ما هى الحياة ؟! صلب، سائل، غاز... حياة؟
ترى "إليز كاتس" أن إعادة تعريف الحياة باعتبارها حالة غريبة من المادة قد يُساعدنا أخيرًا على فهم ماهيتها - وكيف بدأت.
كان "سيجبرين أوتو" مثله مثل العديد من الأطفال الصغار، مفتونًا بتاريخ نشأة الحياة وأراد ان يدرس الحفريات القديمة. لكن الحياة لا تسير دائمًا كما هو مُخطط لها، وانتهى به الأمر إلى أن يصبح كيميائيًا فى المعامل، وليس عالم حفريات. ربما لم يبعده ذلك كثيرًا عن حلم طفولته. فبفضل اكتشاف مفاجئ، سيقوم عمله بتقريبه أكثر من أى حفرية أخرى للتساؤل حول جوهر أحد أعمق الأسئلة حول الحياة على الأرض.
في عام 2010، عثر "أوتو" بالصدفة على بعض أوائل الجزيئات الاصطناعية القادرة على التكاثر ذاتيًا. ومنذ ذلك الحين، وهو يحاول دفعها للتحوّل بشكل ما إلى حالات تُشبه الحياة.
يقول: "لقد عملنا على تطويرها لجعلها تؤدى وظائف أقرب إلى الحياة - ليس فقط بالتكاثر، بل أيضًا بعملية الأيض والتطور".
إن قدرة بعض المواد الكيميائية البسيطة على التصرف بهذه الطريقة أمرٌ مُذهل. لكن مؤخرًا، قدمت تجارب "أوتو" أيضًا دليلًا مبدئيًا على أن الحياة يُمكن وصفها بأنها حالة جديدة للمادة، "إنها جسر يربط بين العالمين الفيزيائى والبيولوجى".
يبقى الأمل معقودا على أن تنجح دراسة العمليات الفيزيائية فى تفسير كيفية تشكّل نشأة الحياة وأن تُلقى المزيد من الضوء على طبيعتها.
تُشير النتائج إلى أن التطور الداروينى قد يكون مجرد جانب واحد من مبدأ تطورى أعم ينطبق أيضًا على العالم غير الحى.
فى هذه الحالة، يُجادل الباحثون بأن التطور ربما بدأ قبل الحياة.
قد تظن أن لديك إحساسًا بديهيًا بما إذا كان شىء ما حيًا. لكن البحث عن تعريف علمى واضح وقاطع للحياة بكل تنوعها طالما كان محفوفًا بالمخاطر. هناك العديد من التعريفات المقترحة، ولكن تجمعهم سمتين عالميتين: "التكاثر الذاتى" و"التطور".
على الرغم من ذلك، لا يزال تعريف الحياة غامضًا ومُلتبسًا.
غالبًا ما تتداخل أفكار ونظريات العلماء حول ماهية الحياة مع كيفية نشأتها. يقول عالم الأحياء الفلكية "مايكل وونج" من "معهد كارنيجى للعلوم" فى العاصمة الأمريكية "واشنطن"، إن الباحثين فى أصل الحياة يميلون تقليديًا إلى الانحياز إلى أحد معسكرين.
المعسكر الأول والأقدم هو معسكر الوراثة أولاً، ويُطلق عليه أحيانًا أيضًا التكاثر أولاً أو المعلومات أولاً. ووفقًا لهذا الرأى، كان تكوين الجزيئات ذاتية التضاعف مثل الحمض النووى أو الحمض النووى الريبوزى منقوص الأكسجين (DNA) هو اللحظة الحاسمة فى أصل الحياة. ويعرفون الحياة من الناحية الجينية على أنها أنظمة كيميائية تتضاعف وتتطور.
ويجادل المعسكر الثانى بأن الحياة بدأت بعملية التمثيل الغذائى؛ أى شبكات التفاعلات الكيميائية التى تتحلل وتبنى مادة الحياة. فهم يعرفون الحياة على أنها محرك يحرق الوقود الكيميائى للاستمرار فى العمل.
يقول "وونج": "تختلف هذه المفاهيم حول ماهية الحياة فى المقام الأول اختلافًا كبيرًا عن بعضها البعض، وهذا، كما أعتقد، هو جوهر سبب وجود الكثير من المناقشات الساخنة فى مجال أصول الحياة".
