هل نظام "عبد الفتاح السيسى" قابل للاستمرار؟

لكى نجيب على هذا السؤال علينا أن نناقش عوامل الاستقرار التى قد تؤدى الى إستمرار النظام، والعوامل التى قد تقوض ذلك.

أولا, عوامل الاستمرار :

• الدعم الإقليمى والدولى، فالسيسى يحظى بدعم قوى من دول الخليج (خاصة السعودية والإمارات) والغرب (لاعتبارات تتعلق بالاستقرار والهجرة ومكافحة الإرهاب).

• السيطرة الأمنية المحكمة، فالنظام يسيطر على أجهزة الدولة العميقة (الجيش، الشرطة، المخابرات، القضاء، الإعلام).

• تفتيت المجال العام، لقد تم قمع المعارضة السياسية بصرامة، وتدمير الأحزاب والحركات المستقلة.

• الخطاب الوطنى الشعبوى الذى يستخدم خطابًا يرتكز على فكرة "النجاة من الفوضى" و"الحفاظ على الدولة".

ثانياً، العوامل التى قد تقوّض هذا الاستمرار:

• الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تعيشها البلاد، حيث بلغت مستويات التضخم نسب غير مسبوقة. مع تراكم لديون خارجية وداخلية ضخمة، والفشل فى تحقيق أى وعود اقتصادية ملموسة.

• تآكل الشرعية الشعبية للسيسى الذى لم يعد يتمتع بالتأييد الشعبى الذى تمتع به فى بداياته، بل هناك غضب مكبوت واضح.

• الاعتماد المفرط على القمع، الذى لا ينتج الاستقرار طويل الأمد، بل يجمّد الصراع مؤقتًا.

• ظهور بوادر لصراعات داخلية محتملة،  فبعض المؤشرات تدل على وجود نوع من التوتر داخل أجهزة الدولة، وأيضاً هناك تهميش لبعض مراكز القوى التقليدية.

هل هناك احتمال لتغيير ثورى؟

هذا الاحتمال موجود... لكن ضعيف حاليًا. ذلك أن القوى الثورية ضعيفة ومفككة، وتقع تحت وطأة رقابة شديدة. كما أن الشعب مرهق من تبعات ثورتى 2011 و2013، ويخشى من عودة الفوضى، ولا توجد حاليًا "زعامة" أو قيادة ثورية ذات مصداقية واسعة.

رغم ذلك كله إلا أن الظروف الموضوعية للثورة (crisis of legitimacy + economic collapse) تتشكل ببطء، فإذا تراكم الغضب الشعبى وحدث تفكك داخل مؤسسات النظام، فقد تظهر لحظة فجائية للانفجار — كما حدث فى يناير 2011.

هل هناك احتمال للتغيير من داخل النظام؟

ربما يكون هذا على المدى القريب هو الاحتمال الأرجح أكثر من إحتمال الثورة.

فدعونا لا ننسى أن الجيش هو مركز الثقل الفعلى فى النظام السياسى المصرى. ورغم ما يبدو على السطح من أنه خاضع تماما للسيطرة، إلا أن تهميش بعض الرموز التقليدية (مثل سامى عنان أو أحمد شفيق وغيرهم) ولّد استياء داخلى غير معلن.

وإذا أصبحت كلفة بقاء السيسى أكبر من كلفة الإطاحة به، فقد يضطر هذا جزء من المؤسسة العسكرية إلى تنحيته جانبًا، خاصة إذا هدد وجوده الامتيازات الاقتصادية والسياسية للمؤسسة.

الخلاصة مما سبق أن نظام السيسى قابل للاستمرار على المدى القصير بفضل القمع والدعم الإقليمى والدولى، لكنه هش على المدى المتوسط بسبب التدهور الاقتصادى، وتآكل الشرعية، والاحتمالات المفتوحة على صراع داخلى أو انفجار اجتماعى.

اذن ما هى السيناريوهات  المتوقعة للمستقبل:

السيناريو الأول، الاستمرار الصلب: 

بمكن القول ان نسبة هذا الإحتمال هى الأرجح وقد تصل إلى 50%، بحيث يستمر  النظام فى الحكم دون تغييرات جوهرية، مع تعميق السيطرة الأمنية والمخابراتية، واستمرار القمع ومنع أى معارضة سياسية منظمة.

وقد يصحب ذلك بعض الإصلاحات الاقتصادية التجميلية دون معالجة الجذور (مثل الديون أو أزمة سعر الصرف).

مع ذلك هناك بعض التحديات التى تواجه هذا السيناريو. فهو يعتمد بشكلٍ اساسى على قدرة النظام على الحفاظ على تدفقات الدعم الخليجى أو القروض الأجنبية.

وفى كل الأحوال يظل خطر حدوث انفجار مفاجئ قائمًا إذا تدهورت الظروف المعيشية أكثر.

السيناريو الثانى، انقلاب ناعم من داخل النظام (Soft Internal Coup):

ونسبة حدوث هذا الاحتمال متوسطة  ربما فى حدودال 30%.

وتعتمد بشكل أساسى على بروز جناح داخل الجيش أو المخابرات يرى أن استمرار السيسى يضر بمصالح الدولة أو المؤسسة العسكرية، فيتم إجباره على "الاستقالة لأسباب صحية" أو إعفاؤه بهدوء.

وفى هذه الحالة ستتولى شخصية عسكرية أخرى (أكثر قبولاً داخليًا ودوليًا) السلطة، مع تقديم وعود بالإصلاح والانفتاح.

السيناريو الثالث، حدوث انفجار شعبى مفاجئ (Sudden Uprising):

الواقع ان نسبة حدوث مثل هذا الاحتمال منخفضة حاليًا، لكنها بالتأكيد مرشحة للزيادة.

وقد يشجع عليها حدوث تدهور اقتصادى حاد يؤدى إلى فقدان السيطرة على الأسعار أو انقطاع سلاسل الإمداد. بحيث تخرج احتجاجات واسعة، تبدأ من أطراف المدن أو الطبقات الدنيا، ثم تنتشر، مع ضعف قدرة الأجهزة الأمنية على احتواءها، خاصة إذا رافقها انقسام داخل مؤسسات الدولة.

هذا السيناريو خطر جدًا وقد يؤدى إلى فوضى أو ربما تدخّل خارجى، إن لم يكن هناك بديل منظم.

السيناريو الرابع، انتقال تدريجى من الأعلى :

وهذا الاحتمال ضعيف جدًا، بل هو الاضعف فى ظل تركيبة النظام الحالية. حيث يقتضى اعتراف النظام بأن بقاءه يتطلب إعادة تشكيل للمجال السياسى، مع إطلاق حوار سياسى منضبط مع بعض القوى غير الراديكالية.

كما يقتضى بعض الانفتاح الإعلامى والحقوقى، دون المساس بالعمق السلطوى.

هذا السيناريو مرهون بتحول عميق فى عقلية الحكم أو ضغط دولى غير مسبوق.

خلاصة القول أنه إذا لم يحدث تغيير من داخل النظام خلال سنتين الى ثلاثة  سنوات على الأكثر، فإن احتمالية الانفجار الشعبى سترتفع بشدة، خاصة إذا استمر الضغط الاقتصادى وتصاعد الغضب الصامت.

تعليقات

‏قال غير معرف…
و مع اشتعال حرائق و حوادث طرق الاهمال و الفشل و اشتداد الضغط علي كل طبقات مصر من الفساد و النهب غير المسبوق يقترب الانفجار مع تخلي الحلفاء عنه و ازدياد بيع البلد جملة و قطاعي

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل نحن اذكى مما ينبغى؟

الأنبياء - قصة قصيرة

كم أفتقدك - "بقلم: حازم فرجانى"