Saturday, March 26, 2011

صـــلــــح لى قــلــوعــك يـاريــس

فصل من روايه غير منشوره لى,  تدور أحداث هذا الفصل أثناء مظاهرات السبعينيات
وما أشبه الليله بالبارحه: 

الفصل السادس

تدافع الجميع داخل أسوار الجامعة ... قرع طالب بقوة على أحد الأعمدة المنتصبة بجوار تمثال نهضة مصر منذرا بأن هجوما قد بدأ .. إنتبه آلاف الطلاب المتجمهرين حول التمثال فى مواجهة كوبرى الجامعة الى كميات ضخمة من الأمن المركزى تندفع من جانبى شارع مراد فى أتجاههم .. لقد بدأت لعبة الكر والفر مرة أخرى .. تسابق أحمد ومنير فى الركض نحو مدخل الجامعة .. كانت أول مرة يرى فيها منير .. لا يذكر العام بالتحديد .. 74 غالبا .. أو ربما 72 فمظاهرات 72 كانت الأكبر والأعنف .. حاول لاحقا أن يتذكر السنة ولم ينجح ... كل ما يذكره أن منير حاول أن يعود  حين رأهم يسحلون طالب على الأسفلت .. فمنعه بقوه وجذبه فى الأتجاه الأخر .. 
- لا فائدة من العوده ..لقد أخذوه بالفعل ...
أطرق منير  وهو يلهث ولم يجب
- أتعرفه؟
أشار منير برأسه نافيا .. على حين إندفع الأثنان بسرعه داخل حرم الجامعة وسط الآلاف بينما بدأت القوات فى التمركز خارج أبواب بدأ الطلبة فى إغلاقها... إلتقط أحمد أنفاسه ونظر الى منير 
وأنفجر فى الضحك وهو يقول لاهثا:

- لو أشتركت أولمبياد للعدو الأن لابد أن أحصل على الميدالية الذهبية
- وأنا الفضية
- ذلك فقط لأنك فكرت فى العودة

بدأ الجميع فى الإصطفاف والتجمع مرة أخرى .. نظر أحمد حوله .. لم يستطع إلا أن يرى أعدادا لا نهاية لها من الطالبات والطلاب يبدو على وجه كل منهم إصرار وتصميم لا يدرى من أين أتى به .. إنهم نفس زميلاته وزملاءه الذين يراهم كل يوم, يتضاحكون غالبا ويستهزءون ببعضهم البعض أحيانا... نفس الفتيات اللاتى تجتذبه أجسادهن أكثر من عقولهن ... واللاتى يندفع فى  محاولة لفت أنظارهن كلما أستطاع الى ذلك سبيلا .. ما الذى تغير وجعله يراهم بشكل مختلف ..ما الذى ألهمهم كل هذه القوة, وجعل صدورهم تشتعل  بنار عدوها مقدسة....أهى قدرة الأنسان أن يتسامى فى بعض الأحيان عن كل نوازعة الشخصيه وأن يصبح جزء من هدف سامى ...لا يهتم أن يضرب أو يسجن فى سبيله .. يستمد قوته من كونه جزء من كل .. أو كونه كل بدلا من  جزء .. شعر أحمد أنه  قوى... أقوى مما كان فى أى وقت ... بل أقوى مما يريد ..  
طالما أزعجته فكرة ديكتاتوريه الأغلبيه .... إن رأى الأكثرية ليس بالضرورة الرأى الصائب .. لذا حاول دائما جاهدا أن رؤيه الرأى الأخر ...
 لكنه طرح هذه الأفكار جانبا ...
إننا الأن وفى هذة اللحظات على حق ... إن هذا الغضب النبيل المنبعث من الصدور كأمواج متلألئة تتلاحق فى أرجاء المكان على حق ... وسواء كنا ندافع عن حق الشعب أن يخوض المعركة لاسترداد آراضيه بعد ما مضت ما أطلق عليها سنة الحسم فى 72 , أو كنا نحاول أن ندافع عن نصر هذا الشعب فى أكتوبر من أن يتم إختلاسة فى مظاهرات 74 وما بعدها فإننا  على حق.


*************

أنهت الجموع المحتشدة أستعدادتها .. وبدأ الهجوم المعاكس  .. فتح الطلاب بوابات الجامعة الحديديه المهيبة وإندفعت ألاف الأجساد الفتيه مرة أخرى فى أتجاه الساحة المواجهه للجامعة ... طلاب من كافة الفئات, الكليات والأتجاهات .. الجميع كانوا هناك .. حتى طلاب المدرسه السعيديه.. ورغم أن المبادءه والتنظيم كانت لليسار ... إلا أن التيار الغالب كان تيار من ليس لهم تيار ...
نجح الطلاب فى إحتلال الساحة وبدأوا فى التمركز أستعدادا للهجوم المعاكس الثانى أو إعادة إحتلال الشارع الواصل بين الجامعة وتمثال نهضة مصر... بدا واضحا أن حدود هذا التمثال هى خط  الدفاع الأخير لقوات الأمن, للسلطات, للحكومة و لمصر الرسمية
يمكن التجاوز عن أى شىء الا هذا الخط , بعده لا مجال للتجاوز أو الخطأ ..إذا إندفع الطلاب بعده فقد إندفعوا الى الشارع ..الى الشعب ..
لذا يجب أسرهم خلفه ...
ألقى أجمد نظرة على التمثال الماثل أمامه وبدا له أن نهضة مصر أسيرة معهم فى هذا المكان ....
لم يهتم أحد هذه المرة عندما بدأت القوات فى معاودة الهجوم ... إلتقط أحمد حجرا وألقاه   .. لمح منير ينزع هو الأخر بعض أحجار الرصيف .. وجد الجميع يفعلون نفس الشىء , إنهم يريدون الخروج من هذا الأسر ... مصممون على فك هذا الحصار.. الجميع يحمل الحجارة ويلقونها على الجنود  ....
بدا الأمر غريبا فمنذ أقل من ساعة كان يقف مع نفر من الزملاء فى الصفوف الأولى يتجاذبوا  أطراف الحديث مع جنود الأمن المركزى المصطفين أمامهم كأصدقاء قدامى ويحاول كل طرف بيان وجهة نظره 

- إنما نفعل ذلك من أجلكم أنتم
- يابيه إحنا عبد المأمور

إنتابت أحمد مشاعر مختلطه، إنهم مضطرون الى مواجهة هؤلاء رغم شعوره أنهم جميعا فى نفس الخندق...
وعندما نظر أحمد الى أعلى خيل إليه أنه لا يستطيع أن يرى السماء... فالحجارة المتبادله أخفتها تماما.. ولوهلة بدا أن رؤية هذا المشهد قد ألهاه عن مواصلة ما يفعل ... أو لعلها الدموع التى أنهمرت بشدة مع بدء سماع إنفجارات .. إنهم يلقون الأن بالقنابل المسيلة للدموع .. لم يضطرب الجمع كثيرا .. أمسك بعض الطلاب بالعبوات الملقاه عليهم وبدأوا فى إعادة إلقاءها فى الإتجاه الأخر  ..... وبمرور الوقت بدأ التراجع نحو الجامعة مرة أخرى , ولكنهم هذه المرة تركوهم فى الساحة, لم يحاولوا اجبارهم على التراجع أكثر... يبدو أنهم أعجبوا بشجاعتهم أو هكذا أرادوا أن يقنعوا أنفسهم.......
 تجمعت القوات فى ثلاثة مراكز... بمحازاة كلية الهندسة وبجوار كلية الزراعة و قرب حديقة الأورمان , تم حصار الطلاب الذين قرروا الأعتصام فى الجامعة داخل هذا الحيز, على حين تدافع طلاب وطالبات كلية العلوم حاملين القطن وزجاجات النشادر لمساعدة من اصابه الأعياء جراء القنابل المسيلة للدموع...
لم يدرى أحمد كم من الوقت مضى منذ بدات هذه المعركة .. ولم يدرك أنه أصيب بعدة جروح إلا عندما نبهه الى ذلك منير, لم يهتم كثيرا , بل لم يهتم على الأطلاق,  ولعله شعر بالسعادة ...

وفى طريق عودتهم هذا المساء .... قافزين من الأسوار الخلفية للجامعة ..عبر مزارع كلية الزراعة ومنها الى شارع السودان – احس أحمد ومنير أن كل منهما قد وجد صديقا حق اليوم....


صـــلــــح  لى قــلــوعــك يـاريــس
هــيـــــلا هــــوب هـيــــــــــــــــلا

No comments: