Wednesday, September 26, 2012

الشرعيه والدستور

ما يحدث فى مصر الان يثير الدهشة والشفقة والسخريه فى ان واحد.
حتى اكثر الصبيه سذاجه كان يمكنه تجنب ما وصلت اليه البلاد فى أعقاب الثوره المصريه. 
ما فعله عنان وطنطاوى بالاشتراك مع الاخوان لا يبرر على الاطلاق تهاون قادة الثوره ووقودها من الحركات الثوريه والشبابيه ، تهاون يصل الى حد التفريط والاستهانه بمصير البلاد.
دعك من الانتهازيين والمنتفعين, ودعنا نلقى باللائمه على الثوريين الحقيقيين, الذين خدعوا الناس وانفسهم بدعوى إعطاء فرصه للشركاء الذين لحقوا بركاب الثوره بعد نجاحها الفعلى.
هذا التفريط المخل بمسار الثوره وتركها لتسرق من قبل جماعه الاخوان هو امر لا يمكن تبريره.
ولعلى لا استثنى من هنا احد ربما غير الدكتور البرادعى ومجموعته.
فالرجل حذر وأبدى رؤيه عميقه لاستشراف ما سيحدث، ولكن حتى هنا، وفى هذا الظرف البالغ الخطورة 
اكان يكفى مجرد التحذير؟
لست أدرى
مما يثير الحنق انه منذ ما يقرب من العشرة اشهر وأثناء وجودى فى مصر رأيت بعين راسى وبوضوح تام الثوره وهى تسرق.
أثارت ملاحظتى تلك وقتها غضب كثيرين من من لا اشك فى انتمائهم الشديد وتضحياتهم الحقيقيه من اجل الثوره، ولكن ربما ساعدنى تواجدى اغلب الوقت خارج البلاد  فى رؤيه أوضح للمشهد.
انشغل الثوريون فى اصباغ الألقاب والشعارات البراقة ،وتصنيف المجتمع 
هذا ثورى وهذا فلول اما ذاك فمتحول وأما تلك فهى عميلة للعسكر.
ثم انبروا متنافسين فى التحليلات السياسيه والتفسيرات المعقدة لكل ما يفعله المجلس العسكرى او بالأحرى طنطاوي وعنان ، تحليلات لو صدق نصفها لنال الرجلان منزله فكريه تضاهى مكيافيللى.
لكن الحقيقة المثيرة للشفقه ان قدرات الرجلان وطموحاتهما الحقيقيه كانت اقل مما توهم كثيرون، رغم الشواهد العديدة الداله على ذلك
وفى الوقت الذى طار فيه الثوار من السعادة فرحين بشعارهم البراق الجديد "يسقط يسقط حكم العسكر" ، وطد الاخوان التفافهم على الرجلين وبعض اعضاء المجلس العسكرى الموالين لهم فكريا، ولعله من الغريب والمريح أيضاً ان القيادة الجديدة للجيش التى يظن بعضهم ان مرسى هو من أتى بها ، كانت بعيده عن هذه التوجهات بل وربما مناهضه لها!
ولعله من الإنصاف هنا ان احيي الدور الذى قامت او بالأحرى حاولت القيام به المستشارة تهانى الجبالى،
فهى من القلائل الذين استوعبوا مبكرا حقيقه ما يحدث فى الواقع. رأت استفراد جماعة الاخوان بقياده المجلس العسكرى، وتوجيهها لهم بمنتهى الدهاء نحو التصفيه الكامله للثوره المصريه، واحلال جماعة الاخوان وحزبها محل الحزب الوطنى، ووضع رئيس إخوانى ان أمكنا، ورئيس ذو صلاحيات صوريه ان لم يمكنا!
حاولت السيدة ان توازن التيار المتمكن من اعضاء المجلس وان تقلل من المخاطر المستقبليه التى بدا لا مفر منها، عن طريق وضع ضمانات لتأسيس دستور مدنى بعيدا عن مخاطر الدستور الدينى السلفى الاخوانى الواضحة.
ونال السيدة ما نالها من القوى المدنيه والثوريه بأكثر مما نالها من القوى الفاشيه مجتمعه.
اما من يستحق الاجلال الحقيقى والاحترام والتقدير
فهو الشعب المصرى
يبدو انه لا يمكنك خداع هذا الشعب!
يمكنك تزييف إرادته ، والالتفاف حول مطالبه، وقهره رغم عن إرادته لحين او أحيان ،
لكنك لن تستطيع أبدا ان تخدعه.
وربما كان هذا هو السر فى البقاء الطويل لهذه الامه رغم الخطوب والمحن، ولعوده الروح دائماً اليها بعد ان يظن الجميع انها الى موات لا فكاك منه.
استوعب الشعب درس استفتاء التعديلات الدستوريه والانتخابات البرلمانيه ( الغير مزيفة بين قوسين! ) وبسرعة مذهله اعطوا المرشحين المدنيين فى الجوله الاولى من الانتخابات الرئاسيه ما يقرب من السبعين فى المائه، ليعكسوا بذلك النسبة المئويه للاستفتاء والانتخابات البرلمانيه.
بل ان هذا الشعب استشرف الاستحواذ الكارثى لجماعة الاخوان على مقاليد البلاد عن طريق الالتفاف فى البدايات حول قيادات المجلس العسكرى المهتزه والساخطه من هجوم الثوار عليها،
فارسل الى هذه القيادات اكثر من مره الكثير من إشارات  التطمين. ولعل هذا ما دعا طنطاوي الى التلميح بانه اذا نزل الجيش الى معترك السياسة فسينال القبول الشعبى، الامر الذى ربما صح قبل ان يورط الاخوان هؤلاء القاده فى أفعال ومواقف كارثيه كماسبيرو ومحمد محمود. 
و ارجع هنا الى مناقشه جرت مع احد قيادات شباب الثوره حول الهدف من الهجوم الضارى على العسكر (وهو بالتأكيد مبرر) مع غض الطرف عن الاخوان رغم انهم الخطر الحقيقى بل والفلول الحقيقيين وهو ما وضح جليا الان بإعادة الاخوان انتاج نظام مبارك بحذافيره ولكن بوجوه تحمل لحى ! 
وكان تفسيره وقتها ان الاخوان والعسكر كيان ملتحم، اذا اسقطنا احدهما سقط الاخر تلقائيا. لم اقتنع وقتها، واظننى مازالت غير مقتنع.
حسنا عزيزى القارئ أظنك الان تحسبني متشائما يائسا من المستقبل. الواقع ان المستقبل كما أراه محفوف بالمخاطر. الا ان المخاطر المحيطة بجماعة الاخوان اشد وأنكى ! فهذه الجماعه لا تملك فى الحقيقه أى رؤيه حقيقيه واقعيه. هى جماعه تملك من الأوهام أضعاف ما تملك من الآمال والأحلام . هى جماعة قامت على اسس فاشيه تخطاها الزمن ويقودها رجال تناطح مصداقيتهم رجال الحزب الوطني  نفسه.
حتى أنا وانا اعتبر نفسى من خصوم الجماعه العتيدين ،صدمت من ضحاله افكارهم وتوجهاتهم.
ولا اصدق ان تصل الاستهانه باحدهم الى حد وصف مرسى انه مؤيد بدعم الهى! بل ان مرسى نفسه يعتبر انخفاض سعر احد الفواكه ( الذى تمت زراعته قبل توليه بأشهر عديده) وارتفاع منسوب النيل كأحد إنجازاته !
وهو ما يؤكد ان الوضع ربما يكون أسوء مما حتى نتصور.
ورغم ذلك فاننى - وللعجب- متفائل. فانا لست مع رأى الدكتور عبد الحليم قنديل من انه كان يجب خوض تجربة وصول الاخوان للحكم حتى يعرف الشعب حقيقتهم.
فالشعب عرف فى اشهر قليله حقيقة ما يسمى التيار الدينى حين يمارس السياسة بإساءة فادحه للدين والسياسة معا. ولعلى هنا اعجب ان كثيرين يبررون حنث الجماعة المتكرر بوعودها السياسيه والانتخابيه بانه مقبول فى لعبة السياسة !!! وباستثناء سياسات القرون الوسطى فان حنث السياسين فى الغرب بوعودهم السياسيه بالشكل الفج الذى تم فى مصر يعنى القضاء على مستقبلهم السياسى نهائيا.
لقد اقتنعت دائماً باستحاله وصول جمال مبارك للحكم فى الوقت الذى كانت الظواهر كلها تدل بانه قاب قوسين او أدنى من المنصب والسبب انه كان ينقصه عامل معنوى هام للغايه
الشرعيه
ولا شك ان هناك الكثير من المشاكل التى تتعلق بشرعيه رئيس الجمهوريه ونظام الحكم الحالى بشكل عام. والواقع ان المدقق سيجد اغلب هذه المشكلات حقيقيه وجد خطيره.
دعكم من نتيجه الانتخابات التى يكتنفها وللآن الكثير من الغموض. ودعكم من الشكوك التى  تحيط بمصداقيه ان يشارك فى انتخابات الإعاده الرئاسيه ما يربو عن الملايين الاثنين بأكثر من من شاركوا فى الجوله الاولى رغم ضعف الإقبال الملحوظ فى الجوله الثانيه.
الا ان المشكله تكمن فى شرعية العمليه الانتخابيه واللجنه العليا للانتخابات نفسها. فهذه اللجنه أعطت نفسها حق شطب وقبول المرشحين دونما مرجعيه قانونيه واضحه.
فكثير من الشكوك تحيط باستبعاد عمر سليمان عن الترشح لأسباب تبدو واهيه وربما مضحكة أيضاً. ولعل قبول ترشح احمد شفيق رغم وجود قانون يمنعه من الترشح وقت قبول ترشحه هو ما يثير الريبه والشك اكثر.
بل ان استدعاء هذه اللجنه للدكتور مرسى لتقديم أوراق ترشحه من الباب الخلفى لمقر اللجنه لانها كانت قد قررت رفض أوراق ترشح خيرت الشاطر، لأمر يقضى على اى مصداقيه لمثل تلك لجنه.  
ثم ان انتخاب رئيس الجمهوريه بناءا على الاعلان الدستورى المكمل، الذى يشكك كثيرون فى شرعيته اساسا يضفى مريدا من الشكوك على العمليه الانتخابيه كلها. ولتزداد الامور تعقيدا يتم الغاء هذا الاعلان الدستورى المكمل الذى أتى على أساسه مرسى رئيساً بواسطه مرسى نفسه. 
فإذا أضفنا الى ذلك ان رئيس الجمهوريه تم انتخابه دون وجود دستور للبلاد يحدد مهام وصلاحيات وحدود اختصاصات مثل هذا الرئيس، يصبح الامر عسير التصور.
ولتزداد الامور سوءا يتم إحالة احمد شفيق لمحكمة الجنايات بتهم تتعلق بالفساد،
تهم لو صحت لقضت على اى من شرعيه مترهله من الممكن ان تبقيه كمنافس شرعى فى جولة الإعادة مع مرسى!
كان من الممكن تلافى كل هذه المشكلات لو قبلت جماعة الاخوان ما طرحه الجميع من عدم خوض انتخابات الإعادة قبل استبعاد احمد شفيق طبقا للقانون السارى وقتها. 
بل انه من الممكن ان يستعيد مرسى شرعيته كامله الان اذا قبل بإجراء انتخابات رئاسيه فور إقرار الدستور الجديد.
حسنا... دعونا نكون صرحاء
هذا لن يحدث
ببساطه لان جماعة الاخوان لن تضمن لمرشحها النصر فى الانتخابات القادمه
ولنفس السبب لم توافق الجماعه على الانسحاب من سباق الرئاسة حتى يتم شطب شفيق لانه فى هذه الحاله لم يكن مرشحهم ليصمد امام اى مرشح مدنى اخر.
يمكننا حتى ان نكون اكثر صراحة 
ستفعل الجماعة المستحيل للفوز بأى انتخابات مقبله وكسر اى قوى وطنيه مناوءه لها،
والمستحيل هنا يتضمن التزوير
وعندها ستكون الجماعة قد أعادت انتاج نظام مبارك بشكل كامل
وكما يقولون فأنك لا يمكنك اعادة انتاج كل الأخطاء السابقة ثم تتوقع نتيجه مختلفه.

أنا على ثقه ان ثوار وشباب مصر وقاده الراى والفكر فيها لن يكرروا أبدا أخطائهم 
ان معركة الدستور هى اول خطوات استعاده ثورتنا من مختطفيها. 
استعاده روح ديننا العظيم ..
استعادة كرامة مصر والمصريين .... 
فهل نحن فاعلون؟ 
 
                              

No comments: