Monday, January 16, 2006

وهكـذا إنتهت المهزلة بمهزلة





وفى مفاجأة غير متوقعة إستقال القاضى الكردى محمد رزكار أمين المنوط بترأس تمثلية محاكمة صدام حسين واضعا نهاية درامية لأى قدر من المصداقية قد تحملة هذة المهزلة المضحكة. وقبل أن تظنوا بى الظنون من أننى ربما أكون من مؤيدى الدكتاتور العراقى الكارثى. أطمئنكم إلى أنى أؤمن بضرورة محاكمته هو وأغلب رؤوس السلطة العرب الذين أجد صعوبة بالغة فى أن أدعوهم رؤساء أو ملوك فما باكم بلفظة زعماء التى تبدو مضحكة إذا نعتوا بها
ولكن هذة قصة ومحاكمة صدام بواسطة نظام قوة إحتلال أمريكية ومسخ حكومة تحوى العديد من عملاء المخابرات المركزية الأمريكية قصة مختلفة تماما.
بل أننى أجد أنه مجرد قيام أشخاص مثل دبليو بوش, تشينى أو رامسفيلد بأخذ زمام المبادرة لبدأ محاكمة صدام فى جرائم ضد البشرية هو أمر غاية فى النفاق. الحقيقة ان ما كان قد يضفى كل المصداقية على هذة المحاكمة هو وجود هؤلاء الأشخاص الى جانب صدام حسين فى نفس القفص. أو أن تقوم بمحاكمتة حكومة شعبية شرعية قوية.
أما أن يقوم اللصوص بمحاكمة لص و القتلة بمحاكمة قاتل, فهذا أمر يفرغ العدالة من أى مدلول حقيقى.

