الذكاء ليس كافيًا!

لطالما راود الفكر الإنسانى سؤال بسيط فى ظاهره، عميق فى جوهره: لماذا تتقدم بعض الأمم بينما تظل أخرى تراوح مكانها؟ وإذا كان الذكاء قدرة بيولوجية تكاد تكون متساوية بين البشر، فلماذا إذًا لا تتساوى الحضارات فى إبداعها وإنتاجها ونموها؟ ليست المشكلة فى الذكاء كقدرة عقلية، بل فى ما يفعله البشر بهذا الذكاء. فالأدمغة متقاربة، لكن ما تصنعه الشعوب من عادات، ومؤسسات، وأخلاق، وقيم، ومناهج تربية وتفكير—كل ذلك يصنع ما يمكن أن نسميه "الذكاء المجتمعى" أو "الذكاء الحضارى"، وهو العامل الحاسم فى الفارق بين الأمم. إن الثقافة التى تقوم بإنتاج العقل المتسائل، والتخصص الذى يقوم بانضاج الخبرات والشغف الذى يمنح العمل روحًا مميزة... كل ذلك ليس ترفًا، بل هو جوهر التحوّل من مجرد التواجد، إلى الفعل والتأثير. سنحاول فى هذا المقال، رسم المشهد من جديد: دعونا نتأمل تطور الذكاء البشرى لا بوصفه قدرة طبيعية فقط، بل بوصفه إنجازًا ثقافياً اجتماعيًا تراكم عبر قرون من التعاون والتخصص والنمو الثقافى. كما سنتوقف عند نقطة تميل العلوم الحديثة أحيانًا لتجاهلها: وهى هؤلاء القلة المحظوظة التى يعمل أفرادها بشغف، و...