Tuesday, March 22, 2011

قبل أن يفوت الأوان

فى غمار أحداث ومعارك الفتنة الكبرى, سأل بعضهم الإمام "على بن أبى طالب": أيمكن أن يجتمع طلحه والزبير وعائشه على باطل؟
كان رده البليغ الموجز أنه "لا يعرف الحق بالرجال, ولكن يعرف الرجال بالحق"
قاعده ذهبيه أرساها الرجل وهو يتحدث عن الصراع بينه وبين بعض الصحابه والذى أدى فى النهايه إلى مصرع طلحه والزبير.
مما يدعوا للأسى أن نرى الأن  من يضفى قداسه ومهابه مصطنعه على آحاد من الناس لا توجد لهم أى قيمه فكريه دينيه  حقيقيه من أى نوع.
ففى زمن الإفلاس الكامل تبوء بعض المدعين مكانه متوهمه, أدوا من خلالها أدوار المشرعين والمتفقهين الدينيين كأسوء ما يكون الأداء. وأضفى أنصاف الجهلاء بل والمتعلمين دون ثقافه حقيقيه قداسه وألقاب مضحكه على بعضهم, فصرنا نسمع عن الشيخ حسان رضى الله عنه والسلفى حسين يعقوب حفظه الله. وسايرت وسائل الإعلام والصحافة هذه الموجه فقررت بدلا من القيام بدورها التنويرى, أن تساير آهواء هذه الجماعات, لتحتل صورهم وأخبارهم صدارة الصحف.
المحزن أن بعض هؤلاء المدعين يتجرؤن بل ويسيؤن بتقولاتهم بالغ الإساءة إلى أحد أعظم الأديان على الأرض وعبر التاريخ الإنسانى. فالإسلام والحضارة الإسلاميه أسهموا بشكل حاسم فى مسيرة التقدم البشرى, بل يمكنا القول بإرتياح أن الحضارة الغربيه المهيمنه على مناحى الحياه فى القرون الخمس أو الست الماضيه, هى فى الحقيقه الوريث الشرعى لمسيرة الفلسفه والعلم الإسلاميين.
لقد كثر الحديث عن الماده الثانيه للدستور المعطل والتى تنص على : " الاسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع"
والواقع أن لهذه الماده عيب رئيسى وعيوب فرعيه ليس بينها فيما أرى ما يتعلق تحديدا بالشريعه الإسلاميه. أما العيب الرئيس فهو القول أن الإسلام دين الدوله, فالدوله كائن معنوى مجازى ليس له دين. والقول بأن دين الدوله هو الإسلام هو أشبه بالقول أن هذه البنايه مسلمه, وأن هذا المبنى مسيحى. والصحيح أنه يمكن القول أن أغلب سكان أو كل سكان هذه البنايه من المسلمين وأن أغلب سكان أو كل سكان هذا المبنى مسيحيون. وعليه كان من الواجب أن يكون النص: " مصر دولة يدين أغلب سكانها بالإسلام" وهو توصيف غير ضرورى لواقع لم ولن ينكره أحد. أما الجزء الخاص بالشريعه الإسلاميه فكان من الواجب أن يكون " الشريعة الإسلاميه مصدر رئيسى للتشريع" وإزالة أدة التعريف تعنى ضمنيا وجود مصادر أخرى للتشريع وهو ما لا يتناقض بل يتلاقى مع حقائق الفكر الإسلامى.
إن الشريعة طبقا للمفهوم الدينى للإسلام هى النبراس لطريقة الحياه والمبادىء التى يريدنا الإله أن نلتزم بها ونحن نقوم بعملية إعمار الأرض طبقا لمشيئه. وحيث أن الله  قد وضع لنا القواعد العامه فقد إجتهد المفكرون والعلماء منذ فجر الإسلام على وضع القوانيين المختلفه المنظمه لتطبيق هذه الشريعه. وظهرت الحاجه الى ذلك بإلحاح مع توسع الدوله الإسلاميه وإحتكاكها بدول وثقافات جديده, الأمر الذى أدى الى تبنى قوانين تساير إحتياجات ومعضلات لم يتعرض لها الإسلام فى بداياته.
