ربما لا يكون العيش فى الحاضر هو ما يحقق السعادة
لا تكتفِ بالعيش فى اللحظة الحاضرة.
يقول لنا الشعراء: خصص وقتًا لتشمّ الورود. وعندما يكون الماضى مليئًا بالندم ويكون المستقبل مُثيرًا للقلق، قد يبدو من الافضل أن تحيا فى الحاضر. مع ذلك، فهذه المقالة تجادل بأنه، خلافًا للكثير من الأفكار حول هذا الموضوع، فإن السعادة ليست فى العيش فى الحاضر - على الأقل إذا كنا نعنى بـ "الحاضر" اللحظة الحالية المباشرة المنعزلة عن الماضى والمستقبل.
بقدر ما نسعى إلى السعادة، إلا أنها تظل غامضة ويصعب تعريفها. ومع ذلك، يمكننا القول دون جدال لا مبرر له إن السعادة يجب أن تشمل على الأقل - دون أى اختزال - استجابة محسوسة من جانب كائن واعى للأشياء الجيدة المُدركة فى حياته. لذا، فالسعادة دائمًا مرتبطة بالحياة، ولا تُعرّف أبدًا بأنها مجرد لحظات عابرة من الفرح تُؤخذ بمعزل عن غيرها، بل بجوانب الحياة الطيبة العديدة، وكلٌّ منها مُركّبٌ بحد ذاته، ويتألف من أجزاء عديدة.
يمكننا أن نسميها "كليات", بمعنى كونها أحداثًا وعملياتٍ متطورة، لا كياناتٍ جامدة. وهذه الكلَّيات هى أحداثٌ وعملياتٌ دائمة التطور، لا كياناتٍ جامدة. إنها تشمل، بالإضافة إلى الحاضر المُعاش، الماضى المُعاش، والمستقبل المُنتظر. وهكذا فإنها تندمج أيضًا مع عدد لا يحصى من الحيواتٍ الأخرى، بحيث تُشكّل معًا نوعًا من "مجموعة الأحداث".
الحياة، بهذا المعنى هى مجموعة من الأحداث المُرتبطة ارتباطًا وثيقًا، والممتدة زمنيًا (الماضى، الحاضر، المستقبل)، وليست مُجرد تتابعٍ للحظات، بالضبط كما أن السيمفونية الموسيقية ليست مُجرد تتابعٍ للنغمات.
هذه الكلَّيات لأحداث الحياة، المُكوّنة من الماضى والحاضر والمستقبل، هى جوهر التجربة الملموسة.
يمكن إيجاد تعبير دقيق بشأن هذا الموضوع فى مقال حديث نشره معهد الفن والأفكار لأستاذ الفلسفة "ستيفن كامبل-هاريس" بعنوان "الحاضر هو كل السعادة" (وهو بالتأكيد الموقف المعارض لما ترمى إليه هذه المقالة).
ولكن يمكننا أن نتفق مع "كامبل-هاريس" فيما يُشير إليه من التمييز الدقيق الذي يُقيمه علماء النفس عادةً بين السعادة كحكم على شعور المرء بالرضا (أو انعدامه) عن حياته ككل، والسعادة كاستجابة عاطفية فورية للحظة الراهنة.
وكما يُعبّر هو عن ذلك، فإن "الرضا عن الحياة، إذا ما تأملناه جيداً، ليس منفصلاً عن الرفاهية العاطفية، بل هو جزءٌ منها".
علاوةً على ذلك، فهو مُحقٌّ فى إشارته إلى أن الانفصال المفترض ما بين التجربة المُعاشة والذاكرة المُسجلة، والذى قد يُؤخذ على أنه أساس التمييز بين الرفاهية العاطفية الفورية والرضا العام عن الحياة، هو فصلٌ واهٍ.
تتدخل الذكريات فى كثير، إن لم يكن فى كل، ما نسميه "التجربة الحاضرة"، بحيث لا يمكننا فصلها.
جسّد "مارسيل بروست"، مؤلف كتاب "البحث عن الزمن المفقود"، هذا الارتباط الوثيق بشكل رائع، حيث تطرق إليه بشاعرية فى "حادثة المادلين" التى يُستشهد بها كثيرًا. فبينما كان يستمتع بإحدى تلك الكعكات الإسفنجية الصغيرة مع الشاى، إذا به يستعيد فجأةً طفولته قبل سنوات عديدة وهو يستمتع بتلك الكعكة التى كانت عمته تُقدمها له صباح كل يوم أحد.
وفى هذا السياق، ولكن بأسلوب فلسفى، كتبت البروفيسورة "ماريا شيختمان"، فى رؤيتها لنظرية "جون لوك" القائلة بأن الذاكرة تُشكل استمرارية الذات، وبالتالى الهوية الشخصية: "إنها سمة حاسمة ومميزة لذاكرة الذات الماضية، وهى أن المنظور المُستعاد فيها لا يُؤخذ كموضوع فحسب، بل يُعاد اختباره أيضًا".
باستثناء لحظات التشتت أو النوم العميق، يلعب توقع المستقبل أيضًا دورًا فى الحاضر المعاش. وبينما نمضى فى أيامنا، لا ننخرط أبدًا فى لحظة حاضرة معزولة، بل عادة ما نراجع ماضينا لفهم الحاضر تحسبًا لمستقبلنا. لذا فإن ماضى المرء وحاضره ومستقبله المعاش (كما تقول شيختمان) مترابط فى جميع الحالات لتكوين التجربه المعيشية.
وقد تطرق الفيلسوف الفرنسى "هنرى برجسون" إلى هذا الموضوع شعريًا وفلسفيًا فى كتابه "مقدمة إلى الميتافيزيقيا" (1903): "هناك سلسلة من الحالات، كل منها يعلن ما يليه ويحتوى على ما يسبقه".
حتى الآن الأمور على ما يرام. ولكن ألا يتعارض هذا تمامًا مع ادعاء "كامبل هاريس" الذى يمثله، بأن "الحاضر هو كل السعادة"؟ إذا كان الماضى والحاضر والمستقبل قد نموا معًا وتشابكوا بشكل وثيق بحيث يشكلون "كلًا" موحدًا ملموسًا فى التجربة، وبما أن "الكثير مما نسميه "تجربة الحاضر" مرتبط بذاكرتنا، ولأننا نتوقع دائمًا ما سيحدث.
إن النظر إلى الحياة والتجربة المعاشة على أنهما مجرد سلسلة من هذه النقاط، والنقاط نفسها على أنها المادة الفعلية التى تُصنع منها تجربة الحياة، هو ارتكاب لما أسماه الفيلسوف والرياضى "ألفريد نورث وايتهيد"، مغالطة الواقعية فى غير محلها - الخلط بين تجريداتنا والمادة الملموسة للواقع.
وكما اتضح فى كثير من الأحيان، من خطوط المجال المغناطيسى فى الفيزياء إلى أنماط الإدراك فى علم النفس، فإن الكل لا يتجاوز الأجزاء فحسب، بل أنه بمعنى ما يسبقها. وهكذا هو الحال مع التجربة، نبدأ بتجاربنا الملموسة، ثم فى تأملاتنا فيها، بحيث نجرد منها لحظات فردية من التجربة.
العيش فى الزمن:
سيبدأ الاختلاف مع "كامبل-هاريس" عندما يقترح أنه لا ينبغى لنا "تفضيل الرضا على العديد من المشاعر الإيجابية الأخرى، كالفرح، والإثارة، والتواصل، والتدفق". فمع التسليم بأهمية دور كل من هذه المشاعر فى تحقيق الحياة الطيبة، فإن الشعور بالرضا العام عن الحياة يبرز كأهمية خاصة عندما نأخذ فى الاعتبار الطبيعة الشاملة للتجربة المعاشة.
يفترض "كامبل-هاريس": "غياب حجج مقنعة تفسر لماذا يتفوق هذا الرضا نوعيًا على جميع المشاعر الأخرى". ويمكن اعتبار الوجودى الفرنسى "ألبير كامو" (1913-1960) داعمًا لهذه الفكرة.
إذا كان المعنى الموضوعى غائبًا تمامًا عن هذا العالم، وكانت الحياة عبثية، كما جادل "كامو"، فقد يبدو من المنطقى أن نتوقف عن البحث عن معنى يتجاوز الملذات العابرة لما نفعله فى تلك اللحظة.
لكن حتى "كامو" وجد بالتأكيد شعورًا بالرضا العام عن الحياة فى مواجهة العبث من خلال كتاباته.
من ناحية أخرى، يقدم الفيلسوف الظاهراتى "مارتن هايدجر" (1889-1976) عدة حجج على تفوق الرضا العام عن الحياة. ففى تحفته الفنية "الوجود والزمان" (1927)، يقول إن الكائن البشرى (الذى يُطلق عليه اسم "دازاين"، وهى كلمة ألمانية تُترجم إلى "الوجود") له بنية ثلاثية الأبعاد تتطابق بدقة مع الماضى والحاضر والمستقبل.
الوجود فى العالم هو كيانٌ تم إلقاءه - بمعنى أنه "مُلقى" دون تدخل منه، سواء أكان ذلك من خلال العائلة، أو التربية، أو الثقافة، أو لحظة تاريخية، أو بيئة طبيعية معينة (إلخ).
وقد عبّر "ويليام باريت" عن وجهة نظر "هايدجر" هذه ببراعة بقوله: "لم أختر ابى وامى!". لذا، فقبل أن يُجرى المرء تقييمًا لنفسه، أو لأى شىء آخر، يجد نفسه مُسبقًا يحمل اسمًا ودورًا ما فى مكان وزمان ما.
بالنسبة لنا، نحن الكيانات المُلقاه، إننا لا نقوم باختيار الماضى، وإلى حد ما الحاضر، لذا فإن معنى الأنشطة الحياتية التى نشارك فيها لا يمكن تفهمها إلا فى ضوء تطورها المستقبلى. لذلك، فإن الوجود دائمًا، وبمعنى ما، مُوجه نحو المستقبل.
هكذا، ككائن مُنغمس فى إسقاط نفسه نحو المستقبل (ما يُطلق عليه "هايدجر" اختصاراً "الإسقاط المُندفع")، فإن الوجود دائمًا ما يكون منخرطاً بطريقة ما فى الحياة. فعليه أن يقوم بالتعامل مع البشر الآخرين، بالإضافة إلى جميع أنواع السمات الأخرى لبيئته، وفى الوقت نفسه يُسقط نحو مستقبله المفتوح من منظور راسخ فى ماضيه.
يرى "هايدجر" أن الوجود هو نوع من الزمانية المتجسدة، ليس حاضرًا فى حاضره فحسب، بل ممتدًا فى جميع الأحوال عبر زمانه وهو يتعامل مع حاضره ليرسم مساره نحو مستقبله مستلهمًا من ماضيه. فى الواقع، يقول "هايدجر" فى مقاطع مختلفة من كتابه "الوجود والزمان" إن الوجود هو الزمانية فحسب.
من أجل ماذا؟
أساس هذه الزمانية الثلاثية هو ما يسميه "هايدجر"، على نحوٍ غير جذاب، فى تحيةً منه لأرسطو، "من أجل ماذا".
وكما يوحى الاسم، هل هذا هو ما من أجله يوجد الإنسان، أو الوجود. كثيرًا ما تناولت التفسيرات المعاصرة لهايدجر هذه الفكرة على أنها تتعلق بمهنة الشخص، غالبًا بمعنى المهنة فقط.
لكن "من أجل أيّا" (Worumwillen بالألمانية) يمكن أن يكون أشياءً كثيرة إلى جانب المهنة، فهو ليس ثابتًا ولا حصريًا بأى حال من الأحوال. يمكن أن يكون هناك العديد من "من أجل أيّا"، ويمكن أن تتغير طوال حياة المرء.
يمكننا ببساطة القول إن الرضا عن الحياة هو ما يسمح لنا بالحكم على رضانا العام عن الحياة. والسبب واضح: فمثل هذا الرضا يتوافق مع حياة تتوافق مع هذا الرضا، بينما يتوافق غيابه مع حياة لا تتوافق معه، أو حياة لم يُحدد فيها هذا الرضا أصلًا. الرضا العام عن الحياة هو مسألة إيجاد المرء لما يُريده من أجله ومواءمة حياته معه/معها.
