المشاركات

"غزة": جريمة القرن التى رأتها الإنسانية بأعين مفتوحة.

صورة
(مقال تمت كتابته عام 2105 بعد 80 عام من الآن) فى مطلع القرن الحادى والعشرين، حين كان العالم يتسابق نحو الذكاء الصناعى، ويغزو المريخ بالمجسات والأقمار، ويصنع طائرات بدون طيار، ويستنسخ الأعضاء البشرية، كانت هناك بقعة صغيرة على الأرض تعود إلى عصورٍ لم يعد أحد يتحدث عنها إلا فى كتب المآسى. "غزة". قطاع محاصر، ضيق المساحة، مكتظ بالبشر، يخنقه الحصار منذ سنوات طويلة. بدأت القصة قديمًا، منذ الاحتلال والتهجير فى منتصف القرن العشرين، لكنها وصلت إلى ذروتها بعد أكتوبر 2023، حين قررت إسرائيل تنفيذ حصار كامل، وقطع الماء والكهرباء عن مليونى إنسان.  كان عام 2023  عامًا فاصلًا. كانت الإنسانية ترتكب جريمة لم تعرف مثلها فى وضوحها وعلنيتها. كانت الجريمة تبث مباشرة على الهواء. لم تكن هناك أسرار. كل شىء كان موثقًا بالصوت والصورة. أطفال تحولت أجسادهم إلى هياكل عظمية من شدة الجوع. مرضى يموتون لأن الدواء لا يصل. مدنيون  يُقصفون فى مخيمات اللاجئين، بلا مكان يهربون إليه. بدءاً من ذلك العام، قررت القوى المسيطرة أن تُنفّذ عملية إبادة ببطء. ليس بالضربة القاضية، بل بالخنق التدريجى. بدأ الأمر تحت شعار "...

"مصر" وسد النهضة: أزمة وجود لا تقبل التفاوض أو المقايضة

صورة
منذ آلاف السنين، ارتبطت حياة المصريين بنهر النيل. هذا النهر لم يكن مجرد مجرى مائى، بل شريان حياة صنع الحضارة المصرية. لكن فى العقود الأخيرة، أصبحت المياه مصدرًا للصراع.  وتمثلت أخطر الأزمات فى سد النهضة الإثيوبى، هذا المشروع الضخم الذى بدأته إثيوبيا عام 2011 على النيل الأزرق، الرافد الرئيسى لنهر النيل. إنه أكبر سد فى "إفريقيا"، ويصل ارتفاعه إلى 145 مترًا، وتبلغ سعته التخزينية حوالى 74 مليار متر مكعب، ما يعادل تقريبًا كامل الحصة السنوية لمصر من المياه، التى تبلغ 55.5 مليار متر مكعب. المشكلة الأساسية لا تكمن فقط فى بناء السد؛ لكن فى طريقة إدارته، خاصة فى ظل غياب اتفاق قانونى ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، وهو ما يعرض "مصر" لخطر شديد. تتضمن التأثيرات السلبية على "مصر" نقصاً هائلاً فى المياه، حيث أن "مصر" تعتمد بنسبة تفوق 95% على مياه النيل. وبالتالى فإن أى تقليص فى تدفق المياه سيؤدى إلى نقص حاد فى المياه المستخدمة للزراعة، والصناعة، والاستهلاك اليومى. وإذا ما تم ملء السد بشكل أحادى دون تنسيق، فهناك احتمال لفقدان ملايين الأفدنة الزراعية داخل "مصر...

هل نظام "عبد الفتاح السيسى" قابل للاستمرار؟

صورة
لكى نجيب على هذا السؤال علينا أن نناقش عوامل الاستقرار التى قد تؤدى الى إستمرار النظام، والعوامل التى قد تقوض ذلك. أولا, عوامل الاستمرار : • الدعم الإقليمى والدولى، فالسيسى يحظى بدعم قوى من دول الخليج (خاصة السعودية والإمارات) والغرب (لاعتبارات تتعلق بالاستقرار والهجرة ومكافحة الإرهاب). • السيطرة الأمنية المحكمة، فالنظام يسيطر على أجهزة الدولة العميقة (الجيش، الشرطة، المخابرات، القضاء، الإعلام). • تفتيت المجال العام، لقد تم قمع المعارضة السياسية بصرامة، وتدمير الأحزاب والحركات المستقلة. • الخطاب الوطنى الشعبوى الذى يستخدم خطابًا يرتكز على فكرة "النجاة من الفوضى" و"الحفاظ على الدولة". ثانياً، العوامل التى قد تقوّض هذا الاستمرار: • الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تعيشها البلاد، حيث بلغت مستويات التضخم نسب غير مسبوقة. مع تراكم لديون خارجية وداخلية ضخمة، والفشل فى تحقيق أى وعود اقتصادية ملموسة. • تآكل الشرعية الشعبية للسيسى الذى لم يعد يتمتع بالتأييد الشعبى الذى تمتع به فى بداياته، بل هناك غضب مكبوت واضح. • الاعتماد المفرط على القمع، الذى لا ينتج الاستقرار طويل الأمد، بل...

"العدالة"

صورة
ما العدالة؟ إنه سؤال قديم قِدَم الفكر الإنسانى. سؤال شغل فكر الفلاسفة والشعراء والادباء والمشرّعين، واعتبرته البشرية خليط ما بين الحلم والحق والأمل المنشود.  العدالة ليست مجرد قاعدة قانونية، ولا سلوكًا مثالياً، بل هى فكرة ميتافيزيقية تلامس جوهر الإنسان وتطلعه إلى نظام يتجاوز الفوضى والعبث. منذ أن تساءل "أفلاطون" فى "الجمهورية" عن معنى العدالة بالنسبة للفرد والدولة، والجهود مستمرة لفهم هذه القيمة الغامضة، التى ما نكاد نظن أننا أدركناها حتى نجدها قد فلتت من بين أيدينا كالماء. ولعلّ ما يجعلها صعبة التحديد هو كونها تتقاطع مع الأخلاق، والسياسة، والدين، والاقتصاد، بل وحتى مع الطبيعة البشرية نفسها. سأحاول هنا تتبع خيوط هذا المفهوم المعقد، من جذوره الأولى فى الفكر القديم، إلى تجلياته الحديثة، مع إطلالة على الفرق بين العدالة والمساواة. سنستطلع رؤى الفلاسفة والأنبياء، لنصل إلى سؤال هام: هل يمكن للعدالة أن تتحقق حقًا، أم أنها مجرّد فكرة نبيلة نحملها كمن يحمل البوصلة فى صحراء لا توجد بها طرق من الأساس. لعل فكرة العدالة فى الوعى الإنسانى قد بدأت بوصفها مرادفًا للانتظام الموجود ف...

نظرية جديدة قد تُثبت خطأ "أينشتاين".

صورة
 تعتبر "نظرية كل شىء" هى ما يمكن تسميته ب"الكأس المُقدّسة" فى الفيزياء. تكمن صعوبة وضع نظرية تجمع ما بين "الجاذبية" و"ميكانيكا الكم" فى أن الفكرتين تنظران إلى الكون من منظورين مختلفين تمامًا. تنظر "ميكانيكا الكم" إلى أصغر مقاييس الجسيمات التى تُكوّن الذرات، وقد استخدمها الفيزيائيون لوضع النموذج القياسى، الذى يجمع معًا ثلاثًا من القوى الأساسية التي تُسيطر على كوننا. هذه القوى هى: "الكهرومغناطيسية"، و"القوة النووية القوية" (التي تربط البروتونات والنيوترونات معًا)، و"القوة النووية الضعيفة" (المسؤولة عن الاضمحلال الإشعاعى). القوة الأساسية الرابعة هى "الجاذبية"، كما نصّت عليها قوانين النسبية العامة التى وضعها "ألبرت أينشتاين".  تُعتبر هذه القوانين أن الجاذبية هى المسببة لتشويه نسيج "الزمكان". حيث تقوم الكتل الكبيرة والأجسام عالية الطاقة أثناء حركتها، بتشويه الزمكان  وتؤثر على الأجسام المحيطة بها. إنها تتحكم بكل ما يحدث فى كوننا، من الكواكب إلى النجوم والمجرات. وترفض التماهى مع قواني...

