أقوى دليل حتى الآن على وجود حياة أخرى

  التقط تلسكوب "جيمس ويب" الفضائى إشارات من كوكب بعيد، لجزيئات يتم إنتاجها على الأرض بواسطة الكائنات الحية فقط.

لكن الباحثين يعتقدون أن علينا توخى الحذر قبل إصدار أحكام نهائية.

يزعم علماء الفلك أنهم فيما يبدو قد رصدوا أفضل دليل حتى الآن على وجود حياة على كوكب آخر، ولكن علينا أولا التحقق من النتائج واستبعاد أى تفسيرات غير بيولوجية.

كان "نيكو مادوسودان" من "جامعة كامبريدج" قد صرح فى مؤتمر صحفى عُقد فى 15 أبريل من العام الحالى: "هذه هى أولى التلميحات التى نراها عن كوكب فضائى ربما يكون مأهولًا".

اكتشف علماء الفلك الكوكب الخارجى K2-18b لأول مرة عام 2015. هذا الكوكب، الذي تبلغ كتلته حوالى ثمانية أضعاف كتلة الأرض، ويدور حول نجم يبعد عنا 124 سنة ضوئية، يقع فى المنطقة الصالحة للحياة حول نجمه، حيث يمكن أن يوجد الماء السائل.  

فى عام 2019، توصلت أبحاث مكثفة لوجود بخار الماء به، مما أدى إلى أن البعض قد اقترح بأن الكوكب قد يكون مغطى بالمحيطات تحت غلاف جوى غنى بالهيدروجين.

على الرغم من أن ليس كل علماء الفلك متفقون على ذلك.

في عام 2023، استخدم "مادوسودان" وزملاؤه أجهزة تلسكوب "جيمس ويب" الفضائى (JWST) لفحص الغلاف الجوى لكوكب K2-18b تحت ضوء الأشعة تحت الحمراء القريبة، ووجدوا أيضًا أدلة على وجود بخار الماء، بالإضافة إلى ثانى أكسيد الكربون والميثان. 

كما وجدوا أيضًا مادة مثيرة للاهتمام من ثنائى ميثيل الكبريتيد (DMS)، وهو جزىء لا تنتجه على الأرض إلا الكائنات الحية، وخاصة العوالق النباتية البحرية. 

ومع ذلك علينا أن نضيف هنا أن علامات وجود ثنائى ميثيل الكبريتيد، كانت ضعيفة للغاية، ويجادل العديد من علماء الفلك بأننا سنحتاج إلى أدلة أقوى بكثير للتأكد من وجود هذا الجزىء بالفعل.

استخدم الآن "مادوسودان" وزملاؤه جهازًا مختلفًا عن تلسكوب "جيمس ويب" الفضائى، وهو كاميرا الأشعة تحت الحمراء المتوسطة، لرصد كوكب K2-18b.  ووجدوا إشارة أقوى بكثير لـثنائى ميثيل الكبريتيد (DMS)، بالإضافة إلى جزىء ذى صلة يُحتمل أنه يُسمى ثنائى ميثيل ثنائى الكبريتيد (DMDS)، والذى يُنتج أيضًا على الأرض بواسطة الحياة فقط.

يزعم الفريق الآن أن اكتشاف (DMS) و(DMDS) بلغ مستوى الدلالة الإحصائية ثلاثة سيجما، وهو ما يعادل احتمالية أن يكون نمط بيانات كهذا مجرد صدفة هو ثلاثة فى الألف. 

الحد الأدنى فى الفيزياء، لقبول أى اكتشاف حقيقى هو خمسة سيجما، وهو ما يعادل احتمالية واحد من ثلاثة ونصف مليون أن تكون البيانات مجرد صدفة.

يقول "نيكولاس ووجان"، من مركز أبحاث "أميس" التابع ل"ناسا" فى "كاليفورنيا"، إن الأدلة أكثر إقناعًا من نتائج عام ٢٠٢٣، لكنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من التحقق من قِبل فرق أخرى. 

بمجرد نشر البيانات، يمكن لباحثين آخرين البدء فى تأكيد النتائج، لكن هذا قد يستغرق أسابيع أو أشهرًا نظرًا لصعوبة تفسير بيانات تلسكوب "جيمس ويب" الفضائى.

يقول "ووجان": "الأمر لا يقتصر على فحص البيانات والتحقق من وجود ثنائى ميثيل الكبريتيد (DMS) - إنها عملية أكثر تعقيداً من ذلك بكثير".

يبدي آخرون قدرا أكبر من التشكك. يقول "رايان ماكدونالد" من "جامعة ميشيجان": "لا تقدم هذه الملاحظات الجديدة من تلسكوب "جيمس ويب" الفضائى دليلًا مقنعًا على وجود DMS أو DMDS فى الغلاف الجوى لكوكب K2-18b".  

كوكب K2-18b يثير العديد من التساؤلات ويدفعنا دائما لترقب نتائج الأبحاث عنه. ولكن فى نفس الوقت علينا ان نتذكر ان العديد من الاكتشافات السابقة لثلاثة سيجما قد تلاشت عند إخضاعها لفحصٍ دقيق. 

لذلك فإن أى ادعاء بوجود حياة خارج الأرض يحتاج إلى تدقيقٍ دقيق من قِبَل علماء آخرين، وللأسف، لم تصمد العديد من الادعاءات السابقة المثيرة للاهتمام حول كوكب K2-18b أمام هذه الفحوصات المستقلة.

يُقدّر "مادوسودان" وفريقه أن ما بين 16 و24 ساعة من الرصد الإضافى باستخدام تلسكوب "جيمس ويب" الفضائى قد تُساعدهم على الوصول إلى مستوى خمسة سيجما، لكن صعوبة رصد الغلاف الجوى للكوكب تعنى أنهم لا يستطيعون ضمان ذلك.

مفقود فى الفضاء:

يقول "توماس بيتى" من "جامعة ويسكونسن-ماديسون"، والذى لم يكن جزءًا من فريق الدراسة: "إن الحجم النسبى للغلاف الجوى مقارنةً بحجم الكوكب يقارب سُمك قشرة تفاحة فوق تفاحة. هذا ما نحاول قياسه".

يقدر "مادوسودان" وزملاؤه أن التركيزات المحتملة لمادة DMS وDMDS على كوكب K2-18b تبدو أكثر من 10 أجزاء فى المليون، أى أكبر بآلاف المرات من تركيزاتها فى الغلاف الجوى للأرض. 

قد يشير هذا إذا ثبتت صحة الإشارة، إلى نشاط بيولوجى أكبر بكثير مما هو موجود على "الأرض"، لكن إثبات أن لهذه المواد الكيميائية أصلًا بيولوجيًا سيتطلب المزيد من العمل.

ويضيف "مادوسودان": علينا أن نكون حذرين للغاية. ودعونى أكون واضح تمامًا، لا يمكننا، فى هذه المرحلة، الادعاء بأنه حتى لو اكتشفنا وجود DMS وDMDS، فإن ذلك يعود إلى وجود حياة. 

ولكن من ناحية أخرى، إذا نظرنا إلى الدراسات المنشورة حتى الآن، فلن نجد آلية قادرة على تفسير وجودهما بدون حياة.

تقول "سارة سيجر" من "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" إن صعوبة إثبات استحالة وجود تفسير غير بيولوجى قد تضع كوكب K2-18b لفترة طويلة فى فئة المرشحين المحتملين لبصمة حيوية . 

وتضيف: "قد يبقى ضمن هذه الفئة لعقود، لأن المسألة قد لا تُحل تمامًا فى ظل البيانات المحدودة التى توفرها لنا الكواكب الخارجية".


عن أليكس ويلكنز - العلوم 


ملاحظة:

قد لا تكون علامات الحياة الفضائية الظاهرة على الكوكب الخارجى "K2-18b" سوى مجرد ضوضاء إحصائية، وفقًا لتحليل جديد لبيانات تلسكوب "جيمس ويب" الفضائى.

يقول "جيك تايلور" من "جامعة أكسفورد" أنه أعاد تحليل البيانات التى نشرها "مادوسودان" وفريقه - والتى استُخلصت من مجموعة بيانات خام غير منشورة - باستخدام اختبار إحصائى أساسى، ووجد أنها لا تُظهر وجود أى جزيئات على الإطلاق.

 لاكتشاف الجزيئات فى العوالم الغريبة، يراقب علماء الفلك الضوء الذى مر عبر الغلاف الجوى للكوكب، مما ينتج ما يُعرف باسم طيف النقل. يأتى هذا فى شكل مجموعة من نقاط البيانات لترددات مختلفة من الضوء، ثم يتتبع علماء الفلك خطًا عبر هذه النقاط لمطابقتها مع الجزيئات المعروفة.

ستبدو العديد من هذه الخطوط أشبه بمنحنيات على شكل جرس، تُعرف باسم التوزيعات الجوسية. استخدم "تايلور" اختبارًا إحصائيًا لمعرفة ما إذا كانت البيانات تتطابق بشكل أفضل مع التوزيع الجوسى أو الخط المسطح، مما يشير إلى عدم اكتشاف أة جزيئات.

"قد تكون انعكاسية الغلاف الجوى لكوكب "K2-18b" عالية جدًا بحيث لا تحتفظ بمحيط سائل"

في ستة اختبارات قارنت بيانات "مادوسودان" بمنحنيات مختلفة على شكل جرس وخطوط مسطحة، أظهرت خمسة منها تطابقًا أفضل مع خط مسطح.  يقول "تايلور": "يشير هذا إلى أن البيانات لا تتمتع بالدقة الكافية، حتى الآن، للكشف عن سمة طيفية [أى أنها تشير إلى جزىء معين]".

يختلف "مادوسودان" مع فكرة أن مثل هذه الاختبارات تُقدم أى فائدة، لأن بساطة منحنيات "تايلور" النموذجية لا تعكس تعقيد البيانات الحقيقية.

لكن "تايلور" يجادل بأن النماذج البسيطة، مثل التوزيعات الجوسية، تُستخدم بشكل روتينى لتحديد المواد الكيميائية مثل الصوديوم فى أجواء الكواكب الخارجية، وأن معظم نماذج الكواكب تستخدم نماذج مبسطة إلى حد ما.

هناك سؤال آخر حول قابلية كوكب "K2-18b" للسكن يتعلق بإمكانية وجود الماء السائل على سطحه. يجادل "أوليفر شورتل" من "جامعة كامبريدج" وزملاؤه بأن انعكاسية غلاف "K2-18b" الجوى، بناءً على طيف انتقاله، عالية جدًا بحيث لا تحتفظ بمحيط سائل، مما يعنى وجود باطن شديد الحرارة.

 يقول "شورتل": "تُخبرنا هذه الأطياف أن الغلاف الجوى يمتص الضوء من النجم، وهذه أخبار سيئة من منظور مناخ الكوكب، لأنه يجب أن يكون عاكسًا ليبقى باردًا قدر الإمكان".

يرد "مادوسودان" على ذلك بأن "شورتل" وفريقه لا يستطيعون قياس انعكاسية الغلاف الجوى للكوكب إلا للجزء الذى يمر عبره الضوء فى طريقه إلينا، وليس الجانب النهارى من الكوكب، الذى يواجه النجم بشكل دائم. ويقول إن هذا يجعل من "غير العملى" استنتاج معلومات حول الكوكب بأكمله.

ويرد "شورتل" بإنه من الممكن أن يكون الجانب النهارى من الكوكب أبرد من النقطة التى قاسوها، لكن هذا يعنى أن الحرارة لا يمكنها التحرك بكفاءة حول الكوكب، مما سيُشكل مشكلة أخرى لاحتمالية العثور على حياة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل نحن اذكى مما ينبغى؟

كم أفتقدك - "بقلم: حازم فرجانى"

الأنبياء - قصة قصيرة