Thursday, December 12, 2013

عبد الفتاح السيسى

عدت إلى مصر لأول مره بعد ثورة يناير وأنا فى غاية الإشتياق لفهم ما الذى حدث بالضبط وما الذى كان يحدث وقتها.
ولم تكن مصادفه أن أتصل فور وصولى بالمستشاره "تهانى الجبالى" نائب رئيس المحكمة الدستوريه وقتها، فهى صديقه قديمه وأخت كبرى عايشت مواقفها الوطنيه الواضحه، وخبرت كفاحها ومصدقيتها ومثابرتها، وأيضاً أعلم مدى وضوح رؤيتها وقدرتها المذهله على عرض أفكارها بمهاره فائقه. على أننى ومثل كثيرين من أنصار الثوره لم نتفهم موقفها المؤيد للمجلس العسكرى وقتها، خاصة وقد بدأت تجاوزات هذا المجلس تظهر على السطح بوضوح.
حين إلتقيتها بدت كالعاده واضحة الرؤيه والفكر فى تواضع الواثقين بصواب توجهاتهم. وبدا تحفظها وأكاد أقول سخطها واضح على بعض القيادات السياسيه، التى لم تستطع أن تستوعب أهمية وخطورة المرحله.
رأت أن مثل تلك القيادات وعلى رأسها البرادعى، كان يجب أن تتصدى لقرارات ومواقف صلبه وحاسمه لقيادة الحشود الشعبيه الحقيقيه التى ثارت من أجل أهداف العيش والحريه والعداله الإجتماعيه. وأن هذه القيادات وبدلا من ذلك دخلت فى تحالفات سياسيه ضيقة الأفق مع جماعات الاسلام السياسى وبالطبع جماعة الإخوان المسلمين التى تريد إختطاف الدوله المصريه كلها. وفهمت من حديثها (وربما أكون مخطئا فى هذا الفهم) أن مواقفها المؤيده للمجلس العسكرى، كانت نابعه من رغبتها فى عدم ترك هذا المجلس ألعوبة فى يد جماعة الإخوان ككثير من القيادات السياسيه وقتها. وتعجبت قليلا حينما أخبرتنى، أنها فى أحد الإجتماعات المبكرة مع أعضاء المجلس العسكرى، أشارت إلى ضرورة عدم إنخراط هذا المجلس فى العمل السياسى وأن يقتصر دوره على فقط إدارة مرحله إنتقاليه قصيره، دون تدخل سياسى فى الحكم.
وأشارت إلى أن أحد أعضاء المجلس العسكرى، والذى وصفته لى "بمستقبل العسكريه المصريه" أخبرها عدة أشهر بعد هذا الإجتماع، وحين بدأت مشاكل إدارة المجلس العسكرى للأمور فى الظهور، بأن رأيها كان هو الأصوب، وأنه تمنى وقتها لو إستطاعت التشبس بهذا الرأى فى مواجهة قادة المجلس.
 كان ذلك فى آواخر ديسمبر ٢٠١١ وكانت تلك أول مره أسمع فيها إسم عبد الفتاح السيسى.
لم أقتنع تماماً بالأراء التى قيلت عن مواقف حمدين صباحى وبالقطع الدكتور البرادعى، والذى كنت أعول عليه كبير الأمل فى قياده الطبقة البرجوازيه المصريه كطليعه لقيادة الأمه المصريه فى إتجاه دوله مدنيه ديمقراطيه. إلا أن حديثها عن اللواء السيسى وقتها، أثار فضولى وجعلنى أتابع أخبار الرجل.

نظراً لأرائى السياسيه السابقة فى جماعة الإخوان،(والتى لا ألزم بها أحد غير نفسى!) كجماعة غير وطنيه تتبنى أفكارا فاشيه تجعل من شبه المستحيل دمجها فى الحياه السياسيه، إذا ما قدر لمثل هذه الحياه السياسيه أن تقوم على أسس مدنيه تنبثق من حرية التعبير وحرية الإعلام  وحق تداول السلطه. فإننى رأيت أن مواقف الدكتور البرادعى وحمدين صباحى، فى تحالفهم السياسى مع جماعة الإخوان فى ذلك الوقت، ربما تكون أكثر تعبيرا عن الواقع، بعيدا عن رأيى الشخصى الذى ربما كان منحازا أو على الأقل عاطفياً بعض الشئ. إلا أن توجسى  الأصلى العميق بدا عصيا على التجاوز فى الأيام التاليه....
بدا واضحا وجليا رغبة الجماعه فى إضفاء هاله من القداسة والحصانه، وفرض الحمايه على تصرفات المجلس العسكرى الهوجاء. وبدأ واضحا التخطيط للإستيلاء على جميع مفاصل الدوله والبرلمان وفرض فيتو على إختيار مجلس الوزراء، تمهيدا لإخلاف وعدهم الأصلى، عدم طرح مرشح إخوانى للرئاسة.

وفى الذكرى الأولى للثورة المصريه، فى الخامس والعشرين من يناير ٢٠١٢، إنكشفت كل الأقنعة، فى قلب ميدان التحرير وسط الألاف المؤلفة من المتظاهرين الساخطين.
أمام منصة جماعة الإخوان الرئيسيه، إنطلقت أصوات مكبرات الصوت الى عنان السماء، لتحاول بصوت القرآن الكريم، التغطيه على أصوات المحتجين المطالبين بإستكمال الثوره والقصاص للشهداء،بدلاً من الاحتفال بمجلس شعبهم ومجلسهم العسكرى.
بدت الصوره دراميه فى وضوحها، حتى اننى إلتفت الى أصدقائى وقتها، صائحا فى ذهول: لقد سرقت الثوره بالفعل.... وغريب ان مقولتى تلك أغضبتهم للغايه....

توالت الأحداث فى طريق إختطاف الثوره بل مصر كلها تحت سمع وبصر النشطاء وشباب الثوره وقيادات وثقنا بهم فضربوا أسوأ الأمثله فى ضعف الحس الوطنى وإنعدام الرؤيه، ووهن القيادة  ، فإبتليت مصر بهم ، قبل أن نبتلى نحن.
وإستطاع نفر من أضعف السياسيين حيله وأقلهم مهاره وبأساً فى تاريخ الجماعه المتجاوز الثمانين عاما، أن يتلاعبوا بالجميع عبر مجلس عسكرى يقوده قائد واهن ونائب له متربص متواطئ.
بدا واضحا منذ تمثليه الإستفتاء على التعديلات الدستوريه، أننا وبدلا من أن تحكم الثوره والتيار المدنى الذى قادها منذ البدايه، عبر إجراءات وقرارات ومحاكمات ثوريه حاسمه، فإننا قررنا أن نعيش فى مهزله مكتملة الأركان. 
سيكون من الممل تكرار تسلسل الأحداث، على الأقل من وجهة نظرى الشخصيه ( يمكن للقراء الأعزاء العوده إلى بعض المقالات السابقة فى هذه المدونه ). ولكن كان أن وصلنا الى تمثليه الإنتخابات الرئاسيه التى إنتهت الى إثنين من المهرجين قولا وفعلا، ليصلا الى سباق الرئاسه النهائى وسط صمت وتواطئ من من المفترض أن نطلق عليهم لقب قادة الأمة، وللأسف أيضاً صمت شباب الثوره وناشطيها.
لم أعترف بشكل شخصى بهذه الإنتخابات أو نتيجتها، وأمنت دائماً أنها وأيا كان الفائز منهما، ليست سوى تزييف لإرادة الأمه. إلا أن ماشغلنى أكثر وقتها، كان الصراع الدائر داخل المجلس العسكرى، وبالقطع كان توجهى منصب على متابعة وضع اللواء السيسى، الذى كان يحظى بتأييد مطلق من طنطاوى فى مقابل طموحات سامى عنان. إلا أن تحالفات عنان مع قيادات الإخوان، بل إقدامه على قرأة الفاتحة مع هذه القيادات قبل إختار مرسى رئيساً، بدت خطوه مقلقه ولا تقل دناءة عن طموحات قيادات الجماعة.
وفى واحده من أغبى القرارات التى إتخذتها جماعة الإخوان فى تاريخها، لحسن الحظ طبعاً، قررت الجماعة الإستغناء عن طنطاوى وعنان، ليغادرا المسرح السياسى إلى الأبد، مشمولين بسخط ولعنات الجميع.
وفى خطوة أكثر غباءاً من سابقتها، إذا كنا نضع مصلحة هذه الجماعه فى الحسبان طبعا، تم ترقية اللواء عبد الفتاح السيسى لرتبة الفريق وتعينه وزيرا للدفاع!
ولعل القرار الوحيد الذى ربما يفوقهما غباءاً ، كان الاعلان الدستورى المكمل! ولعل الأيام تكشف لنا يوما إسم العبقرى داخل صفوف الجماعة، الذى كان وراء هذه القرارات، لأنى لا أشك أنها كلها من لدن عقل واحد.

                                                 (٢)

رغم أن الكثير من الأراء وقت تعينه  تحدثت عن إنتماء وزير الدفاع الجديد إلى تنظيم الإخوان، ورغم أن سامى عنان كان قد بدأ إستكمال حملته ضد الرجل مستعينا فيها بصحفيين وساسه وإعلاميين، وهى حملة تدل على مدى ضحالة تفكيره، حيث لا أدرى من أين أتاه (ومالا يزال!) أى أمل فى دور سياسى مستقبلى على أى صعيد.
إلا أن أن تلك الحمله، ساعدت فى تقوية موقع وزير الدفاع فى الأشهر الأولى فى أعين الجماعة، بحيث أصبح مسيطرا تماماً على المؤسسة العسكريه، وحين أدركوا ذلك لاحقا، كان الوقت قد بات متأخراً جداً. 
أعترف أننى بشكل شخصى، ورغم سودويه هذه المرحله وكأبة المصير الأسود الذى كان ينتظر مصر تحت حكم بوليسى فاشى قادم لا محاله، ليدخل مصر فى مرحله أشبه، بغير المأسوف عليها " ألمانيا الشرقيه"، كنت أعول كبير أمل على الشعب،  متمنيا أن يسانده الجيش، وإلا ستكون الخسائر فادحة، وزمن معركة إستعادة البلاد سيكون طويلاً بأكثر مما ينبغى.
كانت قيادات الثوره وزعماء الأحزاب والشباب الناشط، قد وقفوا يشاهدون ثورتهم وبلدهم تسرق منهم، وإكتفوا ببضعة بيانات وتحركات، كتشكيل جبهة الإنقاذ ، والتى تفرغت لأوقات طويله فى تبرير مواقف مرتعشه لا أهميه لها، أو لدرء تهمة العنف المزعومه عن أكتافهم.
ولعل الدكتور البرادعى لخص هذا الموقف حين إشتكى فى مقابله تلفزيونيه من جماعة الإخوان قائلا ببراءه يحسد عليها: " ناس طلعتهم من السجون، ووصلتهم الحكم، وفى الأخر يشتمونى يامنى" !!
على أية حال، أعتقد أن الانفصال التام الذى أدعى أنه حدث بين هذه الزعامات سواء شابه، أو كهله أو من العجائز، وبين الشعب، كان موقعة الإتحاديه.
مئات الألاف الذين تجمعوا حول قصر الإتحاديه، والذين كان بإمكانهم إقتحامه، بعد الإعلان الديكتاتورى الإنقلابى للجماعه،  توسموا أنهم فتحوا الطريق امام السياسيين للتدخل وإستعاده زمام الأمور، ولو عن طريق إلغاء هذا الإعلان فورا، وضمان سيطرة الشعب على مسار الثورة مرة أخرى وإستعادة دولتهم.
وكان موقف جميع هذه القيادات المخيب للأمال هو النهايه السعيدة لهؤلاء القاده جميعا!
بدا هنا أن جموع الشعب قد نفضت يديها من جميع السياسيين على الساحه كبارا وصغارا وولوا وجوههم قبالة الجيش كمنقذ ومخلص أخير.

                                                 (٣)

كانت الصورة الذهنيه للجيش فى صفوف أفراد الشعب، قد تم نحتها بهدوء وبطء منذ ثورة يوليو عبر وسائل الإعلام والفنون، خاصة السينما، بدءاً من الخمسينيات وعبر حرب أكتوبر، كجيش وطنى مخلص ومؤسسه قوميه تتضاءل فيها موروثات التمييز الدينى والعرقى إلى مستوياتها الدنيا.
وبالإطاحه بأغلب العجائز داخل المجلس العسكرى، برز عبد الفتاح السيسى كشاب مقاتل وطنى(وهو يبدو أصغر بعشرة أعوام من عمره الحقيقى) وبرز زملائه الأصغر سنا معه على الساحة السياسيه. ولعل الأخبار السيئه لمناؤى الفريق السيسى أنه حتى لو إختفى من الساحة لسبب قهرى ما، فهناك رئيس الأركان صدقى صبحى وجيل جديد من القاده فى الخمسينيات من العمر يتولون مسئولية الجيش الأن.

الواقع أن  الصورة التى رسمتها للفريق السيسى خلال متابعتى له منذ اواخر ٢٠١١، أنه رجل دوله وإدارة ، حاد الذكاء، متواضع، لديه عقليه استراتيجيه أكثر منها تكتيكيه. قريب من عواطف وهموم الشعب، ربما بحكم إنتمائه لحى الجماليه الشعبى.
على أن أخطر سمتين للرجل هما إعجابه الشديد بالرئيس جمال عبد الناصر، ودهائه غير المحدود!
إستطاع كسب قلوب نسبه كبيرة من الشعب، بهدوء وبساطه  عبر تصريحات مدروسه بعنايه منه ومن رئيس أركانه، وإستطاع فى أشهر قليله أن يكون اللاعب الرئيسى وشبه الوحيد وسط مجموعة من الوجوه الشاحبه.
كان مشهد محمد مرسى وهو يقف بجواره مترنحاً ومستمعاً فى يأس إلى إرشاداته وتعليماته، عقب إجتماع شهير بالمجلس العسكرى، مشهداً مثيرا للشفقه، ربما فى مصر أكثر مما هو فى مرسى.
ولعلى هنا أكاد أجزم أن المواقف المناوئه والتى إتخذها عبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد البرادعى من الأحداث بعد ٣٠ يونيو والتى شكلوا، شاءوا أم أبوا، جزءا أصيلا منها، كانت لإحساسهم، أنهم أصبحوا فجأة وبشكل فعلى، خارج الإطار الحقيقى للأحداث.
 ببساطه أحسوا أن البساط قد سحب من تحت أرجلهم، وأنهم ودون أن يدروا قد تعرضوا للخديعه !

على أية حال، ففى لحظه فارقة من تاريخ مصر، قاد شباب صغير السن ومغمور، حركة "تمرد"، التى لا أعتقد أنه يفوقها فى توفيق التوقيت ولا حتى حملة توقيعات الوفد المصرى أوائل القرن الماضى.
نالت الحمله تأيدا لانهائيا من الشعب ودعم كامل من المجلس العسكرى، وإستطاع الفريق السيسى بقليل من الجهد وكثير من الدهاء حسم الموقعة.
وهنا يدهشنى كثيرا هذا الجدل الأكاديمى البيزنطى حول ما إذا كانت ٣٠ يونيو ثوره أم إنقلاب!  جدل لم ولن يهم رجل الشارع العادى فى قريب أو بعيد!
ببساطه لأن الفريق السيسى بدهاء شديد ، طلب من الشعب المصرى  وبعد بضعة أسابيع من ٣٠ يونيو الخروج لتفويضه محاربة الإرهاب!
 أعتقد أنه من الواضح الأن، أن هذا التفويض لم يكن السبب الحقيقى وراء هذا الطلب!
ببساطه أراد الرجل أن يوضح للجميع، وبهدوء سواء فى الداخل أو فى الخارج أنه هو من يتحكم فى حركة الملايين!
وهنا تكمن تحديدا خطورة الأشهر القادمه فى تحديد مستقبل مصر، وقبلها تكمن خطورة الرجل...

                                                (٤)

يشدد القائمون على إدارة البلاد، وعدد كبير من الإعلاميين، بقوه على أن الفريق السيسى لا يتدخل مطلقاً فى شئون الحكم. كما أن رئيس الوزراء حازم الببلاوى صرح أكثر من مره بأن الفريق السيسى لا يتدخل فى عمله مطلقا، بل هو أقل الوزراء حديثاً داخل مجلس الوزراء.
وأنا أصدق تماماً هذه المعلومات، بل وأثق فى صحتها. إلا أن ذلك فى النهايه، أشبه بتصريح مجلس إدارة إحدى الشركات الكبرى وكبار المديريين التنفيذين بها، بأن مالك هذه الشركه والمستحوذ الرئيسى على أغلب أسهمها، لا يتدخل فى أعمالهم.
وهذه هى المعضله الحقيقيه التى تواجه مصر، والتى تجعل كثير من الناشطين السياسين يبدون متشنجين، نافذى الصبر، ولا يمتلكون أى منطق سليم فى محاولتهم شرح وجهة نظرهم المعبرة عن هذه الحقيقه للشعب.
أغلب هؤلاء الناشطين يبدون قدراً كبيراً من الإستخفاف بالمعارضة الشعبيه واسعة النطاق تجاههم، فهم يعتقدون جازمين أنهم يرون ما لا تراه هذه الملايين المنساقه كالقطيع وراء زعيمهم الجديد.
ولا شئ أبعد عن الحقيقه أكثر من مثل هذا المنطق!
لقد كانت تلك الملايين أكثر وعيا وحنكه وذكاءا من هذه النخبة التى سلمت البلاد بإستهانه ومثاليه مبالغ فيهاإلى قوى ظلاميه، تحت دعاوى مزيفة لديموقراطية لم تتحقق فى أى لحظه منذ ثورة يناير.
أخشى أن رؤية كلا الطرفين للأوضاع أصبحت تقترب من نقطة التناقض وتبتعد عن مجرد أرضية الإختلاف.
فكثير من جماهير الشعب تنظر إلى الجيش بنوع من المثاليه تقترب من التقديس، لذا وجب على الناشطين والقوى الديموقراطيه، المتخوفه من نفوذ متنامى للمؤسسة العسكريه فى الحياة المدنيه، وضع ذلك فى الحسبان عند مخاطبة الجماهير. يجب أن تكون الجهود لتكريس أسس مدنيه ومؤسساتيه للحكم، مبنيه على جهد جماهيرى وحزبى ميداني، قصير وطويل المدى وعبر حشد حزبى وجماهيرى صادق وذكى
على أن ما نراه الأن من هذه القوى لا يتخطى كثيرا او قليلا إعتبار الجيش خصم فى أفضل الأحوال، وعدواً فى أقصاها تطرف! ولست أدرى كيف يمكن لأحد أن يتصور إمكانية عرض قضيته ، مهما كانت صائبه، بهذه الكيفيه، ناهيك عن محاولة كسبها!
الخطأ التالى الذى تقع فيه بعض هذه القوى المدنيه وبعض رموز شباب ثورة يناير من الشباب، أنهم يتخيلون إمكانية حدوث تغيير ثورى حاسم ينتج عنه تغيير فى موازيين القوى. عبر حركة ما فى الشارع، ومظاهرات طلابيه، ينتج عنها حراك جماهيرى. وبالطبع ما يحدث على أرض الواقع، أن تلك التحركات يتم فورا إجتياحها بواسطة تيار الإخوان المسلمين. ويبدو هؤلاء الناشطين وتلك القوى مرة أخرى فى نظر أغلب الجماهير كمثال للبلاهه والخفه فى أحسن الأحوال، ورمزا للخيانه والخسه فى أكثرها تطرفاً!
المشكله التاليه، أن بعض تلك القوى يتصور أن الحياد هو موقف موضوعى، حتى فى مواجهة تيارات تتبنى إتجاهات متطرفه تخطاها الزمن وتريد فرضها بالقوه على الجميع. وتصبح أحاديث الإحتواء والمشاركة لفصائل أظهرت أنها لا تقبل بديلا عن الإستحواذ الكامل والشامل وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة ، نوع من الهراء الكامل!
تنتابنى أحيانا أحاسيس غامضه، حينما أقرأ أشياء من قبيل أن أعضاء جماعة الإخوان يمكن أن يتحولوا الى قوى مدنيه تؤمن بالحريات وحقوق الإنسان، لمجرد أن الدكتور كمال الهلباوى سلك هذا المسلك!!
أشعر كأننى أشاهد فيلم، أخطأ المخرج وجعلنا نعرف فى أول خمسة دقائق، أن الجناينى هو زعيم العصابة السفاح، ثم يحاول فى الساعه والنصف المتبقيه أن يجعلنا نتناسى تلك الحقيقه، كى يمكننا فى أخر الفيلم أن نفاجئ حين نعرف أن الجناينى هو زعيم العصابه والسفاح !

                                               (٥)

للجيش مكانه خاصة فى وجدان وقلوب المصريين. عبد الفتاح السيسى إستطاع تجسيد هذه المكانه فى قلوب وعقول كثير من المصريين. الأمن القومى المصرى، والموقع الإستراتيجى للبلاد، التهديدات الإقليميه، ووجود إسرائيل الكارثى على الحدود الشرقيه، كل ذلك يستدعى وجود وضع خاص للغايه للجيش المصرى.
ولكن هل يعنى ذلك، استحداث ماده عجيبة التكوين فى الدستور المصرى، تحصن وزير الدفاع لمده، أو مدتين أو إلى الأبد. هل يعنى ما سبق أن نقبل مرة ثانيه بنظام حكم فردى يقوم أساسا على القبضة الأمنية، ولو تحت مسمى المستبد العادل.
هل يمكن أن نقبل ذلك لمجرد أن من تصدوا لثورة يناير سلموها أولا إلى مجلس عسكرى عاجز، ثم سلموا مصر كلها ثانياً إلى قوى ظلاميه إرهابيه.
هل يمكن للشعب المصرى، أن يتناسى ويستبدل العيش والحريه والكرامه الإنسانيه، بما يعتبره أمنه الشخصى، وربما ينتهى الأمر به إلى أن يفقد كل شئ.
ومن ناحية أخرى، هل الحريه هى فقط الحق فى التظاهر، الحق فى التعبير، الحق فى قطع الطريق، الحق فى إتهام الجميع، الحق فى رفض كل شئ.
هناك أسئله عديده تحتاج كثير من الإجابات، ومن المؤسف أن هذه الإجابات لن يمكن أن تكون هذه المره إلا بالعمل وعلى أرض الواقع .
ربما لا يلحظ كثيرون، أن هناك سباق مشتعل بين الأمم للتقدم الإقتصادى، عبر التنافس فى المجالات العلميه والصناعيه والإنتاجيه. إن مصر دون أن تلحق بهذا السباق، لن تستطيع أن تحقق أى حريه سياسيه أو إقتصاديه أو إجتماعيه. ربما كان أفضل ما فعله عبد الناصر أنه إستطاع خلق طبقة عريضه من التعليم الأساسى فى البلاد، يمكن أن تساهم فى أى نهضه صناعيه أو تقنيه.
إن مصر تملك إمكانيات وموارد جباره لنهضه حقيقيه فى مختلف الأصعده، الصناعيه، والتجاريه وفى مجال السياحه.
ولكن هل يمكننا البدء فى إستخدام هذه الإمكانيات دون الإجابه على الأسئله السابقة؟

حسناً، نصل أخيراً إلى السؤال الذى لا مفر منه!
هل يمكن أن يكون عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهوريه القادم؟ ولعل السؤال الأهم، ما هى أهمية وجود رئيس جمهوريه من خلفيه مدنيه، فى ظل تحصين منصب وزير الدفاع، وهيمنة المؤسسة العسكريه على مفاتيح القوه الحقيقيه فى البلاد.
هذا الوضع الاستثنائى للمؤسسة العسكريه فى الدستور المقترح، وضع البلاد فى موقف مستحيل الفكاك منه. فإما أن تحكم المؤسسة العسكريه حكماً مباشرا ويصبح الفريق السيسى أو صدقى صبحى (لا ينطبق ذلك على سامى عنان، الذى لم يعد يمثل المؤسسة العسكريه) رئيساً للجمهوريه. وإما أن تحكم المؤسسة العسكريه من خلف الستار، وهى تكلفه لا أظن مصر تتحملها.
فى رأيى فإن الاحتمال الأول هو الأقرب للواقع، وربما كان أيضاً أفضل الطرق لفك الإشتباك بين الدوله والمؤسسة العسكريه من أجل خلق دوله مدنيه حديثه.
أنا أعلم أن هناك قطاع كبير من الناشطين وطبعا جماعة الإخوان تكن كراهيه شخصيه للرجل، ولكنه أيضاً ومن جهه أخرى الأقدر على قيادة جموع هائله من الشعب، والأهم قدرته على دفع المؤسسة العسكريه لتقديم تنازلات مؤلمه، ولو من وجهة نظرهم.
نحن فى حاجه إلى رجل يستطيع لعب الدور الذى قام به الملك "خوان كارلوس" فى أسبانيا إبان عملية التحول الديموقراطى بعد حكم "فرانكو". وهو لن يستطيع لعب هذا الدور فى غيبة قوى وأحزاب ناشطه وفاعله فى أوساط الجماهير.
وهذا هو الجهد الرئيسى والحقيقى الذى يجب ان تتجمع حوله القوى المدنيه والديموقراطيه الأن دون خطابات متشنجه ودون عمليات تخوين وإقصاء، ودون تباكى على الذات أو بكاء على الأطلال.
لا يوجد عندى شك فى أن المصريين لن يقبلوا العوده الى الماضى مهما كانت التضحيات، وستدهش هذه القوى المدنيه والديموقراطيه، من قدر التأييد والشعبيه التى سينالوها، عندما يقفوا بقوه أمام "عبد الفتاح السيسى" إذا إختار، وبدلا من ذلك أن يكون "فرانكو" أخر.

أما إذا إختارت هذه القوى طريق الخطابه، والإبتعاد عن الجماهير الحقيقيه وعدم الإنخراط فى ممارسة السياسة ، فلا أملك حينها إلا أن أتمنى للجميع ولمصر قبلهم، حظاً سعيداً......

Thursday, March 28, 2013

أخطاء شائعه


هناك ثلاثة أخطاء شائعه يرددها الناس وكأنها حقائق تاريخيه مثبته. هذه الأخطاء كلها متعلقة بجمله واحده يرددها كالبغبغاء مرسى العياط بمناسبة وفى الأغلب الأعم دون أى مناسبه، أنه رئيس مدنى منتخب.
الخطأ الأول متعلق بكلمة منتخب هذه. 
ولتقيم هذا الإدعاء وجب قياسه على الديموقراطيات المعروفة فى العالم كالولايات المتحدة وأوروبا غربا والهند وكوريا الجنوبيه واليابان شرقا وجنوب أفريقيا والأرجنتين جنوبا.
الرئيس أو رئيس الوزراء المنتخب فى تلك البلاد يجب عليه الإلتزام بتعهداته ( وليس وعوده) الإنتخابيه. فإذا تعهد الرئيس بإعادة تشكيل الجمعيه  التأسيسيه لصياغة الدستور وتعهد بعدم إقرار دستور لا يحظى بتوافق مجتمعى. وأخل لاحقاً بتلك التعهدات الأساسيه التى تم إنتخابه بناءاً عليها، فقد فوراً شرعيته كرئيس منتخب.
وذلك يختلف تماماً عن الوعود الانتخابيه كوعد المائة يوم التى لم يتحقق منها شيئا، ورغم ذلك فهى لا تأثر فى شرعية إنتخابه.
ومما يزيد الأمور تعقيداً ضئالة نسبة التصويت التى حصل عليها سواء فى المرحلة الأولى أو الثانية للإنتخابات، حيث ان الجميع بما فيهم مرسى يعلم أنه مدين بنجاحه للقوى الثوريه التى تكاتفت للتصويت له ضد أحمد شفيق، بإعتباره مرشحاً للثوره بناءا على تعهدات اجتماع فيرمونت التى أخل بها جميعا.
فإذا أضفنا إلى ذلك عدم قيام الجهات المختصة بالتحقيق فى إدعاءات تزوير بطاقات التصويت فى المطابع الأميريه، أصبح الأمر كله عصيا على التجاوز.
الأمر المؤكد هنا أن حدوث مثل هذه الإنتهاكات فى أى ديموقراطيه حقيقيه فى العالم، هو أمر مستحيل وإذا حدثت فهى كفيله بتجريد مرتكبها من أى شرعيه للحكم.

الخطأ او الإدعاء الثانى أنه رئيس مدنى.  
ولتقييم هذه النقطة وجب علينا أن نعرف معنى وسبب هذا التعبير.
هذا التعريف هو لبيان اختلاف الحاكم المدنى عن الحاكم العسكرى أوالحاكم بإدعاء سلطه دينيه أو الحاكم فى النظام الديكتاتورى. وكل هؤلاء الأنواع من الحكام دون النوع الأول يحكمون بأحكام وقوانين وشرائع إستثنائيه. وعادة لا يهتمون بوجود قوانين أو دساتير فى بلادهم، وإن وجدت، كانت مصممه تحديدا على قياس رغبات مثل هؤلاء الحكام.
 اما الحاكم المدنى المنتخب، فهو ذلك الذى يلتزم بالقوانيين والنظم القضائيه والسياسيه فى البلاد، ولا يجرؤ على مجرد التفكير فى المساس بمبدأ الفصل بين السلطات وإحترام أحكام القضاء.
وتنحصر الإجراءات الإستثنائيه لمثل هؤلاء الحكام ، إن وجدت، على حالات الكوارث الطبيعيه وبعض القيود خلال فترات الحروب.
وهكذا كان الجنرال ديجول فى فرنسا والجنرال أيزنهاور فى الولايات المتحدة حكاما مدنيين منتخبين فى بلادهم. وهكذا أيضاً أصبح مرسى العياط بإعلاناته الدستوريه الغير شرعيه، وقوانينه الإستثنائيه، وإهداره للسلطه القضائيه وتدخله فى أعمالها، حاكماً عسكريا مستبدا، رغم أنه لم ولن يكون أبدا جنرالا!!
ولعل هتاف " يسقط حكم العسكر"  يبدو أكثر ملائمه للإستخدام الأن عنه أثناء فترة المجلس العسكرى السابق، والتى من الصعب وصفها بأنها فترة للحكم,  بل لعل الأدق أن نصفها بأنها إداره للمرحله الإنتقاليه، والأكثر دقه أن نصفها بأنها إداره سيئه فاشله لهذه المرحله.

من المتوقع أن يصدر العياط خلال ساعات قرارات إستثنائيه إستبداديه جديده يشعل بها البلاد، ويثبت بها مره أخرى أنه ليس سوى حاكم عسكرى مستبد، يتشدق بإدعاءات عفى عنها الزمن تعيدنا لأجواء ستالين الإرهابيه، التى تخطاها حتى أعتى النظم الشموليه ضراوه. وحده ستالين وربما ماوتسى تونج ومن قبلهم هتلر, هم من تحدثوا عن التضحيه بمواطنين لضمان استمرار أنظمتهم الإستبداديه. ولا أتصور أن يقال فى ألمانيا أو اليابان أو حتى الهند أنه سيتم التضحيه بمواطنين لأى سبب كان.
لقد توصل العالم بالفعل إلى ما توصل إليه الإسلام منذ ألف وأربعمائة سنه' من أن إعمال القانون وإقرار العدل هو السبيل الوحيد لإستقرار الأمم. ومن أن هدم الكعبة أهون عند الله من قتل نفس واحده.

واجهت بريطانيا فى أوج حقبتها الإستعماريه, مشكله أخلاقيه تتعلق بإزدواج معايير أعرق ديموقراطيات العالم فى تعاملها المخزى مع سكان مستعمراتها وبخاصة الهند. ولتجاوز هذه المعضله, توصل منظرى الإمبراطوريه البريطانيه الإستعماريه إلى حل جهنمى تمثل فيما أسموه بالأحكام العرفيه. وطبقا لهذه النظريه, فإن المستعمر البريطانى يستطيع أن يحكم تلك المستعمرات طبقا لأعراف أهلها وليس طبقا لمبادىء العداله والمساواه المطبقه فى بريطانيا.
وبذلك أصبح بإمكانهم سجن وجلد وشنق سكان هذه المستعمرات دونما واعز من قانون أو نظام أو دستور.
ولعل مرسى وجماعته يبشروننا ببدء حقبة حكم أعراف الإخوان.

حسنا، يصل بنا ذلك إلى الإدعاء الأخير، فى هذه الجمله المستهلكه, رئيس مدنى منتخب, وهى أن محمد مرسى هو رئيس البلاد.
ولعلى أترك الإجابه لحضراتكم .....

Saturday, March 02, 2013

الشعــب .. الجيــش .. الإخوان .. وقصص أخــرى

أثناء قراءتى لبعض تاريخ كندا,  إسترعت انتباهى عبارة ظلت عالقه طويلا بذهنى : "الحكومه المسئوله" Responsible Government.
كانت هذه العبارة الموجزه والداله نقطة التحول فى تاريخ إنشاء هذه البلاد التى كانت تحكمها بقوة الأمر الواقع "شركة خليج هدسون" التى عملت طويلا فى تجارة الفراء، حتى تكونت أول حكومه حقيقيه، وكان تعريفها البسيط أنها : "حكومه مسئوله".
ولعل هذا هو الفارق بين أى دوله حديثه ومتقدمه وأخرى لا تحمل هذه السمات.
لقد شبعنا فى الأونه الأخيره وسط هذا الكم من العبث والفوضى حديثا عن شرعية الحكم، دون أى إشاره الى أهم صفه لأى حكم أو حكومه وهو أن تكون "مسئوله"
ولعلى  لا أبالغ إذا وصفت فترة حكم الإخوان ومرسى وحتى الأن بإنعدام المسئوليه. الأمر الذى يسقط أى شرعيه مزعومه يفترض وجودها من الأساس!
وحتى لا تختلط الأمور ربما كان من الواجب أن نتذكر ما الذى حدث فى مصر فى السنتين الأخيرتين ، منذ ٢٥ يناير ٢٠١١.

