أحمس الأول، محرر مصر العظيم
بعد سنوات من الاضطرابات، استطاع ملك واحد أن يتحدى الغزاة، ويوحد المملكة، ويؤسس سلالة حاكمة، وينظم بناء آخر هرم تم تشييده بواسطة المصريين الأصليين.
عندما تفكر فى "مصر" القديمة، قد تتخيل إمبراطورية شاسعة يحكمها ملوك و فراعنة يخشون الآلهة؛ رجال ونساء أقاموا مقابرًا ضخمة ونصبًا تذكارية لتخليد ذكراهم. لكن هذه الصورة النمطية لملوك النيل هى فقط جزء من القصة – فبجانب فترات السلام والحكم المطلق، هناك أوقات كانت فيها "مصر" مقسمة أو خاضعة لقوى أجنبية.
ولد "أحمس الأول"، المؤسس الأول للأسرة الثامنة عشرة، فى مثل هذه الأوقات. كانت المملكة التى كان مقدرًا له أن يرثها مقسمة بسبب غزاة سيطروا على شمال مصر لأكثر من قرن. وكان دفاعه ومقاومته لهذا الوضع الراهن الطويل هو ما سيحدد مكانته كواحد من أبرز قادة "مصر" القديمة.
لكى نتفهم أهمية أعمال "أحمس" الأول فى بداية عهد الأسرة الثامنة عشرة، وتأثيرها على البلاد لقرون قادمة، يجب العودة إلى عهد والده، "سقنن رع تاو". حكم "تاو" من عام 1560 إلى 1558 قبل الميلاد، لكن فترة حكمه، مثل العديد من أسلافه، كانت مليئة بالصراعات مع قوة احتلال موجودة فى شمال البلاد. حوالى عام 1720 قبل الميلاد، غزت مجموعة من التجار والمحاربين الساميين من آسيا، والمعروفة باسم الهكسوس، دلتا النيل، وأقامت مملكة منفصلة عن بقية مصر. أدى انهيار الأسرتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة فى الجنوب إلى تمكين هذه القبيلة من ترسيخ وجودها فى المنطقة. وبحلول عام 1650 قبل الميلاد، أصبح الهكسوس أقوى بما يكفى لإقامة سلالتهم الخاصة، المعروفة بالأسرة الخامسة عشرة، وحدث ذلك مع اعتلاء النبيل ساليتيس عرش المملكة فى العاصمة الجديدة للهكسوس، أواريس.
لم يحكم الهكسوس أرضهم الجديدة بقوة مفرطة، وقد جلبوا معهم أدوات وأطعمة جديدة، وفتحوا هذا الجزء من مصر أمام طرق التجارة المربحة من آسيا. كان وصولهم تدريجيًا؛ حيث سمح النظام السياسى المتشرذم لمصر فى ذلك الوقت، للتجار والقبائل الأجنبية بالتنقل عبر المنطقة بسهولة نسبية، وهو الأمر الذى جعل استقرار قبيلة محاربة مثل الهكسوس أمرًا حتميًا. وقد جلبوا معهم المركبات الحربية والأقواس المركبة، وكلاهما كانا من الأسلحة المتطورة فى ذلك الوقت، وهو ما جعلهم أكثر قوة.
تم تأسيس سلالة مضادة فى "طيبة" لتحل مكان الفراغ الذى تركته الأسرة الرابعة عشرة التى دمرها الطاعون، ومن هذه السلالة برزت عائلة "أحمس الأول". بحلول الوقت الذى تولى فيه والده "تاو" السلطة، كان ملوك طيبة يحاولون بالفعل طرد الأعداء المجاورين.
حيث قام "تاو" باستفزاز الهكسوس برفض دفع الجزية، وقاد عددًا من الحملات العسكرية إلى شمال مصر – ومع ذلك، وبالنظر إلى الإصابات الشديدة فى رأسه التى ظهرت على موميائه، يُعتقد أنه لقى حتفه في إحدى هذه الحملات. انتقل العرش إلى ابنه الأكبر "كاموس"، الذى واصل الحرب ضد الهكسوس. وقد نجح "كاموس" فى دفع الهكسوس إلى عمق شمال مصر، لكنه توفى بعد خمس سنوات من حكمه.
تولى "أحمس الأول" العرش فى سن العاشرة، ولكن مع وجود "طيبة" فى حالة حرب مع الأعداء فى شمال مصر، انتقلت السيطرة الفعلية على البلاد إلى والدته "أحمس نفرتارى". أثناء عملها كوصية على العرش، تم تسجيل والدته "أحمس نفرتارى" كملكة رسمية فى هذه الفترة الانتقالية. خلال هذا الوقت، عززت "أحمس نفرتارى" السلطة فى "طيبة"، ووحدت أعضاء البلاط المصرى الذين فقدوا حقوقهم لتعزيز المملكة استعدادًا للحملات القادمة.
بحلول الوقت الذى بلغ فيه "أحمس الأول" سن الرشد فإنه استمر فى حملات والده وأخيه ضد الهكسوس، كانت الحرب قد أصبحت مستعرة لمدة تقارب الثلاثة عقود.
كانت "مصر" وبعد قرون من العزلة والحكم الذاتى الوطنى، دون تحديات أو تدخلات من العالم الخارجى، قد أصبحت الآن أمة منقسمة. حفز هذا النخبة المصرية على المشاركة بشكل أكثر فعالية فى صراعات ممالكهم والتكوين السياسى للعالم الأوسع. كان "أحمس الأول" هو النموذج الأول لتغيير هذه العقلية. فمثل أخيه ووالده، أدرك هو الآخر أن تفوق أسلحة الهكسوس منحهم الأفضلية، بالإضافة إلى حصونهم على الحدود بين المملكتين.
كانت فلسفة "أحمس" العسكرية بسيطة: الهجوم على الهكسوس بلا هوادة، طحنهم، حرق حصونهم، تدمير مستوطناتهم وطردهم من الدلتا.
قاد "أحمس" حوالى ثلاث حملات، كل منها دفعت المحاربين الساميين إلى الخلف أكثر فأكثر. قام بقطع الطريق على عاصمة الهكسوس، أواريس، من أى إمدادات خارجية، وفى النهاية استولى على طريق حورس وعلى المدينة نفسها. استمر هذا الهجوم لسنوات عديدة وكان كما هى الحال فى جميع الحروب دمويًا، ، ولكن فى النهاية تم طرد الغزاة عبر الحدود إلى ما نعرفه الآن بفلسطين وسوريا.
أعلن انتصار "أحمس الأول" على الهكسوس نهاية الاحتلال الأجنبى وبداية توحيد البلاد.
عندها رأى الملك المصرى أن أمته كانت قد أصبحت شبحًا لما كانت عليه فى الماضى، الأمر الذى يقتضى إعادة التنظيم والتجديد. وهكذا واصل بسرعة حملاته العسكرية، فقد كان حريصًا على إعادة تأسيس النفوذ الواسع الذى كانت تتمتع به "مصر" ذات يوم.
بعد مطاردة الهكسوس إلى سوريا، واصل عملياته هناك، حيث قام على الأرجح بحرق قواعدهم والاستيلاء على الأراضى. كما توسع جنوبًا نحو النوبة، مما أظهر موقفًا جديدًا أكثر صرامة فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية.
كانت قيادة "أحمس الأول" الجريئة تبشر بعهد جديد لمصر. لقد انتهت فترة المملكة الوسطى والفترة الانتقالية الثانية، التى كانت مليئة بالصراعات الداخلية والاحتلال الأجنبى، وبدأت المملكة الجديدة،.
كان "أحمس" مصممًا على إعادة بناء مجد البلاد. جلب العهد الجديد تقنيات فنية ومعمارية جديدة، بما فى ذلك تطورات من قبيل نفخ الزجاج. بحيث ازدهرت الفنون تحت حكم "أحمس"، حيث ملأت الفخاريات وأشكال التعبير الأخرى شوارع "طيبة" والمملكة بأكملها. كما جلبت حملات "أحمس" الواسعة الثروة إلى "مصر"، والتى استخدمها بحكمة فى بناء معابد جديدة وبدء تشييد هرم جديد – كان يأمل أن ينافس به الأهرامات العظيمة فى الجيزة.
كانت "طيبة" أيضًا عنصرًا رئيسيًا فى رؤية "أحمس" الجديدة لمصر. بدأ بجعل المدينة عاصمة له – وهو خيار طبيعى نظرًا لأنها كانت موطن عائلته. كما كانت "طيبة" المركز الثقافى والروحى للبلاد خلال العصر الذهبى للمملكة الوسطى، مما منح المدينة قيمة تاريخية كبيرة.
كان "أحمس الأول" حريصًا على إعادة إحياء تلك الأيام المجيدة، حتى لو كان ذلك فقط من خلال الارتباط الجغرافى. أخيرًا، كان لموقع طيبة تأثير على وضعها الجديد كعاصمة؛ حيث أن موقعها فى وسط الأمة الموحدة حديثًا منح المدينة حماية إضافية من غزو محتمل من قبل الهكسوس، بالإضافة إلى توفير مسافة كافية لمراقبة النوبيين فى الجنوب.
أراد "أحمس الأول" عصرًا جديدًا مزدهرًا لشعبه، يعيد العصر الذهبى للممالك الماضية. وبما أن نجاحاته الخارجية قد عززت الاقتصاد، فقد أراد التعبير عن ذلك بأكثر الطرق الممكنة بذخًا. أن يكون ذلك من خلال بناء هرم يصبح نصبًا تذكاريًا لحياته وإنجازاته، ويقف إلى الأبد شامخاً داخل وطنه.
لم يُبنَ هرم "أحمس" باعتباره مقبرة، بل كـنصب تذكارى احتفالى بحت. تم بناؤه بالقرب من "طيبة"، فى ما نعرفه الآن ب"أبيدوس"، وتم الانتهاء منه فى السنوات الأخيرة من حكمه. تم تشييده من الرمال والحجارة، وفقًا لتقاليد ذلك الوقت، مع استخدام الحجر الجيرى كغطاء خارجى لتثبيت الهرم.
عند اكتماله، كان طول قاعدته حوالي 52.5 مترًا وارتفاعه 40 مترًا.
على الرغم من أنه أصغر بكثير من أكبر المقابر في أماكن أخرى من البلاد (يبلغ ارتفاع هرم الجيزة 130 مترًا)، إلا أنه كان لا يزال مشهدًا مثيرًا للإعجاب بين معابد طيبة. لسوء الحظ، لم ينجو الهرم؛ فقد تم تجريده من الحجر الجيرى الثمين لاستخدامه فى مبانى أخرى فى السنوات التى تلت وفاة "أحمس"، وسرعان ما انهار باقى الهيكل. لم يتبق سوى كومة من الأنقاض بارتفاع 10 أمتار فى المكان الذى كان يقف فيه ذات يوم.
مثل العديد من الفراعنة، فإن تاريخ وفاة "أحمس" غير مؤكد، لكن النظرية الأكثر شيوعًا تشير إلى عام 1525 قبل الميلاد. ومع ذلك، فإن تأثير "أحمس" على "مصر" القديمة خلال حياته كان كبيرًا لدرجة أن طريقة وفاته لم تكن ذات أهمية تذكر – على عكس الفراعنة الآخرين.
الجداول الزمنية:
- 1720 قبل الميلاد:
غزو الهكسوس،
تجار ومحاربون آسيويون يحتلون دلتا النيل، ويؤسسون مملكة منفصلة عن بقية "مصر". توسعت هذه المملكة فى النهاية لتشمل كل شمال مصر.
1550 قبل الميلاد:
وفاة "كاموس"،
يموت أخو "أحمس" الأول لأسباب غير معروفة – ويمرر العرش إلى أخيه الأصغر، الذى كان يبلغ من العمر آنذاك عشر سنوات .
-1550 قبل الميلاد:
"أحمس نفرتارى" تصبح وصية على العرش،
نظرًا لأن "أحمس" كان لا يزال صغيرًا على الحكم، انتقلت السيطرة الفعلية على جنوب مصر إلى والدته "أحمس نفرتارى". كانت شخصية محبوبة، وحافظت على الهجمات ضد الهكسوس.
-1550–1539 قبل الميلاد:
تأسيس الأسرة الثامنة عشرة،
لم يتم تأسيس الأسرة الثامنة عشرة رسميًا (مع "أحمس الأول" كأول فرعون لها) إلا بعد أن طرد "أحمس" الهكسوس من مصر حوالى عام 1520 قبل الميلاد – ولكن مثل العديد من الأسر الحاكمة، تم ترقيمها بأثر رجعى. اعتُبر الانتصار على الهكسوس وتوحيد شمال وجنوب مصر إنجازًا كبيرًا يكفى لبدء عصر جديد. وبالتالى، يُعتبر بداية حكم "أحمس الأول" بداية الأسرة الثامنة عشرة.
-1539 قبل الميلاد:
"أحمس الأول" يتزوج "أحمس-نفرتارى"
وفقًا للتقاليد، تزوج "أحمس الأول" عددًا من أخواته. تم تعيين "أحمس-نفرتارى" كزوجة رئيسية – كما تزوج أيضًا أخواته "أحمس-ستكاموس" و"أحمس-حنتتامحو".
-1537 قبل الميلاد:
حملة ضد الهكسوس،
فى هذا الوقت تقريبًا، بدأ "أحمس الأول" رسميًا فى تنسيق الحملات العسكرية ضد الهكسوس. كان خامودى هو الملك المعين فى شمال مصر.
-1532 قبل الميلاد:
سقوط تارو،
فى الأشهر الأولى من حملة "أحمس الأول" ضد الهكسوس، استولت قواته على قلعة تارو، مما قطع بشكل فعال عاصمة الهكسوس، أواريس، عن وطنهم الأصلى، كنعان.
-1532 قبل الميلاد:
"أحمس الأول" يستولى على أواريس،
بين العامين 18 و19 من حكمه، سقطت أخيرًا عاصمة الهكسوس، أواريس. بسيطرته على هذه المدينة، دفع حاكم "طيبة" الغزاة نحو كنعان.
-1529–1528 قبل الميلاد:
توسع المملكة،
بعد طرد الهكسوس إلى سوريا وفلسطين، بدأ "أحمس" فى توسيع "مصر" الموحدة حديثًا بشكل كبير. فى الشمال، طارد الهكسوس ودمر الحصون بعيدًا عن حدود "مصر". يجادل بعض المؤرخين بأن "أحمس" كان يطارد الغزاة الساميين بنشاط، بينما يفضل آخرون النظرية القائلة بأنه كان ببساطة يعزز حدوده. خلال العام الثانى والعشرين من حكمه، وصل "أحمس" إلى شرق البحر المتوسط. كما قام بعدة حملات جنوباً، فى النوبة (شمال السودان حاليًا) .
-1528 قبل الميلاد:
وفاة الوريث الشرعى،
فى البداية، كان "أحمس-عنخ" الصغير يُعتبر خليفة "أحمس الأول"، لكنه توفى، فانتقلت ولاية العهد إلى ابنه الأكبر، "أمنحتب".
-1531–1526 قبل الميلاد:
بناء الهرم،
كلف "أحمس" ببناء هرم جديد فى "أبيدوس" وهو الأول منذ قرون. كان أصغر من الأهرامات الأخرى عند اكتماله، لكنه كان لا يزال مشهدًا مثيرًا للإعجاب من "طيبة".
- 1528 قبل الميلاد:
وفاة أحمس،
على عكس أخيه، لم يكن حكم "أحمس الأول" لمصر قصيرًا – فى الواقع، حكم البلاد لمدة 25 عامًا تقريبًا قبل وفاته عن عمر يناهز 35 عامًا. سبب الوفاة غير معروف، ولكن بحلول الوقت الذى انتقل فيه العرش إلى ابنه "أمنحتب الأول"، كانت "مصر" قد ازدهرت. جلبت الحملات العسكرية الناجحة والتجارة المتجددة مع الدول المجاورة الثروة والاقتصاد الجديد للبلاد، بينما شهدت الفنون (بما في ذلك العمارة والنسيج) نهضة جديدة، مما أدى إلى تجديد "مصر" بمعابد جديدة ومواقع لتكريم الإله آمون.
- 1525 قبل الميلاد:
نهاية عهد أحمس الأول وبداية عهد جديد لمصر.
تعليقات