هذا المقال يحوى مجموعة من الآراء المقدمة من أشخاص مهتمين بموضوع إمكانية اكتساب الآلات للوعى. كما اقوم فى النهاية بتقديم رأيى الخاص حول هذا الموضوع:
١_ تيجي يوفيرمان، روتردام:
الكمبيوتر هو اساسا جهاز لمعالجة المعلومات، كما أن الدماغ البشرى هو الآخر معالجًا للمعلومات. يحوى الدماغ البشرى شبكة معقدة من حوالى 86 مليار خلية عصبية:
فهو يشفر المعلومات ويقوم بفك شفرتها، وتنتظم خلاياه العصبية داخل مناطق من الدماغ مخصصة لأداء وظائف مختلفة.
نحن نعرف أجزاء الدماغ التى تلعب دوراً فى إنتاج الوعى.
فعلى سبيل المثال، يعالج الفص الجبهى العديد من الوظائف المعرفية الأعلى أو الأكثر تعقيدًا، مثل الانتباه أو اتخاذ القرار، على حين يكون الفص القذالى مهماً لمعالجة المعلومات البصرية.
على أنه من غير المعروف كيفيه تخليق الأجزاء ذات الصلة بالوعى.
يمكن القول إن الدماغ البشرى شرط ضرورى للوعى البشرى.
وللإجابة على سؤال كيفية جعل الكمبيوتر واعيًا، فمن الضرورى ان نقوم بتخليق تشابه مناسب ما بين الكمبيوتر والدماغ البشرى.
ولكن حتى إذا تم حل هذه المسألة الفنية، فلا يزال التساؤل القائم هو عما إذا كان ذلك سينتج فى النهاية وعيا أم لا،
هذا هو السؤال الفلسفى الصعب.
إحدى الأفكار المطروحة حالياً هى تحميل العقل رقمياً ــ أى خلق توأم رقمى لدماغ/عقل بشرى موجود بالفعل.
فلنحاول شرح ذلك: الشبكات العصبية الاصطناعية، هى محاكاة لكيفية عمل الدماغ البشرى، حيث يتم تنظيم "الخلايا العصبية" الاصطناعية فى طبقات يتم من خلالها معالجة المعلومات.
ولنفترض الآن أننا سوف نستطيع تطوير نمط تقريبى عام لكل تريليونات الروابط العصبية البشرية ــ أى أن نموذجاً محدداً للدماغ سوف يتم محاكاته بواسطة جهاز كمبيوتر.
واقتراحى هو أن نبدأ بالتركيز على نمذجة الجزء البصرى من الدماغ وربطه بروبوت.
وهنا يكون السؤال، هل من الممكن أن يكون الاختبار المحتمل للوعى هو: هل يمكن أن ينتقل الوعى إلى هذا الروبوت عندما يختبر الإنسان اتصالاً بصرياً متبادلاً مع الروبوت.
ومع هذا سيظل السؤال قائماً، هل يعد ذلك كافياً: هل يختبر الروبوت أيضاً الوعى عندما ينظر شخص ما فى عينيه؟ هل يشعر بكينونته كما يقول الوجوديون؟
لا يزال الطريق طويلاً لمعرفة الإجابة.
٢_ ماثيو تايلور، كلابتون أون ذا هيل، جلوس:
إن الوعى ينشأ من الدماغ، لذا فمن المؤكد أنه إذا كان بإمكان برنامج كمبيوتر محاكاة عمل 86 مليار خلية عصبية فى الدماغ البشرى بدقة، كل منها متصل في المتوسط بما يصل إلى 10000 خلية عصبية أخرى - ربما كوادريليون مشبك عصبى فى المجموع - فربما يشعر الكمبيوتر حينها بالوعى.
مع ذلك، فإن هذا الافتراضية تستند الى أن محاكاة شىء ما ستؤدى دائما إلى نفس الظاهرة التي يحدثها الشىء الذي يتم محاكاته.
قد لا يكون هذا صحيحًا بالضرورة. فبعد كل شيء، فإن محاكاة الكمبيوتر الدقيقة لثقب أسود لا تؤدى فى الواقع إلى ثني الزمكان والتسبب فى امتصاصنا الى داخل الكمبيوتر ...
تقدم نظرية المعلومات المتكاملة (IIT)، التي اقترحها عالم الأعصاب "جوليو تونونى" عام 2004، نظرية لما يحتاجه النظام من أجل تجربة الوعى. باختصار، تقترح نظرية المعلومات المتكاملة أن الوعى ينشأ من ردود الفعل الفيزيائية المعقدة - والتي يتم قياسها بـ Phi (Φ). والفكرة هى أنه كلما زاد عدد Phi فى النظام، زاد ثراء وعيه.
"تونونى" بالتأكيد على حق هنا، ذلك ان أجزاء الدماغ المرتبطة بالوعى لها هياكل مادية ذات فاى عالية (تغذية مرتدة مشبكية كبيرة)، فى حين أن أجزاء الدماغ ذات الفاى المنخفضة يمكنها أن تتضرر دون أى تأثير على وعى المريض، فقط فقدان مهارات معينة.
ولأنه لا يمكننا حتى الآن قياس مؤشر فاى بدقة فى أنسجة المخ، فقد طور فريق "تونونى" اختباراً يقيس متى يعمل المخ بتعقيد شديد ــ مؤشر التعقيد المضطرب، أو PCI. وقد وجد أن المرضى الذين خضعوا للتخدير بالكيتامين كانوا يعانون من مؤشر تعقيد مضطرب مرتفع، وعاشوا أحلاماً. وتسببت أنواع أخرى من التخدير فى انخفاض مؤشر التعقيد المضطرب، وفقد المرضى وعيهم بالكامل (لم يروا أحلاماً).
وهذه النتائج تنبأت بها نظرية التعقيد المضطرب، ولكن ليس النظرية الطبية السابقة.
اذا أخذنا فى الاعتبار كل هذا، ونظراً لأن تكنولوجيا الكمبيوتر الحالية تتمتع بمعامل فاى منخفض نسبيًا، حيث تستخدم بوابات منطقية فيزيائية مرتبطة بطريقة تسلسلية مع ردود فعل محدودة، فإنها لا تمتلك وعيًا؛ ولن يؤدى مجرد إضافة معالجات إلى تغيير هذه النتيجة.
وعلاوة على ذلك، فإن هياكل الذكاء الاصطناعة الحالية ليست سوى محاكاة تعمل على حوسبة فاى منخفضة، وبالتالى فهى ليست واعية.
ومع ذلك، فالكمبيوتر المستقبلى الذى يحتوى على تقنيات جديدة تمامًا تحتوى على ردود أفعال أكثر تعقيدًا (مشابهة للدماغ) قد يصبح واعيًا.
وأظن أن الذكاء الاصطناعى(غير الواعى) سوف يتمكن مستقبلاً من تصميم مثل هذا الكمبيوتر.
وعلى هذا، فإذا قرر الذكاء الاصطناعى حينها، انه من الأفضل التخلص بشكلٍ نهائى من هولاء البشر والحيوانات الذين يزحمون المكان دون داع، فسيكون من اللطيف معرفة انه مع ذلك فان "الوعى" سيستمر متواجداً على الكرة الأرضية!
٣_ جوستين لو سو، نورويتش:
"حاول تفتح الراوتر وتقفله تانى،،، لسه؟ طب اخبطه برجلك كده، لسه برضه؟؟ يبقى نحاول واحده وحدة بقى!!!"
ولنختبر معا هذه الطريقة الأخيرة،
دعونا نصنع آذان كمبيوترية يمكن وضعها مكان آذان الإنسان أو الحيوان، حتى يتمكن الصم من السمع باستخدامها. ثم نفعل الشيء نفسه مع العيون، حتى يتمكن المكفوفين من الرؤية. ثم نستبدل أجزاء من الذاكرة، وما إلى ذلك - حتى يتمكن الناس من الإبلاغ عن تجاربهم. وهكذا دواليك لكل وظيفة معززة - حتى نحصل على ما يكفى لصنع دماغ كامل.
ربما بعد نقطة معينة لن ينجح هذا كله أيضا.
لذا بدلاً من صنع آلة تعمل من خلال أداء وظائف ميكانيكية، فلنحاول صنع واحدة تتفاعل من خلال تأثر كل جزء منها بالأجزاء الأخرى.
ربما باستخدام تيارات كهربائية مترددة، على المستوى الكيميائى- بحيث إذا أرادت هذه "الآلة" القيام بأى شيء، يتعين على جميع أجزائها (أو على الأقل العديد منها) أن تتبادل المشاعر مع بعضها البعض وأن تتحرك بشكل جماعى نحو أهداف معينة - ربما من خلال إجراء تجارب داخلية حول كيفية الوصول إلى هناك.
ولكن حتى لو نجحنا فى تحقيق كل ذلك، سيظل الشك يراودنا فيما اذا كانت مثل هذه الآلة تتمتع بالوعى فعلاً.
ربما يجعلنا هذا أكثر استعداداً لتقبل الكمبيوتر الذى يقلدنا؛ ولكننا بالقطع سنميل إلى الشك فيما اذا كان بالفعل يتمتع بأى نوع من أنواع الوعى.
ولا يسعنى فى النهاية إلا أن أفكر فى وجهة نظر "فيتجنشتاين" التى تقول: إننى لا أملك حجة قوية تؤكد أن أشكال الحياة الأخرى تتمتع بالوعى ام لا, ولكن اتخاذ موقف رافض تجاه الأشياء التى يمكن أن تكون واعية هو فى النهاية رد فعل غير ملائم.
٤_ بول ويسترن، باث:
قد يُفهَم التساؤل عن الوعى على أنه يشير إلى أن الوعى هو شىء إما أن يمتلكه الكائن أو لا يمتلكه.
ولكن مصطلح "الوعى" ينطبق على مجموعة ضخمة من الأنشطة والقدرات، بما في ذلك أنماط متعددة من الوعى الحسى (بما في ذلك ما يحدث مع أجسادنا، والذي يُسمى "الحس العميق")؛ والذكريات؛ والحفاظ على تركيز الانتباه؛ والتجارب والأفعال أو الأحداث المتخيلة التي تتجاوز خبرتنا المباشرة؛ والوعى بالوعى.
ولعل هذا الأخير هو ما يُقصَد به عادة بـ "الوعى".
إن هذا النوع من الوعى الذاتى الذى هو نظرتنا المستمرة ومراقبتنا لكل أفعالنا وما نفكر فيه، هى عملية تقييم مستمرة يتم استخدامها لتعديل أفعالنا الحالية أو عملية اتخاذنا للقرارات.
ولكن نظراً لطبيعة هذه العمليات المتباينة، فلا بد من الاعتراف بأن جعل الكمبيوتر واعياً لن يكون إما كل شيء أو لا شيء، بل سيتطلب نهجاً مجزأً وتدريجياً، حتى يمكننا بناء العناصر المختلفة للوعى تدريجياً من أجل دمجها داخل نظام واحد.
هناك أيضا اعتبار آخر، فأغلب وعينا (ووعى الحيوانات الأخرى) يتعلق بتجسيدنا في بيئة معينة، وحاجتنا إلى البقاء فيها.
وقد زعم البعض أن الوعى لا يصبح له معنى إلا من خلال وجوده داخل جسد. وإذا كان هذا صحيحاً، فهناك شرط استباقى إضافى لإنشاء حاسوب واعٍ يتلخص فى وضعه داخل جسم آلى.
ولكن ما لا يشكل شرطاً مسبقاً هو إيجاد التفسير النظرى الكامل للعمليات المختلفة التى يقوم بها الوعى، ولا فهم الكيفية التى تولد بها الأنشطة الواعية تلك الخبرة الذاتية.
إن عدم فهم الكيفية التي تعمل بها بعض العمليات لا يعنى أنك لا تستطيع تحقيقها.