الثوره والمغالاطات
لقد قامت فى البلاد ثوره، ولم تكن هذه الثوره بلا قيادات كما يدعى البعض، بل كان لها قيادات, بعضهم معروف، مثل البرادعى وحمدين وبعضهم مجهول مثل وائل غنيم وعبد الرحمن منصور ، بعضهم أشخاص فى الظل كعبد الخالق فاروق ومصطفى النجار، وبعضهم جماعات ك ٦ ابريل و كلنا خالد سعيد.
بعضهم بكفاح واضح مثل حركة كفايه وقياداتها، وبعضهم بكفاح مستتر رافض أن يكون له دور واضح للعيان فى مجريات الثوره كما فى حالة جماعة الإخوان.
ونجحت الثوره فى إزاحة رأس النظام، ودفعت ثمن ذلك آلاف الشهداء والمصابين.
وفى وقت مبكر تدخل الجيش ونال ثقة الجميع حين تحدث عن حمايته للثوره ووقوفه على مسافة واحده من كافة الاطراف. وكانت تلك هى الخطيئه الأولى للثوار والمجلس العسكرى وجماعة الإخوان.
فالثوار لم يجب عليهم أبدا تسليم ثورتهم بهذه البساطة لمجلس اغلب أعضائه من العجائز وحلفاء مبارك. والمجلس العسكرى لم يكن من الواجب عليه إن صدق، أن يقف على مسافه واحده من كافة الأطراف، بل كان الواجب أن يقف فى صف واحد مع القوى الثوريه التى إدعى أنه إستلم منهم الثوره.
أما جماعة الاخوان فسيكون من قبيل العبث الحديث عن سرقتها للثوره وخيانتها وتأمرها على الجميع ، فهو أمر لم يعد بحاجة الى تدليل او إثبات. 
وهكذا وبدلا من أن يتحالف المجلس العسكرى مع الدكتور البرادعى وقيادات الثوره الحقيقيه، وبدلا من أن يتبنى خطة طريق علميه وثوريه واضحه لتبنى مطالب الثوره، اذا به يوكل الأمر الى مجموعة داخله على رأسها "ممدوح شاهين" بعلاقاته مع جماعة الاخوان لتقوم بعملية تدليس كبرى، تفضى إلى سرقة الثوره لصالح جماعة الاخوان.
وخرجت الجماعات السلفيه المناوئه أساسا للثوره، من جحور مباحث أمن الدوله، تتبعهم جماعات الإرهاب لتشكل قوى مساندة لجماعة الاخوان فى مواجهة الثوره والثوار الحقيقيين.
وكانت كارثة الإنتخابات أولا، والتى وقف أمامها الثوار بمنتهى السذاجه، مصدقين أكذوبة الصناديق، وليتم تمرير المخطط المحبوك.

خدعة الصناديق
الصناديق ليس لها ان تقرر أن حاصل جمع ٢+ ٢هو ٥ ،،،، فالمجموع سيظل ٤ مهما قررت الصناديق. بل أن مجرد الموافقة على الإحتكام الى أى استفتاء فى مصر فى ظل ظروفها التعليميه والحياتيه الحاليه وتاريخ الاستفتاءات المشين بها، هو فى الحقيقه نوع من التدليس.
الإستفتاءات ليست وسيله ديموقراطيه للوصول الى أى نتائج موضوعيه فى بلد كمصر، ولو أجرى مبارك استفتاءات على بقاءه حتى فى عز غمار الثوره، لقالت الصناديق له "نعم"!
الإنتخابات النيابيه أو الرئاسيه، التى يستطيع المصريون فيها ان يحددوا اختياراتهم الحقيقيه، هى المحك الوحيد متى توافرت ضمانات على نزاهة مثل تلك إنتخابات.
على أن الخطيئه العظمى للثوره والثوار كانت رفضهم لمبدأ المواد الفوق دستوريه أو الحاكمه التى طرحها أولا الدكتور البرادعى والذى يبدو أنه أحس أخيرا وقتها، بسرقة الاخوان للثوره ورغبتهم فى الاستفراد بدستور فاشى خاص بهم.
لكن الثوار إستعاضوا عن ذلك بمقاتلة العدو الأصغر لهم "المجلس العسكرى" ،  وتغاضوا بل وربما ساندوا الخطر الأعظم الذى يتهددهم ويتهدد مصر بعنف "جماعة الاخوان المسلمين"
ولينتهى الأمر الى كارثة سرقة وتمرير دستور فاشى إرهابى، تم تمريره فى الظلام، فى خيانة مقيته من الجميع بما فيهم الثوار لدماء شهداء الثوره.

الجماعة الضاله الضاره
كان من الواضح لكل من قرأ تاريخ وممارسات هذه الجماعة الضاله الضارة أنها فى الحقيقة لا تبدى أى ولاء حقيقى لمصر الوطن. ففلسفة الجماعة قامت على شبه خيالات هلاميه للدين و للوطن، بل أن تطورها الفكرى قاده شخص متطرف غريب الأطوار لم يخفى أبدا إنتمائه للجماعات الماسونيه وهو سيد قطب.
ورغم تبنى هذه الجماعة ومنذ نشأتها للأفكار الفاشيه وربما النازيه، إلا أنها تباعدت عنهم فى فكرة الوطنيه المتطرفة، واستعاضت عنها بفكرة الأمميه الأقرب  للفكر الشيوعى.
والواقع انه حتى مقولة أن جماعة الاخوان فصيل وطنى يجب إحتوائه فى كل الأحوال، هى مقوله يجب أخذها بكثير الحرص، والريبه أيضاً

ونصل هنا الى المغالطة الثانيه التى اشتهرت بها ثورة يناير: أنها "ثوره سلميه" ، ولا أدرى كيف وصلنا جميعا الى مثل هذه النتيجة! هى ثوره استشهد فى غمارها ما يربو على الألف مواطن فى أقل التقديرات وجرح عشرات الاًلاف وفقد فيها المئات. هى ثوره مازالت تقدم شهداء وجرحى وضحايا تعذيب. هى ثوره نزل فيها المصريون الى الشوارع حاملين مختلف أنواع الأسلحة للدفاع عن أنفسهم أحيانا، ولتجربة العنف كوسيلة حياه أحيانا اخرى. هى ثوره إستعانت فيها جماعة الاخوان المسلمين بحلفائها من حماس وحزب الله وتنظيمها الخاص لقيادة واحده من أسوء عمليات الترويع ونشر الفوضى فى ربوع مصر، عبر
إقتحام الأقسام وفتح السجون، ولتعيش البلاد أسابيع من الرعب والعنف.
والمضحك أننا صدقنا أنها كانت خطة معده من النظام السابق لتمرير مخطط توريث جمال مبارك.
وفى مهزلة سيتوقف التاريخ أمامها طويلا ، تم انتهاك سيادة مصر العظيمه فى القرن الواحد والعشرين بواسطة مجموعات من الفلسطينين واللبنانيين، بدعوة من الجماعة الضاله الضاره!

ومن سوء الطالع أنه كان على رأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة عند إندلاع الثوره، شخصان لائما مزاج مبارك المتواضع : عنان وطنطاوى. شخصان لا يمتلكان قدرات قياده حقيقيه، أو رؤيه ثاقبة وإستشراف إستراتيجى للأحداث. والمؤسف أنهما إمتلكا طموحا خجولا للسلطة، لم يمتلكا معه قدرات حقيقيه تبرره، الأمر الذى دفعت مصر وما تزال تدفع ثمنه.
إنغمس الاثنان فى منافسات صبيانيه وتحالفات خطره إنصبت أساسا على جماعة الاخوان المسلمين، تخيل الإثنان أنها الوسيله المثلى للوصول إلى سدة الحكم. أغلقا أذنيهما عن أى قوى حقيقيه فاعله فى المجتمع، ولم يعيرا شباب الثوره ووقودها الحقيقى أى اهتمام. ولعب ممدوح شاهين دور بالغ السوء فى إيصال الجماعة الضاله الى سرقة الثوره ومحاولة سرقة البلاد.
وللأسف لم يتوانى الثوار عن مسايرة الجماعة والرجلان فى المخطط الجهنمى، بل وفى سذاجه يحسدوا عليها، لخصوا الموقف فى نداء " يسقط يسقط حكم العسكر" داعمين مخطط الإخوان لسرقة الثوره بمنتهى القوه،  فى خطأ إستراتيجى لا أظن من الممكن ان يغفره لهم الشهداء.

على أن جماعة الاخوان كانت مشغوله طوال الوقت بالتخطيط لتحالفات أهم، بعضها تكتيكى مؤقت وبعضها إستراتيجى دائم. فبدءا من الاندفاع المحموم للاجتماع بعمر سليمان فى الأيام الاولى للثوره، إلى التحالف الكريه مع مجلس طنطاوي وعنان وتداعيات هذا التحالف والتى لم تعد خافيه عن أحد...إلا أن أخطر هذه التحالفات وأهمها بالنسبة للجماعة كان التحالف الاستراتيجى مع الولايات المتحدة والذى إرتكز على تطمينات وضمانات حاسمه لإسرائيل.
لعبت آن باترسون  السفيره الامريكيه فى القاهره، الدور المحورى فى هذا التحالف والذى بدا أول الامر مثاليا لأمريكا، كما أنه إمتداد لإستراتيجيات جماعة الاخوان التاريخيه فى السعى لضمان  تاًييد قوى اجنبيه  فاعله. بدت باترسون ولفترات طويله متأثره بخبراتها العميقه فى باكستان، ولم تلحظ الفروق العميقه بين التكوين التاريخى والنفسى للشعب المصرى وبين ذلك الخاص بباكستان. ظنت باترسون أن أغلبية الشعب المصرى تدين بالولاء لجماعات الإسلام السياسى وللاخوان، ولم تلحظ أن تسامح المصريين مع جماعة الاخوان فى بدايات الثوره كان مرده الظلم الذى تعرضت له كما الشعب المصرى كله تحت ظل النظام السابق.
ومن ناحيه اخرى بدت نفعية الجماعه وإستعدادها التام لخدمة المصالح الاستراتيجيه لأمريكا بل ولإسرائيل مقابل البقاء فى السلطه كمفاجاءه سعيده للقيادات الامريكيه بشكل عام والاسرائيليه بشكل خاص. ويجب ان نضع فى أذهاننا عند التعامل مع هذه الجماعة، ان العلاقة مع الولايات المتحدة هى نقطة الإرتكاز الرئيسيه والبالغة الاهميه بالنسبة لها.

مهزلة الإنتخابات الرئاسيه
وكانت قمة مهازل طنطاوي وعنان بلا منازع هى الانتخابات الرئاسيه. قراً الدكتور البرادعى مبكرا أبعاد المهزله فقرر الإبتعاد عن الترشح. وعلى أيه حال لم تكن حملة التشويه التى نالها الرجل من الجماعة، رغم معرفتها الصادمه بقدر الرجل ودوره المحورى فى التمهيد للثوره، لم تكن هذه الحمله والتى تمت بمباركة وإستسلام تام من المجلس العسكرى القديم، لتضمن له حظوظ حقيقيه للمنافسة على المنصب حينها. 
وأمسكت الجماعة بالاشتراك مع عنان وطنطاوى بخيوط عمليات الترشح كلها. فإمكانية ترشح عمر سليمان والذى  أثبتت نتائج التصويت النهائيه أن حظوظه كانت عاليه للغايه، بثت قدرا هائلا من الرعب فى قلوب قيادات الجماعة وأتباعها. كانت تجربة البرلمان المصرى قد قلبت كل أوراق اللعبة رأسا على عقب، وبدأت شعبية الجماعة فى الإنهيار السريع.  كان ترشح سليمان سيبعث موجه عاتيه من الطاقه لدى أعداء الجماعة وحتى لدى قطاعات واسعه من الشعب الذين أحسوا بالخطر الذى بدا يزحف على البلاد. وليس غريبا ان نسبة التأييد التى نالها التيار الإسلامى فى البرلمان والتى اقتربت من اكثر من سبعين بالمائه، انخفضت فى مرحله الانتخابات الرئاسيه الأولى بالنسبة للمرشح الإسلامى الى اقل من ٢٥ ٪ أو على أحسن تقدير ٣٥٪ إذا أضفنا اليها اغلب أصوات ابو الفتوح.
والمضحك أن عنان وطنطاوى واللذان كانا مايزالا يحلما (ولست أدرى كيف) بإمكانية الحصول على المنصب، ساعدا الاخوان بقوه فى منع غريمهما عمر سليمان من الترشح لأسباب شخصيه بالمقام الاول. وبالتأكيد كانت ضغوطات المجلس العسكرى الرهيبة سببا فى إحجام سليمان عن الترشح أولا ثم عودته عن هذا القرار. لذا من قبيل العبث القول أن ترشح سليمان فشل لنقص فى التوكيلات، بل لعله كان بالأحرى نقصا فى الرغبة من الاخوان وطنطاوى وعنان!
أما قصة ترشح أحمد شفيق فهى تتعدى فى الهزل قصة الجنرال. فمجلس الشعب تحت سيطرة الاخوان وأعوانهم أصدر قانونا نعلم كلنا أنه معيب وغير دستورى بالعزل السياسى للرجل، إلا انه تم التصديق عليه من المجلس الاعلى للقوات المسلحة بإعتباره القائم بأعمال رئيس الجمهوريه. وعلى ذلك لم يعد من حق شفيق قانونا الترشح، إلا أن ما سميت باللجنه العليا للانتخابات أصدرت فرمانا بناءا على رغبة المجلس الاعلى يعطى شفيق الحق فى الترشح إنتظارا لحكم الدستوريه العليا فى قانون العزل!  ولم يكن ذلك سوى تحقيقا لرغبة طنطاوى وعنان فى الكيد للاخوان لقرارهم النزول بمرشح عكس كل وعودهم السابقه.
أما المهزله العظمى فتمثلت فى هذا المرشح الإخوانى.
خيرت الشاطر، كان المرشح الاصلى للجماعه، الا أن الأحكام القضائيه والعسكريه السابقة عليه أدت الى تعقيدات جمه فى طريق ترشحه. فطلب المجلس الأعلى من الجماعة المنحله قانونا سرعة تقديم مرشح بديل أخر قبل انتهاء الوقت المحدد. وأرسلت الجماعة فى جنح الظلام ، كعادتهاالمتبعه لاحقا، مرشحها الإحتياطى محمد مرسى العياط ليتقدم بأوراق ترشحه ومن الباب الخلفى للجنه العليا للانتخابات!!
ومن المؤسف أن يدعى البعض حتى الأن بأن هذه الانتخابات, التى تم إختيار مرشحيها بعمليات تدليس وحذف واضافه وترهيب وترغيب، هى أول انتخابات رئاسيه حره فى تاريخ مصر.
إنتخابات نعلم جميعا أنه شابتها حتى بعد هذه المهازل, العديد من عمليات التزوير والتدليس والتى تم التغاضى عنها عمدا. وقبل كل ذلك وأهم منه، أنها أهدرت أهم مبدأ لأى إنتخابات ديموقراطيه، وهو مبدأ تكافؤ الفرص.
ولكن هل يجعل ذلك محمد مرسى لدى إنتخابه رئيسا غير شرعى؟ الإجابه ببساطه : لا !
فرغم كل تلك المهازل أصبح محمد مرسى العياط رئيساً شرعيا وقت إعلان نتيجة الإنتخابات، ولكن بالتاكيد ليس عبر أول إنتخابات حره لإختيار رئيس لمصر. والأهم من ذلك، هل إستمرت هذه الشرعيه؟

