Thursday, December 12, 2013

عبد الفتاح السيسى

عدت إلى مصر لأول مره بعد ثورة يناير وأنا فى غاية الإشتياق لفهم ما الذى حدث بالضبط وما الذى كان يحدث وقتها.
ولم تكن مصادفه أن أتصل فور وصولى بالمستشاره "تهانى الجبالى" نائب رئيس المحكمة الدستوريه وقتها، فهى صديقه قديمه وأخت كبرى عايشت مواقفها الوطنيه الواضحه، وخبرت كفاحها ومصدقيتها ومثابرتها، وأيضاً أعلم مدى وضوح رؤيتها وقدرتها المذهله على عرض أفكارها بمهاره فائقه. على أننى ومثل كثيرين من أنصار الثوره لم نتفهم موقفها المؤيد للمجلس العسكرى وقتها، خاصة وقد بدأت تجاوزات هذا المجلس تظهر على السطح بوضوح.
حين إلتقيتها بدت كالعاده واضحة الرؤيه والفكر فى تواضع الواثقين بصواب توجهاتهم. وبدا تحفظها وأكاد أقول سخطها واضح على بعض القيادات السياسيه، التى لم تستطع أن تستوعب أهمية وخطورة المرحله.
رأت أن مثل تلك القيادات وعلى رأسها البرادعى، كان يجب أن تتصدى لقرارات ومواقف صلبه وحاسمه لقيادة الحشود الشعبيه الحقيقيه التى ثارت من أجل أهداف العيش والحريه والعداله الإجتماعيه. وأن هذه القيادات وبدلا من ذلك دخلت فى تحالفات سياسيه ضيقة الأفق مع جماعات الاسلام السياسى وبالطبع جماعة الإخوان المسلمين التى تريد إختطاف الدوله المصريه كلها. وفهمت من حديثها (وربما أكون مخطئا فى هذا الفهم) أن مواقفها المؤيده للمجلس العسكرى، كانت نابعه من رغبتها فى عدم ترك هذا المجلس ألعوبة فى يد جماعة الإخوان ككثير من القيادات السياسيه وقتها. وتعجبت قليلا حينما أخبرتنى، أنها فى أحد الإجتماعات المبكرة مع أعضاء المجلس العسكرى، أشارت إلى ضرورة عدم إنخراط هذا المجلس فى العمل السياسى وأن يقتصر دوره على فقط إدارة مرحله إنتقاليه قصيره، دون تدخل سياسى فى الحكم.
وأشارت إلى أن أحد أعضاء المجلس العسكرى، والذى وصفته لى "بمستقبل العسكريه المصريه" أخبرها عدة أشهر بعد هذا الإجتماع، وحين بدأت مشاكل إدارة المجلس العسكرى للأمور فى الظهور، بأن رأيها كان هو الأصوب، وأنه تمنى وقتها لو إستطاعت التشبس بهذا الرأى فى مواجهة قادة المجلس.
 كان ذلك فى آواخر ديسمبر ٢٠١١ وكانت تلك أول مره أسمع فيها إسم عبد الفتاح السيسى.
لم أقتنع تماماً بالأراء التى قيلت عن مواقف حمدين صباحى وبالقطع الدكتور البرادعى، والذى كنت أعول عليه كبير الأمل فى قياده الطبقة البرجوازيه المصريه كطليعه لقيادة الأمه المصريه فى إتجاه دوله مدنيه ديمقراطيه. إلا أن حديثها عن اللواء السيسى وقتها، أثار فضولى وجعلنى أتابع أخبار الرجل.

نظراً لأرائى السياسيه السابقة فى جماعة الإخوان،(والتى لا ألزم بها أحد غير نفسى!) كجماعة غير وطنيه تتبنى أفكارا فاشيه تجعل من شبه المستحيل دمجها فى الحياه السياسيه، إذا ما قدر لمثل هذه الحياه السياسيه أن تقوم على أسس مدنيه تنبثق من حرية التعبير وحرية الإعلام  وحق تداول السلطه. فإننى رأيت أن مواقف الدكتور البرادعى وحمدين صباحى، فى تحالفهم السياسى مع جماعة الإخوان فى ذلك الوقت، ربما تكون أكثر تعبيرا عن الواقع، بعيدا عن رأيى الشخصى الذى ربما كان منحازا أو على الأقل عاطفياً بعض الشئ. إلا أن توجسى  الأصلى العميق بدا عصيا على التجاوز فى الأيام التاليه....
بدا واضحا وجليا رغبة الجماعه فى إضفاء هاله من القداسة والحصانه، وفرض الحمايه على تصرفات المجلس العسكرى الهوجاء. وبدأ واضحا التخطيط للإستيلاء على جميع مفاصل الدوله والبرلمان وفرض فيتو على إختيار مجلس الوزراء، تمهيدا لإخلاف وعدهم الأصلى، عدم طرح مرشح إخوانى للرئاسة.

وفى الذكرى الأولى للثورة المصريه، فى الخامس والعشرين من يناير ٢٠١٢، إنكشفت كل الأقنعة، فى قلب ميدان التحرير وسط الألاف المؤلفة من المتظاهرين الساخطين.
أمام منصة جماعة الإخوان الرئيسيه، إنطلقت أصوات مكبرات الصوت الى عنان السماء، لتحاول بصوت القرآن الكريم، التغطيه على أصوات المحتجين المطالبين بإستكمال الثوره والقصاص للشهداء،بدلاً من الاحتفال بمجلس شعبهم ومجلسهم العسكرى.
بدت الصوره دراميه فى وضوحها، حتى اننى إلتفت الى أصدقائى وقتها، صائحا فى ذهول: لقد سرقت الثوره بالفعل.... وغريب ان مقولتى تلك أغضبتهم للغايه....

توالت الأحداث فى طريق إختطاف الثوره بل مصر كلها تحت سمع وبصر النشطاء وشباب الثوره وقيادات وثقنا بهم فضربوا أسوأ الأمثله فى ضعف الحس الوطنى وإنعدام الرؤيه، ووهن القيادة  ، فإبتليت مصر بهم ، قبل أن نبتلى نحن.
وإستطاع نفر من أضعف السياسيين حيله وأقلهم مهاره وبأساً فى تاريخ الجماعه المتجاوز الثمانين عاما، أن يتلاعبوا بالجميع عبر مجلس عسكرى يقوده قائد واهن ونائب له متربص متواطئ.
بدا واضحا منذ تمثليه الإستفتاء على التعديلات الدستوريه، أننا وبدلا من أن تحكم الثوره والتيار المدنى الذى قادها منذ البدايه، عبر إجراءات وقرارات ومحاكمات ثوريه حاسمه، فإننا قررنا أن نعيش فى مهزله مكتملة الأركان. 
سيكون من الممل تكرار تسلسل الأحداث، على الأقل من وجهة نظرى الشخصيه ( يمكن للقراء الأعزاء العوده إلى بعض المقالات السابقة فى هذه المدونه ). ولكن كان أن وصلنا الى تمثليه الإنتخابات الرئاسيه التى إنتهت الى إثنين من المهرجين قولا وفعلا، ليصلا الى سباق الرئاسه النهائى وسط صمت وتواطئ من من المفترض أن نطلق عليهم لقب قادة الأمة، وللأسف أيضاً صمت شباب الثوره وناشطيها.
لم أعترف بشكل شخصى بهذه الإنتخابات أو نتيجتها، وأمنت دائماً أنها وأيا كان الفائز منهما، ليست سوى تزييف لإرادة الأمه. إلا أن ماشغلنى أكثر وقتها، كان الصراع الدائر داخل المجلس العسكرى، وبالقطع كان توجهى منصب على متابعة وضع اللواء السيسى، الذى كان يحظى بتأييد مطلق من طنطاوى فى مقابل طموحات سامى عنان. إلا أن تحالفات عنان مع قيادات الإخوان، بل إقدامه على قرأة الفاتحة مع هذه القيادات قبل إختار مرسى رئيساً، بدت خطوه مقلقه ولا تقل دناءة عن طموحات قيادات الجماعة.
وفى واحده من أغبى القرارات التى إتخذتها جماعة الإخوان فى تاريخها، لحسن الحظ طبعاً، قررت الجماعة الإستغناء عن طنطاوى وعنان، ليغادرا المسرح السياسى إلى الأبد، مشمولين بسخط ولعنات الجميع.
وفى خطوة أكثر غباءاً من سابقتها، إذا كنا نضع مصلحة هذه الجماعه فى الحسبان طبعا، تم ترقية اللواء عبد الفتاح السيسى لرتبة الفريق وتعينه وزيرا للدفاع!
ولعل القرار الوحيد الذى ربما يفوقهما غباءاً ، كان الاعلان الدستورى المكمل! ولعل الأيام تكشف لنا يوما إسم العبقرى داخل صفوف الجماعة، الذى كان وراء هذه القرارات، لأنى لا أشك أنها كلها من لدن عقل واحد.

                                                 (٢)

رغم أن الكثير من الأراء وقت تعينه  تحدثت عن إنتماء وزير الدفاع الجديد إلى تنظيم الإخوان، ورغم أن سامى عنان كان قد بدأ إستكمال حملته ضد الرجل مستعينا فيها بصحفيين وساسه وإعلاميين، وهى حملة تدل على مدى ضحالة تفكيره، حيث لا أدرى من أين أتاه (ومالا يزال!) أى أمل فى دور سياسى مستقبلى على أى صعيد.
إلا أن أن تلك الحمله، ساعدت فى تقوية موقع وزير الدفاع فى الأشهر الأولى فى أعين الجماعة، بحيث أصبح مسيطرا تماماً على المؤسسة العسكريه، وحين أدركوا ذلك لاحقا، كان الوقت قد بات متأخراً جداً. 
أعترف أننى بشكل شخصى، ورغم سودويه هذه المرحله وكأبة المصير الأسود الذى كان ينتظر مصر تحت حكم بوليسى فاشى قادم لا محاله، ليدخل مصر فى مرحله أشبه، بغير المأسوف عليها " ألمانيا الشرقيه"، كنت أعول كبير أمل على الشعب،  متمنيا أن يسانده الجيش، وإلا ستكون الخسائر فادحة، وزمن معركة إستعادة البلاد سيكون طويلاً بأكثر مما ينبغى.
كانت قيادات الثوره وزعماء الأحزاب والشباب الناشط، قد وقفوا يشاهدون ثورتهم وبلدهم تسرق منهم، وإكتفوا ببضعة بيانات وتحركات، كتشكيل جبهة الإنقاذ ، والتى تفرغت لأوقات طويله فى تبرير مواقف مرتعشه لا أهميه لها، أو لدرء تهمة العنف المزعومه عن أكتافهم.
ولعل الدكتور البرادعى لخص هذا الموقف حين إشتكى فى مقابله تلفزيونيه من جماعة الإخوان قائلا ببراءه يحسد عليها: " ناس طلعتهم من السجون، ووصلتهم الحكم، وفى الأخر يشتمونى يامنى" !!
على أية حال، أعتقد أن الانفصال التام الذى أدعى أنه حدث بين هذه الزعامات سواء شابه، أو كهله أو من العجائز، وبين الشعب، كان موقعة الإتحاديه.
مئات الألاف الذين تجمعوا حول قصر الإتحاديه، والذين كان بإمكانهم إقتحامه، بعد الإعلان الديكتاتورى الإنقلابى للجماعه،  توسموا أنهم فتحوا الطريق امام السياسيين للتدخل وإستعاده زمام الأمور، ولو عن طريق إلغاء هذا الإعلان فورا، وضمان سيطرة الشعب على مسار الثورة مرة أخرى وإستعادة دولتهم.
وكان موقف جميع هذه القيادات المخيب للأمال هو النهايه السعيدة لهؤلاء القاده جميعا!
بدا هنا أن جموع الشعب قد نفضت يديها من جميع السياسيين على الساحه كبارا وصغارا وولوا وجوههم قبالة الجيش كمنقذ ومخلص أخير.

                                                 (٣)

كانت الصورة الذهنيه للجيش فى صفوف أفراد الشعب، قد تم نحتها بهدوء وبطء منذ ثورة يوليو عبر وسائل الإعلام والفنون، خاصة السينما، بدءاً من الخمسينيات وعبر حرب أكتوبر، كجيش وطنى مخلص ومؤسسه قوميه تتضاءل فيها موروثات التمييز الدينى والعرقى إلى مستوياتها الدنيا.
وبالإطاحه بأغلب العجائز داخل المجلس العسكرى، برز عبد الفتاح السيسى كشاب مقاتل وطنى(وهو يبدو أصغر بعشرة أعوام من عمره الحقيقى) وبرز زملائه الأصغر سنا معه على الساحة السياسيه. ولعل الأخبار السيئه لمناؤى الفريق السيسى أنه حتى لو إختفى من الساحة لسبب قهرى ما، فهناك رئيس الأركان صدقى صبحى وجيل جديد من القاده فى الخمسينيات من العمر يتولون مسئولية الجيش الأن.

الواقع أن  الصورة التى رسمتها للفريق السيسى خلال متابعتى له منذ اواخر ٢٠١١، أنه رجل دوله وإدارة ، حاد الذكاء، متواضع، لديه عقليه استراتيجيه أكثر منها تكتيكيه. قريب من عواطف وهموم الشعب، ربما بحكم إنتمائه لحى الجماليه الشعبى.
على أن أخطر سمتين للرجل هما إعجابه الشديد بالرئيس جمال عبد الناصر، ودهائه غير المحدود!
إستطاع كسب قلوب نسبه كبيرة من الشعب، بهدوء وبساطه  عبر تصريحات مدروسه بعنايه منه ومن رئيس أركانه، وإستطاع فى أشهر قليله أن يكون اللاعب الرئيسى وشبه الوحيد وسط مجموعة من الوجوه الشاحبه.
كان مشهد محمد مرسى وهو يقف بجواره مترنحاً ومستمعاً فى يأس إلى إرشاداته وتعليماته، عقب إجتماع شهير بالمجلس العسكرى، مشهداً مثيرا للشفقه، ربما فى مصر أكثر مما هو فى مرسى.
ولعلى هنا أكاد أجزم أن المواقف المناوئه والتى إتخذها عبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد البرادعى من الأحداث بعد ٣٠ يونيو والتى شكلوا، شاءوا أم أبوا، جزءا أصيلا منها، كانت لإحساسهم، أنهم أصبحوا فجأة وبشكل فعلى، خارج الإطار الحقيقى للأحداث.
 ببساطه أحسوا أن البساط قد سحب من تحت أرجلهم، وأنهم ودون أن يدروا قد تعرضوا للخديعه !

على أية حال، ففى لحظه فارقة من تاريخ مصر، قاد شباب صغير السن ومغمور، حركة "تمرد"، التى لا أعتقد أنه يفوقها فى توفيق التوقيت ولا حتى حملة توقيعات الوفد المصرى أوائل القرن الماضى.
نالت الحمله تأيدا لانهائيا من الشعب ودعم كامل من المجلس العسكرى، وإستطاع الفريق السيسى بقليل من الجهد وكثير من الدهاء حسم الموقعة.
وهنا يدهشنى كثيرا هذا الجدل الأكاديمى البيزنطى حول ما إذا كانت ٣٠ يونيو ثوره أم إنقلاب!  جدل لم ولن يهم رجل الشارع العادى فى قريب أو بعيد!
ببساطه لأن الفريق السيسى بدهاء شديد ، طلب من الشعب المصرى  وبعد بضعة أسابيع من ٣٠ يونيو الخروج لتفويضه محاربة الإرهاب!
 أعتقد أنه من الواضح الأن، أن هذا التفويض لم يكن السبب الحقيقى وراء هذا الطلب!
ببساطه أراد الرجل أن يوضح للجميع، وبهدوء سواء فى الداخل أو فى الخارج أنه هو من يتحكم فى حركة الملايين!
وهنا تكمن تحديدا خطورة الأشهر القادمه فى تحديد مستقبل مصر، وقبلها تكمن خطورة الرجل...

                                                (٤)

يشدد القائمون على إدارة البلاد، وعدد كبير من الإعلاميين، بقوه على أن الفريق السيسى لا يتدخل مطلقاً فى شئون الحكم. كما أن رئيس الوزراء حازم الببلاوى صرح أكثر من مره بأن الفريق السيسى لا يتدخل فى عمله مطلقا، بل هو أقل الوزراء حديثاً داخل مجلس الوزراء.
وأنا أصدق تماماً هذه المعلومات، بل وأثق فى صحتها. إلا أن ذلك فى النهايه، أشبه بتصريح مجلس إدارة إحدى الشركات الكبرى وكبار المديريين التنفيذين بها، بأن مالك هذه الشركه والمستحوذ الرئيسى على أغلب أسهمها، لا يتدخل فى أعمالهم.
وهذه هى المعضله الحقيقيه التى تواجه مصر، والتى تجعل كثير من الناشطين السياسين يبدون متشنجين، نافذى الصبر، ولا يمتلكون أى منطق سليم فى محاولتهم شرح وجهة نظرهم المعبرة عن هذه الحقيقه للشعب.
أغلب هؤلاء الناشطين يبدون قدراً كبيراً من الإستخفاف بالمعارضة الشعبيه واسعة النطاق تجاههم، فهم يعتقدون جازمين أنهم يرون ما لا تراه هذه الملايين المنساقه كالقطيع وراء زعيمهم الجديد.
ولا شئ أبعد عن الحقيقه أكثر من مثل هذا المنطق!
لقد كانت تلك الملايين أكثر وعيا وحنكه وذكاءا من هذه النخبة التى سلمت البلاد بإستهانه ومثاليه مبالغ فيهاإلى قوى ظلاميه، تحت دعاوى مزيفة لديموقراطية لم تتحقق فى أى لحظه منذ ثورة يناير.
أخشى أن رؤية كلا الطرفين للأوضاع أصبحت تقترب من نقطة التناقض وتبتعد عن مجرد أرضية الإختلاف.
فكثير من جماهير الشعب تنظر إلى الجيش بنوع من المثاليه تقترب من التقديس، لذا وجب على الناشطين والقوى الديموقراطيه، المتخوفه من نفوذ متنامى للمؤسسة العسكريه فى الحياة المدنيه، وضع ذلك فى الحسبان عند مخاطبة الجماهير. يجب أن تكون الجهود لتكريس أسس مدنيه ومؤسساتيه للحكم، مبنيه على جهد جماهيرى وحزبى ميداني، قصير وطويل المدى وعبر حشد حزبى وجماهيرى صادق وذكى
على أن ما نراه الأن من هذه القوى لا يتخطى كثيرا او قليلا إعتبار الجيش خصم فى أفضل الأحوال، وعدواً فى أقصاها تطرف! ولست أدرى كيف يمكن لأحد أن يتصور إمكانية عرض قضيته ، مهما كانت صائبه، بهذه الكيفيه، ناهيك عن محاولة كسبها!
الخطأ التالى الذى تقع فيه بعض هذه القوى المدنيه وبعض رموز شباب ثورة يناير من الشباب، أنهم يتخيلون إمكانية حدوث تغيير ثورى حاسم ينتج عنه تغيير فى موازيين القوى. عبر حركة ما فى الشارع، ومظاهرات طلابيه، ينتج عنها حراك جماهيرى. وبالطبع ما يحدث على أرض الواقع، أن تلك التحركات يتم فورا إجتياحها بواسطة تيار الإخوان المسلمين. ويبدو هؤلاء الناشطين وتلك القوى مرة أخرى فى نظر أغلب الجماهير كمثال للبلاهه والخفه فى أحسن الأحوال، ورمزا للخيانه والخسه فى أكثرها تطرفاً!
المشكله التاليه، أن بعض تلك القوى يتصور أن الحياد هو موقف موضوعى، حتى فى مواجهة تيارات تتبنى إتجاهات متطرفه تخطاها الزمن وتريد فرضها بالقوه على الجميع. وتصبح أحاديث الإحتواء والمشاركة لفصائل أظهرت أنها لا تقبل بديلا عن الإستحواذ الكامل والشامل وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة ، نوع من الهراء الكامل!
تنتابنى أحيانا أحاسيس غامضه، حينما أقرأ أشياء من قبيل أن أعضاء جماعة الإخوان يمكن أن يتحولوا الى قوى مدنيه تؤمن بالحريات وحقوق الإنسان، لمجرد أن الدكتور كمال الهلباوى سلك هذا المسلك!!
أشعر كأننى أشاهد فيلم، أخطأ المخرج وجعلنا نعرف فى أول خمسة دقائق، أن الجناينى هو زعيم العصابة السفاح، ثم يحاول فى الساعه والنصف المتبقيه أن يجعلنا نتناسى تلك الحقيقه، كى يمكننا فى أخر الفيلم أن نفاجئ حين نعرف أن الجناينى هو زعيم العصابه والسفاح !

                                               (٥)

للجيش مكانه خاصة فى وجدان وقلوب المصريين. عبد الفتاح السيسى إستطاع تجسيد هذه المكانه فى قلوب وعقول كثير من المصريين. الأمن القومى المصرى، والموقع الإستراتيجى للبلاد، التهديدات الإقليميه، ووجود إسرائيل الكارثى على الحدود الشرقيه، كل ذلك يستدعى وجود وضع خاص للغايه للجيش المصرى.
ولكن هل يعنى ذلك، استحداث ماده عجيبة التكوين فى الدستور المصرى، تحصن وزير الدفاع لمده، أو مدتين أو إلى الأبد. هل يعنى ما سبق أن نقبل مرة ثانيه بنظام حكم فردى يقوم أساسا على القبضة الأمنية، ولو تحت مسمى المستبد العادل.
هل يمكن أن نقبل ذلك لمجرد أن من تصدوا لثورة يناير سلموها أولا إلى مجلس عسكرى عاجز، ثم سلموا مصر كلها ثانياً إلى قوى ظلاميه إرهابيه.
هل يمكن للشعب المصرى، أن يتناسى ويستبدل العيش والحريه والكرامه الإنسانيه، بما يعتبره أمنه الشخصى، وربما ينتهى الأمر به إلى أن يفقد كل شئ.
ومن ناحية أخرى، هل الحريه هى فقط الحق فى التظاهر، الحق فى التعبير، الحق فى قطع الطريق، الحق فى إتهام الجميع، الحق فى رفض كل شئ.
هناك أسئله عديده تحتاج كثير من الإجابات، ومن المؤسف أن هذه الإجابات لن يمكن أن تكون هذه المره إلا بالعمل وعلى أرض الواقع .
ربما لا يلحظ كثيرون، أن هناك سباق مشتعل بين الأمم للتقدم الإقتصادى، عبر التنافس فى المجالات العلميه والصناعيه والإنتاجيه. إن مصر دون أن تلحق بهذا السباق، لن تستطيع أن تحقق أى حريه سياسيه أو إقتصاديه أو إجتماعيه. ربما كان أفضل ما فعله عبد الناصر أنه إستطاع خلق طبقة عريضه من التعليم الأساسى فى البلاد، يمكن أن تساهم فى أى نهضه صناعيه أو تقنيه.
إن مصر تملك إمكانيات وموارد جباره لنهضه حقيقيه فى مختلف الأصعده، الصناعيه، والتجاريه وفى مجال السياحه.
ولكن هل يمكننا البدء فى إستخدام هذه الإمكانيات دون الإجابه على الأسئله السابقة؟

حسناً، نصل أخيراً إلى السؤال الذى لا مفر منه!
هل يمكن أن يكون عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهوريه القادم؟ ولعل السؤال الأهم، ما هى أهمية وجود رئيس جمهوريه من خلفيه مدنيه، فى ظل تحصين منصب وزير الدفاع، وهيمنة المؤسسة العسكريه على مفاتيح القوه الحقيقيه فى البلاد.
هذا الوضع الاستثنائى للمؤسسة العسكريه فى الدستور المقترح، وضع البلاد فى موقف مستحيل الفكاك منه. فإما أن تحكم المؤسسة العسكريه حكماً مباشرا ويصبح الفريق السيسى أو صدقى صبحى (لا ينطبق ذلك على سامى عنان، الذى لم يعد يمثل المؤسسة العسكريه) رئيساً للجمهوريه. وإما أن تحكم المؤسسة العسكريه من خلف الستار، وهى تكلفه لا أظن مصر تتحملها.
فى رأيى فإن الاحتمال الأول هو الأقرب للواقع، وربما كان أيضاً أفضل الطرق لفك الإشتباك بين الدوله والمؤسسة العسكريه من أجل خلق دوله مدنيه حديثه.
أنا أعلم أن هناك قطاع كبير من الناشطين وطبعا جماعة الإخوان تكن كراهيه شخصيه للرجل، ولكنه أيضاً ومن جهه أخرى الأقدر على قيادة جموع هائله من الشعب، والأهم قدرته على دفع المؤسسة العسكريه لتقديم تنازلات مؤلمه، ولو من وجهة نظرهم.
نحن فى حاجه إلى رجل يستطيع لعب الدور الذى قام به الملك "خوان كارلوس" فى أسبانيا إبان عملية التحول الديموقراطى بعد حكم "فرانكو". وهو لن يستطيع لعب هذا الدور فى غيبة قوى وأحزاب ناشطه وفاعله فى أوساط الجماهير.
وهذا هو الجهد الرئيسى والحقيقى الذى يجب ان تتجمع حوله القوى المدنيه والديموقراطيه الأن دون خطابات متشنجه ودون عمليات تخوين وإقصاء، ودون تباكى على الذات أو بكاء على الأطلال.
لا يوجد عندى شك فى أن المصريين لن يقبلوا العوده الى الماضى مهما كانت التضحيات، وستدهش هذه القوى المدنيه والديموقراطيه، من قدر التأييد والشعبيه التى سينالوها، عندما يقفوا بقوه أمام "عبد الفتاح السيسى" إذا إختار، وبدلا من ذلك أن يكون "فرانكو" أخر.

أما إذا إختارت هذه القوى طريق الخطابه، والإبتعاد عن الجماهير الحقيقيه وعدم الإنخراط فى ممارسة السياسة ، فلا أملك حينها إلا أن أتمنى للجميع ولمصر قبلهم، حظاً سعيداً......

1 comment:

حازم فرجانى Hazem Fergani said...

لا أعتقد أنه من المناسب أو اللائق أن أحذف هذه المقالة! إلا أننى أجد من الواجب أن أقر أنه لا يوجد فيما كتبت فى حياتى، ما لم يحالفه التوفيق، أو الرؤية، أو إنعدام البصيره، بمثل هذه المقاله، اعتذر عنها بشده، أنا أسف