Saturday, January 28, 2006

مـن الذى يحكــم مصــر الأن؟الجزء الثالث


فى أبريل 1928 ولد محمد حسنى فى كفر المصيلحة قرب شبين الكوم بالمنوفية لعائلة متوسطة الحال يعمل الأب فيها موظفا بسيطا فى محكمة شبين الكوم وينتمى إلى الفرع غير الغنى لعائلة مبارك. والعائلة مثل باقى عائلات هذه المدينة الصغيرة تهتم كثيرا بتعليم أبناءها, حيث أنها المدينة المصريه الوحيدة التى تبلغ نسبة الأمية فيها صفر فى المائة . والمنوفية لمن لا يعلم بخصوصية الداخل المصرى تتميز أو يتميز أهلها بخصائص معينة يعدونها هم غاية فى الإيجابية و التميزحيث لا يمل المنوفى إذا قابلته عن التحدث بفخر عن أصلة المنوفى وإمتيازة بهذا الشرف. إلا أن أغلب المصريين للأسف لا يشاركون هذا الأخ المنوفى نفس المشاعر والأحاسيس ,بل وعلى العكس يتهمون أهل المنوفية أو المنايفة كما بحلوا لهم أن ينعتوهم بقلة الوفاء والخبث والوصولية.
والحقيقة أن هناك مبالغة من الطرفين فالمنوفى فى النهاية ليس إلا فلاح الدلتا المصرى مع إختلاف وحيد حتمته البيئة والظروف. المنوفية هى أخصب أرض زراعية موجوده فى مصر على الإطلاق , الأمر الذى أدى إلى نزوح العديد من الأفراد وخاصة الذين يمتلكون الرؤية والقدرة على تحسس الفرص اليها للإستفادة من هذة الميزة, وبمرور الوقت إزداد عدد النازحين مع ثبات الرقعة الزراعية مما دفع بهم الى إنتهاز وإستغلال أى وسيلة للحصول على أقصى منفعة ممكنة من التواجد فى هذا المكان حتى ولو على حساب الأخرين آحيانا. وربما يفسر ذلك إشتهار أهل المنوفية بقدراتهم على إستخدام الحيل وعدم إهتمامهم كثيرا بموضوع الوفاء أو الولاء للأخر, فالظروف تدفعهم بقوة الى ذلك. ومن ناحية أخرى أدى هذا التكدس والمنافسة الشديدة الى إتجاة الأهالى الى تعليم أولادهم حتى يتسنى لهم اللجوء الى وسائل أخرى للمعيشة كالوظيفة مثلا إذا ما ضاقت الأرض بهم.
من هذة الخلفية نزح الشاب حسنى مبارك من بلده الصغير إلى الكلية الحربية ومنها لكلية الطيران واضعا صوب نظره النجاح فى حياتة العملية كهدف ووسيلة. ساعدة إلتزامة التام وحبة للرياضة بالإضافة إلى نشاطة غير الطبيعى مع خلفيتة سالفة الذكر على التقدم الوظيفى فى سلاح الطيران.
وبدا طموح الرجل واضحا حتى فى قصة زواجة من سوزان ثابت إبنة طبيب مصرى متزوج من سيدة تنتمى إلى ويلز أحد أقاليم بريطانيا, وهى فى نفس الوقت شقيقة أحد الضباط الذين يرأسهم فى سلاح الطيران منير ثابت أو اللواء منير ثابت فيما بعد.
عاش الزوجان حياة مماثلة لأغلب أفراد الطبقة المتوسطة فى ذلك الوقت, مع بعض المميزات الإضافية ربما بسبب الخلفية الأجنبية للزوجة التى جعلت من الطبيعى أن يلتحق ولديها علاء و جمال بمدرسة إنجليزية , وربما أيضا بسبب سكناهم فى حى مصر الجديدة. ومصر الجديدة هو حى الطبقة المتعلمة وخاصة منذ أنشىء فى أوائل القرن الماضى وحتى بداية السبعينيات منه حيث تميز عن غيرة من أحياء القاهرة الراقية مثل الزمالك ,أو جاردن سيتى أو المهندسين فيما بعد بميزة متفردة , فربما كان هو الحى الوحيد من هذة النوعية الذى يتميز بالإكتفاء الذاتى و عدم وجود تداخل حقيقى بينة وبين أى حى شعبى مجاور. فالزمالك يقع ما بين حييى بولاق وإمبابة الشعبيين ,وجاردن سيتى على حدود المنيرة ولا تبتعد كثيرا عن السيدة. أما مصر الجديدة فالوضع مختلف.
وهكذا نشأ علاء وجمال مبارك وسط أبوين محبين, تقوم الأم بمهامها كإمرآة طموحة ومثقفـة ويتشغل الأب بعملة تماما لتوفير أفضل ظروف مواتية لمستقبل أطفالة .
وفى طفولتهم كان طموح الأب الوظيفى كفيلا بإرسالة ككبار العسكريين المميزين فى بعثة إلى الإتحاد السوفيتى , حيث لم يؤلوا جهدا فى إثبات وجودة وترسيخ طموحة الوظيفى ولو حتى من خلال محاولة تعلم اللغة الروسية.
وتستمر مسيرة نجاح الأسرة والتى ربما لم يعكر صفوها فى هذة المرحلة المبكرة سوى الظروف المادية المحدودة وأيضا ظهور أعراض الإنطواء الشديد على الإبن الأصغر جمال فى المدرسة , حيث بدا وعلى العكس من شقيقة مبتعدا عن أقرانة ومتوحدا مع ذاتة بشكل ظاهر. وتقول بعض المصادر أنة تلقى بالفعل نصائح طبية للخروج من هذة الحالة فى تلك المرحلة.
وعلى أية حال و مع إنتهاء فترة الطفولة وبداية مرحلة الشباب للشقيقين عين الأب فى منصب تخطى حتى حدود طموحاته وأصبح حسنى مبارك نائبا لرئيس جمهورية مصر العربية.
ورغم ما حمله هذا التطور من أثار إيجابية للأسرة لا يمكن لعاقل إنكارها إلا أنة وفى نفس الوقت قضى على أى فرصة كى ينشأ الولدان نشأة طبيعية يعاركا فيها الحياة ويكنسبا خبرات حياتية إيجابية وسلبية هامة.
بل ولعلى هنا أدعى أن ذلك ينطبق على جمال أكثر بكثير من شقيقة علاء, فحالة الإنطواء التى أصابته فى طفولتة جعلته لا يختبر مثل هذه المشاعر والتجارب حتى وقت أن كانوا مجرد أناس عاديين.
وهكذا تستمر الحياة بالأسرة التى لم يعرف عنها أى إهتمام جدى أو حتى غير جدى بالسياسة حيث يكبر الولدان ويلتحقان بالجامعة الأمريكية بالقاهرة , وهو ما كان وعلى عكس ما يعتقد البعض نقطة إيجابية حيث أتيح لهما التعامل مع أقراد عاملوهم بقدر كبير من الندية رغم أنهم أبناء نائب الرئيس.
على أن رؤيتهم للحياة إنحصرت بين أصدقاء المدرسة الأجنبية , الجامعة الأمريكية ,بعض جيران مصر الجديدة وخليط من الأقرباء المصريين والإنجليز.
بل أن جمال مبارك إتخذ خطوة بدت غريبة قليلا فى ذلك الوقت وإن كانت متسقة مع ظروفة النفسية , حيث غادر مصر كلها متجها إلى إنجلترا ليقضى فيها حوالى الثمانى سنوات بعد تخرجة من الجامعة, يعيش وحيدا ويعمل فى أعمال مصرفية ثم فى مجال الإستثمار قيما بعد.
ولعل ذلك ما دعا كثيرون لترجيح حصولة على الجنسية البريطانية, فأهل والدتة كلهم إنجليز وقضاء مثل هذة المدة الطويلة فى إنجلترا تجعل مثل هذة الفرضية شبه مؤكدة.
ويعود جمال مبارك الى القاهرة حول منتصف التسعينيات, قاهرة تغيرت كثيرا عما تركها.أدت سياسات الأب الوظيفية وإعتمادة على الأمن بشكل متزايد إضافة الى زيادة أعداد الموظفين الذين يتم إسناد مناصب سياسية هامة لهم إلى إنعكاسات بالغة السلبية على المجتمع.فلقد إنصرف إهتمام غالبية الشعب المصرى تماما عن السياسة,وسط حالة من اليأس المتنامى فى حدوث أى تغيير حقيقى.
إن إنشغال الإنسان بالسياسة وإهتمامه بها يعد أمرا غريزيا, الأمر الذى دفع بعض الفلاسفة الى تعريف الإنسان بأنة حيوان سياسى. وإذا لم يتم إشباع هذه الحاجة بشكل صحى فإن ذلك يؤدى الى ظهور أمراض إجتماعية عديدة.
فإنتشرت النزعات الفردية الضيقة والتقوقع فىالإطار الشكلى للدين سواء الإسلامى أو المسيحيى بشكل مظهرى مبالغ فية. وغاب الى حد بعيد الشعور بالإنتماء أو حتى الفخر بالوطن والإحساس بالمشاركة فى بناءة. وزاد الطين بلة إستمرار مجموعة موروثة من سياسى الدرجة الثاتية والثالثة منذ أيام الرئيس السادات كما أسلفنا فى الجزء السايق إضافة الى الموظفين مدعيي السياسة مكونين حلقة من اليأس أحاطت بالشعب المصرى وتسببت فى تيبس كامل لشرايينه السياسية. ولا أستطيع أن أغادر هذة النقطة قبل أن أشير الى سبب أخر أجده مضحك ساهم فى تفشى هذه الظاهرة, فقد أدى ولع الرئيس مبارك الصبيانى فى إبقاء أسماء من يتولون مناصب سياسية _إذا تحتم إجراء مثل هذة التغيرات_ سرا الى إستعانته بأشخاص لا يخطرون على بال أى شخص لإشباع هذة الرغبة الطفولية. ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك حالة الدكتور عاطف صدقى الذى جاء بة من وظيفة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات وهى وظيفة متوسطة الوزن الى منصب رئيس وزراء مصر دفعة واحدة. وما يهمنا هنا أن الرجل لم يعرف عنة أى إهتمام بالسياسة على الإطلاق وهو ما أثارحتى حنق شقيق الدكتور صدقى الذى صرح مرة بأن شقيقة وعلى العكس منه, لم يكن ليهتم حتى بقرأة الصحف, ورغم ذلك فلقد ضرب الرجل رقما قياسيا فى البقاء فى هذا المنصب السياسى الرفيع. ولعل حالة الدكتور أحمد نظبف رئيس الوزراء الحالى هى حالة صارخة أخرى رغم أن ذلك ربما كان موضوعا أخر.
ومع عودة مبارك الإبن الى القاهرة بدأت تطفو على السطح ظاهرة أخرى تبلورت فيما بعد بشكل بالغ الوضوح وهى إنتشار رجال الأعمال الجدد والذين كانو فى سن مقارب لجمال بل أن بعضهم كانوا زملاء لة سواء فى الجامعة أو المدرسة إضافة بالطبع الى النجم الساطع فى هذا المجال شقيقة الوحيد علاء. وقبل أن نتناول هذة النقطة ربما كان من المفيد أن نذكر أنة فى هذا الوقت لم تكن هناك أى فكرة من قريب أو بعيد لتولى أيا من أفراد الأسرة أى مناصب سياسية. نعم كانت الأم نشطة فى المجال الإجتماعى إلا أنة لم يظهر لها أى دور أو طموح سياسى فى ذلك الوقت وتميز نشاطها وقتئذ بالطابع الثقافى الإجتماعى العام.
عاد جمال الى القاهرة ليجد شبابا فى مثل عمره تقريبا يترأسون ويمتلكون مؤسسات صناعية ومالية هامة. ويمكن تقسيم هؤلاء الى ثلاثة فئات رئيسية . الأولى هم أبناء لرجال تجارة وصناعة, قاموا بتطوير مصالح أباءهم ونقلها الى مدارات أكثر رحابة مستفدين إضافة الى مواهبهم من أجواء الإنفتاح الغير مقيد بأى قواعد إقتصادية حقيقية, وإنهيار قواعد وقوانين حماية العمالة وفى بعض الأحيان سهولة الحصول على قروض بنكية هائلة دون ضمانات حقيقية. ويندرج تحت هذة الفئة أشخاص مثل نجيب ساويرس , هشام طلعت مصطفى , شباب آل السويدى, حسام أبو الفتوح وغيرهم. الفئة الثانية هى لشباب لا ينتمون الى عائلات ذات نشاط إقتصادى مميز الا أنهم وعن طريق الإقتراض البنكى عبر شبكة عنكبوتية من مديرى البنوك المرتشين, إستطاعوا دخول الأسواق عبر مشاريع صناعية وتجارية ثبت فيما بعد أن بعضها ليست الا هياكل كرتونية والبعض الأخر يرزح تحت كم هائل من القروض. ومن هذة الفئة أشخاص مثل رامى لكح ,أحمد بهجت وأيضا شخص سيلعب دورا هاما فيما بعد وهو زميل قديم لجمال مبارك عمل والدة بعد خروجة من الجيش فى تجارة الحديد وأنشؤا مصنعا صغيرا للجوارب وحينما تولى هذا الشاب الأعمال الصغيرة للأسرة إستطاع عبر شبكة واسعة من العلاقات المعقدة أن يصبح المحتكر الوحيد لصناعة الحديد فى مصر إضافة الى العديد من المناصب الهامة, وبالطبع هو أحمد عز.
أما الفئة الأخيرة لهذا الشباب المتخم بالمال فهم بالطبع أبناء المسئولين الكبار فى الدولة بدءأ من أبناء رئيس الجمهورية مرورا بأبناء رؤساء الوزراء المتتاليين وحتى نصل الى أبناء الوزراء والمحافظين, وهنا سنجد تخمة فى الأمثلة : فمن علاء وجمال مبارك الى شريف عاطف صدقى مرورا بأشرف صفوت الشريف , أحمد ممدوح البلتاجى وقائمة طويلة أخرى ليست هذة المقالة مجالها فى الحقيقة.
ولا أستطيع أن أذكر فترة تاريخية واحدة تم فيها إستغلال المناصب لنهب ثروات مصر بشكل منهجى منتظم ودون أى قدرمن المواربة أو حتى محاولة الإختباء مثل أخر خمسة عشر عاما من حكم حسنى مبارك. ولاحظوا هنا أننى فقط أتحدث عن فئة الشباب والتى ينتمى اليها جمال مبارك و لم أتخطاها الى كبار المفسدين من المسئولين أنفسهم.
على أيه حال, فى هذا الجو عاد جمال مبارك الى مصر ليجد هؤلاء الشباب لا يتحكمون فى مليارات الجنيهات عبر موسسات إقتصادية وصناعية سواء حقيقية أو مصطنعة فحسب وإنما أيضا يديرونها بطرق فردية تسلطية كاملة.
ففى غيبة أنظمة تسلسل السلطات أو أى هياكل تنظيمية حقيقية فى تلك المنشأت, إضافة الى تراجع قوانين حماية العاملين بصفة عامة , أصبح المالك فى حقيقة الأمرمجرد "مستبد شرقى" أخر فى إطار مؤسستة.
وبعد أن كان إهتمام جمال مبارك منحصر فى كيفية ظهوره على شاشة التلفاز حينما ظهرمصادفة فى أحد المؤتمرات الإقتصادية منتصف العام 98 , تبدلت الأمور تدريجيا وبدأت تدور فى أذهان الأبن ثم الأم ومن بعدهم الأب هذة الفكرة الكارثية البسيطة:
لماذا لا يرث الإبن كالأخرين بيزنس الأب
!أو ليس محمد حسنى مبارك رئيس مجلس إدارة مصر؟
وللحديث بقية

Monday, January 16, 2006

وهكـذا إنتهت المهزلة بمهزلة





وفى مفاجأة غير متوقعة إستقال القاضى الكردى محمد رزكار أمين المنوط بترأس تمثلية محاكمة صدام حسين واضعا نهاية درامية لأى قدر من المصداقية قد تحملة هذة المهزلة المضحكة. وقبل أن تظنوا بى الظنون من أننى ربما أكون من مؤيدى الدكتاتور العراقى الكارثى. أطمئنكم إلى أنى أؤمن بضرورة محاكمته هو وأغلب رؤوس السلطة العرب الذين أجد صعوبة بالغة فى أن أدعوهم رؤساء أو ملوك فما باكم بلفظة زعماء التى تبدو مضحكة إذا نعتوا بها
ولكن هذة قصة ومحاكمة صدام بواسطة نظام قوة إحتلال أمريكية ومسخ حكومة تحوى العديد من عملاء المخابرات المركزية الأمريكية قصة مختلفة تماما.
بل أننى أجد أنه مجرد قيام أشخاص مثل دبليو بوش, تشينى أو رامسفيلد بأخذ زمام المبادرة لبدأ محاكمة صدام فى جرائم ضد البشرية هو أمر غاية فى النفاق. الحقيقة ان ما كان قد يضفى كل المصداقية على هذة المحاكمة هو وجود هؤلاء الأشخاص الى جانب صدام حسين فى نفس القفص. أو أن تقوم بمحاكمتة حكومة شعبية شرعية قوية.
أما أن يقوم اللصوص بمحاكمة لص و القتلة بمحاكمة قاتل, فهذا أمر يفرغ العدالة من أى مدلول حقيقى.

حينما قرر مبارك فى أواخر الثمانيات الإنضمام الى ما سمى وقتها الإتحاد العربى وضم الى جانب مصر العراق واليمن شعرت بشكل شخصى بقدر هائل من الغضب. وكان هذا بسبب إنضمام مصر الى من إعتبرتة دائما قاتل بدرجة رئيس جمهورية والمثال الحى لقمع كل فكر أو رأى أو ضمير حر. كان نظام صدام حسين يمثل الوجة الفج للجهل والتعصب والمصالح الشخصية الضيقة حينما تحكم بإسم التنوير والتسامح وصالح الشعب. نفس الوجة يستدعية الخيال حينما نفكر فى باقى الأنظمة العربية حتى ولو كانت الوجوه الأخرى تبدو أبرع أو أمكر فى وضع المساحيق وإخفاء التجاعيد.
وحينما قامت أمريكا بغزو العراق ورغم تصورى للأهداف الحقيقية للغزو _يمكنكم التفضل بالرجوع الى مقالة "لماذا غزت آمريكا لعراق" الموجودة فى نفس المدونة_ الا أن فكرة التخلص من صدام حسين لاقت فى نفسى وأعترف بذلك هوى .لكن تداعيات ما حدث بعد ذلك جعلت هذا الهوى مشوب بقدر كبير من الشكوك.
فمثلا ورغم مقتى الشدبد لعدى إبن صدام ومعرفتى التامة بجرائمة فى حق الشعب العراقى , الا أن الطريقة التى قتل بها مع أخوة بدت لى بطولية وغير متناسبة مع تاريخة الإجرامى.
و ما بدا أيضا إجراميا هو الطريقة التى عرضت بها جثتى الشقيقين فى أجهزة الإعلام وخاصة تلك ذات التوجة اليمينى الصهيونى فى أمريكا و بهذا القدر الهائل من التشفى والحقد الرخيص.
ولا يسعنا هنا الا ان نعترف ان هناك قدر من عدم المعرفة أو عدم الإهتمام بمعرفة طبيعة الشعب الأمريكى وطريقة تفكيرة فى الأوساط العربية.
فالشعب الأمريكى يمكن تقسيمة سياسيا ودون الدخول بتعمق فى هذه النقطة _وأنا هنا أتحدث عن إنطبعاتى الشخصية ولا أدعى أى تحليل علمى للأمور_ الى مجموعتين رئيسيتين: هؤلاء الذين يأخذون الأمور السياسية بتعمق بإعتبارها تعبيرا عن مصالح إجتماعية وإقتصادية ودينية وعقائدية . وهذة المجموعة يندرج تحتها بشكل تقليدى النخبة المثقفة , الليبراليون وسكان الولايات الخارجية الكبرى كنيويورك ,كاليفورنيا, إلبنوى وغيرها.
أما المجموعة الثانية_ والتى تشكل عددا ضخما من السكان بالمناسبة_ فهم أقل ثقافة وأكثر محافظة ويميلون الى تأييد الحكومة والرئيس الأمريكى بشكل عام وخاصة فى اوقات الحروب. وهم يتميزون عادة بقدر من البساطة الشخصية يدفعهم لتصديق ما تبثة عليهم وسائل الإعلام اليمينية المحافظة والتى تتشابة بشكل يماثل ان لم يفق بعض اكثر اجهزة الإعلام تخلفا فى عالمنا العربى.
وهذة المجموعة الثانية هى فى الحقيقة من أتى بدبليو بوش الى سدة الحكم مرة أخرى وهم فى النهاية سندة الوحيد ويتمركزون عادة فى ولايات الغرب الأوسط والجنوب.
وهكذا تم تسويق صدام حسين لهذة المجموعة بإعتبارة هذا الشرير العربى المسلم الذى يجب القضاء علية وإذلاله لبكون عبرة لهؤلاء العرب المسلمين المتخلفين.
وهنا فى الحقيقة تكمن المشكلة
هذة المحاكمة لا تبغى فى الواقع أى عدالة وإنما هدفها إستعراضى بحت من أجل إسترضاء هذة المجموعات الضخمة من الأمريكيين المضللين وإسعادهم بإذلال حاكم عربى مسلم علنا وعلى شاشات التلفزة.
إننى أرثى لهؤلاء الضحايا من الشهود الذين بعرضون معاناتهم التى لا شك فى مصداقيتها امام محاكمة هزلية لا تروم الا إستغلال معاناتهم لأغراض لا تمت للعدالة بصلة.
على أن هذا القاضى الكردى كاد أن يفسد الإستعراض وبدلا من أن يجعل المشاهدين فى تكساس و ألاباما يستلقون من الضحك على هذا القرد العربى و هو يقفز مهرولا مذعورا على الأسلاك , إذا بهم يرونة يتعامل بلياقة وصبر مع بعض الأسرى السياسيين فى القفص.
لم يعجبهم ذلك, ووصل الأمر الى حد التدخل الفج دون حتى محاولة التظاهر بالإهتمام بأى قواعد للياقة. فإذا برئيس اللجنة القضائية فى الكونجرس الأمريكى ياتى الى بغداد ليوبخ القاضى شخصبا على طريقة إدارتة للمحاكمة!
ويتبارى عملاء للمخابرات الأمريكية بل والإيرانية أيضا فى الهجوم على القاضى وطريقة إدارتة للمحاكمة وتوجيهه عن الكيفية التى يجب علية بها إدارة الإستعراض.
ومما يستلفت النظر فى هذه المحاكمة نقطتين أساسيتين, إختيار القاضى وإختيار القضية.
لقد تم إختيار قاضى كردى ليحاكم رئيس عربى سنى وهى الطائفة التى حكمت العراق منذ تأسيسة وحتى سقوط نظام صدام حسين. الغرض بالطبع هو محاولة إهانة العرب السنة وزيادة الإستقطاب بين الطوائف كوسيلة لتحقيق الهدف النهائى وهو تقسيم العراق. لذلك كان أسلوب القاضى الكردى الهادىء والمهذب غير متماشى مع هذه الأهداف.
أما إختيار القضية فمسألة غريبة, فمن كل القصص عن جرائم صدام ومجازرة الجماعية بل وإستخدامة لأسلحة محرمة دوليا, يتم إختيار حادثة وقعت منذ أكثر من عشرين عام لمحاولة لإغتيالة على أيدى أهالى بلدة تدعى الديجيل.
أطلق علية الرصاص وتم القبض على أعداد من الأهالى وتنفيذ حكم الإعدام فيما قدرة البعض بثمانى عشر أو أكثر.
حسنا ولكن ما هى المسئولية الجنائية لصدام هنا؟ أنه صدق على أحكام الإعدام؟ حتى ذلك ربما يعد ضعيفا من الناحية القانونية البحتة.
أما لماذا لم يتم إختيار أى من الجرائم الأخرى الأبشع والأكثر وضوحا ليتم محاكمة صدام عليها؟
فالجواب واضح__ ببساطة أمريكا شريك إيجابى فى معظم هذة الجرائم بل وبدأت مؤخرا فى ممارسة هذة الجرائم بنفسها وعلى نطاق واسع كتعذيب المعتقلين مثلا.

لقد إستقال القاضى الساذج الذى لم يستوعب مهمته وكيف يجب عليه أن يؤديها
وسيأتى قاضى بمرتبة لاعب للقرود كى يدير هذا الإستعراض الهزلى
ولتتوه العدالة وسط صيحات الشماتة والسخرية على هؤلاء العرب الذين تركوا مهرجى السيرك يقودوهم.
وهى عقوبة أعتقد أننا نستحقها.

Sunday, January 08, 2006

كم أفتقدك

إرتشفت من الكأس قطرات أخرى على أطفىء بعض أشواقى اللامتناهية"
لا أستطع أن أحول عنها نظرى
الثوب القرمزى يزيد من فتنتها وهى تتحدث مع نفر من الحاضرين
ينسدل شعرها الكستنائى المموج على كتفيها فيعريهما تاره ويخفيهما تارة أخرى ,,, ملهبا الخيالات
وعندما تتحدث
يخيم الصمت
تكف الأزهار عن الحركة ,, وتسترق الرياح السمع , كى تحمل فى الأثير صدى همساتها
ينتشى الجميع بسكرة صوتها المنبعث كترانيم سماويه لا يمكنك أن تدرك كنهها
ويهيم الجميع فى الخيال
لا يزعجهم الا يقينهم أن الحديث لابد منتهى
تتناقل بين الحاضرين فتثب معها القلوب وأنا أتبعها مشفقا أن تفوتنى ولو همسة
وفى الهزيع الأخير من الليل تترك المكان مثقلا بالسكارى
"وقلبى مثقل بالأشواق

ملهمتى
كم أفتقدك