الاثنين، ديسمبر 16، 2024

دعونا نصنع التطور داخل المنزل

ترجمة لمقالة "كيفن لالا" المنشوره فى مجلة "العلماء اليوم" بتاريخ ٧ ديسمبر ٢٤ 

 يقترح عالم الأحياء التطورى "كيفن لالا" أن عملية الانتخاب الطبيعى للطفرة الجينية العشوائية ليست بالضرورة هى الطريقة الوحيدة لعمليات التكيف. 
 عادة ما يشكل العيش فى الصحارى تحديًا وجوديا كبيرًا للكائنات، ولكن فأر الغابة الصحراوى "موهافى" امتلك ورقة رابحة: لقد استطاع ان يأكل السم. وهو ما يسمح لهذا القارض الصغير اللطيف بالبقاء والازدهار من خلال التغذية على شجيرات الكريوزوت السامة. ومن المثير للدهشة أنه لم يطور الجينات المطلوبة للقيام بذلك. وبدلاً من ذلك، فإنه يأكل براز فئران الغابة الآخرين وبالتالي يرث البكتيريا التي تزيل السموم والتى تستقر في أمعائه. 
إن فأر الغابة الصحراوى هو مثال على كيفية تأثير الأشياء التى تقوم بها الكائنات الحية على عمليات تطورها. وهو على اية حال ليس مثالاً منعزلاً: ففى السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح أن العديد من الكائنات الحية تقوم بالتأثير على عمليات تطورها بنفسها، من خلال خلق سمات غير وراثية يمكن أن تخضع للانتقاء الطبيعى. وهو ما يتحدى التفكير الداروينى التقليدى، الذى يرى التطور كعملية متجذرة في الطفرات الجينية العشوائية. 
على ان ذلك ليس كل شيء، فقد تساعدنا هذه الطرق غير الوراثية لعمليات التكيف على تفسير جانب آخر محير من جوانب التطور - هو القدرة على التطور، أو لماذا تتمتع بعض الكائنات الحية بقدرة أكبر على التطور من غيرها. 
 هناك مجموعات متنامية من علماء الأحياء التطوريين الذين يعتقدون أن الوراثة غير الجينية تلعب دوراً حيوياً فى تلك القدرة على التطور. وهذا له آثار عملية. ففى مواجهة التغير المناخى، يتعين على الأنواع أن تتكيف بسرعة وإلا انقرضت، وهناك أدلة متزايدة على أن التكيفات خارج الجينية، مثل تلك الموجودة في فأر الغابة الصحراوى، يمكنها أن تنقذ الكائنات الحية من حافة الهاوية. 
والواقع أن هذا التفكير الجديد له آثار على كيفية نظرتنا إلى تطورنا نحن أيضاً. ذلك أن ثقافتنا المعقدة تجعل الطريقة التي يتطور بها البشر مختلفة للغاية وأسرع كثيراً من تطور معظم الأنواع الأخرى. وهذه القدرة غير العادية على التطور تمنحنا سيطرة أكبر على مستقبلنا التطورى مما قد نتصور.                     

لقد افترض علماء الأحياء التطورية تاريخيا أن جميع الكائنات الحية تتطور من خلال عمليات الانتقاء الطبيعى التى تعمل على جيناتها، وبالتالى فإنها لابد وأن تتغير تقريبا بنفس المعدل مع توالى الاجيال. إلا أنه اتضخ لنا فى السنوات الأخيرة أن هذا ليس صحيحا ــ فبعض الأنواع وبعض السمات أكثر قابلية للتطور من غيرها. 
حتى الآن، ركزت الأبحاث على التغير الجينى. ولا شك أن الجينات تشكل جزءا من التفسير، ولكن الأدلة الناشئة تشير إلى أن العمليات خارج الجينية (او فوق الجينية ) مهمة هى الأخرى. 
إن هذه الفكرة واردة في كتاب جديد شارك كاتب المقال فى تأليفه بعنوان "تطور التطور: الأصول التنموية للتكيف والتنوع البيولوجى". 
Evolution Evolving: The developmental origins of adaptation and biodiversity. 

ويشتمل الكتاب على مجموعة متنوعة من العمليات، ولكن سيتم التركيز هنا على ثلاث من أهمها وأكثرها إثارة للاهتمام وهم: 
علم الوراثة فوق الجينية، 
والوراثة التكافلية، 
والثقافة. 

هذه الظواهر ليست مجرد ظواهر مماثلة للتطور البيولوجى: بل إنها فى الواقع تطور بيولوجى فى حد ذاتها. فهى تسمح للكائنات الحية بغزو بيئات جديدة، والتعامل مع التغيير والإجهاد، وتطوير أنماط ظاهرية جديدة، ومقاومة الانقراض، بما يؤدى لظهور الطفرات الجينية التكيفية. 

ولنتأمل أولاً مسألة الوراثة فوق الجينية: ذلك أن الحمض النووى في كل خلية ليس منعزلا او عارياً، بل إنه مغطى بمجموعات متنوعة من الجزيئات الكيميائية المرتبطة به والتي تؤثر على ما إذا كانت الجينات القريبة منه سوف تعبّر عن نفسها أم لا. وهذه التعديلات هي تغييرات فوق جينية؛ فهى لا تنطوى على تغييرات فى تسلسل الحمض النووى ولكنها تؤثر على نشاط الجينات. 

وأفضل مثال على ذلك هو "الميثيل"، بما يعنى إضافة مجموعة كيميائية ميثيلية إلى إحدى قواعد النوكليوتيدات في الحمض النووى. وتعمل هذه المجموعة كحاجز مادى، فتقمع نشاط الجين. وعلى العكس من ذلك، فإن إزالة هذا الارتباط يسمح للجين بالتعبير عن نفسه. 
فعندما تعيق مجموعة الميثيل نشاط الجين المنظم، يصبح من الممكن التعبير عن الجينات الخاضعة لسيطرتها أو قمعها بسهولة أكبر. 

إن بعض الارتباطات والانفصالات الجينية تتحدد من خلال تسلسل الحمض النووى نفسه، وبعضها يحدث عشوائياً، وبعضها الآخر يحدث استجابة لعوامل بيئية، بما في ذلك النظام الغذائي والتلوث. وعندما تنقسم الخلايا، يتم نسخ هذه الارتباطات، وهو ما يسمح لمجموعات الخلايا، مثل الأنسجة، بالحفاظ على أنماط مميزة للتعبير الجينى عن بعضها البعض، على الرغم من أنها تشترك فى نفس الحمض النووى. 
فى الثدييات، يتم محو جميع التعديلات الجينية تقريباً أثناء إنتاج الخلايا الجنسية. ومع ذلك، فى بعض الحيوانات، تنتقل هذه التعديلات عبر الأجيال بشكل أكثر شيوعاً. وفي النباتات أيضاً، غالباً ما يتم توريث التغيرات الجينية الناجمة عن البيئة. 
 
التكيف أو الموت 

 حتى وقت قريب، كانت فكرة أن التنوع الجينى يخضع لعملية الانتخاب الطبيعي مثيرة للجدل.  
فى عام 2018، أدى نشر تجربة على نبات الجرجير (أرابيدوبسيس ثاليانا) -التى تعتبر بمثابة الفئران المعملية بالنسبه للنباتات - إلى تغيير ذلك. حيث قام "مارك شميد"، الذي كان يعمل آنذاك فى جامعة زيورخ بسويسرا، وزملاؤه بزراعة هذه النباتات بشكل متتالى فى بيئة مضطربة وغير مستقرة، ثم اختاروا فقط تلك التى استطاعت التأقلم بنجاح، ونقلوها إلى مواقع جديدة، بحيث استخدموا هذه المواقع لتشكيل الجيل التالى. 
وفى غضون خمسة أجيال فقط، طورت تلك النباتات تكيفات فى وقت الإزهار وفى كثافة الجذور، ولكن دون أي تغيير يمكن اكتشافه فى الترددات الجينية نفسها، وبدلاً من ذلك، حدثت التكيفات من خلال الانتقاء الطبيعى للتباين الجينى. 