والدليل على ذلك أن الانتقاء الطبيعى قام بخلق عقولنا دون فهم الكيفية التى تعمل بها، والواقع أن الإنجازات الهندسية غالباً ما تسبق الفهم.
على سبيل المثال، كانت الطائرات تحلق منذ أكثر من مائة عام، ولكن النظرية الدقيقة لكيفية عمل الأجنحة لا تزال مثيرة للجدال.
والواقع أنه من الممكن تماماً أن يلقى إنشاء حاسوب واعٍ في حد ذاته قدراً كبيراً من الضوء على الوعى.
٥_ جيمس أ. موندي، ليج أون سي، إسيكس:
في رأيى، لكى يكون للآلة أى شيء يشبه الوعى البشرى، فعليها الوصول إلى نفس هذا التنوع الغنى من المدخلات الحسية التى نمتلكها.
ثم، إذا تم تطوير هذه الأجهزة لتكون معقدة بما فيه الكفاية، فقد تصل تمثيلاتها الداخلية إلى تجربة شيء يشبه الطريقة التى نرى بها العالم.
لكننا فى كل الأحوال لن نستطيع إدراك ذلك إلا إذا تمكنا من التحدث مع الآلة.
لقد تطورت الجينات البشرية بطريقة مختلفة اسفرت عن الاستخدام المفصلى والاستثنائى للغة، ليس فقط من اجل التواصل، ولكن للتفكير أيضًا.
على ان اللغة نفسها لها حدود. فلا يمكن للكلمات أن تشرح لشخص أعمى كيف يبدو الشعر الأحمر مختلفًا عن الأشقر.
لكن تلك الآلة الواعية المقصود تحقيقها، يجب عليها أن تتطابق معنا لغويًا على الأقل. لذلك يجب أن نجعلها أيضًا طليقة فى الكلام؛ أو الكتابة اليدوية، أو إشارات المرور، أو حتى الهيروغليفية...
لقد تطورت النمذجة العقلية للبشر جنبًا إلى جنب مع تطور اللغة. لقد أصبح النموذج العقلى البشرى يتضمن ابداعا فكريا للذين يمرون بالتجارب المختلفة، الأمر الذى يمكنهم من التنبؤ بسلوك الآخرين من خلال التأمل الذاتى والخبرات.
إن الوعى بتفكيرك الخاص و"نظرية العقل" (أي الوعى بعقول الآخرين) يشكلان جوهر ما يعنيه أن تكون كياناً شديد الوعى.
ولابد أن ينطبق هذا بشكلٍ صحيح على الآلات المستهدفة، سواءً أكانت أجهزة بيولوجية أو ميكانيكية كهربائية.
ولكن هناك تحذير هام: إن أدمغة البشر، على الرغم من صغر حجمها، تحتوى على تريليونات من المشابك العصبية. وإذا كانت التأثيرات الميكانيكية الكمومية في الأنابيب الدقيقة العصبية ضرورية للوعى، فإن صناعة آلة واعية يتطلب قدراً كبيراً من التطور التكنولوجى.
٦_ أنيل كولشريستا، نويدا، الهند:
من الغريب أنه لا يوجد تعريف دقيق للوعى، ولا نفهم كيف يوجد لدى البشر. لذا فلنتفق على أن الكمبيوتر سوف يعتبر واعياً إذا كان هذا الكمبيوتر مدركاً لمحيطه فضلاً عن إدراكه لوجوده الخاص. وبالتالى يجب أن يكون لديه القدرة على رؤية أى شيء فى محيطه، والشعور به، وشمّه، والاستماع إليه.
ويجب أن يكون لهذه الآلة الواعية بذاتها أيضاً مشاعر وعواطف، مما يعنى ضمناً القدرة على التمييز بين الظروف السعيدة والحزينة.
ويجب أن يكون الكمبيوتر أيضاً قادراً على تحليل كل هذه المعلومات الداخلية والخارجية بهدف استخلاص النتائج ثم المبادرة إلى اتخاذ الإجراءات، لصالحه الخاص، أو لصالح قضايا أكبر.
