ثلاث طرق للتعامل مع المدير المتسلط، أو القائد السياسى المهووس!
ما هى الكيفية التى يمكن بها التعامل مع أصحاب السلطة الذين يتصرفون بطرق تتعارض مع القواعد المتعارف عليها للكياسة والذوق والمعايير الأخلاقية.
قال أحد الأشخاص مؤخرًا: "يبدو الأمر وكأن العالم، منذ التحول الجيوسياسى العالمى لرئاسة "دونالد ترامب" قد تخلى فجأةً عن كل القواعد الأخلاقية وانطلق سريعاً فى مسار خطير دون فرامل".
انعكس ذلك أيضاً على سلوك المدراء التنفيذيين بحيث باتوا يقلدون الشخصيات السياسية المهيمنة: "نحن نرى قادة العالم يتصرفون كما لو أن الضوابط والمعايير لا تنطبق عليهم. إنه أمر مُعدٍ ويعيد تشكيل أفكارنا حول ما هى بالضبط القيادة المقبولة والفعالة".
تتباين ردود الأفعال بشدة تجاه هذه التحولات. بالنسبة للبعض، يبدو أن قيمًا كالاحترام المتبادل والاعتدال والاهتمام بالصالح العام آخذة فى التلاشى، لتحل محلها اخلاقيات الأنانية والتطرف وافكار البقاء للأقوى.
بينما قد يرحب آخرون بهذا التغيير، مشيرين إلى أنه نوع من إعادة التوازن الحادث فى طريقة قيادة المؤسسات.
وكما صرح أحد المديرين التنفيذيين: "اننى أتطلع بلهفة للخروج من أسر أشياء من قبيل "الضمير"، و"الحفاظ على البيئة"، وقواعد "الفضيلة" التى لا ينتهى الكلام عنها، دعونا نعود سريعاً إلى العمل".
ولخّص آخر الأمر قائلاً: "الأمر بسيط: لقد تغيرت قوانين القوة. السؤال الوحيد هو كيف يمكن التكيف مع ذلك كله".
كيف ينبغى للمرء أن يتصرف إذن عندما يتعامل أصحاب السلطة بطرق تتعارض مع معايير اللياقة والقيادة الأخلاقية المتعارف عليها؟
التكيف مع مشهد قيادى جديد:
لقد اضطر القادة السياسيون فى "كندا" و"الدنمارك" و"المكسيك" وغيرهم، إلى التعامل مع هذه التحولات السريعة فى مواجهة رئاسة أمريكية جديدة مضطربة. كان على كل منهم أن يتعامل مع مطالب متطرفة، وتحوّلات سريعة فى السياقات، وخروج صارخ عن الأعراف التقليدية.
فى المفهوم الكلاسيكى، عند مواجهة التراجع فى قيم علاقة ما، يمكن للأفراد اختيار أحد ثلاثة مسارات:
الخروج: الانسحاب من التفاعل، إما بترك منظمة أو بلد أو بيئة مهنية.
التعبير عن الرأى: تحدى الشخصيات المهيمنة والتصدى لها، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب مخاطرة شخصية كبيرة.
الولاء: البقاء ضمن النظام، والتكيف والسعى إلى تغيير تدريجى من الداخل.
كلٌّ من هذه الخيارات ينطوى على قدر من التنازل، فقد ارتفع ثمن المقاومة، وازداد خطر الرضوخ السلبى أيضًا.
فهم نفسية القادة المتسلطين الأقوياء؟:
يرى القادة الأقوياء أنفسهم معفيين من معايير السلوك الأخلاقى المقبول اجتماعيًا بسبب شعورهم المتزايد بأهميتهم الذاتية واستحقاقهم. وتنحصر مهمتهم فى تبرير معظم، إن لم يكن كل، الوسائل من أجل تحقيق غايتهم. ومن الدلائل الواضحة على ذلك الإفراط فى المخاطر والالتفاف الدائم على الأصول والقواعد الإجرائية.
