وأصبح للوحدة (العزلة) علم!

 يشير هذا العلم الجديد "علم العزلة"، إلى أنه ليس عليك الانعزال عن العالم الخارجى للاستفادة من فوائد الوحدة.

علينا أولا أن نقوم بتبسيط مفهوم "العزلة" بالطريقة اللازمة لفهمها. 

تعرف "ثوى-فى نجوين"، أستاذة علم النفس فى "جامعة دورهام" فى "المملكة المتحدة"، "العزلة" بأنها "حالة أو وضع الوحدة". 

لكن قضاء الوقت بمفردك قد يكون طوعيًا أو لا طوعيًا - وقد يكون ممتعًا أو مزعجًا - كل ذلك يتوقف على السياق.

"نجوين" هى الباحثة الرئيسية فى "مختبر العزلة"، حيث تعمل هى وفريقها على كشف الكيفية التى تؤثر بها العزلة على تجاربنا ومشاعرنا الداخلية. 

وقد وجدوا أن العزلة توفر ما يمكن أن نطلق عليه "التنظيم العاطفى" من خلال كبح المشاعر المثيرة كالإثارة والغضب. 

كما وجدوا أن الوحدة تُعزز "الشعور بالاستقلالية من خلال تمكين الأفراد من التفاعل مع بيئتهم بالطريقة والوتيرة الأنسب لهم".

ولكن كيف يستطيع الناس الحصول على مثل هذه الفوائد دون أن ينتابهم الشعور بالوحدة التى تُصاحب ذلك؟

ترى "نجوين" أن هناك شرطًا أساسيًا لكى تكون الوحدة مفيدة: وهو ان تكون من اختيارك. 

فى دراسة نُشرت عام 2023 فى مجلة "التقارير العلمية"، قامت "نجوين" وزملاؤها بالبحث فى فوائد ومضار الوحدة، حيث حاولوا أن يستكشفوا التوازن المثالى ما بين الوحدة والتواصل الاجتماعى.

طلب الباحثون من 178 مشاركًا الإبلاغ عن أنشطتهم اليومية وعن مدى شعورهم بالرضا اليومى. ووجدوا أنه عندما يمضى الأشخاص وقتًا أطول بمفردهم، فإنهم يشعرون بانخفاض فى مقياس الرضا. 

لكن تحليلًا أعمق لإجابات المشاركين فى الاستطلاع كشف أنه عندما يمضى الأشخاص وقتًا بمفردهم برغبتهم - إذا كانوا "حريصين" على ذلك، فإنهم يشعرون بكامل الرضا، كما لو لم يكونوا بمفردهم.

وعلى الرغم من أن "نجوين" وزملاؤها لم يستطيعوا أن يحددوا بالضبط ما هو التوازن الأمثل بين العزلة والتواصل الاجتماعى، فقد توصلوا إلى أن المشاركين الذين يقضون وقتًا أطول بمفردهم يشعرون بتوتر أقل وحرية أكبر.


فى أيامنا هذه التى تتسم بالحاجة الكبيرة إلى التواصل، قد يكون من الصعب اختيار العزلة. وقد اتضح أن الفرق بين العزلة والتواصل الاجتماعى هو أمر أكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد سابقًا.

وقد حث "مورجان روس"، أستاذ الاتصالات فى "جامعة ولاية أوريجون"، والذى يدرس كيفية موازنة الناس بين التواصل والانفصال فى حياتهم اليومية، الباحثين على التعمق فى فهم معنى أن تكون وحيدًا. 

ويوضح : "نحن نسعى جاهدين لإيجاد تعريف أكثر منطقية للعزلة فى ظل انفجار بيئة وسائل التواصل والإعلام الحالية". 

ويُطلق على هذا المفهوم الجديد اسم "الوحدة الاجتماعية"، وهو شكل من أشكال العزلة يتم فيه عزل الناس جسديًا وافتراضيًا.

فى ورقة بحثية نُشرت عام 2024 فى مجلة "PLOS One"، وصف "روس" وزميله ما يُسمّيانه "درجات العزلة"  بين كل الأنواع التى لا يتفاعل فيها الأفراد مع الآخرين، سواءً شخصيًا أو عبر الإنترنت. وتقع هذه الأنواع من العزلة ضمن إطار طيفٍ يمتد من الشعور الشديد بالوحدة (كأن تكون وحيدًا فى مكان منعزل، دون هاتف) إلى الشعور الخفيف (كأن تقضى فترةً وحدك تشاهد فيديوهات الطبخ أو تقرأ منشورات المدونات).

يشرح "روس" أنك فى أخف درجات العزلة تلك: "لا تزال منشغلًا بأفكار شخصٍ آخر، سواءً كانت مكتوبةً فى كتابٍ أو منشورةً على منصة تواصل اجتماعى". ويضيف ان مجرد معرفتك بوجود شبكةٍ من الأشخاص المتاحين يمكنك التواصل معهم إذا رغبت يجعل هذا الشعور أكثر راحة. 

"إنه نوعٌ مؤقتٌ من الانفصال عن علاقاتك الاجتماعية. يمكنك التحدث إلى الناس قبل ذلك، ويمكنك التحدث إليهم بعده، ولكن فى تلك اللحظة، يكون تركيزك منصبًا فقط على فوائد البقاء وحيدًا".

 ليس بالضرورة أن تكون العزلة طويلة لتكون مفيدة، فأنت لستَ بحاجة مثلاً لقضاء أسبوع فى كوخ فى مكان ناء، لتستمتع بفوائد الجلوس بمفردك. يمكنك الاستمتاع بنزهة منفردة فى الحديقة، وبضع دقائق فى الشرفه مع كتاب وفنجان شاى - ويمكنك وضع هاتفك فى جيبك إن شئت، بحيث يكون أصدقاؤك وأحباؤك فى متناول اليد عند الحاجة.

يقول "روس": "هناك فوائد لهذه التجارب الخفيفة من العزلة، وربما يمكنك الحصول عليها بأكثر مما تتصور". ويضيف: "تلك الدقائق القليلة فى الحمام، وتلك الدقائق القليلة فى التنقل إلى العمل، هى تجارب يعيشها الكثير من الناس، قد لا يعتبروها عزلة، لكنهم قد يستفيدون منها".

يتفق "روس" و"نجوين" على أن الاستفادة القصوى من وقتك المنفرد تتطلب نية واختيارًا. ببساطة، تكون العزلة أكثر فائدة إذا سعيتَ إليها بدلًا من أن تجد نفسك مضطراً إليها.

وبالفعل، وجدت أبحاث "روس" أن من يعتقدون أن العزلة لا تفصلهم عن الآخرين، والذين يتعاملون معها بإيجابية، يجدونها أكثر راحة.

وللاستمتاع بأقصى قدر من وحدتك، تقترح "نجوين" ان تستكشف بمفردك الأمور التى قد تجدها ممتعة او لا. وتقول: "غالبًا ما يستغرق الأمر وقتًا لاكتشاف ما يناسبك". 

"فى النهاية، الهدف هو ضمان أن يكون وقتك الوحيد ذو معنى بالنسبة لك". لذا، خصّص مكاناً لعزلتك الاختيارية حتى لو كان "هذا المكان" هو شرفتك الخاصة.


عن: "أفيرى هيرت"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل نحن اذكى مما ينبغى؟

الأنبياء - قصة قصيرة

كم أفتقدك - "بقلم: حازم فرجانى"