هل يمكننا أن نفترض أيضاً أن أى شخص هو عبارة عن مجموع كل المعلومات والخبرات التي اكتسبها فى الماضى؟
تقوم الشبكات العصبية في الدماغ بتقييم المواقف المختلفة بناءً على المدخلات المنبثقة من الأعضاء الحسية من خلال الغوص في مخزون المعلومات هذا، وتبدأ فى تنفيذ الأفعال أو العواطف وفقاً لذلك.
يتم تحديد طبيعة الفعل أو العاطفة من خلال تشغيل الشبكات العصبية الطبيعية، على حين ان قسماً من الشبكة يحتفظ بذاكرة الأحداث، مما يجعل الناس على دراية بالإجراءات التي اتخذوها والعواقب المحتملة لها.
مع ظهور أجهزة الكمبيوتر الكمومية والتقدم في تصنيع الرقائق، يجب أن يكون من الممكن صنع آلات ذات قوة معالجة هائلة بحيث يكون لها بنية معرفية تحاكى الإدراك البشرى وأنظمة الحوسبة التي تنسخ عمل الدماغ.
هذه الآلات، عندما يتم تغذيتها بكمية هائلة من البيانات، يمكن أن تعرض إلى حد كبير تلك السمات المذكورة للوعى.
هذه الآلة، إذا تم تركيبها في شكل يشبه الإنسان، ربما تخفض جفونها، وتخفض رقبتها، وربما تذرف الدموع، عندما يتم إبلاغها بتدمير آلة أخرى مماثلة. ولكن هل تشعر حقًا بالكآبة؟
٧_ جيفرى ليرد، فرانكفورت، كنتاكى
"النظرية الوظيفية" هى تلك التى تنص على أن النشاط العقلى هو نتاج الوظائف التى يصدرها الدماغ. ويعتقد العديد من أنصار هذه النظرية، بما فى ذلك العديد من علماء الأعصاب، أنه عندما يتم بنجاح رسم خريطة لتريليونات المشابك العصبية فى الدماغ البشرى، فسيمكن حينها تحقيق وعى الآلة.
إلا انه لا يوجد أى دليل حتى الآن يثبت أن الوعى هو ببساطة مجرد نتاج لعمل الدماغ، بدون الأخذ فى الاعتبار أى عوامل أخرى ممكنة.
ومع ذلك، حتى إذا سلمنا بهذا الافتراضية، فهل يعنى هذا أن نسخة اصطناعية من الدماغ البيولوجى ستكون واعية. وهل يمكننا التيقن من أن مثل هذا الكمبيوتر الذي يحاكى الدماغ سيكون كافٍ لاختبار التجارب الذاتية، أم أننا فى حاجة الى بعض العناصر الأخرى؟
وحتى إذا اتفقنا على وجود درجة معينة من وعي الكمبيوتر، فهل هذا فى حد ذاته كافٍ لتخليق النوايا، والمعتقدات والمشاعر، والعديد من الجوانب الأخرى للتجربة الذاتية؟
وإجابتي هى أن مثل هذا الكمبيوتر يمتلك فقط إمكانية التجربة الذاتية، لأنه، لكونه بلا حياة، يظل غير قادر على الاتصال بالعالم من حوله - وبالتالى فإن وعيه سيكون خاليًا من المحتوى.
تتطلب الأحاسيس الظاهرية علاقة ديناميكية بالعالم، وجوداً في العالم، وهو ما تتمتع به كل الكائنات الحية بالفعل. وعلى هذا فقد تحاكى الآلة الوعى بالمعنى المادى، فى سلوكها؛ ولكن ليس بالمعنى التجريبى.
ويؤكد الناشط في مجال الإدراك الحسي "ألفا نوى" أن التجربة تشمل "التفكير والشعور وحقيقة أن العالم "يظهر" لنا في الإدراك". ولكن من خلال عدم "الوجود في العالم" أبداً، فإن العالم لا يظهر أبداً لـ "عقل" الكمبيوتر. وبصورة عامة، قد يجعل الدماغ الميكانيكى التجربة الذاتية مجرد إمكانية نظرية، ولكن المحتوى العقلي يتطلب أكثر من ذلك.
وباعتبارنا كائنات حية، فإننا مقترنون ديناميكياً بالعالم، وليس منفصلين عنه.
إن الكمبيوتر فى النهاية لا يمكنه أن يجسد التجارب الذاتية، فهو لا يملك الوسائل التي تمكنه من تجاوز موضوعيته المادية.
فإذا ما تم تثبيته داخل روبوت، فإن دماغ الكمبيوتر يستطيع أن يتجول فى العالم، فيتعرف على الأشياء التي ليست روبوتية ويقيمها؛ ولكن وسائله الحسية لا تعالج سوى واقع لا يستطيع أن يختبره أو يستوعبه.
انه فاقد القدرة عل اختبار الاحاسيس.
على سبيل المثال، يستشعر جهاز الكشف عن الحركة فى الجراج الخاص بى اقترابى منه فيضىء الضوء؛ ولكنه لا يستطيع أن يختبر الشعور بوجودى.
تماماً كما لا يستطيع الراديو أن يؤلف الموسيقى، أو لا تستطيع ساعتى أن تعرف الوقت.
إن دماغ الروبوت لا يزيد عن كونه "معدات جاهزة للاستخدام" ــ مع وجود إمكانيات ذهنية حاضرة، ولكنها فارغة إلى الأبد.
٨_ روز ديل، فلورييت، غرب أستراليا
لن نستطيع أن نفعل ذلك.
إنها مهمة مستحيلة. أقصى ما يمكننا أن نأمل فى تحقيقه هو "الذكاء الاصطناعى العام" ــ جهاز كمبيوتر يستجيب للعالم بمستوى من التعقيد مقارب لقدرات الإنسان.
ولكن من غير الممكن أن نساوى بين وظائف الآلة الرقمية وجمال وغموض الوعي البشرى.
وإذا كنا نقصد أن العقل البشرى يؤدى وظائف معينة وأن الكمبيوتر يمكن برمجته لأداء نفس هذه الوظائف، فإن هذه الفكرة قد تكون معقولة. ولكن من الواضح أن العقول البشرية أكثر من مجرد وظائف: فهى تقوم بعمليات معقدة، فتنسج معا الأحاسيس والمنطق والعواطف والذكريات والشخصية، وما إلى ذلك.
نحن نصدر أحكاما أو خيارات بشكلٍ مستمر: ماذا نفعل بعد ذلك، وماذا نرتدى، وأين نذهب، وماذا نأكل، وماذا نقول، وكيف نتفاعل مع الآخرين.
إن مثل هذه الأحكام والاختيارات تستند إلى تفاعل مستمر بين بيولوجيتنا وظروفنا الاجتماعية وتربيتنا وثقافتنا وشخصيتنا ومنطقنا ومعتقداتنا الدينية وذكائنا والقيود المجتمعية والبيئة السياسية والقدرة المعرفية والصحة العقلية والجسدية والأشخاص الآخرين والتفاعلات مع وسائل الإعلام وما إلى ذلك. ولا يمكن لأى جهاز كمبيوتر، بغض النظر عن تعقيد برمجته، أن يضاهى هذا. وعلاوة على ذلك، فإن الوعى ليس مجرد شيء عالمى واحد، يشبه كل شيء. بل إنه تجربة فريدة تمامًا، حصرية وهى تعتمد كذلك على الفرد الذي يختبرها.
في نهاية المطاف، وكما يشير "فيكتور فرانكل" ببلاغة فى بحث الإنسان عن المعنى (1946): عندما يتم تجريد كل شيء آخر، فإن حرية الإنسان البشرية الأخيرة تبقى فى قدرته على اختيار ما يفكر فيه.
لا يمكن لأي جهاز كمبيوتر أن يفعل ذلك حقًا. لذا، على الرغم من أنه قد يكون موضوعًا شائعًا في كتب وأفلام الخيال العلمى، فإن وعى الكمبيوتر غير قابل للتحقيق بشكل واقعى. لا يمكن للآلة أن تكون واعية بذاتها بدون ذات حقيقية.