هكذا نشأت المذاهب الفقهيه المختلفه فى التاريخ الإسلامى, وإختلفت وتنوعت فيما بينها ,،حاولت جميعها الوصول إلى أفضل القوانين الوضعيه من وجهة نظرهم لتطبيق شريعة الله على الأرض. إختلفت الرؤى وتباينت بين مذاهب تضع العقل فى مقدمة وسائل الإنسان للوصول إلى حقيقة الشريعه كالمعتزله, وأخرى تستخدم القرأن والسنه وثالثه تعلو بالقياس وأخرى بالإجماع. ظهرت المذاهب السنيه المختلفه والتى وصل عددها إلى المئات, وإستقر أخيرافى فقه الأئمه الأربعة الكبار.
ظهرت المذاهب الفقهيه الشيعيه المختلفه وتباينت فى رؤيتها للقوانين وتميزت بتجددها وإستمراريتها حتى هذه اللحظه, على حين أغلق أهل السنه باب الإجتهاد منذ مئات السنين مكتفيين بما وصل إليه الأئمه الأربعه!
ولعل مقوله الامام الشافعى الشهيره " مذهبى صواب يحتمل الخطأ, ومذهب غيرى خطأ يحتمل الصواب" توضح بجلاء عدم وجود قدسيه لأى من هذه المحاولات الفقهيه لتفسير الشريعه, فكلها إجتهادات تحتمل الإختلاف عليها.
أما ما إجتمعت عليه الأغلبيه الساحقه من فقهاء وعلماء الدين من مختلف المذاهب والمشارب فهو ما يطلق عليه "مقاصد الشريعه الإسلاميه" وهى خمس:
حفظ الدين
حفظ النفس
حفظ العقل
حفظ النسل
حفط المال
هذه ببساطه أغراض الشريعه الإسلاميه, والتى بمقتضاها يتوجب حماية معتقدات البشر جميعا وحقهم الأصيل فى إعتقاد ما يريدون. كما يتوجب الحفاظ على النفس البشريه وحمايتها من أى إعتداء أو ترويع, ومن المؤسف أن نرى الأن من يطالب مثلا بإحراق البهائيين, أو ترويع الآمنين بإسم الإسلام أو بإسم أى دين.
كما أن حفط العقل من الأولويات القصوى للشريعه الإسلاميه, وآيات الحض على إستخدام العقل والتدبر والتفكير فى القرآن, أكثر من أن تحصى. بل أن بعض المذاهب الفقهيه وضعت العقل فى المرتبه الأولى للوصول إلى حقيقة شريعة الله, فالإنسان يمكنه الوصول إلى الحقيقه بالتفكير والفطره, على حين أن دور الدين بشكل رئيس هو بيان الحلال والحرام.
ويكون حفظ النسل وضمان إستمرار عمليه التزاوج بين البشرالضمانه الأساسيه لإستمرار مهمة إعمار الأرض المنوط بها الإنسان. ويرتبط بذلك تقديس حق الإنسان فى الحفاظ على ماله من أى سوء أو سرقه أو تهديد بصرف النظر عن دينه أو عرقه أو لونه.
هذا هو المتفق عليه من مبادىء الشريعه الإسلاميه وإن إختلفت الوسائل والقوانين والمذاهب الفقهيه.
إن من يستغلون الإسلام كوسيله للوصول إلى مآرب شخصيه أو سياسيه أوماديه هم أكثر من يسيئون الى هذا الدين العظيم ومبادئه.
لقد إنتشرت مظاهر التعصب والجهل وضيق الأفق فى مصر إنتشارا واسعا فى الفترة الأخيره, ومواجهتها لن تكون بأنصاف الحلول أو التغاضى عنها, أو اللجوء الى بعض المدلسين المعتدلين لمواحهة المدلسين المتطرفين.
الحل هو بيان سماحه وإنسانيه وسعة أفق هذا الدين العظيم الذى ظلمناه جميعا.
هذا الدين الذى يدعونا ليل نهار للتدبر والتفكير.
هذا الدين الذى يقوم يشكل كامل على العدل والشورى والمساواه.
هذا الدين الذى إرتضينا أن يمتهنه أصحاب فتاوى غزوه الصناديق, و محترفى التشخيص من من يسمون أنفسهم الدعاة الجدد.
هذه الثوره المصريه الحديثه هى ثوره ضد الفساد والزيف والتدليس ...
فلننتبه
قبل أن تسرقها منا  هذه الجماعات
وبإسم الدين

No comments: