ضربة موجعة لنظرية الارتداد الكبير "Big Bounce Theory"
يعتقد بعض الفيزيائيين أن كوننا نشأ من ارتداد كبير أعقب انهيار كون آخر. "نظرية الارتداد الكبير" تعنى أن الكون يمر بدورة مستمرة من التمدد والانكماش، بدلاً من بداية مفردة مثل الانفجار الكبير.
فى هذا النموذج، يتمدد الكون، ويصل إلى أقصى حجم له، ثم ينكمش، وربما يرتد إلى مرحلة تمدد أخرى، متجنباً التفرد النهائى.
لكن كما تقول "كارميلا بادافيك-كالاجان" هنا، فإن "نظرية الكم" قد تستبعد ذلك.
السؤال المطروح هو، هل يُمكن لكوننا أن يتمدد ثم ينكمش إلى نقطة صغيرة، مُعيدًا إحياء نوع من أنواع الانفجار الكبير مرارًا وتكرارًا؟
على الأرجح "لا". فوفقًا للتحليل الرياضى، فإن قوانين الفيزياء تمنع مثل هذا التكرار الكونى الدورى.
تُعدّ "نظرية الارتداد الكبير" بديلا عن فكرة "الانفجار الكبير" كبداية للكون الذى نراه من حولنا. وهى محوريةً لتفسير احتمالية نشوء الحياة بهذه الطريقة.
فعلى حين تبدأ نظرية "الانفجار الكبير" بتفرد - حيث تتجمع المادة والطاقة فى نقطة كثيفة لدرجة أن الجاذبية تصبح قويةً بما يكفى لتفادى قوانين الفيزياء كما نفهمها - يلى ذلك تمدد خارجى لا نهاية له. فإن "نظرية الارتداد الكبير" ترى أن الكون قد بدأ بارتداد كبير، حيث يكون هناك كونًا آخر ينكمش، ويشكل نقطة كثيفة بشكل لا يصدق، ولكنها هذه النقطة الكثيفة لا تقوم بتشكيل مفردة بشكلٍ تام، وهذه "المفردة " الغير تامة ترتد مرة أخرى، مكونة الكون المتوسع الذى نعيش فيه اليوم.
التوجه نحو الكم:
يتركنا هذا أمام بعض الأسئلة المحورية حول تاريخ ومصير كوننا. هل يجب أن يبدأ الزمن بتفرد؟ وإذا كان الارتداد الكبير هو بداية كوننا، فهل يمكن أن يكون أيضًا مستقبله؟
يعود أول تلميح إلى إمكانية ذلك إلى عام 1965، عندما أثبت "روجر بنروز" من "جامعة أكسفورد" أن النسبية العامة - أفضل نظرياتنا فى الجاذبية - تنهار دائمًا. كان يدرس الثقوب السوداء، حيث تكون الجاذبية قوية بما يكفى لكسر نسيج الزمكان.
أظهر "بنروز" أن هذا أمر لا مفر منه: فعندما تصبح الجاذبية قوية بشكل مفرط، لا يمكن تجنب التفردات.
الآن، أضاف "رافائيل بوسو" من "جامعة كاليفورنيا"، "بيركلى"، عنصرًا رئيسيًا لتعزيز هذه النتيجة. حيث يقوم تحليله بتناول "كمّ" الكون.
حيث أن عمل "بنروز" لم يتضمن نظرية الكم، ويقول "بوسو" إن الحسابات السابقة التى أجراها "آرون وول" من "جامعة كامبريدج"، والتى كانت رائدة فى ذلك المجال، لم تأخذ فى الاعتبار سوى الجاذبية الضعيفة جدًا.
لا يُقيّد تحليل "بوسو" قوة الجاذبية، ويقول إنه "يستبعد بشكل قاطع" فكرة الأكوان الدورية. ويرى أن عمله يُثبت أن التفرد عند الانفجار العظيم هو أمرٌ لا مفر منه.
من ناحية أخرى يقول "أونكار باريكار" من "معهد تاتا" للأبحاث الأساسية فى "الهند": "هذا، فى رأيى، تعميمٌ بالغ الأهمية للنظرية الأصلية التى وضعها "بنروز"، وتوسعها بواسطة "وول".
ويقول "كريس أكيرز" من "جامعة كولورادو"، إنها خطوةٌ كبيرةٌ إلى الأمام لأنها صالحةٌ لـ"فيزياء الكمّ أكثر بكثير" من الأعمال السابقة. ويضيف أن العمل الجديد يضع نماذج الارتداد الكبير فى "موقفٍ أكثر صعوبة".
تعتمد حسابات "بوسو" على القانون الثانى المعمم للديناميكا الحرارية، الذى يُوسّع القانون الثانى القياسى لوصف سلوك "الإنتروبيا" فى الثقوب السوداء وحولها.
يقول "سورجيت راجيندران" من "جامعة جونز هوبكنز" فى "ماريلاند" أن هذه النسخة المعممة لم تُثبت بشكل قاطع بعد، مما يثير الشكوك حول آثار العمل على "الارتداد الكبير".
في عام 2018، بنى "راجيندران" وزملاؤه نموذجًا رياضيًا لكون مرتد، تجاوز قيود نظريات مثل نظرية "بوسو". ومع ذلك، تضمن نموذجهم أبعادًا زمكانية أكثر مما رصدناه حتى الآن، مما ترك العديد من الأسئلة حوله مفتوحة.
يقول "أكيرز": "يمكن القول إن فهم تاريخنا الكونى هو أحد أهم المساعى العلمية، ويجب دراسة السيناريوهات البديلة مثل "الارتداد الكبير" بعناية".
إحداث موجات:
يقول "جاكسون فليس" من "جامعة كامبريدج" إنه فى سيناريوهات "الارتداد الكونى"، عادةً ما تكون التأثيرات الكمومية هى التى تساعد الكون على الارتداد من نقطة كثيفة. ويضيف أن استبعاد هذه الاحتمالات يعزز فهمنا لنظرية محتملة للجاذبية الكمومية، ويمكن أن يساعدنا على تحديد "ما إذا كنا نحتاج حقًا إلى الجاذبية الكمومية لوصف باطن الثقوب السوداء أو الانفجار العظيم بشكل كامل".
ويقول "راجندران" إن أفضل طريقة لتحديد ما إذا كان كوننا قد شهد "ارتدادًا كونيًا" هى من خلال رصد موجات الجاذبية.
يمكن لهذه التموجات فى الزمكان أن تحمل بصمات الارتداد، لكنها ستكون بترددات لا يمكن لأجهزة رصد موجات الجاذبية الوصول إليها حاليًا.
ربما قد تتمكن الأجيال القادمة من أجهزة الكشف من التقاط هذه الموجات، ولكن من غير المؤكد ما إذا كانت بعض التحديثات المخطط لها لأجهزة الكشف فى "الولايات المتحدة" ستحدث بسبب تخفيضات الميزانية التى اقترحتها إدارة ترامب.
تعليقات