتاب "تاريخ موجز للزمن: من الانفجار العظيم إلى الثقوب السوداء"، الذى على الرغم من أن موضوعه متعلق بالفيزياء النظرية، إلا انه حقق نجاحًا عالميًا وبيعت منه ملايين النسخ.
جعل هذا الكتاب من "هوكينج" نجمًا، وهو ما تضاعف لاحقاً بسبب قدرته على شرح الموضوعات العلمية بطريقة مرحة، وبروح دعابة واضحة.
على الرغم من مرضه الموهن، كان "هوكينج" بالتأكيد أحد أهم علماء الفيزياء منذ الحرب العالمية الثانية بل فى القرن العشرين كله.
ملاحظات على هامش المقال:
هل من الممكن أن يكون الانفجار العظيم قد حدث عدة مرات؟
في النظرية الكلاسيكية، يبدأ كوننا بانفجار عظيم. ولكن هل هذا الحدث الذى تشكل فيه الزمان والمكان فريد من نوعه، أم أنه من الممكن أن يكون هناك انفجارات عظيمة متعددة؟
علماء الكونيات الذين يعملون على دراسة تنظيم الكون وتطوره لا يرتاحون للأحداث الفردية، ناهيك عن التفردات التى تكمن فى قلبها.
تحدد قوانين الفيزياء إطارًا لحدوث الأحداث عدة مرات – مثل تكوين النجوم والكواكب، الذي يحدث أينما توفرت الظروف المناسبة.
لذلك يقترح بعض علماء الكونيات أن الانفجار العظيم قد لا يكون حدثًا وحيدًا، بل قد يكون واحدًا من سلسلة لا نهائية من الانفجارات العظيمة التى شكلت وستشكل عددًا لا يحصى من الأكوان.
يمكن اعتبار مثل هذه النظريات مجرد تكهنات إذا لم يكن لدى العلماء طريقة لإثبات وجود أكوان أخرى غير كوننا. ولكن فى السنوات الأخيرة، كان علماء الكونيات يطورون نظرية "الأكوان المتعددة" المحتملة – والتي تشير، كما فى الأفلام، إلى عالم يحتوى على العديد من الأكوان، وفى بعض النظريات عدد لا نهائى منها.
نشأت نظرية الأكوان المتعددة في عام 1973 عندما قدم الفيزيائى "براندون كارتر" مبدأ الأنثروبيا إلى علم الكونيات – وهى فى الأساس نوع من الانبهار من كيفيه كون قوانين الطبيعة مضبوطة بدقة بحيث يمكن للحياة أن تنشأ وتتطور.
في السنوات التالية، أصبح العلماء أكثر وعيًا بمدى روعة هذا الضبط الدقيق. ذلك أنه إذا تغيرت قيم عدد كبير من الثوابت الطبيعية حتى ولو بشكل طفيف، لما كانت الحياة لتوجد على الإطلاق.
يأخذ بعض العلماء هذه الملاحظة إلى أبعد من ذلك، مفترضين أن كوننا "تلقى" هذه القوانين المثالية والثوابت الطبيعية مسبقًا – إما من خلال إعادة استخدام كون سابق، أو من خلال "التبرعم".
تعليقات