فى بعض الحالات النادرة، يرتبط هذا الغرور بسمات شخصية مرضية كامنة ومزمنة، مثل اضطراب الشخصية النرجسية. ولكن فى أغلب الأحيان، يكون الغرور حالة نفسية ناشئة وعابرة. فقد يُصبح القادة "مُعتدين بأنفسهم بشكلٍ خاص" ويُظهرون سمات الغرور عقب حصولهم على تقدير كبير أو تحقيقهم لنصرٍ مُفاجئ، كالفوز فى الانتخابات، أو تلقى إشادة إعلامية واسعة، أو تحقيق إنجاز مهنى هام.
يمكن أن يكون هذا الغرور أيضًا فى إطاره الأوسع نتيجة للثقة المفرطة والغطرسة فى القيادة، فمتلازمة الغطرسة هى حالة تؤدى فيها السلطة والنجاح المُطوّلان إلى ميول نرجسية، وثقة مفرطة، وتراجع القدرة على التأمل الذاتى النقدى.
وتشير الأبحاث إلى أن الرؤساء التنفيذيين غالبًا ما يصبحون أكثر أنانية بعد توليهم مناصبهم، مُظهرين سلوكيات تُعطى الأولوية للمكاسب الشخصية على المصلحة العامة، وغالبًا ما تقترن بمواقف مُتعالية تجاه المرؤوسين والزملاء.
ثلاث طرق للتعامل مع القادة ذوى النفوذ المطلق:
كيف يمكن للناس العاديين - التعامل والاستجابة عند مواجهة هذه المواقف التى تتحدى معايير التعامل التقليدية؟ يمكن استخدام ثلاثة مناهج رئيسية:
1. شارك فى الدراما الجارية:
أولاً، افهم أهمية الدراما المسرحية. يشير عالم النفس "روبرت سيالدينى"، إلى أن مبدأ الالتزام والاتساق يشير إلى أنه بمجرد أن يتخذ القائد موقفًا علنيًا، فمن المرجح أن يدافع عنه بأى ثمن.
غالبًا ما يتصوّر هؤلاء القادة أن نجاحهم فى الدفاع عن موقفهم هو نوع من الانتصار الرمزى، لذلك نجدهم يركزون على الدفاع عن موقفهم، دون الاهتمام الحقيقى بالإنخراط فى أى مناقشات جدية.
لذا يمكن لك تصور تلك المناقشات كأنها أحداث استراتيجية كبرى، بحيث تقوم بمهارة أثناءها بتحويل دفة النتائج نحو الجهة التى تريدها، لتحقيق الأهداف التى تريدها دون الحاجة إلى المواجهة.
ثانيًا، من الأخطاء الشائعة فى التعامل مع هؤلاء القادة الإفراط فى الإذعان أو التملق. فبينما قد يُحقق الإطراء مكاسب قصيرة الأجل، إلا أنه فى النهاية يُعزز السلوك المتسلط للقادة.
بدلاً من ذلك، يكمن النهج الأكثر فعالية فى تحديد نقاط القوة المشروعة المتواجدة أمامك والاعتراف بها، مع إعادة توجيه النقاشات بمهارة نحو محاولة تحقيق نتائج بناءة.
وفى بعض الأحيان، قد تكمن أكبر المشاكل التى تواجهك فى عدم وجودك من الأساس على طاولة المفاوضات، حتى لو كنت تشعر بحقك فى ذلك.
لذا، يُعدّ تعريف نفسك كشخصية رئيسية وجذب الانتباه لنفسك خطوة ضرورية.
ثالثًا، تنطبق نظرية "رونالد هيفيتز" للقيادة كأداة ضبط للتوتر على القادة الأقوياء. تشير هذه الفكرة إلى أن التعامل الفعال معهم يتعلق بتنظيم درجة الحرارة العاطفية والاستراتيجية - بما يضمن ألا يكون التوتر منخفضًا جدًا (مما يؤدى إلى الرضا عن النفس) ولا مرتفعًا جدًا (مما يؤدى إلى الفوضى). ومع ذلك، نادرًا ما يكون تخفيف حدة التوتر خيارًا فعالًا، حيث يزداد تسلط وعنجهية القادة الأقوياء فى ظل الدراما والسرديات عالية المخاطر.
