كندا - أمريكا أوضاع متوترة
قد يكون هناك الكثير من الدول الغنية، التى ليست بالضرورة قوية عسكرياً. إلا أن القرب من دولة أكثر قوة - جغرافيًا أو دبلوماسيًا - قد يجعل وجود هذه الدولة محفوفًا بالمخاطر.
كل ما يتطلبه الأمر هو أن توجد حكومة جديدة عدوانية فى الدولة الأقوى، ليتحول فجأةً تعاونٌ عسكرى واقتصادى متكافئ نسبيًا إلى علاقة استغلالية، بل وتهديدية.
منذ التنصيب الثانى لدونالد ترامب، بدأ هذا الإدراك ينتشر فى الغرب، لكن لا توجد دولة أصبحت أكثر قلقًا من "كندا".
فحدودها مع "الولايات المتحدة" هى الأطول فى العالم: 8900 كيلومتر من الأراضى والبحيرات والأنهار الخالية، مما يجعل من الصعوبة بمكان الدفاع عنها.
كما أن أكبر ثلاثة مدن فى "كندا"، "تورونتو" و"مونتريال" و"فانكوفر"، تقع على بُعد ساعات قليلة شمالًا. فماذا سيحدث إذا قررت دبابة أمريكية التقدّم نحوهم.
لذلك فإن "كندا" تواجه الآن وضعا حساساً، بحيث تبدو كمكان متوتر ومتنازع عليه.
قبل أن يبدأ ترامب الحديث بإصرار عن جعل كندا "الولاية الـ51" لبلاده، كان مثل هذا التشبيه سيعد ضربًا من الجنون. لكن ليس الآن.
لقد صرح رئيس الوزراء الكندى الجديد، "مارك كارنى"، فى أول خطاب له كزعيم للحزب الليبرالى: "الأمريكيون يريدون مواردنا ومياهنا وأرضنا وبلدنا. وإذا نجحوا، سيدمرون أسلوب حياتنا".
يبدو أن العلاقة التى يُفترض أنها من أكثر العلاقات انسجامًا بين الدول الغنية الغربية قد تغيرت بشكل جذرى.
هناك غضب شعبى فى "كندا" تجاه "الولايات المتحدة" - وتجاه فشل "بريطانيا" فى إدانة تهديدات ترامب لدولة من دول الكومنولث.
من الشائع القول: " إن الملك فخور بمواءمة نفسه مع طاغية... من أجل اتفاقية تجارية مُعلَّقة"، فى إشارة إلى دعوة الملك "تشارلز" لترامب لزيارة بريطانيا للمرة الثانية.
ردنا الجرىء فى "كندا" يجب أن يكون بقطع علاقاتنا مع الملكية. [حيث أن رأس الدولة فى "كندا" هو ملك أو ملكة بريطانيا].
فى أغلب الأحيان، هناك استنكار عام لترامب. حيث يتم وصفه بأنه مجنون وفوضوى وشديد التقلب - وليس مستقر أو عقلانى مثل أغلب الكنديين.
لذلك فقد قوبل تراجع سوق الأسهم الأمريكية بسبب الرسوم الجمركية بارتياح.
مع ذلك، فإن تهديدات ترامب تعنى أن الحياة فى "كندا" يجب أن تتغير بشكل جذرى. ماتزال طبيعة هذه التغييرات موضوعًا يتم مناقشته - إلا أن هناك أصواتاً تجادل عما إذا كانت كندا ستحتاج إلى امتلاك أسلحة نووية.
لم تكن علاقات "أمريكا" و"كندا" سلمية دائمًا. فقد غزت "الولايات المتحدة" "كندا" فى 1775 و1812 دون ان تحقق أى نجاح. وفى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى، وضعت خطة غزو افتراضية، تُعرف باسم "خطة الحرب الحمراء".
ساهم الخوف من "الولايات المتحدة"، بشكلٍ ما، فى إنشاء"كندا".
حيث كان هو ما شجّع على توحيد الأراضى المتناثرة، وكذلك على قرار وضع العاصمة فى "أوتاوا"، البعيدة عن الحدود مقارنة بالمدن الأخرى.
فى منتصف القرن العشرين، سعت "كندا" إلى خلق ما أسمته "علاقة خاصة" مع "الولايات المتحدة". بسبب عدد السكان الصغير والمتناثر حصل الاقتصاد الكندى الذى يعتمد بشكل كبير على التصدير، على حق الوصول إلى الأسواق الأمريكية، بينما حصلت الشركات الأمريكية على حق الوصول إلى المستهلكين الكنديين المزدهرين. وخلال الحرب الباردة، كانت "كندا" موقع رئيسى للدفاع ضد أى هجوم سوفيتى.
الآن مع كون "ترامب" أقرب إلى "موسكو" منه إلى "أوتاوا"، قد يكون هذا التحالف الأمريكى الشمالى فى حكم المنتهى فعليًا.
وعلى الرغم من "كندا" هى ثانى أكبر دولة فى العالم بعد "روسيا" من حيث المساحة، إلا أن قواتها المسلحة صغيرة جدًا. ربما هذا ما يفسر ذلك الشعور لدى الكنديين بان "الولايات المتحدة" قد تخلت عنهم.
ستستغرق الروابط الاقتصادية وقتًا أطول للانهيار. لكن أعداد الكنديين الذين يزورون "الولايات المتحدة" تتهاوى بشكلٍ كبير: كانت الأعداد الشهر الماضى مشابهة للمراحل المتأخرة من الجائحة.
لقد بدأت بالفعل الرموز والأماكن الأمريكية تفقد الكثير من جاذبيتها بالنسبة للكنديين.
لدى "كندا" وعياً ضخماً بأن طريقة حياتها وثقافتها وتراثها مختلف تماما عن "أمريكا". "كندا فسيفساء"، فالتنوع الاثنى، والثقافى واللغوى هو فى صميم الروح الكندية.
مثل هذه الثقافة والأفكار والتقاليد كافية لإثارة غضب المحافظين الأمريكيين.
وبالإضافة إلى مواردها الهائلة من المياه والمعادن، والبترول تقدم "كندا" نموذجًا مختلفاً بشكل متزايد لكيفية الحياة فى أمريكا الشمالية.
فهل سيسمح ترامب أو أى خلفاء متشددين له فى البيت الأبيض لهذا الوضع بالاستمرار؟
قد لا يكون هناك بالفعل غزو أمريكى آخر وشيكًا . فغزو بلد شاسع ومتطرف جغرافيًا مثل "كندا"، ناهيك عن احتلاله، سيكون احتمالًا خياليا مخيفًا حتى للحزب الجمهورى.
لكن من الصعب بالمثل تخيل عودة العلاقات الأمريكية-الكندية بسرعة إلى سابق عهدها.
لقد تم تسليط الضوء على الكثير من الاختلالات والتباينات بين البلدين، ووُجهت الكثير من التهديدات.
ربما يكون الكنديون أقل شهرة من الأمريكيين فى رفع الأعلام، لكن الكثير منها يرفرف الآن داخل البلاد، وعلى طول الحدود. وقد تمر سنوات قبل أن تُنزَل.
تعليقات