فى محاولته لفهم هذا الالتباس، نحى "بروس" جانبًا التفاصيل الكيميائية المحددة لأصل الحياة، وركز على المبادئ الأساسية التى يمكن أن تربط بين الكيمياء وعلم الأحياء. وطور ابتداءً من عام 2003 فكرةً أطلق عليها اسم Dynamic Kinetic Stability "الاستقرار الحركى الديناميكى" (DKS)، والتى تُصوّر الحياة كحالة جديدة من المادة.
تروى هذه الفكرة قصة أصل مختلفة - قصة يمكن وصفها بأنها "التطور أولاً". يُجادل "بروس" بأن التطور الداروينى يمكن اختزاله إلى نوع أعمق من السلوك التطورى الذى تتبعه المادة الحية وغير الحية على حد سواء: إنه ليس البقاء للأصلح، بل البقاء للمستقر. يقول "بروس": "المبدأ المنطقى النهائى للطبيعة هو أن الأشياء التى تستمر، تستمر، والأشياء التى لا تستمر، لا تستمر".
موازنة الحياة والموت:
قد يبدو هذا بديهيًا للغاية، لكنه يُشير إلى نوع مختلف من الاستقرار عن ذلك الذى يعمل به الكيميائيون والفيزيائيون عادةً.
فى الديناميكا الحرارية، (الإطار الذى يصف كيفية ارتباط الحرارة والطاقة والشغل ببعضها البعض)، يتم تحديد استقرار حالة ما بطاقتها. تكون حالات الطاقة الأعلى أقل استقرارًا من حالات الطاقة المنخفضة، ويتطور العالم غير الحى فى اتجاه واحد: نزولًا على المنحدر الطاقى، نحو التوازن.
وعند هذه النقطة لا يوجد تدفق صافٍ للمادة أو الطاقة بين النظام ومحيطه. تتدحرج الكرات إلى أسفل، لا إلى أعلى، وتبقى ثابتة بمجرد وصولها إلى القاع إذا ما تُركت وشأنها.
يقول "أوتو": "يقوم الكيميائيون بمعظم تجاربهم على الأشياء وهى فى حالة توازن أو فى أنظمة تسير فى هذا الاتجاه. إنه الوضع الافتراضى".
لو كانت الطاقة الطبيعية فى العالم الحقيقى عبارة عن منحدرات ناعمة، لانزلق كل شىء إلى حالة التوازن تلك، ولن يحدث أى شىء مثير للاهتمام.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة: يمكن أن تتعثر الأنظمة فى مسارات محلية صاعدة من التوازن الحقيقى. عندما يحدث ذلك، تصبح التفاعلات الكيميائية بطيئة للغاية.
يُطلق على هذا اسم الاستقرار الحركى، وهو السبب فى أن أكوام الخشب لا تحترق تلقائيًا، والسبب فى أن الماس يبقى "إلى الأبد" على الرغم من أنه، من الناحية الديناميكية الحرارية، أعلى من الجرافيت.
لكن الحياة تتحدى كلا النوعين من الاستقرار. فالحياة، سواءً كانت مستقرةً فى أسفل جبل أو عالقةً فى مكان مرتفع، فإن الثبات يعنى الموت.
يقول "وونج": "الحياة نظامٌ ديناميكى. إنها لا تعيش حالة توازنٍ أبدًا".
إن هذا الرفض للامتثال للنظام الديناميكى الحرارى المعتاد للأشياء هو ما جعل الحياة، ولفترة طويلة، غير قابلة للفهم بالنسبة للعلوم الفيزيائية.
يقوم "بروس" بتسهيل استيعاب علم الأحياء عن طريق فصله مفهوم "الاستقرار" عن وضع "الحالات الساكنة".
لا يقتصر استقرار النوع الحركى الديناميكى على البقاء فى أسفل التل، بل على استهلاك الطاقة والمواد للبقاء فوقه.
وتستمر الأنظمة فى مثل هذه الحالة بالتغير. وإذا تُركت وحدها، فستنهار فى النهاية وتصل إلى حالة التوازن. ولكن إذا زُوّدت بتدفق مستمر من الأجزاء الجديدة والطاقة اللازمة لتجميعها، فيمكن الحفاظ عليها.
يقول "أوتو": "إن نظام التكوين مقابل الانهيار هو القاعدة فى علم الأحياء، ولكنه كان استثناءً فى الكيمياء طوال معظم تاريخها".