المرحلة التأسيسيه 
كل ما حدث كان من الممكن تخطيه ومعالجته لو لم نكن فى هذه المرحله الهامه وهى المرحله التأسيسيه.
أعتقد ان هذه هى النقطة المفصليه التى يجب ألا تغيب عن أذهاننا أبدا. هذه ثوره قادتها كالعادة الطبقة المتوسطة المصريه، وشاركت فيها كالعادة أيضا الشرائح العليا من هذه الطبقة. وكما فى ثورتى ١٩ و ٥٢ لم تكن هذه الطبقة فى كل الأحوال هى اغلبية الشعب المصرى. إلا أنها وفى كل الأحوال مثلت الكتله الحرجة للمجتمع التى قامت بدور القاطرة لسحب طبقات الشعب كلها ورائها نحو غد أفضل حسب رؤيتها فى كل زمن من هذه الأزمان.
لذا لم يكن غريبا أن تكون شعارات الثوره المرفوعة هى "العيش" "الحريه" الكرامه الإنسانيه" وان يكون الهتاف الأوضح لها هو "مدنيه .... مدنيه" ، فهى ثوره أوضحت بجلاء ومنذ اليوم الأول عدائها للحكم الدينى والعسكرى على السواء.
لذا فإن جريمة سرقة دستور البلاد , كانت أول معول فى هدم شرعية محمد مرسى العياط كرئيس لمصر. فبدلا من الوفاء بالإلتزام الذى لا فكاك منه بتكوين جمعيه تأسيسيه توافقيه لكتابة الدستور. تم إسناد كتابة اهم وثيقه لمصر بعد الثورة إلى جماعة الاخوان المسلمين وأعوانها بالاشتراك مع االسلفيين وايضا مجموعات من الإرهابيين . 
إننى أوقن أنه طال الزمن أو قصر، فسوف يتم محاكمة كل من إشترك فى هذه الجريمه، محاكمة فعليه، أو محاكمه أقسى من التاريخ.
وهكذا بدلا من أن نحصل على وثيقه دستوريه تنقل البلاد الى الجمهوريه الثانيه، حصلنا على وثيقه تنقلنا الى الجمهوريه " صفر" أو ربما حتى  الجمهوريه "سالب واحد". !

ما العمل
حسنا عزيزى القارىء،  اذا كنت قد تحملت قراءه المقال حتى هذه الفقره، ولو إفترضنا أنك لسبب ما لم تعلم بالأحداث التى مرت على مصر فى العامين الأخيرين ! فلابد أنك تعلم الأن أن محمد مرسى لم يصل الى كرسى الرئاسة عبر ثوره قامت بها جحافل السلفيين فى مصر، وخطط وأعد لها مكتب إرشاد جماعة الاخوان المسلمين. ولابد أنك مدرك أيضا انه لم يكن هناك إنقلابا عسكريا قادته خلايا نائمه تابعه لجماعة الاخوان فى الجيش المصرى، ونجحت فى الإطاحة بمبارك وأركان حكمه.
شيئا من ذلك لم يحدث أبدا، إلا أن مكتب الإرشاد ومحمد مرسى يتصرفان وكأن أحد هذين الإحتمالين  هو بالضبط ما حدث فى البلاد.
تتصرف الجماعة بغياب تام لأى منطق عقلانى، أو منطقى أو مسئول. تندفع فى طريق أخونه البلاد وتأميم المؤسسات السياسيه والسياديه لصالحها دونما الإكتراث بأى مصالح حياتيه أوإقتصاديه للبلاد. تندفع بلا أدنى تردد فى استخدام أحط الوسائل الفاشيه فى التعامل مع الثوار والمواطنين العاديين فى محاوله لترويع الجميع. 
الهدف الإستيلاء الكامل على البلاد وتطويعها فى إطارمشروع نهضه وهمى يخادعون به البسطاء بخلافه إسلاميه تعتمد على تأييد الولايات المتحدة وإسرائيل إن لزم الامر!
ربما كان أصعب ما فى الامر هو مواجهة جماعة تتحدى المنطق وحركة التاريخ وتتصرف بعشوائيه تامه.
وهذا ما يجعل مسئولية مواجهة هذا الخطر الداهم مسئوليه مضاعفة.
ويمكن تلخيص طرق المواجهه بأربعة محاور رئيسيه : الجيش- الكتله الحرجة - الكيانات البديله - الإستمرار 

ولنبدأ بالكتله الحرجة:

هناك تصور منتشرالأن بأن الثوره لم تفرز قيادات، وأن هذه القيادات ليست ملتحمه بالطبقات الشعبيه. بل ان بعض الناس يسبون ويلعنون قيادات المعارضة الموجودة لهذه الأسباب. والواقع أن ذلك أشبه بلوم لاعب إحتياطى او لا يوجد فى تشكيلة فريقه أصلا، لأنه لم يحرز أهدافا!
أنا اعلم مدى إغراء مثل هذا الهجوم أحيانا، إلا أنه فى الحقيقه يمثل ظلم فاحش للثوره والثوار. الزعامات لا تخلق من الهواء او عبره هكذا، بل يجب أن تمتلك سلطه فعليه أوشعبيه لخلق مثل هكذا زعامات. فعبد الناصر والسادات إمتلكا هذه الموهبة ولكنها لم تظهر إلا حينما إمتلكا السلطة. أما سعد زغلول و مصطفى كامل فكانت زعامتهما تجسيدا لطموح شعبى إرتبط أساسا بفترتيهما التاريخيه. على حين جمع مصطفى النحاس بين الطريقين، فقامت زعامته على أساس السلطةو والشعب معا.
أتدرون من الذى يجب بالفعل أن يلوم نفسه ويقرعها أشد التقريع على عدم ظهور قيادات شعبيه؟ 
إنه بالتأكيد تيار الإسلام السياسى (أفضل تسميته بالمتأسلم)، فهذا التيار رغم حصوله على شعبيه فى وقت من الأوقات، وإمتلاكه للسلطة، إلا أنه فشل فشلا ذريعا فى إفراز أى زعامات حقيقيه أو مؤثره.
ربما كان ذلك ما دفع جماعة الاخوان المسلمين إبان شهر العسل مع المجلس العسكرى القديم، إلى الرفض التام لتطوع الدكتور البرادعى لرئاسة الوزراء فى فتره من أصعب الفترات على البلاد، إبان اوج احداث الثوره، وتخليه عن فكرة الترشح للرئاسة والتى كانت مطروحة بشده وقتها. عرف الاخوان أن تاريخ الرجل فى الإدارة والسياسة وشجاعته فى المغامرة بالقيام بهذا الدور، ستؤدى إن نجح إلى إمتلاكه أسباب التقدم لقيادة الامه.
المؤسف أن هذه الرؤيه لم يمتلكها للأسف نخبة الثوار، الذين تفرغوا للهجوم على جميع القيادات دون جهد حقيقى للتجمع تحت قياده واحدة. ولأوضح الصوره قليلا، فإننا رأينا أحد اهم افراد النخبة السياسيه  الثوريه، الاستاذ حمدى قنديل يهاجم الدكتور البرادعى علنا لأسباب رأها موضوعيه، على حين أنه لم يجد غضاضة رغم معرفته التامه بتاريخ وأغراض الاخوان أن يقف مؤيدا لوصول محمد مرسى لسدة الرئاسه فى مصر.
لذلك فمن الواجب ألا نسمح بأى سيوله فى الكتله الحرجة للمجتمع و التى قامت بالفعل بالجهد الرئيسى لثورة يناير.
هذه الكتله الحرجة الممثله لأطياف الطبقة الوسطى بمختلف توجهاتها وقدراتها يجب ان تتوحد تحت قياده واضحه موحده لا أجد فى الوقت الحالى لقيادتها أفضل من الدكتور البرادعى بمشاركه فعاله من حمدين صباحى. وهذه ليست فقط مهمة الزعامات, بل هى أيضا مهمة النخبه.

الكيانات البديله:

لا شك أن دعوة مرسى الحاليه لما أسماه "حوارا وطنيا!!!" تعود بالأساس لرغبة الولايات المتحدة فى رؤيه إنتخابات برلمانيه تشترك فيها كل قوى المجتمع. وذلك ما يفسر رغبة مرسى الغير معهوده فى التودد لجبهة الإنقاذ والإيحاء لموظفيه فى القصر للإلحاح على الجبهه للإشتراك فى هذا الحوار الوهمى. يبدو أن مرسى يعلم أن مجرد التحجج بأنه تم دعوة الجبهه للحوار ولكنها لم تستجيب لن يكون مقنعا للأمريكيين هذه المره. لذا فان الجماعة تحاول بكل الوسائل تخطى هذه المعضله أمام حليفها الرئيسى الأهم. 
جبهة الإنقاذ وعلى رئسها الدكتور البرادعى يعلمون تماماً حقيقتين مؤكدتين:
الأولى أنه لا أمل لجماعة الاخوان فى النجاح فى أى إنتخابات قادمه سواء برلمانيه او رئاسيه دون تزوير وإعادة رسم للدوائر الإنتخابيه. والثانيه أن إنسحاب جبهة الإنقاذ من الانتخابات البرلمانيه سيضع العلاقة الاستراتيجيه بين الاخوان وأمريكا فى مازق حقيقى. 
إذا أضفنا الى ذلك أن الإشتراك فى تمثليه الانتخابات المزورة سيضفى شرعيه غير مبرره على مجلس نيابى سيكون بالتأكيد  الأسوء فى تاريخ مصر .فربما يفسر ذلك نشاط أمريكا المحموم مع عملائها المعروفين بالداخل من اجل الدفع نحو الاشتراك فى الانتخابات بعد تقديم ضمانات هزيله وشكليه.
لذلك وعكس المرات السابقة يجب ان يتكاتف الجميع خلف مقاطعة ايجابيه وفاعله سينتج عنها أمر من اثنين: 
 إما رضوخ الجماعة والولايات المتحدة لمطلب إجراء انتخابات نزيهه تحت إشراف قضائي ودولى كامل وفى وجود حكومة محايده. أو تمرير إنتخابات مزيفة غير شرعيه، الأمرالذى يعيدنا تماماً إلى أجواء ثورة الخامس والعشرين من يناير. وذلك ما يفسر أهميه النقطة الأولى من الحفاظ على تماسك الكتله الحرجة للمجتمع، التى ستفرز الكيانات البديله لقيادة الموجه الثانيه للثوره. 

الإستمرار:

التقطه التاليه ربما كانت أقصر النقاط من حيث التحليل، إلا أنها ربما كانت الأهم  وهى الإستمراريه. فجذوة الثوره يجب ان تبقى مستعره فى القلوب وفى العقول، فى المدن والشوارع والميادين. إستمرار الغضب والرفض والرغبة فى التغير يجب ان يعم الجميع ومن خلال النخبة السياسيه.
ومن حسن الطالع أن تصرفات الجماعة الضاله، هى أكبر عوامل إستمرار هذه الجذوة المقدسة.
وهذا الإستمرار يقتضى الحركة المستمرة وطرح الأفكار الجديدة والإستعداد الجدى لمواجهة مرحلة ما بعد الاخوان. فإعادة بناء ما هدمه الاخوان والسلفيون ستقتضى جهدا تنظيميا وفكريا وشعبيا، لسرعه عودة البلاد الى ركب الحضارة بعد إنتهاء هذا الكابوس. ولعلى هنا أشير كمثال الى النظام الإنتخابى الرئاسى، الذى يجب ان يكون معبرا عن الكتله الحرجة للمصريين. ففى ظل النظام الحالى خسر محمد مرسى فى الانتخابات كل المحافظات الرئيسيه تقريبا مثل القاهره والاسكندريه والدقهليه والشرقيه وغيرها ومع ذلك وصل الى المنصب! من المهم تعديل هذا النظام الإنتخابى بحيث تمثل كل محافظه بعدد من الأصوات تعبر عن وزنها النسبى وعدد سكانها، ويحصل المرشح الفائز فى كل محافظه على كل أصواتها الممثله فى المجمع الانتخابى.

الجيش:

أحاط توقيت تولى الفريق السيسى وزارة الدفاع خلفا لطنطاوى العديد من علامات الإستفهام والإشاعات.
 لم يكن هناك ثمة شك أنه لا شرعيه لمرسى فى إلغاء الإعلان الدستورى الذى أقسم اليمين على إحترامه. ولا يوجد شك أيضاً أن إنتخاب رئيساً للجمهوريه فى ظل عدم وجود صلاحيات محدده له أو دستور حقيقى يسير البلاد، يعنى أن هذا الرئيس هو رئيس إنتقالى مؤقت لتحقيق إستحقاقات دستوريه و شعبيه محدده.
لا شك أن قيادات الجيش كانت واعيه لهذه الحقائق حين قبلت بهذا التعيين. فإذا أضفنا لذلك العلاقة الوطيدة التى ربطت ومازالت بين الفريق السيسى والمشير طنطاوى، يزداد التساؤل غموضا. ولعلى هنا أحاول الاجابه من وجهة نظرشخصيه.
أعلم يقينا أن الفريق السيسى ولفتره طويله قبل توليه الوزارة كان غير راضى عن أداء المجلس العسكرى والحرس القديم به. ( يجب ألا ننسى حقيقة وجود فارق فى السن يتخطى العشرين عاما بين السيسى وأفراد هذا الحرس.) ولا شك أن الصوره السلبيه للجيش تحت قيادة عنان وطنطاوى للمجلس العسكرى قد أثارت سخط الجيل الجديد فى المجلس وكثير من قيادات الجيش الشابه. 
لذلك فأنا أدعى أن قبول السيسى وقيادات المجلس الأصغر سنا لهذا التغيير فى القياده، جاء ليقينهم أنه فى مصلحة القوات المسلحة والبلاد، أن يتولى جيلا جديدا المسئوليه داخل الجيش وأن يتلافى بقدر المستطاع أخطاء المجلس السابق.
لم يكن الأمر كما أرادت أن تروج جماعة الاخوان، أن الفريق السيسى منتميا للجماعة أو أن الجماعة قد فرضت سلطتها على الجيش. ذلك بالتأكيد هدف رئيسى للجماعة فى كل الأحوال، لن يهمها فى سبيل تحقيقه حتى وإن بدا مستحيلا تدمير البلاد وجرها الى أتون حرب أهليه حقيقيه. بل لعلى أدعى أن الجماعة ستحاول إستخدام هذا الحل إذا إستمر تصاعد الرفض الشعبى لها.

بالطبع قامت الجماعة بإستذان حليفتها الكبرى الولايات المتحدة قبل الإقدام على هذه الخطوه، وكانت وزيرة الخارجيه الامريكيه قد تطوعت بالفعل قبلا بنقل شكوى الرئيس المصرى مرسى  لوزير الدفاع طنطاوى بأنه يتدخل فى عمله!!!
ليعيد الاخوان مصر بمنتهى الصفاقه إلى أجواء نفوذ السفارة البريطانيه فى القاهره أربعينيات القرن الماضى.
بالطبع يعلم الجميع يقينا وعكس كل تقولات محمد مرسى، أن وجود الفريق السيسى على رأس المؤسسة العسكريه يمثل خطرا داهما على مشروعهم. وتزداد المشكله تعقيدا إذا عرفنا أن هذا التخوف ينسحب على قيادات أخرى هامه بالجيش وعلى رأسها رئيس الأركان الفريق صدقى صبحى.
ولا يمكن إغفال حقيقة أن هذه المؤسسة ترتبط هى الاخرى بتحالفات قويه وهامه للغايه مع الولايات المتحدة، الأمر الذى يضيف تعقيدات إضافيه للموقف.
وعلى أية حال سيتوقف موقف الجيش من الاحداث على ثلاثة عوامل رئيسيه،
الأول هو موقف الشعب من نظام الحكم خلال الأسابيع القادمه بما فى ذلك المواقف التى ستتخذها الجماعة وجبهة الإنقاذ.
الثانى هو موقف الولايات المتحدة والراى العام العالمى من الاحداث وخاصة إذا استمر تدهور الأوضاع السياسيه والإقتصاديه.
وأخيرا موقف المؤسسات القانونيه والدستوريه فى البلاد حيال أى تحرك محتمل، فلعلى أجزم هنا أن المجلس العسكرى إذا لزم الامر إختيار أسوء الخيارات، لن يكرر أخطاء المجلس السابق. بل سيحاول إيجاد صيغه قانونيه ودستوريه لإدارة مرحله إنتقاليه سيقوم فيها بدور الراعى.

خاتمه:

نشأت جماعة المافيا فى إيطاليا منذ أكثر من مائة وخمسين عاما. وهى جماعة إجراميه قامت على الإبتزازوالسرقة والقتل، وتعد أهم تنظيمات الجريمه المنظمه فى العصر الحديث. ولنجاحها الباهر فى هذا المجال أصبح لها فروع خارجيه وتنظيم دولى عالمى. ورغم تخصصها فى الجريمه إلا أن تنظيمها الداخلى قام على إحترام الاسره والتكافل بين أفرادها وعلاقات المصاهره والنسب العائليه القويه.
وبعد حوالى الثمانين عام من إنشاء المافيا، كان من الضرورى أن يصبح لها نفوذ سياسى قوى فى البلاد. فبدأت فى تمويل الحملات الإنتخابيه لنواب برلمانيين مواليين لها وتطورت الأمور إلى وصول رؤساء وزراء إيطاليين إنتموا الى المافيا.
ولقد دفعت إيطاليا ثمن ذلك عبر فترات طويله من التدهور الأمنى والسياسى والإقتصادى. ولم يشفع تاريخ المنظمه الطويل لها لدى العامة وأفراد الشعب كى يغفروا لها خطاياها... 
فظلت وستظل دائما منظمه منبوذه, تجلب العار لكل من إنتمى إليها يوما ما....