وقد دعمت الأبحاث المنشورة في العام التالى فكرة أن عملية الوراثة فوق الجينية يمكنها أن تؤدى إلى التطور التكيفى. فقد قام "دراجان ستاجيك"، الذى كان يعمل آنذاك في معهد جولبنكيان للعلوم في أويراس بالبرتغال، وزملاؤه بالتحقيق فى التكيف التطورى للخميرة مع مادة كيميائية سامة. كانت مجموعات الخميرة متطابقة وراثياً ولكنها تم هندستها بحيث يكون لديها مستويات مختلفة من الميراث فوق الجينى. وقد انقرضت أغلب المجموعات التي كانت لديها ميراث فوق جيني منخفض أو لا يوجد لديها أي ميراث فوق جينى، فى حين تمكنت مجموعات أخرى من البقاء والنمو نتيجة للتكيف قصير الأمد من خلال التغيير فوق الجينى. 
وقد أدى هذا إلى إرساء موطئ قدم للتطور، وخلق الوقت للتكيف الجينى الأبطأ كى يأخذ مجراه. 

إن هذا التكييف له آثار هامه على العديد من الكائنات الحية المهددة بالاحتباس الحرارة العالمى. ففي مواجهة التغير البيئي السريع، يمكن للانتقاء القوى أن يؤدى إلى تآكل التنوع الجينى للسكان، مما يجعل الإنقاذ التطورى من خلال الجينات أكثر ترجيحًا. لكن التكيف الجينى يخلق تباينًا في الخصائص، مما يزيد من احتمالية بقاء جزء من السكان لفترة كافية للتكيف وراثيًا. وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة أن بعض التنوع الجينى ناتج عن البيئة يعني أنه، على عكس الطفرة الجينية، يمكن أن يظهر فجأة في أفراد متعددين. وهو ما يجعل تلك المتغيرات التكيفية المحتملة أقل عرضة للخسارة من خلال العمليات العشوائية. 
وبهذه الطريقة، يمكن للجينات الوراثية أن تحمي السكان من الانقراض. 

 الوراثة التكافلية: 
 ولننتقل الآن إلى مسألة الوراثة التكافلية. فقد أوضح الاهتمام البحثى المتزايد بالميكروبات أن الحيوانات تعج بالميكروبات. ومثل هذه العلاقات التكافلية شائعة فى مختلف أنحاء الطبيعة، 
وتوفر لنا جرذان صحراء موهافى مثالاً واضحاً على الكيفية التي قد تؤثر بها هذه العلاقات على القدرة على التطور. إن أحد الأمور التي تجعل من الوراثة التكافلية وسيلة قوية للغاية، هو أنها لا تحتاج إلى أن تنتقل من الآباء إلى الأبناء ــ بل إنها قد تنتشر بين أفراد غير مرتبطين، بل وقد تحدث حتى فيما بين الأنواع. 

على سبيل المثال، ترتبط النباتات التي تنمو في تربة حرارية أرضية عادة بفطر مقاوم للحرارة يسمى Curvularia، وتُظهِر التجارب أن التعرض لهذا العفن يزيد من فرص بقاء الأنواع الأخرى من النباتات عندما تتعرض هى الأخرى لضغوط حرارية. وعلى نحو مماثل، يمكن للفطريات المقاومة للملوحة أن تدخل فى علاقات تكافلية تساعد النباتات غير المتكيفة على البقاء على قيد الحياة فى ظل ظروف مالحة. 

الأمر الأكثر إشكالية ــ على الأقل من منظور بشرى ــ هو أن حشرات مختلفة استطاعت بالفعل اكتساب مقاومة للمبيدات الحشرية من تكافل مع  بكتيريا تحلل المبيدات الحشرية. ومؤخراً أصبحت خنفساء التربنتين الحمراء آفة عندما اكتسبت فطراً متكافلاً سمح لها بإصابة الأشجار الحية. وهو ما نتج عنه هلاك ملايين الأشجار فى الصين.


 "منذ نشأة الحياة، كانت الكائنات الحية دائما ما توجه تطورها الخاص وتتحكم فيه". 