ومن المهم أيضاً أن نعرف أن الرضا عن الحياة ليس أمرًا مفروغًا منه. صحيح أنه يتضمن معطيات، بما فى ذلك المواهب، والتأثيرات والضغوط الاجتماعية والثقافية، والاستعدادات الوراثية، وما إلى ذلك؛ ولكنه لا يُمنح تلقائيًا من خلال هذه المعطيات. إن استخراج معدن الرضا عن الحياة من خام ظروف المرء هو عمل إبداعى فى حد ذاته. وهو عمل يقع أيضاً حصريًا فى يد الفرد؛ ووفقًا لهايدجر، فإنه أهم الأفعال على الإطلاق.
ومع ذلك، فهو ليس أمرًا يُشغلنا أو يبدو اننا مهووسين به. بعبارة أخرى، غايتنا ليست التأمل فى غايتنا! بل، بمجرد التأمل فيها والاعتراف بها، فإن غايتنا، أو ما نُريده من أجله، ستبقى راسخة فى الخلفية، تقوم باثراء تفاعلنا مع كل ما هو فى طليعة عقولنا.
لا يمنعنا دورها الأساسى فى حياتنا بأى حال من الأحوال من أن نكون عفويين أو يمنع تدفق اللحظة الحالية.
إن تحقيق العفوية ذات المغزى وحالات التدفق دون التفكير فى هدفك على الإطلاق هو أمر محتمل مثل شخص ليس لديه أى خلفية موسيقية يلتقط الجيتار فجأة ويقوم بتأليف وعزف وغناء قطعة متقنة من موسيقى الفلامنكو.
الرضا عن الحياة من خلال السعادة:
يقدم "كامبل-هاريس" تجربة فكرية تتألف من سيناريوهين محتملين: أحدهما يتوافر فيه الرضا العام عن الحياة، والآخر يغيب فيه.
بعد التأمل فى السيناريوهين، علينا أن نسأل أنفسنا أى السيناريوهات نفضل:
"فى السيناريو الأول، تكون حياتك اليومية فى الغالب مرهقة ومثيرة للقلق، مع نوبات من الفرح أو المتعة بين الحين والآخر. ومع ذلك، عندما تتأمل حياتك، تجد أنك - على الرغم من صعوباتها - راضٍ. تشعر أنك تُحدث فرقًا فى العالم وترى أن حياتك تستحق العناء...
فى الحياة الأخرى، تكون أيامك في معظمها ممتعة وخالية من الهموم. نادرًا ما تشعر بالحزن أو الانزعاج أو الخوف. ولكن عندما تُخصص وقتًا للتفكير فى حياتك، تشعر بفراغ غريب. تستمتع بحياتك، بالتأكيد، لكن هذا لا يجعلك راضيًا."
يستخدم "كامبل-هاريس" هذه التجربة الفكرية لتوضيح الفرق بين السعادة الناتجة عن الرضا عن الحياة والسعادة الناتجة عن مشاعر أكثر فورية كالفرح. فى فلسفة السعادة، منذ عهد "أفلاطون" على الأقل، يتم المقارنة بين نوعين أساسيين من السعادة: "اليوديمونية" و"اللذية".
يُفترض أنه كان يُفضل الحياة الثانية الأكثر لذة أو متعية، لأنها تبدو (على الأقل كما يُقدمها) أنها تنطوى على سعادة حاضرة إجمالية أكبر من الأولى. لكننا نعتقد أن معظمنا يُفضل الأولى، لأن الحياة بلا هدف سوى المتعة الآنية ستبدو حياةً فقيرة - بل حياةً بلا سعادة حقيقية.
إذا كان الأمر كذلك، فإن السيناريوهين كما تم طرحهم مُضللين، إذا كانا ممكنين أصلًا.
الشخص فى السيناريو الأول، على الرغم من توتره، لن يكون بائسًا بنفس القدر، لأن الرضا العام عن الحياة موجودٌ ليؤسس سعادته الدائمة. أما السيناريو الثانى، فسيتبين أنه بائسٌ نوعًا ما، بسبب غياب الرضا.
