"أمم من أمثالكم"

تتمتع الحيوانات مثلنا بثقافة حياتية، لكنها ربما أيضاً تشارك ثقافتها مع الأنواع الأخرى من الكائنات. وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن الممارسات الثقافية فى مملكة الحيوان يمكنها أن تتطور وتتخطى حدود الأنواع.

تأخذنا إلى هذة الرحلة الشيقة، "صوفيا كواجليا" الصحفية المستقلة المتخصصة فى الكتابة عن علم الأحياء والطبيعة.

فى جزيرة "ياكوشيما" اليابانية الخضراء المورقة، نشأت علاقة غير عادية بين نوعين من الحيوانات، بحيث تبدو كما لو كانت أقرب لعالم الخيال. 

فقد طورت قرود "المكاك" اليابانية وأيائل "السيكا" علاقة وثيقة وتبادل للمنفعة ما بين النوعين. 

تقوم قرود "المكاك" بركوب ظهور الأيائل متنقلة عبر الجزيرة كالفرسان الصغار، وتقوم أثناء ذلك بتنظيف فراء الأيائل الناعم. وفى المقابل، تأكل الأيائل الفاكهة التي تتخلص منها القرود، وتتوجه أيضاً ليلاً إلى أماكن نوم القرود لتتغذى على فضلاتها، مما يساهم فى تنظيف بيوت القرود.

ولا يبدو أن هذه العلاقة مجرد صدفة، بل يبدو أن النوعين يتبادلان إشارات لبدء هذا السلوك. 

يقول البروفيسور "سيدريك سوير"، خبير تعقيد سلوك الحيوانات فى "جامعة ستراسبورج": "هناك نوع من الملاحظة والتفكير أو البصيرة. أعتقد أنهم يحاولون التفاعل والاستفادة من هذا التفاعل معًا. بالنسبة لى، فهم يفهمون بعضهم البعض."

من الشائع نسبيًا أن تقلد الحيوانات سلوكيات من أفراد نوعها. 

لقد أظهرت الدراسات أن النحل الطنان يمكنه تعلم كيفية فتح الصناديق من أفراد مجموعته. كما يتم تعليم صغار النمس كيفية أكل العقارب بأمان من قبل آبائهم. وتطور الحيتان لهجات وفوارق فريدة فى أغانيها اعتمادًا على مجموعة الحيتان التى تنتمى إليها.

يشير الباحثون إلى هذا النوع من التعلم الاجتماعى باعتباره نوع من "الثقافة"، حيث يخلق اتجاهات معينة من السلوكيات بين مجموعات حيوانية محددة. لكن "سوير" وزملائه يفترضون أن سلوك الأيائل والقرود يشير إلى أن التعلم الاجتماعى شائع أيضًا ما بين الأنواع، وليس فقط داخل النوع الواحد. ويطلقون على هذا اسم "الثقافة المشتركة".

يقول "سوير": "أعتقد أن هناك العديد من الأنواع التي تظهر ثقافة مشتركة. لكن المشكلة هى أننا لم نفكر أبدًا فى الأنواع بهذه الطريقة."

تقدم دراسة هذه التفاعلات المعقدة منظورًا جديدًا لاستكشاف تعقيدات سلوك الحيوانات. 

كما يمكن أن تكون الثقافة بمثابة نوع اخر من الإرث الوراثى – مثل الجينات، فهى طريقة لنقل المعلومات من جيل إلى آخر – ومن المحتمل أن يساعد التعاون بين الأنواع فى تسريع تطور السلوكيات.

تتزايد الملاحظات حول هذه النوعية من العلاقات الثقافية المشتركة.

ففى غابة "يلوستون" وخلال فصل الشتاء، تتبع الغربان ذئاب الرمادى للعثور على الجيف فى الغابات لتأكلها. وفى غابات كوستاريكا المطيرة، تتشارك أنواع مختلفة من الخفافيش أماكن النوم، وتتغذى معًا، وتتعاون للدفاع عن أعشاشها من الحيوانات المفترسة. وفى المحيط الهندى، لوحظ أن الأخطبوطات وأسماك الهامور تشكل مجموعات مشتركة وتصطاد معًا.

يقول البروفيسور "جان بابتيست ليكا"، عالم السلوك الحيوانى من "جامعة ليثبريدج" فى "كندا": "كانت فكرة أن الحيوانات لا يمكن أن يكون لديهم 'ثقافة' من المسلمات لفترة طويلة، والآن نجد أن الأمثلة على عكس ذلك موجودة فى كل مكان."

ويضيف: "من المنطقى تمامًا أن تؤثر الأنواع المختلفة على بعضها البعض فى كيفية عيشها واستجابتها للعالم."

درس "ليكا" كيف تعلمت قرود "المكاك" ذات الذيل الطويل المقايضة مع السياح فى إندونيسيا. ففى "بالى"، تعلمت القرود الماكرة سرقة أشياء قيمة من البشر – مثل النظارات الشمسية والقبعات والهواتف الذكية – والاحتفاظ بها حتى تحصل على الطعام مقابل إعادة هذه العناصر.

لكنه يعترف بأنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذى يتعين القيام به لفهم كيفية نشوء مثل هذه الثقافة المشتركة بالضبط.

توافق على ذلك البروفيسورة "دوروثى فراجاسى"، عالمة الرئيسيات فى "جامعة جورجيا" والمتخصصة فى دراسة التعلم الاجتماعى والثقافة فى مملكة الحيوان. وتقول إن فكرة هذه الثقافة المشتركة تبدو وكأنها امتداد طبيعى لما نعرفه عن التعلم الاجتماعى لدى الحيوانات، لكن هذا لا يعنى أن إثباتها سيكون سهلاً بطريقة مقنعة.

إذن، ما مدى تطور وتعقيد الثقافة المشتركة لدى الحيوانات؟ 

هذا سؤال من الصعب الإجابة عليه. إن تحديد التعلم الاجتماعى داخل نوع واحد هو بالفعل أمر صعب بما فيه الكفاية، ناهيك عن محاولة فهم التفاعلات بين نوعين أو أكثر.

يقول الدكتور "مايكل هوفمان"، عالم الرئيسيات الذى طور نظرية الثقافة المشتركة مع "سوير" فى معهد أبحاث الرئيسيات بجامعة "كيوتو" فى اليابان: "أعتقد أن هذا كله هو مقدمة لفكرة جديدة، لجعل الناس يتمعنون فيها. نريد أن نتعمق أكثر ونرى ما يوجد هناك."

إضافة هذا النموذج الجديد إلى كيفية تفكيرنا فى مملكة الحيوانات يمكن أن يفتح عوالم جديدة لفهم سلوكها. فى النهاية، قد يذكرنا أيضًا بأن سلوك الإنسان قد لا يكون فريدًا كما كنا نتصور دائمًا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل نحن اذكى مما ينبغى؟

كم أفتقدك - "بقلم: حازم فرجانى"

الأنبياء - قصة قصيرة