رغم التحديات، كيف تتوسع الشركات الصينية عالميًا
يمكن لفهم استراتيجيات النمو الاقتصادى للشركات الصينية أن يكون ذا قيمة لتوسع الأعمال فى كل مكان.
عن دراسة ميدانية لدورية اكاديميه
فى السنوات الأخيرة، أصبحت عبارة "تشو هاة" (الذهاب إلى الخارج، باللغة الصينية) شعارًا للعديد من الشركات الصينية. فنتيجة لانخفاض الاستهلاك المحلى فى "الصين" بعد جائحة كوفيد-19، حولت هذه الشركات أنظارها إلى الأسواق الأجنبية بحثًا عن النمو.
يعتقد العديد من قادة الأعمال الصينيين أن قدراتهم الابتكارية يمكن أن تجعلهم منافسين فى هذه الأسواق، لكن الحواجز التجارية غير المسبوقة والتوترات الجيوسياسية تمثل عقبات كبيرة أمام طموحاتهم الدولية.
نحن نعلم الآن أنه من خلال قيامهم بإعادة تقييمهم لمفهوم "الموقع الجغرافى"، تجد هذه الشركات الصينية طرقًا جديدة لمواجهة تحديات التدويل.
وتواجه الشركات الصينية ثلاثة تحديات رئيسية فى مواجهة توسعها الدولى:
أولا،تصاعد التوترات التجارية مع "الولايات المتحدة":
حيث تم تقليص حجم التبادل التجارى بين "الولايات المتحدة" و"الصين" بسبب زيادة الرسوم الجمركية وضوابط التصدير. ولم يؤثر ذلك على الشركات الصينية فقط، ولكن أيضًا على أى منظمة تعتمد على التجارة بين "الصين" و"الولايات المتحدة". ومن المرجح أن تؤدى إدارة "ترامب" الثانية إلى تفاقم هذه التوترات التجارية.
ثانياً،لوائح الاستثمار الجديدة فى الدول الأخرى:
فقد زادت الحكومات فى أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية من عمليات الرقابة التنظيمية على الشركات الأجنبية، خاصة الصينية. وتواجه الصفقات التى كانت عادة تسير بسلاسة فى السابق تحديات قانونية ناجمة عن عوامل جيوسياسية.
ثالثاً، التحديات داخل الأسواق الناشئة:
على الرغم من إمكانات النمو الواعدة فى الأسواق الناشئة، فان الشركات الصينية التى تعمل فى هذه الأسواق تواجه عجزًا فى البنية التحتية لتك الدول، وعدم كفاءة بيروقراطية، وثقافات غير مألوفة.
وقد علق أحد رواد الأعمال على تلك التحديات قائلاً: "حتى فى "سنغافورة"، حيث يمكن للناس التحدث باللغة الصينية، فإن ثقافة العمل ليست هى نفسها. فعلى سبيل المثال، لا يزال الناس يستخدمون بطاقات العمل [بينما يقوم رجال الأعمال الصينيون بمسح رموز الاستجابة السريعة WeChat الخاصة ببعضهم البعض] كما انهم لا يعملون هناك فى عطلات نهاية الأسبوع".
كيف تواجه الشركات الصينية هذه التحديات؟ حسنا، أنهم يقومون باستغلال المناطق الصغيرة بشكل استراتيجى من أجل فتح أسواق عالمية.
استراتيجيات التوسع القائمة على الموقع الجغرافى:
يمكن النظر إلى العالم كمجموعة من المناطق الصغيرة - وحدات دون وطنية، مثل المقاطعات والمدن والمناطق الاقتصادية، مثال على ذلك،الممر الاقتصادى الشرقى فى "تايلاند" و"تشيهواهوا" فى المكسيك.
حتى داخل البلد الواحد، يمكن أن تختلف مثل هذه المناطق الصغيرة اختلافًا كبيرًا من حيث الدخل والتركيبة السكانية والبنى التحتية والحوكمة والقبول العام الشركات الأجنبية.
فى معظم الحالات، يقوم المدراء التنفيذيون الصينيون بتحليل وتحديد فرص الأعمال الدولية مع التركيز على هذه الكيانات الجغرافية الأصغر حجمًا بدلاً من أسواق البلدان، على الرغم من أن بعض البلدان الصغيرة جدًا، مثل "سنغافورة"، تُشكل منطقة صغيرة بحد ذاتها.
يوجد أكثر من 40 ألف منطقة صغيرة حول العالم، تغطى كل منها مساحة 3 آلاف كيلومتر مربع، ويبلغ ناتجها المحلى الإجمالى حوالى 3 مليارات دولار، ويبلغ متوسط عدد سكانها حوالى 180 ألف نسمة. بالنسبة للمديرين التنفيذيين الصينيين، يُعدّ التفكير على مستوى المناطق الصغيرة أمرًا طبيعيًا، نظرًا لتاريخ التنمية فى الصين. فتنخرط الشركات الصينية بشكل طبيعى فى الأسواق المحلية، لأن هذه هى الطريقة التى انطلقت بها معظمها من الأساس.
فيما يلى، سنسلط الضوء على ثلاث استراتيجيات محلية تُساعد الشركات الصينية على التوسع دوليًا فى هذه الأوقات الصعبة.
1. إيجاد مسارات جديدة للأسواق القائمة:
تستهدف الشركات الصينية مناطق صغيرة توفر مسارات بديلة للوصول إلى الأسواق التى أصبح الوصول إليها أكثر صعوبة، مثل أمريكا الشمالية وأوروبا. على سبيل المثال، اختارت شركة "ووكسى بيولوجيكس" الصينية إنشاء عملياتها الأوروبية فى "أيرلندا" بسبب توفر المواهب والشركاء المحليين.
وفى ظلّ تزايد التحديات، تسعى الشركات الصينية، إلى اغتنام الفرص فى مناطق جغرافية رئيسية فى بيئات غير غربية. وهى بذلك تهدف إلى الحفاظ على فرصها فى ممارسة الأعمال التجارية فى الغرب وتعزيزها.
ويتخذ هذا النهج عمومًا شكلين رئيسيين:
النهج الأول: هو إضافة مواقع غير صينية إلى سلاسل التوريد الخاصة بها. فمثلاً، ركزت شركة "شيرفون"، [وهى شركة حفارات كهربائية مقرها "نانجينج"، استحوذت على علامات تجارية أوروبية فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين]، ركزت مؤخرًا على إنشاء منشأة تصنيع مملوكة لها بالكامل فى مقاطعة "بينه دونج" الفيتنامية، وهى قاعدة تصنيع بارزة.
مثل هذه الاستراتيجية تمنحها خيارات أوسع لبناء سلسلة توريد مقبولة لدى أصحاب المصلحة الرئيسيين، مع الاستمرار فى خدمة قاعدة عملائها الحالية فى الغرب.
النهج الثانى: هو نقل أعمالها بالكامل من الصين إلى منطقة صغيرة أكثر قبولاً وذلك لاكتساب جنسية مختلفة، وتجاوز بعض التحديات المرتبطة بجنسيتها الأصلية.
وعلق رائد أعمال من شركة صينية ناشئة فى مجال البروتين البديل قائلاً: "بالنسبة لشركات مثلنا، فإن منظومة الاستدامة فى "سنغافورة" لا تُقدر بثمن لأنها وثيقة الصلة بالعالم الخارجى".
ثلاث خصائص تجعل "سنغافورة" وجهةً جذابةً للشركات الصينية الساعية إلى الحفاظ على روابطها بالأسواق الغربية: سهولة الوصول إلى المواهب، وبنيتها التحتية التجارية، وحيادها الجيوسياسى.
ورغم أن المناطق الصغيرة ليست جميعها جذابةً بنفس القدر، إلا أن هذه الخصائص أساسيةٌ لإنجاح هذه الاستراتيجية.
٢. بناء مراكز للوصول إلى الأسواق الناشئة:
تُعدّ "أفريقيا" و"أمريكا اللاتينية" و"الشرق الأوسط" و"جنوب شرق آسيا" هى الأخرى، مناطق تحاول الشركات الصينية أن تُرسى دعائمها فيها، للوصول إلى الأسواق الناشئة. وقد زادت الشركات الصينية من حضورها فى مدينة "دبى" بالإمارات العربية المتحدة، وهى مركز فعال ذو موقع جيد أصبح بوابة مهمة للمنطقة. بالإضافة إلى ذلك، هناك مشاركة صينية كبيرة فى مشاريع جديدة تطمح إلى أن يكون لها بصمة إقليمية، إن لم تكن عالمية، مثل مشروع "نيوم" فى "المملكة العربية السعودية".
تبحث الشركات الصينية أيضًا عن طرق للاستفادة من إفريقيا كسوق مستقبلية محتملة مهمة. هناك شركة "آى كلير"، وهى شركة لتنقية المياه مسجلة فى "هونغ كونغ" وتهدف إلى توفير مياه شرب آمنة وبأسعار معقولة فى مناطق شرق أفريقيا، وقد شارك فى تأسيسها مدير تنفيذى سابق فى "نيروبى" كان يعمل لدى شركة صينية لتصنيع الهواتف المحمولة.
أما "لاندسنت"، وهى شركة تأسست فى "شنغهاى"، فتُقدم مجموعة من المنتجات لمكافحة الملاريا، وقد اختارت أكرا، "غانا"، مقرًا لها.
هذه الشركات تسعى إلى الربح وتوظف خبراتها فى إنتاج حلول بأسعار معقولة، على العكس من المنظمات غير الربحية، التى تهدف أيضًا إلى معالجة تحديات مماثلة متعلقه بالصحة والطاقة فى هذه المنطقة.
٣. التحول إلى العالم الافتراضى:
أخيرًا، تستخدم الشركات الصينية مراكز المعلومات الرقمية للتوسع فى الأسواق التقليدية والجديدة. تستخدم هذه الاستراتيجية التقنيات الرقمية والمواهب الرقمية لربط الموارد والفرص افتراضيًا، مما يقلل من الحاجة إلى التعامل مع أنظمة استثمار معقدة ومتغيرة فى الأسواق المستهدفة.
تُعدّ بعض المناطق الصغيرة داخل الصين وخارجها ذات قيمة مميزة فى إطلاق مثل هذه الجهود الرقمية. تُعدّ "هانجتشو" منطقة صغيرة نموذجية فى توليد الخبرات ذات الصلة بالتجارة الإلكترونية. وقد أدى وجود عملاق التجارة الإلكترونية "على بابا" فى المنطقة، وبرنامجه التدريبى العالمى للمواهب الرقمية، إلى تحقيق آثار غير مباشرة زودت رواد الأعمال المحليين بالخبرة اللازمة لبناء علامات تجارية تصلح للأسواق الغربية.
تحقق العلامات التجارية الصينية هذا التوسع باستخدام شبكة من المواهب الرقمية القادرة على تنفيذ عمليات متطورة، بما فى ذلك أبحاث السوق، وبناء العلامات التجارية، وعمليات التجارة الإلكترونية. وتستغل الشركات العائلية التي تُصنّع مجموعة من السلع المنزلية، مثل الأثاث والملابس، مدينة "هانجتشو" وبرنامج "على بابا" لتكوين فرق عالمية من المحترفين تمتد عبر مناطق صغيرة متعددة حول العالم لإطلاق علامات تجارية موجهة مباشرةً إلى المستهلك. وقد حققت إحدى هذه الشركات، نجاحًا فى غضون عامين فقط من إطلاق أعمالها فى "الولايات المتحدة"، ولم تُعلن على موقعها الإلكترونى أنها شركة صينية. وكما يقول أحد مؤسسيها: "تكمن ميزتنا فى أن لدينا ابتكارًا حقيقيًا فى المنتجات من الصين، ومن خلال الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية، نتواصل مع عملائنا المستهدفين فى "الولايات المتحدة". ولأن المنتج يعمل بكفاءة عالية، فإن مكان تواجدنا لا يُهم".
يمكن لأى شركة، في أى مكان، تطبيق هذه الاستراتيجية، وهى تتطلب مجموعة من الكفاءات ذات الصلة، بما فى ذلك القدرة على التطوير وتقديم عرض ذات قيمة مميزة، بالإضافة إلى القدرة على إدارة فريق متعدد الثقافات ومتعدد المواقع.
الطموح إلى تحقيق الممكن:
تواجه الشركات الصينية عوائق متعددة أمام ممارسة الأعمال التجارية فى الخارج، ولكن مع تزايد اعتماد الحكومات لسياسات حمائية، قد يصبح من الشائع بشكل متزايد أن تواجه الشركات فى كل بلد قيودًا للوصول إلى بعض الأسواق الأجنبية. قد تكون بعض الاستراتيجيات التى وصفناها مفيدة فى مثل هذه الحالات.
نحن نعتقد أنه من المهم للشركات ورغم الرياح الجيوسياسية المعاكسة، أن تنخرط عالميًا، لا سيما عندما يكون لها تأثير اجتماعى إيجابى، مثل المشاريع التى تهدف إلى خلق مستقبل أكثر استدامة. تُظهر تجربة الشركات الصينية أن المناطق الصغيرة يمكن أن تكون المفتاح لفتح مسارات جديدة إلى الأسواق الخارجية.■
تعليقات