نظرية جديدة قد تُثبت خطأ "أينشتاين".
تعتبر "نظرية كل شىء" هى ما يمكن تسميته ب"الكأس المُقدّسة" فى الفيزياء.
تكمن صعوبة وضع نظرية تجمع ما بين "الجاذبية" و"ميكانيكا الكم" فى أن الفكرتين تنظران إلى الكون من منظورين مختلفين تمامًا.
تنظر "ميكانيكا الكم" إلى أصغر مقاييس الجسيمات التى تُكوّن الذرات، وقد استخدمها الفيزيائيون لوضع النموذج القياسى، الذى يجمع معًا ثلاثًا من القوى الأساسية التي تُسيطر على كوننا. هذه القوى هى: "الكهرومغناطيسية"، و"القوة النووية القوية" (التي تربط البروتونات والنيوترونات معًا)، و"القوة النووية الضعيفة" (المسؤولة عن الاضمحلال الإشعاعى).
القوة الأساسية الرابعة هى "الجاذبية"، كما نصّت عليها قوانين النسبية العامة التى وضعها "ألبرت أينشتاين".
تُعتبر هذه القوانين أن الجاذبية هى المسببة لتشويه نسيج "الزمكان". حيث تقوم الكتل الكبيرة والأجسام عالية الطاقة أثناء حركتها، بتشويه الزمكان وتؤثر على الأجسام المحيطة بها. إنها تتحكم بكل ما يحدث فى كوننا، من الكواكب إلى النجوم والمجرات. وترفض التماهى مع قوانين ميكانيكا الكم.
قصة نظريتين:
من أكبر المشاكل التى تواجهنا، أن "الجاذبية" هى نظرية "حتمية كلاسيكية". تنص قوانينها على وجه اليقين على عواقب أى فعل. إذا أسقطت كرة، فإن نظرية "الجاذبية" تقول أنها ستسقط على الأرض حتمًا.
أما "نظرية الكم"، فهى احتمالية بطبيعتها. فهى لا تتنبأ بالنتيجة الدقيقة لموقف ما، بل باحتمالية حدوثه فقط.
صرح "الدكتور ميكو بارتانين"، المؤلف الرئيسى لدراسة نُشرت فى مجلة "تقارير التقدم فى الفيزياء": "يصعب الجمع بين هذين الأمرين. لقد أدت محاولات تطبيق نظرية الكم فى وجود تفاعل الجاذبية إلى العديد من النتائج غير المنطقية".
على سبيل المثال، عندما يحاول فيزيائيو الكم قياس كتلة إلكترون، فإن معادلاتهم تتجه إلى اللانهاية. من ناحية أخرى، عندما تُطبق الجاذبية على حسابات مواقف الجاذبية المتطرفة، مثل حافة الثقب الأسود، فإن معادلات أينشتاين تفقد معناها.
يقول "بارتانين": "بعض المناهج الجذابة لحل هذه المشكلة، مثل نظرية الأوتار [التى تستبدل الجسيمات بأوتار طاقة مهتزة]، لا تُقدم حاليًا تنبؤات فريدة وقابلة للاختبار تُميز هذه النظريات عن النموذج القياسى أو النسبية العامة".
بدلًا من ابتكار نظرية جديدة كليًا لربط هذه النماذج، نظر "بارتانين" وزميله البروفيسور "جوكا تولكى" إلى "الجاذبية" بنفس الطريقة التى يُفكران بها فى "ميكانيكا الكم". وقد فعلوا ذلك بإعادة صياغة معادلات الجاذبية لاستخدام الحقول.
فى "نظرية الكم"، تصف الحقول كيفية تغير كمية فيزيائية عبر المكان والزمان. باستخدام هذه الحقول، تمكن الباحثان من إعادة صياغة قواعد النسبية العامة، ولكن بصيغة أسهل بكثير لكى يتم دمجها مع "ميكانيكا الكم".
اختبار النظرية:
من أكثر جوانب النظرية إثارةً للاهتمام أنها لا تُقدّم أى جسيمات جديدة غريبة لاكتشافها أو قوانين فيزيائية لاستنتاجها. هذا يعنى أن الفيزيائيين يمتلكون بالفعل الأدوات اللازمة لاختبار هذه النظرية الجديدة القائمة على المجال الكمومى للجاذبية.
يقول "بارتانين": "لقد نجحنا بالفعل فى إثبات أن نظريتنا - يمكنها أن تُفسر التأثيرات الكلاسيكية المعروفة للتفاعل التجاذبى".
ووفقًا لبارتانين، تُنشئ النظرية الجديدة معادلات تُساعد فى تفسير ظواهر مثل الانزياح الأحمر - وهو تمدد الضوء إلى أطوال موجية أطول وأكثر احمرارًا مع ابتعاد الأجسام عنا فى الكون المتمدد.
لكن هل هذا يُثبت صحة النظرية؟
للقيام بذلك، سيحتاج الفيزيائيون إلى دراسة حالات الجاذبية المتطرفة التى تفقد فيها النسبية العامة دقتها.
إذا نجحت هذه النظرية الجديدة القائمة على المجال الكمومى للجاذبية كمتنبئ أفضل فى هذه الحالات، فستكون هذه هى الخطوة الأولى لتأكيدها وإثبات خطأ "أينشتاين" (أو على الأقل إثبات عدم اكتمال نظريته).
لكن من الناحية العملية، ستكون هذه مهمة صعبة، فالفرق الرياضى بين النظريتين ضئيل للغاية.
على سبيل المثال، إذا نظر الفيزيائيون إلى مقدار انحناء الضوء القادم من نجم بعيد بسبب كتلة الشمس، فستتوقع النظريتان إجابة مختلفة بنسبة 0.0001% فقط. ومما يزيد الطين بلة، أن علماء الفلك لا يستطيعون حاليًا إجراء قياسات دقيقة إلى هذه الدرجة.
الخطوات التالية:
لحسن الحظ، توجد أجسام ضخمة فى جميع أنحاء الكون حيث تكون الاختلافات الملحوظة أكثر وضوحًا.
يصرح "بارتانين": "فى حالة النجوم النيوترونية، حيث تكون مجالات الجاذبية أقوى، يمكن أن يصل الفرق النسبى إلى شئ ما فى المائة".
وعلى حين لا توجد حاليًا أى مراصد قادرة على قياس هذه الاختلافات الكبيرة، يمكن للتقنيات الحالية بناء واحد.
لا تزال النظرية فى مراحلها الأولى. وسيبدأ الفريق الآن فى إعداد دليل رياضى كامل، للتحقق من أن النظرية لا تبدأ فى إنتاج اللانهائيات أو غيرها من المشكلات الرياضية الكبيرة.
إذا ظلت الأمور واعدة بعد الدليل الأولى، فسيبدأ الفريق بعد ذلك بتطبيق نظريتهم على الحالات المتطرفة، مثل تفردات الثقوب السوداء.
يمكن أن تؤدى النظرية أيضًا إلى اكتشافات جديدة ومثيرة.
يقول "بارتانين": "بما أن نظريتنا تمثل نوعًا جديدًا تمامًا من المحاولات لتوحيد جميع قوى الطبيعة الأساسية الأربع فى إطار واحد، فإن فحصها الدقيق قد يكشف عن ظواهر لا يمكننا حتى تخيلها بعد".
عن: "ميكو بارتانين"/"جوكا تولكى"/"جامعة آلتو"، ل "ماتى أهلجرين" ■
تعليقات