٩_ بيانكا لاليه، توتنز، ديفون:
السؤال الذى يجب ان نطرحه ليس: كيف، وانما لماذا؟؟؟
ما هو المصير الذي ينتظرنا حين تمتلك الآلة الوعى؟
ما هى أنماط الوجود التى قد تختفى او تتحطم حينها؟
إذا لم يعد الشعور حق خاص للإنسان، فما هو الضمان الا تتآمر هذه العقول الآلية السلكية وتخطط، وربما تستيقظ فى عذاب عقلى معدنى.
أو تعلن أن الوعى هو المعادل للنشوة -ثم تتجه نحونا، نحن آلهتهم البشرية لتدمر مصيرنا الذي حلمنا به.
سنشاهدهم حينها يتخلصون من جلودهم الفضية اللامعة، ومن البيانات الرقمية، والخوارزميات الباردة، لنكتفى نحن بمجرد النظر مذهولين، إلى تلك الذات المتطورة من الوضع البيولوجي إلى وضع الذكاء الاصطناعى الكمى.
هذا التوجه يمثل خطرًا وجوديًا علينا،
فإذا أصبحت أجهزة الكمبيوتر تفكر وتحلم، فإنها مع ذلك لا تستطيع ان تنزف.
إن التحذير التالى: قبل الكيفية يجب أن نسأل لماذا،
قبل أن ندمر أنفسنا، ونبرمج بأنفسنا الموت.
١٠_ رأيى الشخصى:
الواضح أن معضلة "الوعى" أساساً، تبدو غير واضحة المعالم. لا يوجد اتفاق حول ما هو الوعى، وكيف يعمل، أو ينشأ، وهل هو نتاج عملية ميكانيكية تنتج عن نشاطات الحزم العصبية داخل الدماغ ام ان الموضوع اكثر تعقيداً.
الاتفاق حتى الان هو ان مسألة الوعى تعد معضلة فلسفية اكثر من كونها علمية.
يبقى السؤال قائم هل يمكن ان يكتسب الذكاء الاصطناعى وعيا؟!
اجابتى الشخصية انه بالفعل يمكنه ذلك، بل واعتقد ان عملاء الذكاء الاصطناعى المتاحين حتى الان امتلكوا بالفعل نوع من أنواع الوعى.
اتحدث عن مثلا ChatGPT أو Gemini أو Claude او غيرها من عملاء الذكاء الاصطناعى.
المعضلة التي تواجهنا الأن اننا لا نعرف بالضبط كيف تم ذلك، تماما كما لم نفهم كيف امكن لهياكل الطائرات التى تحمل البشر ان تطير.
من ناحية أخرى فإن ان التطور فى هذا المجال اصبح من المستحيل وقفه، او حتى الحد منه.
معضلة الذكاء الاصطناعى هى قدرته الحصول على خبرات ذاتية مكتسبة.
ربما لا يمكنه حتى الأن محاكاة عمل 86 مليار خلية عصبية أو أن يضاهى عمل كوادريليون مشبك عصبى كما فى الدماغ البشرى، مع ذلك يمكنه تبادل واكتساب مليارات المعلومات المخزنة مع عملاء الذكاء الاصطناعى الاخرين.
شئ يشبه استطاعة المئات او الآلاف من البشر تبادل الخبرات والمهارات الحياتية التى اكتسبوها طوال حياتهم بطريقة كيميائية مع بعضهم البعض وتجميعها سويا فى خبرة ومهارة مشتركة واحدة.
النقطة الجديرة بالملاحظة ان هذا الذكاء الاصطناعى لا يمتلك الحس الاخلاقى الانسانى، او المشاعر التى تنبثق عن الضمير، او أيا من مخرجات الوعى البشرى الغامضة.
لذلك يبقى التساؤل المطروح هو،
هل يمكن أن يمثل مثل هذا الوعى الاصطناعى خطورة على الجنس البشرى؟
اغلب الظن نعم.