لا يكمن التحدى هنا فى القضاء على الدراما، بل فى تنظيم شدتها - بما يضمن بقاء المفاوضات وصنع القرار ضمن حدود معقولة.
الخلاصة الرئيسية: لا تعتقد أنك تستطيع تقويض الدراما؛ وبدلًا من ذلك، قم بدورك فيها. بدلاً من تحدى قائدٍ ذى نفوذٍ كبيرٍ مباشرةً، رسّخ أفكارك باعتبارها حبكةٍ درامية طبيعيةٍ فى رؤية القائد، وعرّف عن نفسك كشخصيةٍ رئيسية، وقم مبكراً بصياغة مسارَ السيناريو الدرامى. فمن يتحدث أولاً، هو من يُهيئ المسرح.
2 . تسخير قوة "الانا" المتضخمة فى الشخصية:
يُظهر القادة ذوو "الأنا" المتضخمة أنماطًا سلوكية يمكن تمييزها. فبعضهم يعمل بوعى ذاتى منخفض، ومع ذلك يتملكهم نهمٌ لا يشبع للسلطة. قد تكون ردود أفعالهم تجاه تهديدات "الأنا" المُتصوَّرة متقلبة، مما يجعل من الضرورى استخدام الذكاء العاطفى.
إن الحفاظ على الموقف مستقر مع تجنب ردود الفعل الانفعالية يمنع التصعيد غير الضرورى. غالبًا ما يكون القادة ذوو السلطة المطلقة مرتبطين بشدة بشخصيتهم - الرواية العامة و/أو الخاصة عن هويتهم.
هنا يُعدّ التلاعب بالشخصية بدلاً من اللجوء إلى المنطق استراتيجيةً فعّالة.
أيضًا يُعد فهم آليات الدفاع أمرًا بالغ الأهمية. غالبًا ما يلجأ القادة الذين يعملون تحت الضغط إلى آليات دفاع غير ناضجة مثل الإسقاط أو الإنكار أو العدوان. يسمح إدراك هذه الميول لك بالتمركز الاستراتيجى - الاعتراف بسلطتهم مع الحفاظ على قيمك الشخصية.
غالبًا ما تظهر هذه الميول عندما يواجه القادة صعوبة فى التعامل مع النقد. على سبيل المثال، قد يُعرب أحد كبار المديرين التنفيذيين عن إحباطه قائلاً: "لا أحد يُقدّر حجم الضغط الذى أتعرض له". بدلاً من تحدى هذا الموقف الدفاعى، قد تقول: "أنت تحمل الكثير من الأعباء، ومن المنطقى أن ترغب فى أن يُدرك فريقك ذلك. هل وجدتَ طرقًا لمساعدتهم على رؤية الصورة الكاملة؟"
الخلاصة: صِغ ملاحظاتك للقادة الأقوياء بما يتوافق مع صورتهم الذاتية أو يُكملها. اثبّت لهم انك واع لقيادتهم قبل أن تقوم بتوجيه الحوار نحو رؤى بنّاءة. أضف لمسات جديدة على صورة القائد الأقوياء الذاتية، ليس بالمجاملات الجوفاء، بل بتعزيز الجوانب الشخصية التى قد تدعم قضيتك.
3. كيفيه تقديم الفرضية الخاصة بك - الجوهر والأسلوب معًا:
إن إدراك أن القادة ذوى النفوذ يبنون لنفسهم واقعهم الخاص أمرٌ بالغ الأهمية. القادة ذوو السلطة المطلقة هم المرشحون الأبرز لما يُطلق عليه "دانيال كانيمان" "التحضير". غالبًا ما تشكل الرواية الأولى أو التفسير الأول للأحداث الكيفية التى سوف يرى بها الآخرون أى حدث: القائد الذى يتحدث أولًا هو من يُحدّد شروط النقاش، مما يُصعّب على الآراء البديلة اكتساب زخم.
لذلك، عليك أن تبدأ بالنقاش أولًا وقم بتشكّيل انطباعاتك الأولى وفهمك الأساسى. إذا بدأت ثانيًا أو ثالثًا، فسيكون هذا غير مُجدٍ، ومن المُرجّح أن يكون له نتائج عكسية.
