صرخات وهمسات: مذكرات "آنا فرانكو"

عن نيويوركر 


٥ نوفمبر ٢٠٢٤

اليوم كان صعب جداً. "بابا" أخبرنا أنه يجب علينا مغادرة منزلنا بحلول ٢٠ يناير والاختباء لأن السيد "ترامب" تم انتخابه رئيسًا. قال إن "ترامب" سيُرحّلنا إلى "السلفادور"، وإن بابا قد يُسجن. واضاف إن هناك رجلًا سيئًا للغاية يقف وراء كل هذا - السيد "ستيفن ميلر". أختى "ماريا" شرحت الأمر لى، إنه يكره المهاجرين لأنه أصلع ولم يحصل على صديقة حتى بلغ الثلاثين. قلت لها إن هذا ليس ذنبنا. طيب لماذا لا يكره النساء بدلًا من ذلك؟ أوضحت إنه يكره الجميع. حتى الكلاب.

١٤ ديسمبر ٢٠٢٤

بابا قال إنه وجد لنا ملجأً. إنه فى حى راقى فى "لوس أنجلوس"، وسننتقل إليه خلال شهر تقريبًا. المنزل ملكٌ لفنان كوميدى كان والدى يعمل لديه كبستانى. اسمه السيد "لارى". وبما أنى لم أقابل فنان كوميدى من قبل. بدأت أتساءل إذا كانوا دائمًا مُضحكين.

٢٠ يناير ٢٠٢٥

وجدت الإجابة، ليسوا كذلك. استقبلنا السيد "لارى" عند الباب الأمامى واصطحبنا إلى الدور العلوى، وهو مكان جميل جدًا باستثناء صور لاعبى البيسبول المُعلقة على الجدران. تساءلتُ ليه رجلٌ مُسنٌّ مثله لسه بيهتم بده. المهم، قلت له: أنت شجاع لأنك تخفينا فى منزلك، فقال: السبب إنه خسر رهانًا. فكرت فى سرى، هل كانت  هذه نكته؟ أخبرنا أن لديه قاعدتين، الأولى هى عدم وضع كوب ماء على طاولة خشبية. قال إنه يجب علينا دائمًا احترام الخشب. هل كانت دى نكته أيضًا؟ القاعدة الثانية، هى عدم تشغيل الموسيقى، وخاصةً الموسيقى اللاتينية. قال إنها لن تكون آمنة. بس أنا أشعر أنه يكره الموسيقى ولا يحب أن يرى الناس يستمتعون بها.

٢٨ يناير ٢٠٢٥

استيقظتُ هذا الصباح على صوت السيد "لارى" يصرخ: "مسك! ماسك!". الظاهر أن السيد "ماسك" يعمل الآن فى الحكومة، ويُطرد الكثير من الناس من وظائفهم، ويظهر انه بجد بيستمتع بده. بدأت افكر ان السيد "لارى" هو غالبا مدمن مخدرات؟ لأنه يقضى الكثير من الوقت خلال اليوم يصرخ بأشياء مُشينة وينطق بألفاظٍ بذيئة. ابتدى الموضوع مع "ماسك" صباحاً، ثم سمعتُ طوال اليوم أيضًا عبارات مثل "ترامب!"، "فانس!"، "نوم!"، "هيجسيث!"، "كينيدى!"، "باتيل!"، و"فاشى!"، والتى يبدو أنه يصرخ بها أكثر بكثير من الآخرين. إنه حقًا لا يُحب كثير من الناس.

١٢ فبراير ٢٠٢٥

سمعتُ اليوم شيئًا عن "قانون الأعداء الأجانب"Alien Enemies Act. مش عارفه ما هو، لكنه  يظهر أنه مُنذ أكثر من مئتى عام، وشكله مُخيف جداً. كل ده جعل السيد "لارى" فى مزاج مش ولابد، وتفاقم الأمر عندما لم يجد جهاز الريموت الخاص بالتلفزيون. صعد إلى أعلى وسألنا إن كان أحد يعرف مكانه. كان غاضبًا جدًا. "ما مشكلة هذه الأجهزة؟! لماذا نبحث عنها دائمًا؟ لقد سئمت من هذا!" أوضح السيد "لارى" إنه يفضل أن تكون الطريقة الوحيدة لتغيير القناة هى الذهاب إلى التلفزيون، وأن تلك الأيام قد ولت. طلب منه أبى أن يبحث بين وسائد الأريكة. قال السيد "لارى" إنه فعل. بابا قال له أن يبحث أكثر - إنه موجود دائمًا. بالطبع، كان عنده حق. لم يعثر على جهاز التحكم فحسب، بل وجد أيضًا هاتفًا قديمًا يُدعى بلاك بيرى، من عام ٢٠٠٢.

١٢ مارس ٢٠٢٥

أخبرنى بابا اليوم أن هناك قاعدة جديده من "ترامب" قد تعنى أننى لم أعد مواطنة أمريكية، لأنه على الرغم من أننى ولدت هنا، إلا أنه وأمى لم يكونا كذلك. فى الوقت ده، بيكون السيد "لارى" يقضى يومه كله يشاهد الأخبار على التلفزيون، ولا يخرج أبدًا. وواضح أن هناك محطة إخبارية تُغضبه بشدة، لدرجة أن بابا خايف أنها ممكن تُسبب له نوبة قلبية. قال أبى إنه إذا مات، فسنضطر إلى إخفاء الجثة فى القبو.

٨ أبريل ٢٠٢٥

تم منح إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) حق الوصول إلى معلومات دافعى الضرائب للمساعدة فى تحديد المهاجرين واستهدافهم للترحيل. كلما ازدادت الحكومة جنونًا، ازداد السيد "لارى" جنونًا. الليلة، وقعت الصلصة على بنطاله. عمرى ثلاثة عشر عامًا فقط، بس لم أرى ابدأ بقعه كهذه. قال إن هذا يحدث دائمًا، حتى عندما يستخدم منديلًا لتغطية حجره. سألته كيف حدث ذلك، فأجاب: "البقعة عارفه طريقها دائمًا".

١٢ مايو ٢٠٢٥

اليوم، تراجعت الحكومة عن سياستها المتعلقة بالهجرة وقررت قبول اللاجئين البيض من جنوب إفريقيا لأنهم يتعرضون للقتل والاضطهاد هناك. حتى ابن عمى الصغير البالغ من العمر ثمانى سنوات عارف أن ده كذب. قال السيد "لارى" إن دى هى القشة التى قصمت ظهر البعير، إنه سينتقل إلى "كندا"، وفجأة بدأ يغنى النشيد الوطنى الكندى "أوه  كندا". شكله كان وصل إلى منتصف الطريق لما اكتشف أنه لا يوجد جولف هناك لمدة ثمانية أشهر من السنة.  مش عارفة ما الذى يراه فى تلك اللعبة.

٣ يونيو ٢٠٢٥

جميعنا قلقون على السيد "لارى". شكله بيفقد وزنه وشعره أكثر. اليوم، توقف مكيف الهواء فى المنزل عن العمل. لم نكترث إطلاقًا، لكن السيد "لارى" كان منزعجًا للغاية. سمعته يصرخ: "أنا بأعرق، أنا أتعرق! أنا لا أتعرق أبدًا!" لكنه لم يستطيع إحضار أى شخص لإصلاحه، لأن ذلك سيكون خطر جداً. يعنى باختصار تصرفات الحكومة، وعدم وجود مكيف هواء، جعلته قنبلة موقوتة.

٩ يوليو ٢٠٢٥

لا يزال مكيف الهواء معطلاً. درجة الحرارة فى الخارج ثلاث وثلاثون درجة. عملاء دائرة الهجرة والجمارك فى "لوس أنجلوس" بيلقوا القبض على الناس فى الشوارع والمحلات وأماكن العمل، وبيقتحموا منازلهم. تم فصل العائلات وترحيلها من غير اللى بابا بيقول عليها الإجراءات القانونية الواجبة. هناك احتجاجات. تم استدعاء الحرس الوطنى ومشاة البحرية دون موافقة الولاية. الجميع خائفون. لم أستطع النوم لأن السيد "لارى" كان يصرخ طوال الليل بسبب ذلك. 

فى الصباح، بابا قال إنه لا يُمكننا البقاء هنا بعد الآن. سألته إن كان السيد "لارى" طردنا، فقال: "لا، سنغادر لأن كل هذا جعل السيد "لارى" يفقد أعصابه". قال أبى إنه يُفضل المخاطرة بأن يُقبض عليه من قِبل عملاء دائرة الهجرة والجمارك على البقاء هنا ليوم آخر. 

كذبنا وأخبرنا السيد "لارى" أننا بس سنفتقد منزلنا ونعود إليه. لكن الحقيقة هى أن بابا اتصل بصاحب عمل سابق آخر وافق على السماح لنا بالبقاء مع عائلته، وهو السيد "كونان"، الذى كان أكثر هدوءًا، ووفقًا لبابا، أكثر مرحًا. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل نحن اذكى مما ينبغى؟

الأنبياء - قصة قصيرة

كم أفتقدك - "بقلم: حازم فرجانى"