حينما قرر مبارك فى أواخر الثمانيات الإنضمام الى ما سمى وقتها الإتحاد العربى وضم الى جانب مصر العراق واليمن شعرت بشكل شخصى بقدر هائل من الغضب. وكان هذا بسبب إنضمام مصر الى من إعتبرتة دائما قاتل بدرجة رئيس جمهورية والمثال الحى لقمع كل فكر أو رأى أو ضمير حر. كان نظام صدام حسين يمثل الوجة الفج للجهل والتعصب والمصالح الشخصية الضيقة حينما تحكم بإسم التنوير والتسامح وصالح الشعب. نفس الوجة يستدعية الخيال حينما نفكر فى باقى الأنظمة العربية حتى ولو كانت الوجوه الأخرى تبدو أبرع أو أمكر فى وضع المساحيق وإخفاء التجاعيد.
وحينما قامت أمريكا بغزو العراق ورغم تصورى للأهداف الحقيقية للغزو _يمكنكم التفضل بالرجوع الى مقالة "لماذا غزت آمريكا لعراق" الموجودة فى نفس المدونة_ الا أن فكرة التخلص من صدام حسين لاقت فى نفسى وأعترف بذلك هوى .لكن تداعيات ما حدث بعد ذلك جعلت هذا الهوى مشوب بقدر كبير من الشكوك.
فمثلا ورغم مقتى الشدبد لعدى إبن صدام ومعرفتى التامة بجرائمة فى حق الشعب العراقى , الا أن الطريقة التى قتل بها مع أخوة بدت لى بطولية وغير متناسبة مع تاريخة الإجرامى.
و ما بدا أيضا إجراميا هو الطريقة التى عرضت بها جثتى الشقيقين فى أجهزة الإعلام وخاصة تلك ذات التوجة اليمينى الصهيونى فى أمريكا و بهذا القدر الهائل من التشفى والحقد الرخيص.
ولا يسعنا هنا الا ان نعترف ان هناك قدر من عدم المعرفة أو عدم الإهتمام بمعرفة طبيعة الشعب الأمريكى وطريقة تفكيرة فى الأوساط العربية.
فالشعب الأمريكى يمكن تقسيمة سياسيا ودون الدخول بتعمق فى هذه النقطة _وأنا هنا أتحدث عن إنطبعاتى الشخصية ولا أدعى أى تحليل علمى للأمور_ الى مجموعتين رئيسيتين: هؤلاء الذين يأخذون الأمور السياسية بتعمق بإعتبارها تعبيرا عن مصالح إجتماعية وإقتصادية ودينية وعقائدية . وهذة المجموعة يندرج تحتها بشكل تقليدى النخبة المثقفة , الليبراليون وسكان الولايات الخارجية الكبرى كنيويورك ,كاليفورنيا, إلبنوى وغيرها.
أما المجموعة الثانية_ والتى تشكل عددا ضخما من السكان بالمناسبة_ فهم أقل ثقافة وأكثر محافظة ويميلون الى تأييد الحكومة والرئيس الأمريكى بشكل عام وخاصة فى اوقات الحروب. وهم يتميزون عادة بقدر من البساطة الشخصية يدفعهم لتصديق ما تبثة عليهم وسائل الإعلام اليمينية المحافظة والتى تتشابة بشكل يماثل ان لم يفق بعض اكثر اجهزة الإعلام تخلفا فى عالمنا العربى.
وهذة المجموعة الثانية هى فى الحقيقة من أتى بدبليو بوش الى سدة الحكم مرة أخرى وهم فى النهاية سندة الوحيد ويتمركزون عادة فى ولايات الغرب الأوسط والجنوب.
وهكذا تم تسويق صدام حسين لهذة المجموعة بإعتبارة هذا الشرير العربى المسلم الذى يجب القضاء علية وإذلاله لبكون عبرة لهؤلاء العرب المسلمين المتخلفين.
وهنا فى الحقيقة تكمن المشكلة
هذة المحاكمة لا تبغى فى الواقع أى عدالة وإنما هدفها إستعراضى بحت من أجل إسترضاء هذة المجموعات الضخمة من الأمريكيين المضللين وإسعادهم بإذلال حاكم عربى مسلم علنا وعلى شاشات التلفزة.
إننى أرثى لهؤلاء الضحايا من الشهود الذين بعرضون معاناتهم التى لا شك فى مصداقيتها امام محاكمة هزلية لا تروم الا إستغلال معاناتهم لأغراض لا تمت للعدالة بصلة.
على أن هذا القاضى الكردى كاد أن يفسد الإستعراض وبدلا من أن يجعل المشاهدين فى تكساس و ألاباما يستلقون من الضحك على هذا القرد العربى و هو يقفز مهرولا مذعورا على الأسلاك , إذا بهم يرونة يتعامل بلياقة وصبر مع بعض الأسرى السياسيين فى القفص.
لم يعجبهم ذلك, ووصل الأمر الى حد التدخل الفج دون حتى محاولة التظاهر بالإهتمام بأى قواعد للياقة. فإذا برئيس اللجنة القضائية فى الكونجرس الأمريكى ياتى الى بغداد ليوبخ القاضى شخصبا على طريقة إدارتة للمحاكمة!
ويتبارى عملاء للمخابرات الأمريكية بل والإيرانية أيضا فى الهجوم على القاضى وطريقة إدارتة للمحاكمة وتوجيهه عن الكيفية التى يجب علية بها إدارة الإستعراض.
ومما يستلفت النظر فى هذه المحاكمة نقطتين أساسيتين, إختيار القاضى وإختيار القضية.
لقد تم إختيار قاضى كردى ليحاكم رئيس عربى سنى وهى الطائفة التى حكمت العراق منذ تأسيسة وحتى سقوط نظام صدام حسين. الغرض بالطبع هو محاولة إهانة العرب السنة وزيادة الإستقطاب بين الطوائف كوسيلة لتحقيق الهدف النهائى وهو تقسيم العراق. لذلك كان أسلوب القاضى الكردى الهادىء والمهذب غير متماشى مع هذه الأهداف.
أما إختيار القضية فمسألة غريبة, فمن كل القصص عن جرائم صدام ومجازرة الجماعية بل وإستخدامة لأسلحة محرمة دوليا, يتم إختيار حادثة وقعت منذ أكثر من عشرين عام لمحاولة لإغتيالة على أيدى أهالى بلدة تدعى الديجيل.
أطلق علية الرصاص وتم القبض على أعداد من الأهالى وتنفيذ حكم الإعدام فيما قدرة البعض بثمانى عشر أو أكثر.
حسنا ولكن ما هى المسئولية الجنائية لصدام هنا؟ أنه صدق على أحكام الإعدام؟ حتى ذلك ربما يعد ضعيفا من الناحية القانونية البحتة.
أما لماذا لم يتم إختيار أى من الجرائم الأخرى الأبشع والأكثر وضوحا ليتم محاكمة صدام عليها؟
فالجواب واضح__ ببساطة أمريكا شريك إيجابى فى معظم هذة الجرائم بل وبدأت مؤخرا فى ممارسة هذة الجرائم بنفسها وعلى نطاق واسع كتعذيب المعتقلين مثلا.

لقد إستقال القاضى الساذج الذى لم يستوعب مهمته وكيف يجب عليه أن يؤديها
وسيأتى قاضى بمرتبة لاعب للقرود كى يدير هذا الإستعراض الهزلى
ولتتوه العدالة وسط صيحات الشماتة والسخرية على هؤلاء العرب الذين تركوا مهرجى السيرك يقودوهم.
وهى عقوبة أعتقد أننا نستحقها.

5 comments:

DareDevil said...

nice post

Admin said...

عندك حق ...علي فكرة انت بتفكرني بهيكل ...دماغم نضيفة زيه و بتعرف تربط بين الكلام و شكلك بتقرا كتير...القاضي الكردي شكله مهذب فعلا او اكيد مش جاي علي مزاجهم...استمر

حازم فرجانى Hazem Fergani said...

!هيكــل شخصيـا؟
عمومــا متشكـر جدا
وبأسعد جدا لمجرد إهتمامك بقرأة ما أكتب
كما أشكر الأخ daredevilعلى ملاحظتة

adhm said...

هل من الممكن ان نقول ان صدام اكتسب شرعية جديدة بعد محاكمتة تفوق وتتفوق على اى شرعية يتمتع بها اى من مجموعة النصابين الدوليين المعروفين اعلاميا بالروساء والملوك العرب
فها هو من كنا ننعتة يوميا بالديكتاتور والقاتل و الجبان ومن شمتت فية وسائل الاعلام بعد سقوط بغداد بانة الفأر الجبان الذى يهرب ساعة القتال وغيرها من النعوت التى كيلت لة طوال فترة اختباة وقبل القبض علية بواسطة قوات الحرامية
لقد وفى صدام حسين بكل ما وعد بة قبل الحرب وها هى الحرب تستمر بعد سقوط بغداد لآكثر من ثلالا اعوام ولا تبدو فى الافق نهاية قريبة لشلال الدم المندفع من المجرمين الذين غزوا بلدا لسرقتة لا اكثر
من يقاتل فى العراق الان
اليسوا من تدربوا على ايدى صدام حسين وجيشة جيش العراق الذى سطر بدماء ابنائة اغلى و وانقى(لا اجد ما يعبر عن بطولاتة فى مفردات اللغة المنهكة المنتهكة) هل هرب صدام حسين من المعركة كما قيل
وهل سعى للصدام مع الغرب ام فرضت علية المواجهة ليكون هو رأس الذئب الطائر يخيفون بة باقى اعضاء القطيع
فقد كان اقوى الرساء العرب واكثرهم شعبية واقلهم كذبا وتجميلا
لم ينكر انة ديكتاتور ولم يدعى انة ديمقراطى كغيرة من النعاج
هل اذا دخلت امريكا اى قطر عربى ستجد مواجهة كتلك التى تصطلى بنارها فى ارض الرافدين
لقد وعد ووفى
(ولسوف ينتحر الغزاة على اسوار بغداد)
هذا اخر ما قالة قبل سقوط بغداد وهذا هو الذى يحدث الان بعد كل هذة المدة
اى بلد اخر سيصمد كما صمد العراق
اى مصير (مظلم با لمناسبة)سينتظرنا اذا فرغت ايدى الاعداءمن العراق
ان اختلاف صدام الوحيد عن باقى العصابة هو انة لم يهتم كثيرا بتجميل وجهة الذى يشاركة الكثيرين من المجرمين و الافاقين
ولكنة اتتة الفرصة ليكون رجلا وكان
لك يخلع سروالة كما فعل القذافى مثلا
ولم يقم بدور الخرتى كمبارك
ان محاكمة صدام على ايدى العملاء فى بغداد تاريخ جديد يسطر لهذا الرجل وبعث جديد للرجل
اعتذر عن الاطالة وخروجى عن موضوع البوست
تحياتى

حازم فرجانى Hazem Fergani said...

أنا أيضا أحييك على تعليقك العميق
ربما أختلف معك فى بعض النقاط
ولكننى بالقطع أحترم وجهة نظرك وحماسك
خالص تحياتى