Thursday, October 19, 2017

الدوله .....

ذهبنا فى مواضع سابقة إلى أن "الدولة" كيان معنوى محايد! 
والدولة المدنية الحديثة، خير تعبير عن ذلك، كيان معنوى محايد ليس له جنس أو دين أو إنتماء سياسى أو فنى، أو رياضى، أو غيرها من مشاعر عاطفية!
ومفهوم الدوله هكذا يحقق بأفضل وسيلة ممكنة، وفى ظل الظروف الإنسانية الحاليّه، مبدأ المساواة والتكافؤ والعدالة بين المواطنين.
ولعلى أكتب هذا مدفوعاً بما أثير مؤخراً من لغط حول قوانين الميراث، والزواج المختلط دينيا" وغيرها من المواضيع التى عدت شائكة.
ومفهوم الدولة المدنية الحديثة، طبقا للمعايير السابقة، قد يكون مطبقا فى منطقتنا من العالم جزئياً، ولكنه بالتأكيد غير مطبق بشكل كامل. 
وحتى تطبيقه بشكل كامل، فى أكثر بلاد العالم تحررا وتقدما، لا يؤدى بالضروره، إلى تحقيق العدل والمساواة الكامله بين المواطنين. ستبقى هناك تلك النوازع البشرية التى تميل فى أحيان كثيره إلى التحيّز وعدم الإنصاف، وإلى العنصرية التى قد تفرق بين المواطنين .
قد يحدث هذا، بسبب اللون أو العرق، أو حتى نوع الجنس سواء ذكر أو أنثى! 
ومع ذلك، فسيبقى هذا النظام، وحتى إشعار أخر، أفضل السبل الممكنه لتحقيق الحد الأدنى من الإنصاف والعدالة.
ولنكن أكثر تحديدا:
إننا نتحدث عن منطقتنا من العالم! لذلك فمن المهم تفهم أنه لا توجد دولة تعتنق دين أو عقيدة ما. 
لا توجد دولة مسلمة، أو دولة مسيحية، أو دولة هندوسية.
بمعنى أكثر تحديدا، الدول، طبقا للمفاهيم الدينية، لا تحاسب يوم الدينونة عن أفعالها بل هم الأفراد من يقومون بممارسة  فروضهم الدينية طبقا لمعتقداتهم المختلفة، ويحاسبوا أمام الخالق فى النهاية فرادى. 
أما الدول فلا تصوم أو تصلى أو تحج إلى بيت لحم أو إلى مكة أو إلى أى مكان أخر!
الدولة كائن معنوى من المفترض أن تكون مهمته الأساسية خدمة البشر!
إذا إتفقنا على مفهوم الدولة المدنية الحديثة هكذا، سنرى أن الأساس فيها هو القانون الموحد الذى يطبق على الجميع دون تمييز، والذى من المفترض أن يكفل الحد الأدنى من العدل والمساواه بين المواطنين فى تلك الدولة أمام القانون.
وحيث أن الدول فى العهود الحديثة أصبحت فى أغلبها الأعم متعددة الثقافات والأديان والمذاهب والمعتقدات، بات من الضرورى على مثل هكذا دول، أن تخضع لقانون مدنى موحد، يطبق على جميع مواطنيها دون تمييز.

ولنأخذ هنا موضوع المواريث، كمثال:
 القول بأن القانون المدنى الموحد سوف يساوى بين الورثة من الذكور والإناث فى أى بلد من البلاد، هو قول يخضع لقواعد العدالة المطلقه والمساواة بين المواطنين، بصرف النظر عن خلفيتهم الدينية أو الثقافية أو العرقية. 
ودون الدخول فى مناظرات دينية أو فقهية، فإن إقرار مثل هكذا قانون فى إحدى الدول، لا يقف حائلاً دون أن يقوم أى شخص، إذا أراد، بترك وصية توزع بمقتضاها تركته بعد الوفاة، طبقاً للأنصبة التى يراها متوافقة مع ما يعتقد.
والواقع أن ذلك يحدث بالفعل فى بلد مثل "مصر"، حتى فى ظل القوانين الحالية، سنجد أن هناك من يقومون بتوزيع أنصبة تركتهم أو منح ما يمتلكون وهم مايزالوا على قيد الحياة، الى ورثتهم بأنصبة تختلف عما يراه أغلب المنظرين الدينيين. وهو أمر ينطبق على الكثير، بصرف النظر عن خلفياتهم الثقافية، أو الإجتماعية، بل وحتى عقائدهم الدينية المختلفة!

ننتقل الأن إلى الموضوع الأكثر حساسية، الزواج المدنى:
من مهام الدولة المدنية الحديثة، إدارة وتوثيق وتنظيم أحوال الأفراد الحياتية، من إصدار وثائق السفر والجنسية، وشهادات الميلاد وعقود الزواج وغيرها. وهى فى كل تلك الأحوال يجب أن تخضع لمقياس صارم محايد وموحد لجميع مواطنيها. 
فشهادات الميلاد أو جوازات السفر للذكر أو الأنثى أو أي مواطن بصرف النظر عن لونه أو جنسه أو عقيدته، يجب أن تكون واحده وتخضع لقوانين وإجراءات ثابتة للجميع.
ولنطبق ذلك الأن على وثائق الزواج والطلاق والأحوال الشخصية عامة. 
مهمة الدولة هُنا تنحصر فى توثيق عقود الزواج، بصرف النظر عن خلفية الراغبين فى الزواج الدينية أو المذهبية. 
يخضع هذا بالطبع لإستيفاء شروط الزواج الأخرى من حيث عمر راغبى الزواج المحدد قانونا، وألا تكون الزوجة أو الزوج، حسب قوانين الدولة، متزوجاً بالفعل، وغيرها من الأمور الإجرائية.
ونفس هذا المعيار، يجب تطبيقه، على وثائق وقوانين الطلاق، التى يجب أن تكون موحدة! 
لا توجد إجراءات وقوانين للطلاق، تخضع لعقائد المواطنين المختلفة، وإنما قانون موحد يسرى على الجميع.

نأتى هنا إلى التطبيق العملى لمثل هكذا قوانين:
سنجد أن الأغلبية الساحقة من المسلمين ومن المسيحيين وكل المؤسسات الدينيه فى مصر، سترفض زواج المسلمة من مسيحى، وأغلبية ساحقة من المسيحيين وكل المؤسسات الدينية المسيحية، سترفض زواج المسيحية من مسلم. فما بالك إذا أرادت مصريه أو مصرى أياً كانت عقيدته الدينية، الزواج من من يعتنقون البوذية أو الهندوسية أو أى دين خارج الأديان الإبراهيمية.
إذن فأنا هنا لا أناقش، من قريب أو بعيد، الموضوع من منظور دينى، أو من منطلق التحليل والتحريم، فلكل الحق المطلق فى إعتناق ما يراه الحق وتطبيقه على نفسه، ولكننى فقط أوضح أن " الدولة المدنية" لَيْس لها دخل بذلك! 
الدولة مهمتها إصدار وثائق الزواج والطلاق، والأحوال الشخصية، طبقاً للقانون المدنى، دون النظر لأى إعتبارات أخرى.

الموضوع المطروح هنا إذن، لا علاقة له بالمرجعية الدينية، وإنما له علاقة بحقوق الإنسان بشكل عام وبشكلٍ خاص أيضاً!
فسيظل من حق الكنيسة الأرثوذكسية وأتباعها، إذا أرادوا، إعتبار الطلاق دون موافقة كنسية عمل يخرج صاحبه من المله. وسيظل من حق المؤسسات الدينية الإسلامية وكثير من المسلمين، إذا أرادوا،  إعتبار زواج المسلمة من غير المسلم غير جائز شرعاً. 
ومع هذا فستظل مهمة الدولة الحديثة، تنظيم إجراءات الأحوال المدنية والشخصية بين أفرادها، بمقياس عادل، صارم وموحد.

إن وجود مثل هذه الدولة المدنية، معصوبة العينين، فى كثير من بلدان المهجر، والغرب،عامة، هى الضمانة الحقيقية لحقوق الكثير من المهاجرين، من خلفيات ثقافية وعرقية ودينية متعددة.
وتظل مثل تلك الدولة المدنية الحديثة، حتى بما تحتويه بالضرورة من سلبيات، وحتى إشعار أخر، أفضل سبيل ممكن للعدالة بين البشر.
أو على الأقل هذا ما أظنه...

No comments: