هل حان الوقت لإكتشاف نموذج جديد للكون؟

 وفقا ل"أليكس ويلكنز"، تُثير نتائج دراسة فلكية كبرى دهشة العلماء، وتدفعهم للبحث عن طرق جديدة لمحاولة فهم كل من الطاقة المظلمة والجاذبية.

تشير هذه النتائج المذهلة إلى احتمال ضعف الطاقة المظلمة مع تمدد الكون، الامر الذى قد يشير إلى أن الجاذبية تعمل بشكل مختلف عما كنا نعتقد. 

لذلك يُفكّر الفيزيائيون فى استبدال النموذج الكونى القياسى للكون بنظريات جديدة ومبتكرة. 

من بين الخيارات المطروحة: هناك نظرية الأوتار، أو أنه ربما توجد هناك قوة أساسية جديدة، أو حتى التفكير فى شكل جديد من أشكال الجاذبية يتغير بمرور الوقت.


يُطلق على أفضل نموذج متاح لدينا للكون اسم:

 "لامبدا-سى دى إم" ،"lambda-CDM" وهو يقوم بتقسيم الكون إلى ثلاثة أجزاء: 

المادة التى يُمكن رؤيتها، والمادة التى لا يُمكن رؤيتها والتى تتمتع بقوة جذب - وتُعرف بالمادة المظلمة - وأخيراً الطاقة المظلمة، التى هى عنصر طارد مُستمر يُجبر الكون على التمدد بسرعة متزايدة. 

فى المعادلات التى وضعها "ألبرت أينشتاين" أولا، كان الاعتقاد هو أن الكون يتسارع بمعدل ثابت، يُعرف باسم الثابت الكونى ويُمثله الحرف اليونان "لامدا".

ورغم أن ذلك يتوافق تقريبًا مع جميع ملاحظاتنا عن الكون حتى الآن، إلا أن جهاز مطياف الطاقة المظلمة (DESI) فى "أريزونا"، الذى أنشأ أكبر خريطة ثلاثية الأبعاد للكون من خلال تتبع ملايين المجرات عبر السماء، قد أثار تساؤلات حول صحة هذا النموذج. 

يقيس جهاز DESI بدقة المسافات بين المجرات فى أوقات مختلفة من تاريخ الكون، مما يسمح لعلماء الكون بحساب سرعة تمدد الكون.

فى العام الماضى، رصد الجهاز أول التلميحات إلى أن الطاقة المظلمة ليست ثابتة، وأن الكون قد يكون يتسارع بوتيرة أبطأ مع مرور الوقت. 

كانت هذه النتائج الأولية مؤقتة، لكن إصدارًا ثانيًا لنتائج DESI فى مارس، والذى غطى بيانات ثلاث سنوات، عزز هذه التلميحات، على الرغم من أنه لا يزال أقل من اليقين الإحصائى المطلوب لاكتشاف حاسم. 

يقول "يى فو كاى" من "جامعة العلوم والتكنولوجيا" فى "الصين": "كان الجميع يتابع إصدار بيانات DESI تلك، وكان الأمر صادمًا للغاية".

بينما يقول "ياشار أكرمى" من "جامعة مدريد" المستقلة فى "إسبانيا": "هذا أمر مثير للاهتمام، بل أنه قد يُعرّض النموذج القياسى لعلم الكونيات للخطر".

وعلى حين يقترح باحثون من مجموعة DESI تعديل نموذج "lambda-CDM" ليتناسب مع نتائجهم بإضافة أرقام إليه قابلة للتعديل، إلا أن "أكرمى" وزملاؤه يجادلون بأن مثل هذه التعديلات لا تستند إلى أى واقع فيزيائى. وهم يرون أنه يُمكن وصف تغيرات المسافة التى رصدها DESI بشكل أفضل من خلال وصف الطاقة المظلمة كمجال، مشابه للمجالات التى تصف الضوء أو القوى النووية، ولكنه يتغير بسلاسة بمرور الوقت.

من مزايا هذه الفكرة، المسماة "حقل الجوهر"، إمكانية استنباط وجودها من نماذج أكثر اكتمالاً للكون، مثل بعض نماذج نظرية الأوتار. 

يقول "أكرامى": "إذا أثبتنا أن الجوهر فى ذلك هو الطاقة المظلمة، فهذا أمر جيد جدًا [لأنصار نظرية الأوتار]". "ولهذا السبب يشعر مجتمع نظرية الأوتار بحماسة بالغة الآن".

يقول 'كاى": "إنها أيضًا أخبار سارة لنظريات الجاذبية الكمومية الأخرى، التى طالما تصارعت مع التنبؤ القائم على نظرية "لامبدا-سى دى إم" بأن تمدد الكون سيتسارع إلى الأبد". 

تنص العديد من هذه النظريات على أنه فى سيناريو التسارع الثابت، يمكن أن تتمدد التموجات الكمومية بمرور الوقت وتصبح فى النهاية بحجم الكون نفسه. ويضيف أن هذا يتعارض مع الوصف الكامل للكون، لكن الطاقة المظلمة المتغيرة ستجعل العديد من هذه النظريات أكثر قابلية للتطبيق.


هل توجد قوة خامسة؟:

لا يتفاعل نموذج الجوهر الذى ابتكره "أكرامى" وفريقه مع الجاذبية بأى شكل ذى معنى، لكن باحثين آخرين وجدوا أن نماذج الطاقة المظلمة التى تتفاعل مع الجاذبية تتوافق مع البيانات بشكل أفضل. 

يقترح "جين يى" من "جامعة لايدن" فى "هولندا" وزملاؤه نموذجًا يُسمى "جاذبية الذوبان"، والذى ينص على أن الجاذبية، كما وصفها "أينشتاين" فى النسبية العامة، ستبدأ بالعمل بشكل مختلف فى مرحلة ما من الزمن من خلال تفاعلاتها مع مجال الطاقة المظلمة المتغير. 

يقول "يى" إن هذا قد يساعد فى تفسير استنتاج جديد وإشكالى من نموذج DESI، وهو أن كثافة طاقة الكون يجب أن تزداد بمرور الوقت إذا ضعفت الطاقة المظلمة.

يقول "بيدرو فيريرا" من "جامعة أكسفورد" وزملاؤه إن هذا سيُحدث تغييرًا جذريًا فى طريقة تفكيرنا فى الكون.  يقول: "لطالما نشأنا على فكرة أن الكون يمتلك قوة الجاذبية، وأن الجاذبية تُغذى كل شىء. لكن الآن، ستُضاف قوة خامسة، وهى ناتجة عن الطاقة المظلمة، التى تُغذى كل شىء أيضًا".

يقول فيريرا: "ومع ذلك، تكمن إحدى المشكلات الرئيسية فى هذا التعديل فى أنه كان ينبغى أن نرى أدلة على هذه القوة الخامسة فى قياسات دقيقة مثل مدارات الكواكب واختبارات النسبية على الأرض. لذا، سنحتاج أيضًا إلى ابتكار مبدأ فيزيائى يمنعنا من قياس آثار تلك القوة الخامسة فى هذه الأنظمة". "وينتهى الأمر بالفيزياء إلى أن تكون أكثر تعقيدًا مما كنا نعتقد، وهذا ما يجعلك تتساءل: لماذا يجب اتباع هذا المسار؟"

للأسف، كما يقول "فيريرا" فإن بيانات DESI الحالية ليست دقيقة بما يكفى للتمييز بين النماذج المختلفة لتفاعل الطاقة المظلمة مع الجاذبية. ويضيف: "إذا طرح اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أشخاص تفسيرات نظرية مختلفة لذلك، فلن يكون هناك سبيل، باستخدام هذه البيانات، للتمييز بين هذه المقترحات النظرية". ويتابع: "ما سنفعله فى النهاية هو إجراء هذه المناقشات حول أيهم يمثل فعلاً النظرية الصحيحة، ولن نتوصل إلى حل لهذا أبدًا".

يأمل "يى" فى أن تكون هناك طريقة لتحديد أيا من الأفكار هى الصحيحة. إذا تغيرت الجاذبية بطرق خفية بفعل الطاقة المظلمة، فقد يظهر ذلك فى قياسات أخرى، مثل مسوحات العدسة الضعيفة، التى تقيس كيفية انحناء الضوء بفعل المجرات أثناء انتقاله عبر الكون. ويضيف: "إذا كانت نظرية ذوبان الجاذبية صحيحة، فستغير كيفية انحناء الضوء بفعل الكتل الكبيرة". "سيكون تأثير الانحناء مختلفًا عن النسبية العامة".

 لكن فى كل الأحوال، يتفق معظم علماء الكونيات على إن الاستنتاج بأن الطاقة المظلمة تتغير لا يزال سابقًا لأوانه، إلى أن نحصل على المزيد من البيانات التى يمكنها أن تُثبت ذلك. 

ستُوضح بيانات DESI، المقرر صدورها خلال العامين المقبلين، بعض الأمور، وسنحصل على معلومات إضافية من مسوحات أخرى للطاقة المظلمة، مثل قمر "إقليدس" التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. وستتضح الصورة بشكلٍ أفضل.


عن: "العلوم الآن"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل نحن اذكى مما ينبغى؟

كم أفتقدك - "بقلم: حازم فرجانى"

الأنبياء - قصة قصيرة