إن فكرة أن الأنظمة يمكنها أحيانًا، بطريقة ما، الحفاظ على نفسها خارج حالة التوازن ليست جديدة تمامًا. ففى كتابه "ما هى الحياة؟" الصادر عام 1944، أشار الفيزيائى "إروين شرودنجر" إلى أن الحياة تحافظ على نفسها بعيدًا عن... التوازن عن طريق تبديد الطاقة.
لاحقًا، فى عام 1977، فاز الكيميائى الفيزيائى "إيليا بريجوجين" بجائزة نوبل فى الكيمياء لعمله فى مجال الديناميكا الحرارية التى تسمح للأنظمة الفيزيائية المعقدة، مثل الأعاصير، بالتنظيم الذاتى.
تمثلت رؤية "بروس" فى أخذ هذه الأفكار حول الأنظمة غير المتوازنة وكتابتها بلغة الكيمياء: وتحديدًا، لجأ إلى قوانين معدل الحركة، التى تصف سرعة حدوث التفاعلات. يقول "أوتو": "يُعد "الاستقرار الحركى الديناميكى" إطارًا مفيدًا للغاية لأنه أكثر واقعية بكثير من نظرية التطور الداروينية".
يُجادل "بروس" بأن قوانين معدل الحركة ضرورية لفهم سبب استمرار الحياة. فهو من ناحية، يُختزل هذا كله فى هذه الاحتمالية: إذا وُجد الكثير من شىء ما الآن، فمن المرجح أن يستمر فى الوجود.
تعد البكتيريا مثال جيد على هذا المنطق. يسهل القضاء عليها فرديًا، لكن هناك الكثير من البكتيريا. إذا نجت واحدة فقط، فيمكنها أن تُنتج مليون نسخة من نفسها بالانقسام 20 مرة فقط. بالنسبة لبكتيريا الإشريكية القولونية، سيستغرق ذلك حوالى 6 ساعات.
يقول "بروس" إن هذا الاندفاع الأسّى هو "القوة الحركية المذهلة" للجزيئات القادرة على نسخ نفسها. إن التفاعل المُتناسخ ذاتيًا، إن لم يُقيد، هو أسوأ عدو : فبدون أى شىء يوقفه، ستُسيطر خلايا الإشريكية القولونية بسرعة على الكوكب، وتستهلك كل شىء، ثم تموت فى حالة من التوازن.
ولكن إذا كان معدل المواليد مُتوازنًا مع الموت، يمكن للتجمعات المُتناسخة أن تبقى مرتفعة على منحدر الطاقة بدلاً من الانزلاق نحو الأسفل. تموت الكائنات الحية فرادى، لكن الحياة ككل أقدم بكثير من معظم الصخور على سطح الأرض.
نظريًا، ما ينطبق على الإشريكية القولونية ينطبق أيضًا على الجزيئات ذاتية التكاثر. فى الأنظمة الكيميائية، يُفترض أن يُنتج التكاثر الذاتى، الذى يُوازِنه التدمير، حالة "الاستقرار الحركى الديناميكى" DKS ذات قوة حركية تُقاوم الدخول فى حالة توازن. وبمجرد أن يصل النظام إلى هذه الحالة، فإن مبدأ "بروس" التوجيهى "بقاء المستقر" يُفضّل المُتضاعفات التى تحافظ على هذا الاستقرار.
فى الواقع، يرى "بروس" أن أفضل المُتضاعفات ستدفع غيرها إلى الانقراض، فى عملية تُشبه إلى حد كبير ما يحدث فى التطور عندما تتنافس أنواع متعددة على موارد محدودة.
نحو التعقيد:
قد يُفسر "الاستقرار الحركى الديناميكى" سبب دفع التطور للحياة نحو تنوع وتعقيد متزايدين باستمرار. عمومًا، يعود ذلك إلى أن زيادة الاستقرار الديناميكى الحرارى لا تُحدد وجهة نهائية بنفس طريقة زيادة الاستقرار الديناميكى الحرارى.
إذا خرجت من فوهة بركانية، فقد ينتهى بك الأمر فى أى مكان على طول الحافة، لكن الذهاب فى الاتجاه المعاكس سيقودك دائمًا إلى القاع.
يقول "بروس': "اصنع نظامًا فى هذه الحالة الديناميكية، واجعله قابلًا للتكاثر، وأؤكد لك أنه سيتجه نحو تعقيد أكبر".
ولكن هل أياً من هذه الأفكار قابل للاختبار؟ هنا يأتى دور "أوتو". فى عام 2010، كان يدرس كيفية عمل البروتينات. وفى أثناء ذلك، ابتكر عن طريق الصدفة بعضًا من أوائل الجزيئات الاصطناعية القادرة على التكاثر ذاتيًا. تتفاعل هذه الجزيئات مع بعضها البعض لتكوين حلقات تتراص في هياكل تشبه الأنابيب. ثم تُحفز هذه الأنابيب المزيد من الجزيئات الأصلية على التكاثر فى أنابيب أخرى. استغرق "أوتو" وفريقه سنواتٍ طويلة لإتقان فن العمل مع هذه العجائب الجزيئية ودراستها. ولكن أثناء قيامهم بذلك، أدركوا أنها الأدوات المثالية لاستكشاف مبادئ قد تتجاوز المكونات البيولوجية المحددة للحياة على الأرض.
بدأ فريق "أوتو" بتجربة موازنة حركية "الولادة" و"الموت" لإبقاء المُكررات بعيدة عن التوازن. بمجرد أن صاغ بروس مصطلح "الاستقرار الحركى الديناميكى" "DKS"، أصبح لدى "أوتو" أخيرًا اسم - ومجموعة معادلات مفيدة لما كانوا يعملون عليه.
وفي عام 2021، تمكن فريق "أوتو"، باستخدام إطار عمل "الاستقرار الحركى الديناميكى" DKS، من التحقق من صحة أحد التنبؤات الرئيسية لبروس: وهو أن الأنظمة الكيميائية فى حالات DKS يمكن أن تتطور نحو التعقيد، وليس البساطة.
لتحقيق ذلك، أجروا تجارب على مُكررين مختلفى الحجم مصنوعين من نفس وحدات البناء - نوع من النظام البيئى البدائى مع "نوعين" يتنافسان على نفس المورد. تعرّضت هذه المُكررات للتحلل الكيميائى بمعدلات مختلفة. تضاعف المُكرر الأصغر بشكل أسرع، لكن المُكرر الأكبر قاوم الهجوم الكيميائى بشكل أفضل، لذا بقى لفترة أطول. عند النظر إليهما معًا، حققت عمليات الولادة والموت هذه توازنًا لصالح المُكرر الأكبر والأكثر تعقيدًا. وبينما شكّل المُكرر الأصغر مجموعة مستقرة، وانقرض. بمعنى آخر، دفع بقاء المجموعة المستقرة النظام إلى الخروج عن التوازن ونحو التعقيد.
كانت تجربة "أوتو" هى المرة الأولى التى استخدم فيها أى شخص مبدأ استبعاد النوع (DKS) لدفع المُكررات الكيميائية الاصطناعية نحو التعقيد. ولكن كان هناك المزيد من ذلك فى المستقبل. فى عام 2024، أظهر فريق "أوتو" أن الأنظمة المتشابهة يمكن أن تخضع لركيزة أساسية من ركائز نظرية التطور تُسمى مبدأ استبعاد النوع. ينص هذا المبدأ على أنه لا يمكن لنوعين أن يشغلا نفس النوع البيئى. على سبيل المثال، لا يمكن لنوعين من العصافير يعيشان على نفس الجزيرة ويتناولان نفس الطعام أن يتعايشا، لذا يجب على هذين النوعين تطوير استراتيجيات تغذية مختلفة إذا أرادا البقاء. وبالمثل، فى أنظمة "أوتو" الكيميائية، يمكن لثلاثيات من المتضاعفات المتنافسة، التى عادةً ما تدفع بعضها البعض إلى الانقراض، أن تتعايش إذا وُهبت بتفضيلات مختلفة لوحدات البناء الكيميائية.
تشير النتائج إلى إجابة جديدة على سؤال كيف تتحول الكيمياء غير الحية إلى بيولوجيا. يقول "تشارلز كوشر"، الفيزيائى فى مركز "ميموريال سلون كيترينج" للسرطان فى ولاية "نيويورك"، والذى يبنى محاكاة حاسوبية لحالات DKS أكثر تعقيدًا لاستكشاف سلوكها التطورى: "نحن بحاجة إلى نوع من الديناميكيات التطورية". بعبارة أخرى، يمكن أن يبدأ التطور فى أنظمة لا نعتبرها عادةً حية. هذا يعنى، كما يقول "بروس"، أن الحياة لم تكن بداية التطور، بل نتاجه - نظام كيميائى صعد بعيدًا عن التوازن فى حالة "الاستقرار الحركى الديناميكى" DKS.