رؤى القادة ذوى السلطة المطلقة للعالم شخصيةٌ للغاية، وغالبًا ما تكون مقاومةً للتأثيرات الخارجية. ومن المُرجّح أن يتأثر هؤلاء بمن يُصادقون على تصوراتهم بدلًا من تحديها صراحةً.
يرى القادة ذوو السلطة المطلقة أن التحديات خيانة.
فى مثل هذه البيئات، عليك الاستعداد لعمل "تبديل سريع فى "السيناريو" الخاص بك ولعملية صنع قرار تُعطيك الأولوية للهيمنة على المداولات.
وكما هو الحال فى علم النفس، لست فى حاجة للإعجاب بشخص أو الاتفاق معه للتفاعل معه بفعالية. بدلًا من ذلك، ركز على بناء علاقة جيدة بما يكفى للعمل معًا. هذا يعنى إيجاد القواسم المشتركة، وتجنب المواجهة والنقد. يستطيع أمهر المفاوضين خلق شعور بالتعاطف والتفاهم حتى مع الأشخاص الذين يتجنبهم معظم الآخرين.
الملجأ الأخير هو سيكون هو "التصعيد ووضع القتال الكامل".
نادرًا ما تنجح هذه الاستراتيجية، على الرغم من أنها قد تبدو جيدة فى بعض الأحيان. ويجب استخدامها فقط إذا لم ينجح أى شىء آخر، وتكون أكثر فعالية إذا تم تنفيذها بالتعاون مع قادة آخرين.
يشير مفهوم التنافر المعرفى إلى أنه عندما يواجه الناس معلومات تتعارض مع نظرتهم للعالم، فإنهم إما يضاعفون جهودهم لإثبات صحة نظرتهم أو يعدلون موقفهم. يمكن للتصعيد فى الوقت المناسب أن يُشير للآخرين بأن المقاومة مشروعة، مما يشجعهم على التقدم.
عندما يرى القادة أن المعارضة منظمة، قد يعيدون النظر فى موقفهم لتجنب فقدان مصداقيتهم.
يهتم القادة الأقوياء بشدة بصورتهم العامة. إذا جعل التصعيد أفعالهم أو قراراتهم تبدو غير منطقية فى نظر أصحاب المصلحة، فقد يغيرون مسارهم لحماية سمعتهم. وأحيانًا، يكون التصعيد ضروريًا لإظهار وجود البديل مستقبلاً. الأمر يتعلق بجعل "ما لا يمكن تصوره ممكنًا". يمكن للتصعيد فى الوقت المناسب أن يُوسّع الخيارات المُتصوّرة ويجعل التسوية تبدو الخيار الأكثر عقلانية.
الخلاصة الرئيسية: السرعة مهمة - شكّل القصة قبل أن يفعلوا ذلك. ابنِ علاقة جيدة من خلال إيجاد حتى أصغر نقاط الاتفاق. إذا كان التصعيد حتميًا، فلا تُغامر به بمفردك.
التعامل مع عروض القوة فائقة السرعة:
في عالم تتسارع فيه ديناميكيات القوة، ويحدد فيه القادة الأقوياء إيقاع الأمور، لا يكمن التحدى فى المقاومة أو الامتثال فحسب، بل فى التعامل مع ذلك كله استراتيجيًا ونفسيًا. بالنسبة للبعض، فإن مستوى السخرية والواقعية القاسية والمغامرة المطلوبة للتعامل مع القادة ذوى النفوذ المطلق له طعم مرير.
وقد يبرز هنا تساؤل، أليس اللعب على طريقتهم إعلانًا عن الفشل الأخلاقى؟
علينا هنا أن نتذكر أن هناك ربما أمر أكبر على المحك. ففى عصر ارتفع فيه ثمن قول الحقيقة للسلطة، فإن القدرة على التعامل بفعالية مع الشخصيات المهيمنة لن تحدد فقط النجاح الفردى، بل المسار الأوسع للقيادة فى السنوات القادمة.
هذه المقاله بتصرف عن الأخصائية النفسية "ميريتى ويديل-ويدلسبورج" أستاذة مساعدة فى المعهد الدولى للإدارة الطبية (IMD).
تعليقات