فى الواقع، كيف يُمكن للمرء أن "يُعانى من الحزن نادرًا" إذا "شعر بفراغ غريب عندما يُخصص وقتًا للتفكير فى حياته؟"
يقول "كامبل-هاريس": "نحن نخدع أنفسنا عندما نعتقد أنه بتأمل حياتنا ككل، يمكننا تجاوزها". لكن هذا لا يعنى أننا لا نستطيع تأمل حياتنا بكاملها من داخلها. بالتأكيد، ككائنات فانية، لا تكون حياتنا كاملةً حاضرةً لنا أبدًا، لأن رحيلنا بالموت وحده يُشير إلى اكتمالها: لكن هذا لا يعنى أننا لا نستطيع مواجهة حياتنا بأكملها من داخلها. فى الواقع، هناك شعورٌ بأنه لا يسعنا إلا أن نفعل ذلك أحيانًا.
ولعل الأهم من ذلك كله، لكى نؤسس هذا "الغرض" رضانا العام عن الحياة (مهما كان ناقصًا)، ولكى نؤسس سعادتنا، يجب أن يتناسب هذا بطريقة ما مع سياق حياتنا. يجب على المعلم أن يجد طلابًا؛ ويجب على المهرج أن يجد فرصًا للضحك؛ ويجب على الفنان أن يجد وسيطًا ما، وأن يحاول على الأقل إيجاد جمهور.
بعد أن يجد كل ما يناسبه، مهما كان ناقصًا، من أجل تحقيق "الغرض"، يمكن أن يظل ذلك ثابتًا فى الخلفية العقلية كأساس لحياتنا ككل، مما يقودنا إلى الرضا من خلال السعى وراء جميع أنواع الأفراح - بل وننسى أحيانًا حياتنا بشكل عام، مهما كان ذلك مؤقتًا، ونستمتع باللحظة المعاشة فقط.
تنمو كل هذه الأفراح معًا لتشكل "كلًا" لا يتجزأ من السعادة، لكن الفرحة التى تنبع من الإدراك الممتد زمنيًا للرضا عن الحياة تبرز كخاصة لترسيخ أسس هذا الكل الملموس.
لعل أنقى الوسائل تكمن فى فن التأمل، وهو مثالٌ يطرحه "كامبل-هاريس" أيضًا. فهنا تحديدًا، قد ننسى حياتنا بأكملها ونضيع فى الحاضر.
يبقى الاعتراض منصباً على الاعتقاد السائد بأن الحاضر هو كل السعادة. ونحن لا نقترح هنا إلغاء الاحساس بأن نكون أكثر قربًا من الحاضر، بل هو اقتراح بتوسيع مفهوم اليقظة الذهنية ليشمل الماضى المتجذر الذى يجعل الحاضر ممكنًا، وكذلك المستقبل المفتوح الذى يخترقه. بهذا المعنى، ربما يكون الماضى والحاضر والمستقبل جميعًا حاضرًا على حد سواء.
يجادل "وايتهيد" بأن التجربة عملية أكثر منها كيانًا: صيرورة أكثر منها كائنًا. إنها فى حالة تغير دائم، ولا توجد لحظة سكون تتوقف عندها.
التجربة كالنهر، وكما يقول "هيراقليطس"، لا يمكنك أن تغوص فيه مرة ثانية وتتوقع أن يكون كما كان في المرة الأولى.
يوضح "برجسون" هذا الأمر بوضوح: "خذ أبسط إحساس، وافترض أنه ثابت... فالوعى الذى سيصاحب هذا الإحساس لا يمكن أن يبقى متطابقًا مع نفسه لحظتين متتاليتين، لأن اللحظة الثانية تحتوى دائمًا، بالإضافة إلى الأولى، على ذكرى أن الأولى قد ورثتها." (مقدمة فى الميتافيزيقيا، 1903).
إذا قبلنا بالمعنى الأوسع للحاضر، باعتباره يشمل الماضى والمستقبل، فسيتضح أن الموقف المعاصر الشائع صحيح فى النهاية: إذا كان الحاضر فقط هو كل ما فى الوجود، فلا سبيل للسعادة!
عن مقالة ل "روب جلاسير " الفلسفه اليوم
تعليقات