الزمن بين "فيزياء الكم" وفلسفة "المعتزلة": هل نحن صُنّاع الحاضر؟

"لا تُقاس الحياة بعدد الأيام، بل بعدد اللحظات التى نضيئها بوعينا." أيها العابر فى ممرّ الأيام، هل ظننت أنّ الزمن طريقٌ واحد، معبّد بخطوات الماضى، ينتهى إلى باب المستقبل؟ لا، الزمن ليس نهرًا يجرى وحده، ولا هو كتابٌ مكتوب منذ الأزل، بل هو حديقة من احتمالات لا تزهر إلا حين نلمسها بوعينا. فى صمت المختبرات، حيث تترقّب الإلكترونات أنفاس العلماء، يحدث السحر: كل جسيمٍ ينتظر عينًا تراه، وقرارًا يُثبّت وجوده. ما لم نُراقبه، يظلّ سرابًا، كالحلم قبل أن يُروى. وهنا يُطلّ السؤال الذى أدهش الحكماء: هل حياتنا، مثل هذه الجسيمات، ليست واقعًا إلا حين نختار أن نراها، أن نصنعها، أن نمنحها فعلًا يوقظها من سباتها؟ لقد عرف "المعتزلة"، فى فجر الفلسفة الإسلامية، سرًّا قريبًا من هذا، حين قالوا إن الإنسان خالقٌ لأفعاله. لم يقبلوا أن يكون الإنسان ظلًّا عابرًا فى مسرح القدر، بل رأوه شعلةً تضئ الظلام وتترك أثرها فى صفحة الكون. إنهم قالوا لنا منذ قرون: "لا تنتظر أن يُكتب لك الطريق، بل اكتبه أنت." ألا ترى أن الزمن نفسه ينتظر؟ ينتظر وعينا ليكتمل، وينتظر قرارنا لنُعلن لحظة الحاضر كأنها ولاد...