جدل حول الوعى

وفقًا ل"هيلين تومسون" لا يزال اللغز الكبير حول كيفية نشوء "الوعى" فى الدماغ يُثير الكثير من الجدل.

يتصارع مؤيدو ومنتقدو نظرية رائدة جديدة حول كيفية نشوء "الوعى"، فى جدال ونقاشٍ حادٍ ومتزايد حول الموضوع. 

فعلى حين يُشير المعارضون إلى أن "نظرية المعلومات المتكاملة" (IIT)، التى تدّعى بإمكانية تعريف "الوعى" على نطاق رياضى، باعتبارها مجرد نوع من العلم الزائف الذى يُمكن إساءة استخدامه للتأثير على نقاشات حساسة حول مواضيع مثل الإجهاض والذكاء الاصطناعى- فإن المؤيدين يروا إن المنتقدين يغارون فحسب.

لطالما سعى العلماء إلى تفسير كيفية نشوء التجربة الواعية فى الدماغ، ولكن برزت مؤخرًا فكرتان بارزتان: نظرية المعلومات المتكاملة (IIT) ونظرية مساحة العمل العصبية الشاملة (GNWT).

تُحدد الأولى (IIT) خمس سمات أساسية للوعى وتتساءل عن نوع النظام الفيزيائى الذى يُمكن أن يُظهرها. وتُشير إلى أن "الوعى" ينشأ من أى نظام تتبادل فيه مكوناته المعلومات بطريقة مُحددة رياضيًا، بحيث يمكن قياسه كميًا باستخدام مقياس يُعرف باسم فاى (Phi). وكلما زادت المعلومات تكاملاً، ارتفعت قيمة "فاى" وازداد وعى النظام. 

يربط التحليل الجزيئى الداخلى "الوعى" بالمناطق الدماغية الخلفية، التى تتمتع بخصائص تشريحية عصبية مناسبة لإنتاج قيم "فاى" عالية.

البحث فى العقل:

على النقيض من ذلك، تشير النظرية الثانية "GNWT" إلى أن المعلومات تتنافس للحصول على الانتباه فى مناطق الدماغ القشرية والمهادية. وإذا تفوقت إشارة على أخرى، فإنها تُبث عبر الدماغ، فتُصبح واعية. 

يحدث هذا النقل فى بداية التجربة ونهايتها، ويرتبط بقشرة الفص الجبهى، الموجود فى مقدمة الدماغ.

لاختبار كلتا الفكرتين، قامت "لوسيا ميلونى" من "معهد ماكس بلانك" للجماليات التجريبية فى "فرانكفورت"، "ألمانيا"، وزملاؤها، الذين شملوا أشخاصًا يفضلون إما "IIT" أو "GNWT"، بمسح أدمغة 256 شخصًا أثناء نظرهم إلى أشياء مثل الوجوه والحروف، لتحديد جوانب معينة منها. 

هذه الدراسة، التى استغرقت سبع سنوات قامت بدراسة، مناطق الدماغ التى عالجت الصور، ومدة نشاطها، ومدى تزامن نشاطها.

النتائج التى عُرضت لأول مرة فى مؤتمر عام 2023 ونُشرت رسميًا الأسبوع الماضى فى مجلة Nature، كانت غير حاسمة. حيث مالت بعض النتائج نحو "IIT" , فعلى سبيل المثال، تم فك تشفير السمات البصرية، مثل الفئة والاتجاه، فى المناطق الخلفية من الدماغ، وبدا أن نشاط الدماغ أثناء الإدراك الواعى مستدامًا. ومع ذلك، فقد تطابقت أيضاً أنماط التزامن مع التوقعات التى تنبأت بها نظرية "GNWT".

