هل الإرادة الحرة موجودة بالفعل؟
قد تكشف التجارب باستخدام الحواسيب الكمومية، عما قريب إذا ما كانت الإرادة الحرة لدينا هى مجرد إرادة جزئية أم لا، مع ما قد يتبع ذلك من تداعيات على كل شىء، ابتداءً من الدين إلى الحواسيب الكمومية.
لطالما ثار الجدل حول ما إذا كانت "فيزياء الكم" تضع حدودًا لامتلاكنا للإرادة الحرة. ينبع هذا من طريقة تفسير مختلف الفيزيائيين لرياضيات نظرية الكم. لكن الباحثون يقولون الآن إنهم توصلوا إلى طريقة لاختبار هذه الفكرة وحسم الأمر نهائيًا.
يقول "أدان كابيلو" من "جامعة إشبيلية" فى "إسبانيا": "لكل شخص رأيه الخاص حول ما تحتويه نظرية الكم. ولكن لا ينبغى أن يكون ما نعتقده مهمًا. الشىء الوحيد المهم حقا،، هو ما يمكن إثباته من خلال الرياضيات والتجارب، وهذا ما نفعله".
من أغرب خصائص فيزياء الكم, هو ما يطلق عليه: "عدم المحلية".
فإذا كانت الأجسام الكمومية "متشابكة"، فيمكنها، بشكل غير متوقع، الحفاظ على سلوكيات منسقة عبر مسافات شاسعة للغاية.
الآليات التى تُشكّل أساس هذا التنسيق غير مفهومة بعد، لكن النقاشات حولها تعود إلى عقود مضت، وشملت أفكارًا من قبيل التخلى عن الإرادة الحرة.
شهد عام 1964 نقطة تحول فى دراسة "اللامحلية"، عندما ابتكر الفيزيائى "جون ستيوارت بيل" طريقة لقياسها.
طوّر "بيل" طريقةً لجزيئين افتراضيَّين متشابكين، "أليس" و"بوب"، لدراستهما، وتحديد مدى ارتباطهما، حتى على مسافات كبيرة.
يكشف إدخال بياناتهما فى معادلة "عدم المساواة" لبيل ما إذا كانت الجسيمات مترابطة بطريقة غير محلية، وهى ظاهرة موجودة فقط فى فيزياء الكم.
أثبتت عقود من التجارب، بما فيها تلك التى مُنحت جائزة نوبل فى الفيزياء لعام 2022، باستمرار أن متباينة بيل يتم دائما انتهاكها، وأن الجسيمات تحتفظ بخصائص كمية غير محلية.
ولكن لا يزال هناك مجال للتساؤل عن السبب، وهنا يأتى دور عمل "كابيلو" وزملائه ــ "رافيشانكار راماناثان" و"كارلوس فييرا"، وكلاهما من "جامعة هونج كونج".
ركّز الباحثون على ثلاثة افتراضات مُدمجة فى سيناريو "بيل"، تُعرف باسم استقلال القياس، واستقلال المُعاملات، واستقلال النتائج.
تضمن هذه الافتراضات الثلاثة عدم وجود أى ارتباطات أو محاولات تنسيق غير مُفسرة بين تجربة "أليس" وتجربة "بوب" - كأن تكون أجهزة القياس الخاصة بهما، على سبيل المثال، متصلة سرًا أو تتواصل بطريقة ما مع بعضها البعض، مما يُخالف افتراض استقلال المُعاملات.
أو أن تكون نتائج جميع القياسات مُحددة مسبقًا بطريقة ما، مما يُخالف افتراض استقلال النتائج.
مع ذلك، فإن افتراض استقلال القياس له أهمية خاصة لأنه يُمكن ربطه بفكرة أن كل جزيئ يتمتع بإرادة حرة طوال التجربة.
إذا كان هناك قانون خفى يُجبر "أليس" على التصرف بطريقة مُعينة كلما تصرف "بوب" بطريقة أخرى، فإن الارتباطات فى البيانات يُمكن أن تُعزى إلى هذا القانون بدلًا من الارتباطات غير المحلية.
يمكن تجنب غرابة عدم المحلية، ولكن على حساب حرمان "أليس" و"بوب" من حرية الاختيار الحقيقية فيما يتعلق بكيفية استخدام أجهزة القياس الخاصة بهما أثناء التجربة.
ركزت بعض التجارب السابقة بالفعل على دور الاختيار البشرى فى اختبارات "بيل" - على سبيل المثال، فى تجربة لم تُحدد فيها إعدادات قياس "أليس" و"بوب" من قِبل فرد واحد، بل من خلال أفعال جماعية لمئة ألف شخص يلعبون لعبة فيديو على الإنترنت.
عواقب وخيمة:
لكن الآن، يخطو "كابيلو" وزملاؤه خطوةً أبعد، ويدرسون إمكانية تخفيف بعض افتراضات الاستقلالية. على سبيل المثال، هل يمكن ل"أليس" و"بوب" امتلاك إرادة حرة "جزئية" فقط؟ بمعنى آخر، هل يمكن أن تكون أفعالهما، فى بعض الأحيان، مُحددة مسبقًا؟
يشبه هذا الوضع قدرتك على اختيار ما تُريده على الفطور فى معظم الأيام، ولكن فى بعض الأحيان تتدخل قوانين الفيزياء لإجبارك على تناول وجبة محددة.
يبدو الأمر غريبًا، لكن الباحثين توصلوا إلى عدة معادلات جديدة، تُشبه متباينة "بيل"، والتى من شأنها أن تُتيح للباحثين اختبار هذه الفكرة.
يقول "نيكولاس جيسين" من "جامعة جنيف" فى "سويسرا" إن هذا العمل قد يُساعد على استبعاد بعض الأفكار حول سبب كون نظرية الكم غير محلية. ويضيف: "إن الانتهاك التجريبى لمتباينة "بيل" حقيقةٌ ثابتة. وهذا مُثبتٌ الآن. ولكن دائمًا ما تكون هناك افتراضات إذا كنت ترغب فى الحصول على نظرية ما".
يقول "كابيلو" إن استبعاد إمكانية وجود إرادة حرة جزئية تجريبيًا سيكون له تداعيات على فلسفة الدين. ويضيف: "تحل العديد من الأديان التعارض بين مفهوم الإله العليم ووصيته بتجنب الخطيئة بافتراض امتلاك البشر لإرادة حرة جزئية". ولكن إذا لم تكن الإرادة الحرة الجزئية ممكنة، فهذا الحل غير ممكن أيضًا.
قد تكون هناك أيضًا تداعيات على بعض التفسيرات الأكثر تطرفًا لنظرية الكم. وتشمل هذه التفسيرات نظرية الحتمية الفائقة، التى تدّعى أنه، على الرغم من الظاهر الذى قد يُظهر عكس ذلك، فإن قوانين الفيزياء التى لا تزال خفية هى ما يؤدى إلى كل ما يحدث، بما فى ذلك انتهاكات متباينة "بيل".
من وجهة النظر الحتمية الفائقة، فإن بروتوكول "بيل" لا يُحدد اللا محلية، بل يعكس حقيقة أن الكثير مما يحدث فى العالم المادى هو مُحدد مسبقًا - وهى وجهة نظر تُثير بطبيعة الحال احتمال تعارض قوانين الفيزياء مع الإرادة الحرة غير المحدودة.
يقول "تيم بالمر" من "جامعة أكسفورد"، الذى يدرس الحتمية الفائقة ويعتقد أن العمل الجديد يمكن أن يساعدنا فى القيام بالخطوات الأخيرة: "علينا إما أن نواجه حقيقة أن العالم غير حتمى، أو أن العالم حتمى وعلينا أن نفسر نظرية بيل". ومن وجهة نظره، قد يكون علينا تفسير نظرية "بيل" فى إطار العالم الحتمى. ويمكن تحقيق ذلك من خلال انتهاك افتراض استقلال القياس هذا"
يُجري "كابيلو" وزملاؤه الآن تجارب لتحويل معادلاتهم الجديدة من نظرية إلى اختبار حقيقى للإرادة الحرة.
يقول "راماناثان" إن الحواسيب الكمومية قد تكون مفيدة هنا، لأن مسألة تخفيف بعض افتراضات الاستقلال، أو تأثير بعض أجزاء الحاسوب على بعض أجزائه الأخرى، لا يمكن تجنبها بسبب تصميمها المدمج.
ويقول "كابيلو": "الأولوية هى لإجراء التجارب".
عن: "كارميلا بادافيك-كالاجان".
تعليقات