يصف "بروس" القوى المحركة التى تدفع نحو التعقيد بأنها "قوة دافعة".
الوعى البدائى:
مع ذلك، بينما يُجادل بروس بأن "الاستقرار الحركى الديناميكى" يُحفز تزايد التعقيد بمرور الوقت، فإن هذه الحجة نوعية: لم يكتشف أحد بعد كيفية قياس نمو التعقيد فى أنظمة DKS.
كما لا يوجد تعريف مُتفق عليه على نطاق واسع للتعقيد، وليس من الواضح ما إذا كان التعقيد المتزايد باستمرار سمة مميزة للحياة. ففى النهاية، فقدت بعض أسماك الكهوف أعينها، وتُقلل البكتيريا من جينوماتها كلما أمكنها ذلك.
فأين يضع هذا أفكار "بروس" حول حالات "الاستقرار الحركى الديناميكى" DKS؟ حسنًا، بفضل تجارب "أوتو"، يُمكننا الجزم بأن الأنظمة غير الحية يُمكن أن تتطور نحو التعقيد. وقد أثبت ذلك أحد تنبؤات "بروس" الرئيسية.
علاوة على ذلك، لا يزال من غير الواضح مدى تأثير هذه الفكرة، إنها لغة جديدة للكشف عن طبيعة الحياة، ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ستؤدى إلى مزيد من الرؤى.
هناك بالفعل أفكار تم تقديمها بناءاً على عمل "بروس", وربما تكون أكثر فائدة. كمثال على ذلك، ابتكر "وونج" وزملاؤه إطارًا بديلًا يعتمد على مفهوم "المعلومات الوظيفية" المُعرّف بدقة أكبر، بدلًا من مفهوم "التعقيد" الغامض. واقترحوا أن المعلومات الوظيفية فى الأنظمة المتطورة تتزايد دائمًا بمرور الوقت، مع تراكم المعلومات حول كيفية بقائها فى بيئاتها.
على سبيل المثال، يحتوى جناح الطائر ضمنيًا على الكثير من المعلومات حول الديناميكا الهوائية والغلاف الجوى للأرض. وعلى عكس التعقيد، تزداد المعلومات الوظيفية حتى عندما يُبسط التطور الكائنات الحية - إذا كان هذا التبسيط يُساعدها على البقاء فى بيئتها.
أحد الدروس الرئيسية التى استخلصها "بروس" من هذه الفرضية هو أنه لا يمكن أبدًا النظر إلى الحياة بمعزل عن غيرها. فى الواقع، قاده هذا إلى فكرة جذرية: فهو يفسر اعتماد أنظمة DKS على بيئاتها كنوع من الوعى البدائى. يقول: "هذا الاعتماد، فى رأية، هو بداية بُعد عقلى. بمجرد أن تدرك وجود شىء خارجى، تبدأ فى إدراك ذاتك".
إن محاولة نسب "الوعى" إلى الأنظمة الكيميائية يظل على أقل تقدير أمرا مثيراً للجدل. يشكك "كيفن ميتشل"، عالم الوراثة العصبية فى "كلية ترينيتى" فى "دبلن" بأيرلندا، والذى يدرس تطور القدرة على التأثير، فى إمكانية اختزال الإدراك فى الكيمياء بهذه الطريقة. يقول: "من الصحيح تمامًا اعتبار الكائنات الحية نمطًا مستمرًا من العمليات الكيميائية الديناميكية على مستوى واحد. لكن هذا لا يعنى أن كل ما يفعله الكائن الحى مفهوم بشكل مفيد على هذا المستوى".
لا يزال "بروس" يُجادل بأنه يجب فهم العمليات العقلية فى نهاية المطاف على أنها عمليات فيزيائية - فأين أفضل من "الاستقرار الحركى الديناميكى" للبدء فى ذلك؟
يقول: "العقل ليس مجرد كائن طائر فى الهواء، بل يجب أن ينبثق من نظام فيزيائى. لقد فُتح باب حل هذا اللغز للتو".
إليز كاتس صحفية علمية مقيمة فى جراتس، النمسا
تعليقات