فى حين رحّب بعض الباحثين بهذا العمل باعتباره خطوة حيوية نحو فهم "الوعى"، إلا أن رفض البعض الآخر لنظرية المعلومات المتكاملة (IIT) قد تزايد منذ تلك النتائج الأولية فى عام 2023. ففى العام نفسه، وقّع 124 عالم أعصاب على رسالة مفتوحة وصفوا فيها هذه النظرية باعتبارها نوع من العلم الزائف، بحجة أنه وفقًا لها، فمن المرجح إذن أن تكون بوابات المنطق الحاسوبية الخاملة والنباتات والأجنة البشرية المبكرة واعية. 

وفى تعليق أكثر تفصيلًا، نُشر فى مارس من نفس العام، أكد 100 عالم أن الادعاءات الأساسية لنظرية المعلومات المتكاملة (IIT) غير قابلة للاختبار ولا ترقى إلى الأساس التجريبى المطلوب للبحث العلمى.

يقول "كريس فريث"، من "جامعة لندن"، وهو مؤلف مشارك فى كلا النقدين، إنه وزملاؤه لديهم مجموعة متنوعة من المخاوف، بدءًا من عدم اتساق نظرية المعلومات المتكاملة مع القوانين الفيزيائية، ووصولًا إلى غموض افتراضاتها وافتقارها إلى تنبؤات واضحة وقابلة للاختبار. ويضيف أن بعض الباحثين يخشون من أن منح أى مصداقية لنظرية المعلومات المتكاملة، أو إعطاء الجمهور فكرة أنها نظرية رائدة فى مجال "الوعى"، قد يؤثر على القرارات الأخلاقية.

ويقول "فريث": "فى حالات الغيبوبة، والذكاء الاصطناعى، وعمليات الإجهاض، نتساءل: كيف نعرف ما إذا كان المريض أو الجنين أو الذكاء الاصطناعى واعيًا؟ لا يمكننا حتى الآن استخدام نشاط الدماغ للإجابة على هذا السؤال بشكل كافٍ، وسيكون من الخطر، فى هذه المرحلة، أن نبنى إجاباتنا على أى نظرية لم يتم التحقق من صحتها تجريبيًا".

لكن وعلى الجانب الآخر، يقول المؤيدون إن العديد من نظريات "الوعى" يمكنها أن تؤثر على المناقشات الأخلاقية، وليس فقط نظرية المعلومات المتكاملة. 

يقول "كريستوف كوخ"، من "معهد ألين لعلوم الدماغ" فى "سياتل"، وهو مؤلف مشارك في دراسة "ميلونى"، إن رد الفعل العنيف هذا، هو نابع ببساطة من الغيرة. ويقول: "لانه يُنظر إلى نظرية المعلومات المتكاملة (IIT) على أنها الأكثر جاذبية عن غيرها من النظريات، حيث تحظى باهتمام واهتمام أكبر. 

أما كتّاب الرسالة المفتوحة، فقد قاموا بجمع مجموعةً من الحجج الزائفة - مثل: "تتلقى "IIT" تمويلًا من جهات خيرية يمينية، أو أنها مناهضة للإجهاض، أو أن لها دلالاتٍ على الروحانية الشاملة". ويضيف: "لا يُعد أيا من هذه الحجج مبررًا لرفض الفكرة. يجب ألا تكون أى استنتاجات أو دلالات لنظرية ما ذات صلة بمسألة صحتها من عدمها".

يشير "أنيل سيث" من "جامعة ساسكس" بالمملكة المتحدة، والذى لم يشارك في دراسة "ميلونى" أو التعليقات المناهضة لنظرية المعلومات المتكاملة، إلى وجود تاريخ طويل من رفض الأفكار العلمية بسبب دلالاتها، بدءًا من فكرة أن الأرض ليست مركز الكون ووصولًا إلى نظرية "تشارلز داروين" فى الانتقاء الطبيعى. "التبعية ليست سببًا وجيهًا لرفض نظريةٍ ما باعتبارها غير علمية". ■

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل نحن اذكى مما ينبغى؟

كم أفتقدك - "بقلم: حازم فرجانى"

الأنبياء - قصة قصيرة