لقد استفادت الكلاب على سبيل المثال من عمليات الميراث التكافلى. فقد كانت أسلافها البرية من آكلات اللحوم، ولكن أثناء عملية التدجين، تكيفت الكلاب لتتمكن من تناول نظام غذائي أكثر نشوية مرتبطًا بالزراعة. 
واليوم، مثلنا، لديها نسخ إضافية من جينين، AMY1 وAMY2، يساعدان فى هضم النشا من خلال إنتاج إنزيمات تفرز في اللعاب والبنكرياس. ومع ذلك، يكشف الحمض النووى القديم المستخرج من كلاب أحفورية عمرها 3500 عام وبرازها أنه فى حين افتقرت هذه الحيوانات إلى هذا التكيف الجيني، إلا أنها كانت تمتلك بكتيريا تكافلية تعمل على تكسير النشا في أجسامها. 
وفيما يبدو فأن الكلاب تكيفت مع نظامها الغذائى الجديد على مرحلتين، أولاً من خلال التعايش البكتيرى، وبعد آلاف السنين فقط من خلال التغيير الجينى. 

 وهناك أيضا أمثلة على الوراثة التكافلية بين البشر أنفسهم. فاليابانيون، ولكن ليس الغربيون، قادرون على هضم مادة الأجار الهلامية (ماده مستخلصة من الطحالب ) لأن أمعائهم تحتوي على بكتيريا تحتوى على جين يشفر إنزيم الأجاراز. ويُعتقد أنهم اكتسبوا هذه البكتيريا من خلال تناول الأعشاب البحرية. 
وعلى نحو مماثل، تستطيع بعض المجتمعات البشرية هضم منتجات الألبان على الرغم من افتقارها إلى البديل الجيني لامتصاص اللاكتوز لدى البالغين والذي ظهر بين مزارعي الألبان منذ حوالي 7000 عام. وفي هذه الحالة، كانت أنشطتهم الزراعية سبباً في تعريضهم لبكتيريا تؤدي هذه المهمة عند تناولها. 
والواقع أن الزائدة الدودية البشرية تشكل شهادة على الدور الحيوى الذى تلعبه الكائنات التكافلية في بقائنا. لطالما اعتُبِرت الزائدة الدودية عضواً أثرياً لا وظيفة له في الوقت الحاضر، ولكن من المعتقد الآن أنها تعمل كمستودع للميكروبات المعوية المفيدة التي يمكنها إعادة استعمار الأمعاء بعد نوبات من أمراض المعدة والعدوى. 

 ولكن ما يجعلنا بالفعل كبشر قادرين على التكيف بشكل غير عادى واستثنائى هو الثقافة. 
فمن المعروف أن الثقافة البشرية قادرة على توليد تكيفات معقدة تخضع لعمليات الانتخاب ــ ومن الأمثلة الكلاسيكية على ذلك التطور الذى حدث في مجال الزراعة. ولكن الأمور أصبحت أكثر إثارة للاهتمام مع الاعتراف بأن العديد من الحيوانات الأخرى لديها ثقافة أيضاً. 

والواقع أن التحقيقات العلمية أثبتت فى نصف القرن الماضي أن الثقافة شائعة إلى حد مدهش. ذلك أن عدداً لا يحصى من الأنواع تنقل المعرفة المكتسبة من عضو في مجموعة إلى آخر ومن جيل إلى جيل من خلال التقليد وغير ذلك من أشكال التعلم الاجتماعى. ويشمل هذا الميراث الثقافى المعلومات الغذائية، وتقنيات التغذية، والأغانى والنداءات، وطرق التعرف على الحيوانات المفترسة وتجنبها، ومسارات الهجرة المكتسبة. 

 الحيوانات ذات الثقافة العالية:
 إن تأثير الثقافة على التطور واضح في الحيتان القاتلة. فقد تعلمت بعض مجموعات الحيتان القاتلة إحداث الأمواج لإخراج الفقمة من كتل الجليد، بينما تنقض مجموعات أخرى على الشواطئ لالتقاط الفرائس. ولا ترجع هذه الاختلافات التكيفية فى النظام الغذائى وتقنية الصيد إلى التنوع الجينى، بل هى نتاج الإبداع السلوكى والتعلم الاجتماعي. ومع ذلك، فإن مثل هذه الاختلافات الثقافية في الصيد لها تأثيرات بيولوجية. 
فعلى الرغم من العيش جنبًا إلى جنب في كثير من الأحيان، فإن مجموعات الحيتان ذات عادات البحث عن الطعام المختلفة معزولة تكاثريًا. ونتيجة لذلك، تباعدت وراثيًا وأظهرت تكيفات مختلفة مورفولوجية وفسيولوجية مثل الإنزيمات الهضمية الخاصة بالسكان وشكل الوجه. 

 وكما هو الحال مع عمليات التكيف الجينى، فإن التكيف الثقافى له ايضا آثار مهمة على عمليات الإنقاذ التطورى للكائنات من الانقراض، ذلك أن الثقافة يمكن أن تتغير بسرعة أكبر من الجينات. وهذا مهم لاستراتيجيات الحفاظ على البيئة لأنه يعنى أن الاستجابة الأولى للعديد من الحيوانات المهددة بالانقراض من المرجح أن تكون ثقافية وليست وراثية. 
وهذا يعني أيضاً أن الحيوانات التي تتمتع بالثقافة قد تكون لديها قدرة أكبر على التكيف مع تغير المناخ.  

والخلاصة من كل هذا أن عمليات الانتقاء الطبيعى ليست فقط هى ما يحدث للكائنات الحية ويساهم فى تطورها: بل إن أنشطتها وسلوكياتها تساهم أيضا فى كيفية حدوث ذلك وما إذا كان ذلك سوف يحدث على الإطلاق. إن الثقافة والتكافل والجينات الوراثية مجتمعة كلها هى ما يعزز القدرة على التطور، وهي ليست الآليات الجينية الخارجية الوحيدة التي تلعب دوراً فى ذلك. 
وهذا يعني أن مفهوم كيفية عمل الكائنات الحية يجب أن يكون محورياً لفهمنا للتطور. وهو ما يضيف بعداً جديداً تماماً إلى العملية التطورية لأن الأشياء التي تفعلها الكائنات الحية والتي تؤثر على تطورها تطورت هي نفسها من خلال الانتقاء الطبيعى - مما يجعل خوارزمية التطور الداروينية دورية. 

فمنذ أصل الحياة، ومن خلال دورات تفاعلية مستمرة من السببية، قامت الكائنات الحية بتوجيه وإرشاد تطورها الخاص، وقام التطور بنحتها بدورها. إن هذا المنظور الجديد للقدرة على التطور له آثار كبيرة على كيفية نظرتنا إلى تطورنا. 
تاريخياً كان علماء الأحياء التطوريون يزعمون أن البشر يتطورون بطريقة لا تختلف عن ذباب الفاكهة أو الخميرة، وأن الأمر كله يتلخص فى الانتخاب الطبيعى للطفرات العشوائية. و
لكن هذه القصة البسيطة والمباشرة هى بالنسبة لبعض الناس تفتقر إلى المصداقية، وهو ما قد يساعدنا على تفسير اسباب المقاومة لنظرية التطور. 
وبدلاً من ذلك، وفي ضوء هذه النتائج الجديدة، يتعين علينا أن نؤكد على أن التطور البشري غير عادى فى واقع الأمر، لأن القدرة على التطور تعتمد على ما تفعله الكائنات الحية، وأن أنشطتنا مختلفة تماماً عن أنشطة الأنواع الأخرى. 
 إن الثقافة البشرية لا يمكن مقارنتها بأى كائنات حية آخرى عندما يتعلق سواء تعلق الأمر بالرمزية او التكنولوجيا او المحتوى المعلوماتى. وتتضح أهمية هذا الأمر بمجرد أن ندرك أن التغيير التطورى الثقافى هو فى الواقع ليس مجرد نظير للتطور البيولوجى، بل هو جانب أساسى من جوانب التكيف التطورى السريع الاستجابة. 
وهذا يعني أننا أكثر قابلية للتطور من معظم الأنواع الأخرى - ونحن نتحكم في تطورنا إلى حد أكبر بكثير. لكن اختياراتنا لا تؤثر علينا فقط، بل لها تأثيرات واسعة النطاق عابرة للبيئة. وهو ما يمنحنا قوة هائلة على التطور المستقبلى لجميع أشكال الحياة على الأرض - للأفضل أو الأسوأ. 
Kevin Lala is a behavioural and evolutionary biology professor at the University of St Andrews, UK. His new book Evolution Evolving is out now