قد يكون مستقبل الوقاية من النوبات القلبية حقنة واحدة.

صورة
 هناك علاج جديد للكوليسترول يمكنه أن يخفض مستوياته بعد جرعة واحدة بنسبة 69%. فوفقًا للنتائج الأولية لتجربة سريرية لم تخضع بعد للمراجعة، يُمكن لجرعة واحدة من دواء جديد أن تُخفّض مستويات الكوليسترول بنسبة تصل إلى 69%. يُمكن لهذا العلاج، المُسمّى "VERVE-102"، أن يُحدث نقلة نوعية فى الوقاية من النوبات القلبية من خلال خفض نسبة الكوليسترول الضار (LDL) بشكل كبير، وذلك من خلال حقنة واحدة فقط. من المعروف أن "الستاتينات" يمكنها أن تُخفّض مستويات الكوليسترول لدى الشخص بنسبة مُماثلة، إلا أنه عادةً ما يجب تناولها يوميًا. يقول البروفيسور "رياض باتيل"، طبيب القلب الأكاديمى فى "كلية لندن الجامعية", و"مؤسسة بارتس هيلث" التى شاركت فى التجربة: "هذا هو المستقبل، هذا واقع، وليس خيالًا علميًا. نحن نطبقه بالفعل. لقد تلقّى مرضاى فى التجربة هذا العلاج لمرة واحدة فقط، وسيُغيّر هذا العلاج وجه إدارة الكوليسترول فى المستقبل". بدلًا من إدارة الكوليسترول تدريجيًا كما هو الحال مع "الستاتينات"، يهدف "VERVE-102" إلى توفير الحلٍ لمرة واحدة ف...

الدكتوره "ذبابة الفاكهة"، إنها اهم كثيراً مما قد تعتقد!

صورة
 إذا  كنت قد شاهدت مسرحية"سك على بناتك" للقدير "فؤاد المهندس"، فلابد انك تتذكر معيد الجامعة "سامح عبد الشكور" الذى كان يجرى أبحاثا عن "ذبابة الفاكهة" (قام بالدور الفنان احمد راتب). حسنا، يبدو أن الأمور تطورت كثيراً منذ ذلك الحين. لذلك سنتعرف فى هذا المقال بشكلٍ أكثر تفصيلا على ذبابة الفاكهة، تلك الذبابة الصغيرة التى تُمثّل أساسًا لأكثر من 100 عام من علوم الطب الحيوى: إذا تركتَ بعض الموز على المنضدة ونضج أكثر من اللازم، فمن المرجح أنك قمت باستضافة مجموعة من "ذباب الفاكهة". لكن الغريب هو أن هؤلاء الضيوف غير المرغوب فيهم قد ينقذوا حياتك يومًا ما. تُشكّل ذبابات الفاكهة  مصدر إزعاج فى المطبخ، لكنها أثبتت مرارًا وتكرارًا أهميتها فى تحقيق إنجازات طبية حيوية.  قد تبدو فكرة وجود أى شىء مشترك ما بين حشرة صغيرة والإنسان غريبة، ولكن لأكثر من قرن، قامت ذبابة الفاكهة الشائعة السوداء البطن، بتقديم معلومات قيّمة حول آلية عمل أجسامنا.   فى كثير من المختبرات حول العالم، تُعدّ ذبابات الفاكهة مفتاحًا لمعرفة كيفية انتقال الأمراض عبر جيناتنا، وكيفية تكاثر ال...